في السعودية: تفاؤل بين أوساط المحاميات بمنحهن رخصاً طال انتظارها

المملكة العربية السعودية, المحكمة, المرأة السعودية, قضايا المرأة, عمل المرأة

22 يونيو 2013

فيما تترقب قاعات المحاكم السعودية دخول المحاميات إليها، وبعد التوجه لمنحهن رخصاً طال انتظارها، يُثار جدل في الأوساط القضائية والقانونية حول إمكاناتها وقدرتها من جهة، وحصرها في الدفاع عن القضايا الخاصة بالمرأة والطفل من جهة أخرى. وجاء هذا الجدل بعد الدراسة التي تقوم بها لجنة القيد في وزارة العدل السعودية حول إمكان منح المحاميات رخصاً لمزاولة العمل في المحاكم السعودية، كما تدرس إدارة المشاريع في الوزارة  حالياً كل ما يتعلّق بعمل المحاميات في المحاكم، بما يضمن لهن الخصوصية من خلال المداخل الخاصة والمصاعد، وكل ما يلزم لتحقيق بيئة عمل جيدة لهن بشكل خاص، وللنساء من المراجعات بشكل عام. «لها» رصدت في هذا التحقيق آراء محاميات سعوديات في هذه الدراسة، إضافة إلى آراء بعض المحامين السعوديين، وشهادتهم بأن وجود المرأة السعودية كمحامية سيحقق نقلة نوعية في  المجال القانوني.

التجهيزات التي أشارت إليها الدراسة هي عبارة عن أماكن انتظار للمحاميات والسكرتارية الخاصة بعملهن، وأماكن مخصصة للإرشاد. كما أنه سيكون هناك ترتيبات معينة حتى لا تكون المرأة سواء محامية أو مراجعة للمحكمة ظاهرة أمام الجميع. وبحسب ما أعلنته وزارة العدل فإن هناك عدداً كبيراً من المحاميات تقدّمن للوزارة من أجل الحصول على الرخصة وذلك دون أن يحدد عددهن، و لم تقبل أوراقهن حتى الآن، لأن النظام لم يُستكمل بعد. ولفتت الوزارة إلى أنه يشترط حصول المحامية على الرخصة وجود شهادة القانون أو الكليات الشرعية، وخبرة لا تقل عن ثلاث سنوات من العمل في مكاتب المحاماة.


زهران: دخول المرأة المنظومة العدلية سيحقق لها وللمجتمع إنجازاً كبيراً في المجال الحقوقي

المستشارة القانونية السعودية بيان زهران من خريجات جامعة الملك عبد العزيز في جدة، عملت في بداياتها  تطوعاً في سكن خيري لإيواء المطلقات والأرامل التابع في إدارته لوالدها، وكانت تتابع قضاياهن واستشارتهن القانونية. ومارست العمل الحقوقي والقانوني في مؤسسات المجتمع المدني منذ ثلاث سنوات. حصلت على وظيفة في حماية الأسرة، ومن ثم انتقلت للعمل مستشارة قانونية في اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم (تراحم). وبعد فتح المجال لمنح رخص مزاولة للمحاميات، تقدمت زهران بطلب للحصول على رخصة محام ممارس، وهذا ما سيخولها فتح مكتب خاص بها. وقالت إنه من شروط التقديم لرخصة المحامي الممارس، تقديم الاستقالة، «وبالفعل استقلت وأنا اليوم أنتظر منحي الرخصة بعد انعقاد اللجنة».

وفي ما يخص دراسة اللجنة لتصحيح وضع المحاميات في السعودية قالت زهران: «كيف تشكَّل لجنة وقد صدرت أوامر سامية بتطبيق نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي 38 على المرأة كما الرجل. وبالفعل قد كثرت تصاريح الوزارة التي وللأسف أحبطت وأجحفت الكثير من الفتيات، ولم تنظر إلى مستقبلهن وتتعامل معه بجد وعزم. الوضع كان يدرس أثناء دراستنا للحقوق في الجامعة منذ 2005. وها نحن انتهينا من الدراسة ومن الخبرة المنصوص عليها في نظام المحاماة، وما زال الوضع كما نشاهد، فتارة لجنة، وتارة دراسة، وتارة قرار، وتارة إجراء مقابلات مع المحاميات، وأحياناً ننتظر مداخل ومصاعد خاصة بالمحاميات، وكأن المحامية هي المرأة الوحيدة داخل المحاكم! المحاكم مليئة بالنساء ومشاكلهن بل وقد تفوقت في العدد قضايا النساء على الذكور في المحاكم السعودية، وهذا ما أثبتته العديد من الدراسات في هذا الشأن».

