علماء الدين يحذّرون: احترسي من زواج الشفقة!

الزواج, زواج الشفقة, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار, د. فايزة خاطر, د. مبروك عطية, د. نصر فريد واصل

02 أغسطس 2014

هل ينجح الزواج إذا ما كان بدافع الشفقة؟ سؤال يفرض نفسه بعدما بدأت تظهر في الفترة الأخيرة حالات زواج يطلق عليها «زواج الشفقة»، وفيه يرتبط الرجل بامرأة لظروف قهرية عندها، مثل الفقر أو المرض أو حتى لكونها مطلقة أو أرملة أو هاربة من جحيم الحرب في بلدها. فماذا يقول علماء الدين عن الزواج الذي يتم بدافع الشفقة؟ وما هي أخطاره بعد أن يحدث؟ وهل يمكن أن تتحول الشفقة بعد الزواج إلى معايرة للمرأة على ظروفها التي كانت سبباً لهذا الزواج؟

توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي أن الزواج بدافع الشفقة بوجه عام أمر محمود يشجعه الإسلام، لما فيه من الرأفة والرحمة بالطرف الضعيف المستحق لهذه الشفقة. لكن الأهم أن تستمر هذه الشفقة، ولا تكون شعوراً نبيلاً موقتاً في بداية الزواج وسرعان ما يندم عليه صاحبه، سواء كان رجلاً أو امرأة حتى ينال الثواب العظيم من الله على شفقته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله».
وأنهت الكحلاوي كلامها بالتشجيع على الزواج بدافع الرحمة والشفقة، باعتبارهما شعوراً نبيلاً يتصف به البشر وصفة أساسية من صفاتهم التي تميزهم عن بقية مخلوقات الله، مع التأكيد على أهمية أن يكون هذا الشعور النبيل بالشفقة مستمراً في المعاملة بين الزوجين باستمرار، من خلال تحول الشفقة إلى رحمة ورفق، حيث امتدح  النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير».


ما بعد الزواج

أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتصف زواج الشفقة بأنه شعور نبيل بين طرفين أحدهما جعل الله في قلبه الشفقة، وإنسان آخر مستحق ومحتاج لها، ولهذا فإن من يقبل على مثل هذا الزواج ابتغاء وجه الله أولاً، الذي غرس شعور الشفقة والرحمة في قلبه، فله جزاء الصابرين الذين بشرهم الله بالجنة والمغفرة، فقال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» الآيات 155- 157سورة البقرة.

وأوضحت أن زواج الشفقة نوع من إعانة وإغاثة المبتلي بالفقر أو المرض أو التشرّد أو الظروف الاجتماعية القهرية، ويكون الثواب فيها لمن يتصف بالشفقة بقدر صدق نيته التي لا يعلمها إلا الله، لقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وحذرت من أن يكون «زواج الشفقة» نوعاً من الاستغلال، ولو بشكل خفي، لحاجة المستحق إلى الشفقة، فهنا يكون الابتزاز أو الاستغلال أو حتى المعايرة في ما بعد عند حدوث المشكلات أمراً غير مباح شرعاً، رغم أن الزواج صحيح طالما توافرت شروطه وأركانه.

ووصفت النجار عدم صدق نية المشفق في هذا الزواج بأنه نوع من الغش والخداع الذي حرَّمه الإسلام ونهى عنه، فقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»، ويتحول المشفق غير صادق النية إلى آثم شرعاً، لأنه ظلم الطرف الآخر وكذب عليه، وقد نهى الإسلام عن الكذب وأمر بالصدق في المشاعر والأقوال والأفعال، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً»، ولهذا فإن المطلع على النوايا والمحاسب عليها هو الله. 


شفقة شكلية

تحذر الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، من أن تكون «الشفقة في الزواج» شكلية، مما يجعلها هنا أحد معاول الهدم في البيت المسلم، الذي يجب أن يشع فيه الدفء والمحبة والحنان، والذي يبدأ بالخطبة الشرعية التي تورث وتغرس الحب والمودة والقبول بين الزوجين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».

وأشارت الدكتورة فايزة إلى أن الشفقة في الزواج سلاح ذو حدين يثاب أو يأثم فاعلها، بصرف النظر عن جنسه، حسب تصرفاته أقوالاً وأفعالاً بعد الزواج، ويجب ألا تُنسي الشفقة كل طرف الأساس الذي يجب أن يبنى عليه الزواج الناجح المستقر شرعاً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير، فقالوا: يا رسول الله وإن كان فيه، فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير» قالها ثلاث مرات، هذا الضابط بالنسبة لأهل الفتاة أو المرأة التي يتقدم إليها إنسان ليتزوج بها، أما بالنسبة لاختيار الزوجة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».

 وحثت الدكتورة فايزة على زواج الشفقة، بشرط صدق النوايا التي يطلع عليها الله حتى تُعف الفئات المهضومة في المجتمع، من الأرامل والمطلقات والعوانس والفقيرات واللاجئات، وغيرهن من المستضعفات في الأرض، وأن يكون كل من الطرفين ممن يتخذون الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة، وهو من وصف نفسه بقوله: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وحذره ربه من الطبع السيِّئ لأنه صاحب الخلق العظيم، فقال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران.


