في رمضان شلة البنات شكل آخر!

رمضان, بنات, شهر رمضان, إفطار, الصيام, د. سامية خضر

26 يوليو 2014

يحمل رمضان مذاقاً خاصاً يضفيه على تفاصيل الحياة اليومية. تتغير العادات ولو مؤقتاً، ويتبدل نظام اليوم ليلائم أوقات الإفطار والسحور. وتمتد هذه التغيرات إلى «شلة البنات»، حتى أن هذا التغيير قد يصل إلى درجة التناقض. لتختلف طبيعة اللقاءات والأحاديث، فما الذي يحدث لشلة البنات في رمضان؟


نزور أماكن ذات طابع خاص

في البداية تؤكد نورا علي (مراقبة جودة) أن لقاءاتها وشلتها تزداد خلال شهر رمضان المبارك، لأنهن يحرصن على الإفطار معاً معظم أيام الشهر الكريم، وتقول: «طوال أيام السنة تكون كل منا مشغولة بعملها ولا نستطيع الخروج إلا في نهاية الأسبوع فقط، لهذا نعتبر شهر رمضان فرصة يجب استثمارها لزيادة لقاءاتنا، فنذهب إلى عملنا خلال فترة النهار، ثم نلتقي على الإفطار معظم أيام الأسبوع في أماكن مختلفة، أو نتجمع في منزل إحدانا لنكون معاً ونقسم الأدوار بيننا في الإعداد لوجبة الإفطار، بحيث تقوم كل منا بتجهيز أكلة. وخلال إجازة نهاية الأسبوع نمضي اليوم بأكمله معاً، فنخرج على الإفطار ثم نذهب إلى خيمة رمضانية أو مكان له طابع خاص يشعرنا بنوع من التجديد. ونحرص أحياناً على السحور في حي الحسين أو أي مكان يتسم بالطابع الرمضاني الجميل، ونحاول دائماً تغيير الأماكن التي نلتقي فيها حتى لا يتسلل إلينا الملل». وتضيف نورا: «هناك عادات واهتمامات لكل فتاة منا يطرأ عليها بعض التغيير خلال شهر رمضان، فالبعض يحرصن على ارتداء الحجاب، لاعتقادهن أنها خطوة يمكن أن تعطي الشجاعة للاستمرار في ارتدائه، كما نتجنب التحدث عن أحد أثناء فترة الصيام للحفاظ على صيامنا».


شهر العائلة

أما مايسة أحمد (صحافية) فتؤكد أن لقاءاتها بصديقاتها تقل خلال الشهر الكريم، ويرجع ذلك إلى الطابع الخاص الذي يتسم به الشهر. وتوضح: «يتميز رمضان بالتجمعات العائلية لدرجة أننا نطلق عليه «شهر العائلة»، وبالتالي تتراجع فيه اللقاءات مع الصديقات. لكني رغم ذلك أكون حريصة على الإفطار معهن مرتين على الأقل، بخلاف أننا نجتمع في أي حدث يمر على إحدانا ونتذكر خلال اللقاء بعض المواقف الطريفة التي حدثت لنا أثناء وجودنا في مكان ما. ويتوقف اختيارنا للمكان الذي نذهب للإفطار فيه على مدى اختلافه وغرابته والبهجة التي يدخلها في نفوسنا، حيث إننا نختاره على أساس أنه مكان نشعر فيه بالبهجة أكثر من أنه لمجرد الأكل» .
وتضيف مايسة: «أما في الأيام العادية فتكون لدينا فرصة أكبر لنلتقي، بحيث نستطيع أن نخرج معاً بصفة مستمرة ونذهب إلى أي مطعم لنتناول غداءنا أو نمارس أي نشاط مثل لعب البولينغ. وكل فترة نحاول إدخال نوع من التجديد على ما نفعله أو الأماكن التي نذهب إليها».
وتتحدث عن عادات «الشلة» خلال رمضان فتقول: «لا تختلف عاداتنا وطريقة تعاملنا خلال هذا الشهر عن غيره، فنحن في الأيام العادية نهوى السخرية من بعضنا على أي تصرف يصدر من إحدانا كنوع من الفكاهة والمرح، ونستمر في تلك العادات خلال الشهر الكريم، لأنها لا تجرحنا أو تفسد صيامنا بل تدخل البهجة إلى نفوسنا».