ولفتت إلى أن الإقبال على توكيل محامية عوضاً عن محامٍ يعود إلى رغبة الموُكّل. وحول النظرة إلى المحامية السعودية أشارت زهران إلى تقبل المجتمع السعودي «بحذر» لوجودها في المحاكم، وتضيف: «في البدايات لم يتقبل المجتمع الأمر. وقد هوجمت من القضاة والمحامين بشكل عام، أما اليوم فالمجتمع يتقبل خاصة النساء اللواتي يشعرن بالراحة أكثر في وجود محامية تدافع في قضيتها. وبالنسبة إلي، ومن واقع تعاملي مع القضاة أجدهم يهتمون لوجودي ويتعاملون مع دفوعي بشكل راقٍ ونظامي».

وعن تقييد رخصة المحامية بالقضايا الاجتماعية خاصة المتعلقة بالمرأة، ذكرت زهران أن الأمر غير صحيح ذلك لأن «نظام المحاماة الصادر عن المرسوم الملكي 38 هو النظام الذي يُطبق على كلا الجنسين، و لا يوجد نظام خاص بالمحاميات. وأتوقع أن يحقق دخول المرأة  المنظومة العدلية انجازاً كبيراً في المجال الحقوقي للمرأة خاصة وللمجتمع بشكل عام، فضلاً عن أن دخولها سيتم في عهد وزير العدل الدكتور محمد العيسى وله كل التقدير بأن جعل ميزان العدالة للمحامين والمحاميات متكافئ ومتوازٍ».


البكري: بعد منح التراخيص لمزاولة المهنة، المجتمع سيحكم هل يقبل وجودنا أم لا

قالت طالبة الحقوق في السنة الثالثة من جامعة دار الحكمة في جدة أسماء البكري إن تأخير صدور التصاريح لعمل المرأة كمحامية وبعض الصعوبات التي ما زالت تتعرض لها السعودية «لم تعق إصرارنا على مواصلة مسيرتنا التعليمية، ووضع مزيد من المسؤولية على عاتقنا للتدرج إلى الحياة العملية والتدريبية، وممارسة العمل الحقوقي بكل حق شرعي نملكه». 

حازت البكري وتسع طالبات سعوديات من فريق دار الحكمة، المركز الأول في مسابقة عن المحكمة الصورية الدولية على مستوى الشرق الأوسط، وتتلخص تلك المسابقة في كونها مرحلة تمهيدية لمسابقة عالمية تُقام في فيينا عن التحكيم في القانون التجاري. كان الفريق السعودي مكوناً من تسع طالبات هن بدرية المدير، ليان الخولي، فاطمة الكُحواني، داليا السيد، نور زهران، ياسمين الكثيري، ريم زاهد، سارة أبو طالب، بالإضافة إلى أسماء البكري. أقيمت المسابقة في إمارة أبو ظبي لمدة خمسة أيام قُسمت إلى ثلاثة أيام للتدريب على أساسيات تكوين الحجج للدفاع عن القضية المطروحة في المسابقة، واليومين التاليين للمسابقة. أما لجنة التحكيم فتكونت من ثلاثة مُحكمين. وتنافست سبعة فرق من تونس والأردن والعراق والبحرين وعُمان، وبلدان عربية أخرى تشكّل كل فريق منها من ثلاثة أشخاص اختلفت مهماته بين المُدعي والمُدعى عليه.

وأشارت البكري إلى أن الفريق السعودي لفت نظر المحكمين والأساتذة المسؤولين عن هذه المسابقة.
وأكدت أن المرأة السعودية قادرة على إثبات ذاتها في المجال القانوني «يساندها في ذلك المجتمع الذي استوعب وجودها في المحاكم والمجال القانوني بشكل منفتح. ورغم كل الصعوبات التي تتعرض لها هي قادرة على إثبات ذاتها. كما أن الواقع هو ما سيحكم هل تقبّل وجودها أم لا خاصة بعد منح المحاميات تراخيص مزاولة المهنة».


الألمعيوجود المحامية في المنظومة القضائية حق

أوضح المحامي والمستشار القانوني أحمد الألمعي أن وجود المحامية في المنظومة القضائية هو حق يتم اكتسابه، سواء قبل المجتمع بذلك أو لم يقبل: «نظام المحاماة لم ينص على منح الرخص للرجال فقط، بل نص على منح من يتقدم للسجل، مستكملا الإجراءات المطلوبة وحاصلاُ على مؤهل شرعي وقانوني الحق في مزاولة مهنة المحاماة، ولم يفرّق بين رجل أو امرأة».
وأضاف: «من شروط الحصول على الرخصة أن تكون المحامية متعاقدة مع محام أمضى في عمله أكثر من خمس سنوات لكي يحق له التدريب الذي يجب ألا تقل مدته عن ثلاث سنوات. وبعد انقضاء مدة التدريب تأخذ المحامية نسخة من خبرتها مصادقة من المحامي إلى الوزارة لنيل الرخصة التي تتضمن رقم الترخيص وتاريخه، والصادرة من وزير العدل، وبالتالي تتمكن من المرافعة في مختلف القضايا الجنائية والجزائية وغيرها. ويحق لها بعد ذلك تأسيس مكتب مستقل لها وممارسة مهنة المحاماة».


قاروب: رفع مستوى المهنة سيكون من خلال الحقوقية السعودية

قال المحامي ماجد قاروب إن عدد القضايا التي ترافعت فيها المرأة أصالة عن نفسها أو بالوكالة عن غيرها وصلت إلى 1500 قضية في مختلف المحاكم العامة، وذلك بحسب إحصائية صدرت في العام الماضي عن وزارة العدل.
وأشار قاروب إلى أن «الرخصة تُعطي المحامي من كلا الجنسين حق ممارسة كل الأعمال القانونية التي منها المرافعة أمام المحاكم، وديوان المظالم، واللجان القضائية المختلفة».

وأكد أنه لا يوجد أي مكتب للمحاماة في السعودية يرفض توظيف الفتاة لكن ما يمنع ذلك هو أن المكاتب غير مُهيأة من حيث المساحة، والتصميم، والإمكانات الاقتصادية للتوظيف، على اعتبار أن معظم مكاتب المملكة صغيرة وفردية، فكيف ستتمكن الفتاة من متابعة قضاياها أو تدريبها بين مكتب مليء بالمراجعين والمعقّبين الذكور؟ وقال: «أكاد أجزم بأن أثر الفتاة المحامية في مكاتب المحاماة، سيكون ملحوظاً لأن الفتاة السعودية تحرص على العمل المكتبي أكثر من العمل الميداني، نظراً إلى الظروف المحيطة بها التي قد تُقيد ذهابها إلى العمل. كما أن مهنة المحاماة تتطلب تغييراً في المواعيد، كالوجود في المحكمة، واليوم التالي في ديوان المظالم، ويوم آخر في لجنة قضائية، وهذا ما قد يُحببها بالعمل المكتبي أكثر من الميداني خاصة في مجتمعنا، فبالتالي سنجد المحاميات المتفرغات لعمل الدراسات والأبحاث، والإعداد، والتفاوض، وتقديم الخدمات القانونية المكتبية، وهذا ما سيرفع من حجم الخدمات التي تقدمها مكاتب المحاماة».

وحول زيادة الإقبال من قبل المحاميات بعد صدور خبر منح تراخيص، قال قاروب:» هناك رغبة كبيرة، وطموحات عالية، وتفانٍ وإخلاص في العمل، التزام وانتظام من قبلهن، وجميع ما ذُكر أمور لمستها على أرض الواقع، فالفتيات أكثر حرصاً على تطوير معلوماتهن، والحصول على دورات تدريبية وبرامج تأهيلية كثيرة. وأستطيع الجزم بأن رفع مستوى المهنة سيكون من خلال الفتاة الحقوقية السعودية».


د. الخولي: المحاميات أشد دأباً ودقة في العمل

قال أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عمر الخولي إن المرحلة الأولى لهذه الدراسة ليست المزاولة بقدر ما هي تدريب مهني لمدة ثلاث سنوات وفق النظام، تمهيداً لمنحنهن الرخص، «ومن تملك شهادة الماجستير في القانون ينخفض تدريبها لسنة واحدة فقط، ومن تملك شهادة الدكتوراه لا تحتاج إلى فترة تدريب. ولعل هذا  يكون بادرة خير لفتح فرص عمل إضافية للمرأة، إضافة إلى تمكين الخريجات من مزاولة التخصص».
ولفت إلى أن تدريس القانون في السعودية يتم في سبع جامعات وكليات، وقد  تجاوز عدد الخريجات الآن 1000 خريجة.