الاستمتاع بالوقت

وتعترف مي عبد العزيز (مذيعة) بأن شهر رمضان لا يوفر الوقت الكافي للقاءات شلتها، وتقول: «خلال الشهر الكريم يمراليوم بسرعة، فهو بالكاد يكفي للعمل والنوم والصلاة وقراءة القرآن وبعض الأعمال المنزلية البسيطة، لهذا تكون لقاءاتنا قليلة جداً خلال هذا الشهر. كل منا تقدر ظروف الأخرى ومدى انشغالها، ونحاول تعويض ذلك بالحرص على الالتقاء مرة في الأسبوع، تكون عادة يوم الجمعة، لأنه اليوم الوحيد الذي نستطيع أن نتقابل فيه ونخصصه لبعضنا».  وعن برنامج اليوم تقول: «نفطر ونتسحر مع بعضنا، ونحاول الاستمتاع بوقتنا، ونبحث عن الأماكن التي تتميز أو تقدم الفلكور الشعبي حتى نشعر بالتغيير، وأيضاً لنتعايش مع أجواء رمضان التي لا تتكرر إلا كل عام».  وتضيف مي: «أما في الأيام العادية فيكون لدينا متسع من الوقت لكي نلتقي، كما أننا نحرص على الخروج معاً حوالي ثلاث مرات في الأسبوع، بخلاف يوم الجمعة الذي نمضيه بأكمله مع بعضنا. ونذهب إلى أي مكان مثل النادي أو «الكافيه»، أو نتسوق أو نقوم بالترتيب للسفر إلى أي مكان كنوع من التغيير، هذا بخلاف الحرص على حضور المناسبات العائلية لكل منا حتى نستطيع تمضية أكبر وقت ممتع مع بعضنا».
وتؤكد مي أن عادات «الشلة» واهتماماتها لا تختلف كثيراً في شهر رمضان عنها في الأيام العادية، فتظل الموضوعات التي تجذب اهتماماتهن واحدة، ويكون معظمها عن أحدث التطورات التكنولوجية والموضة والشوبنغ والسفر.


اختلاف الهدف

لكن صديقتها أسماء فتحي تشير إلى أن الهدف من تجمع «الشلة» خلال شهر رمضان يختلف عنه في باقي العام، وتقول: «على الرغم من قلة لقاءاتي مع صديقاتي خلال الشهر الكريم، إلا أننا حريصات على ألا تنقطع، وبينما يكون الهدف منها طوال أيام السنة هو الاستمتاع بأوقاتنا معاً، لكنه يختلف في هذا الشهر، لأننا نقوم في تجمعاتنا بشراء متطلباته مع بعضنا، أو نجتمع لكي نذهب إلى صلاة التراويح معاً، ونتسابق أيضا في قراءة القرآن، كما أننا نحاول التجمع أسبوعياً في منزل إحدانا للإفطار».  وتشير إلى محاولتها مع صديقاتها عدم التطرق إلى التحدث عن أحد، حتى ولو على سبيل الفكاهة، لكي لا يتحملن أي وزر يؤثر على صيامهن.