وحول الصعوبات التي تواجه المحاميات السعوديات أشار إلى أنها الصعوبات ذاتها التي «تواجه أي محامٍ رجل، مع زيادة الصعوبات عليها كونها امرأة فقد يكون هناك قيود اجتماعية أو قضائية من بعض المحاكم، وهناك قضاة يرفضون ترافع المحامي، فمن باب أولى سيرفضون ترافع المحامية».
وعن قبوله توظيف فتيات كمتدربات في مكتبه الخاص، قال الخولي: «أوافق على وجود محاميات في مكتبي، لأنه وبعد التجربة ثبت أن الفتيات أشد دأباً  ودقة في عملية البحث العلمي، وفي عملية التنظيم والأوراق والملفات. وبالفعل هناك محاميات يرفضن العمل  الميداني لكونه شاقاً ، وهي معاناة كبيرة لها كامرأة، والأيام كفيلة بإثبات ذلك».
وعن منح رخصة التدريب لأول محامية سعودية وهي أروى الحجيلي، قال الخولي: «أروى فتاة ملتزمة، ومنضبطة، وذكية، وتستحق كل خير. هي من طالباتي ولمست فيها دأبها المتواصل وشغفها بالتعلم».


هل تعلمون؟

أروى الحجيلي
أول سعودية  تحصل على رخصة محامية متدربة من وزارة العدل

المحامية أروى الحجيلي تخرجت من جامعة الملك عبد العزيز في جدة تخصص قانون عام 2010، ثم عملت في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لمدة قصيرة لا تتجاوز خمسة أشهر. انتقلت إلى العمل في مكتب للمحاماة والاستشارات القانونية في جدة عام 2011، وقامت خلال هذه الفترة بصياغة العقود، وإعداد مذكرات جوابية للمحامين الأمر الذي أكسبها خبرات في الجانب القانوني. وتمكنت من تحقيق حلمها كامرأة  في أن تُصبح أول سعودية  في ممارسة مهنة المحاماة بعد تسجيلها محامية متدربة قبل إعطائها الترخيص النهائي، لتعد بذلك أول محامية سعودية مسجلة في وزارة العدل.  وجاء هذا بعد أن قامت 3000 طالبة حقوق بتوقيع عريضة تسمح لهن بالتسجّل كمحاميات، وافق عليها  الملك عبد الله بن عبد العزيز في المرسوم الملكي 38 والذي صدر عام 2010.
وقد أكدت أروى عبر حسابها الشخصي على «تويتر» تسجيلها بوزارة العدل قائلة: «الحمد لله تم تقييدي في سجل المحامين المتدربين» وأرفقت بتغريدتها صورة من شهادة التعريف الخاصة بها والصادرة من وزارة العدل.

تصريح  الناطق باسم وزارة العدل السعودية حول منح المحاميات رخصاً لمزاولة المهنة
وقال الناطق بلسان وزارة العدل السعودية فهد البكران إن الوزارة بصدد وضع الآلية والتشريعات المناسبة لاستخراج تراخيص مزاولة مهنة المحاماة للسيدات، مشيراً إلى أن لجنة قيد القبول والتسجيل في نظام المحاماة تعمل على الآليات اللازمة لمقابلة المحاميات صاحبات الخبرة وتقويمهن عن طريق قضاة ومحامين.
وربط قبول الترخيص لمزاولة مهنة المحاماة للسيدات السعوديات، بضرورة مقابلة اللجنة لتقويم خبراتهن والنظر في الضوابط التشريعية وحاجاتهن المهنية والدراسات التي قمن بها أثناء فترة التدريب. ولم يعط في الوقت نفسه إجابة محددة عن الذي سيقيمها هل هم من الرجال أم من النساء ومن الذي سيقيدها في نظام المحاماة، مؤكداً أن  وزارة العدل لن تستخرج للمحاميات رخصة مزاولة المهنة إلا بعد انتهاء تلك اللجنة من آلية المقابلات وتقويم الخبرات، بالإضافة إلى آلية دخولها للمحاكم من خلال المصاعد الخاصة وأمكنة الانتظار المعنية وأقسام السكرتارية الخاصة بالمحاميات، وتهيئة الأمكنة المناسبة لتلك الأقسام، معتبراً أن هذا الأمر تترتب عليه أشياء أكبر من استخراج رخصة المزاولة، قاصدا بذلك الأمور التشريعية بالإضافة إلى المباني التابعة للأقسام الخاصة بالمحاميات.