دوافع نفسية

يلقي الدكتور يسري عبد المحسن، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة، الضوء على أهمية «الشلة»، وضرورة تشجيع الأهل أولادهم على الانضمام إليها والتعامل مع الجماعة والارتباط بها وتبادل الأفكار والرؤى مع أفرادها، لأنها تساعد على زيادة الإيجابيات السلوكية في شخصية البنت أو الولد، وترسخ عندهم بعض الصفات الجيدة، مثل الأمانة، الإخلاص، الصدق، الإيثار ومساعدة الآخرين، خاصة أنه يترتب على العزلة والانطواء والعديد من السلبيات في الجوانب الشخصية. ويؤكد أن الترابط القوي بين الأسرة والأبناء يعد أحد العوامل المساعدة في إقبال الأبناء على الانضمام إلى جماعة أو «شلة» صالحة.
ويذهب إلى أن انضمام الفرد إلى مجموعة من الأصدقاء يعتبر من الدوافع النفسية اللاشعورية لكي يجد نفسه ويعبر عنها، والبنت مثل الولد في هذا، وتميل إلى الانضمام إلى «شلة بنات»، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ودائماً لديه ميول إلى التجمع وأن يحتمي في جماعة، خاصة في سن المراهقة، وهو ما يلقي على الأسرة دوراً مهما في أن تشجع على ذلك، لأنها تساعد على النمو الصحي لنفسية الفتاة.
ويشير إلى أن «شلة البنات» قد تمارس بعض الأفعال الطيبة خلال شهر رمضان، حيث يحرص معظمهن على الالتقاء خلال هذا الشهر الكريم ليشجعن بعضهن على الالتزام ببعض السلوكيات الإيجابية، والبعد عن النميمة، وغيرها من التصرفات المجدية التي قد تستمر معهن في بعض الأحيان، خاصة في حالة توافر الدعم والمساعدة من الآخرين، لتشجيعهن على الاستمرار في هذه الأفعال الجيدة.


مجتمع صغير

بدورها ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن شهر رمضان يعد فرصة لشلة البنات للتجمع بكثرة للصلاة أو لمشاهدة البرامج التلفزيونية مع بعضهن، أو اللقاء في بيت إحداهن، خاصة أن هذا الشهر هو أصل التجمع، وتشير إلى أهمية «الشلة» بصفة عامة في جميع المراحل العمرية، حتى مع المسنين الذين يجتمعون في النادي ويمارسون بعض النشاطات. وتبرر هذا بأن الإنسان اجتماعي بطبعه لا يستطيع أن يعيش وحده، وعندما يريدون عقابه بشدة يتم حبسه في زنزانة انفرادية، وتشير إلى أن الفئات العمرية الصغيرة تميل إلى الشلة وهي طبيعة الحياة خاصة في سن المراهقة، لأنه بعد هذا السن يندمج الإنسان في العمل ولا يستطيع الاستمتاع بالرفاهية مع «شلته».
وتصف «الشلة» بأنها عبارة عن مجتمع صغير تستطيع الفتاة من خلالها أن تجد نفسها وتتعرف على الحياة بصورة أكبر، وتمثل بالنسبة إليها المتنفس الوحيد، كما تدخل عليها نوعاً من التغيير والبهجة والمعرفة التي تكتسبها من خبرات وتجارب وقصص الأخريات، إذ إن لكل فتاة في «الشلة» خبراتها وعالمها وأسرتها التي تكتسب منها بعض الصفات والطباع التي تنقلها لصديقاتها ويتعلمن من بعضهن، بالإضافة إلى تقليد كل منهن للأخرى في كل شيء حتى طريقة الكلام وارتداء الملابس وأسلوب التفكير.
وتوصي الدكتورة سامية خضر الأهل بضرورة التعرف على صديقات بناتهن وأسرهن وجميع ظروفهن الاجتماعية، لتفادي أي أضرار قد تنجم عن فساد الصديقات، لأنه في حالة الصداقة مع «شلة فاسدة» قد تنتقل بعض التصرفات الخاطئة.
وحول الأساليب المناسبة للاستفادة من «شلة» البنات، تقول: «يجب استثمار هذه الطاقة لدى شلة الفتيات في ممارسة النشاطات الإجتماعية المفيدة، مثل زيارة الملاجئ، مراعاة الفقراء، تعليم الأميين أو المساهمة في تنمية منطقة، ومع الاستمرار في ممارسة هذه النشاطات الإيجابية يزيد شعور البنت بأنها تبذل طاقتها في أشياء مفيدة تملأ وقتها وتشعرها بقيمتها وقدراتها، وتجعلها تحترم نفسها وتقدر ذاتها دائماً، ومن جانب آخر تساعدها على بناء شخصيتها، بدلاً من أي أفعال غير مفيدة تنتج من كثرة الاندماج في «الشلة»، مثل الثرثرة فقط التي تؤدي بدورها إلى المشاكل والمضي بدروب الحياة غير السليمة».