حقوق المرأة

يشير الدكتور مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن الزواج الشرعي، بصرف النظر عن مسماه، هو ميثاق ترابط وتماسك بين الرجل والمرأة على وجه الدوام، غايته الإعفاف والإنجاب بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج والزوجة، وليعلما أنهما مسؤولان عن رعاية كل منهما للآخر منذ بداية الزواج، وتزداد هذه الرعاية إذا أثمر هذا الزواج أولاداً، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته»، ولن تكون هناك رعاية طيبة بين الزوجين اللذين تم الزواج بينهما على أساس الشفقة، إلا إذا طبقا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف».

وطالب الدكتور مبروك كلاً من الزوجين اللذين تم بينهما «زواج الشفقة»، أن يتقّي كل منهما الله في شريك حياته، ويعلم أن استمرار شفقته بعد الزواج لها ثواب عظيم عند الله، الذي يرحم الرحماء والشفقاء ابتغاء مرضاة الله ووعدهم بالجنة والمغفرة، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا»، الآيتان 70– 71 سورة الأحزاب.

 ويكمل الدكتور مبروك: «حذرنا الإسلام من الظلم بوجه عام، ومنه الظلم بعد زواج الشفقة استغلالاً لضعف الطرف الذي سبق وتم الزواج شفقة به، كأن تتم معايرته أو الإساءة إليه متعمداً، مما يحول الشفقة من شعور نبيل إلى ظلم ومعايرة وخلق ذميم، فقال الله في الحديث القدسي الذي رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا».
وأنهى الدكتور مبروك كلامه بقوله: «فليختر المتزوج بالشفقة مصيره بين وعد الله بالمغفرة إن كان من الصادقين أو الصادقات، وكذلك الوعيد بالعذاب والانتقام إذا كانت هذه الشفقة ستاراً لخداع الطرف الآخر وبخسه حقوقه الشرعية، سواء قبل الزواج من المهر أو المؤخر مثلاً أو كل حقوقه بعد الزواج.


أهمية الكفاءة

حثّ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، على أهمية استمرار المودة والرحمة بشكل عملي في الزواج، الذي يتم بدافع الشفقة، حتى يكون ناجحاً ومستقراً ويضفي على كل أفراد الأسرة الطمأنينة، وخاصة بين الزوجين اللذين كانت الشفقة أحد عوامل إتمام هذا الزواج بكل ضوابطه الشرعية، دون أن يستغل أحد الطرفين حاجة الآخر إليه فينتقصه حقاً من حقوقه.
وطالب الدكتور نصر، بضرورة تحكيم العقل، وليس العاطفة فقط، في موضوع «زواج الشفقة»، حتى يكون زواجاً مستقراً ونواة صالحة لأسرة ناجحة، يسودها الحنان الطبيعي الحقيقي والحب الصادق والتعاون في الحياة والاشتراك في بناء الأسرة وعمارة الكون، فكلما كانت العوامل الأخرى المتعلقة بالكفاءة بين الزوجين بجانب شعور الشفقة، كان أنجح والعكس صحيح، إذا قلّت عوامل الكفاءة فإن هذا يقلل من عوامل التفاهم بين الطرفين.


الندم

يحذر الدكتور جمال شفيق، رئيس قسم الدراسات النفسية في جامعة عين شمس، من غلبة مشاعر العطف والشفقة لتكون هي الدافع الوحيد للارتباط بزواج، مؤكداً أنه يجب النظر إلى عوامل أخرى تساعد على استقرار واستمرار هذا الزواج، منها ضرورة وجود عوامل مشتركة أخرى بين الزوجين بجوار شعور الشفقة، حتى يكونا أقرب إلى الكفاءة التي تساعد على استقرار الأسرة، أما إذا كانت الشفقة فقط هي الدافع فإن مثل هذا الزواج يكون معرّضاً لعواصف الحياة والمشكلات التي قد تؤدي إلى موت هذا الشعور النبيل ووقتها قد يندم كل طرف على أنه بنى زواجه بالآخر على أساس الشفقة فقط.  


نظرة المجتمع

 تكشف الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ضرورة تحلّي كل من الزوجين، اللذين تم بينهما الزواج على أساس الشفقة، بالحب والرغبة الصادقة في استمرار رحمة وشفقة كل منهما بالآخر، وخاصةً أن غالبية المجتمعات الشرقية قد لا ترحم الطرف المشفق عليه من نظرات قاتلة لدى من يتصف بالحساسية والرقة في المشاعر، ولهذا فإنه لا يجب إهمال دور المجتمع بوجه عام، وكذلك البيئة الخاصة التي يعيش فيه الزوجان في إنجاح واستمرار هذا الزواج أو فشله.
وطالبت الدكتورة عزة كريم كلاً من الزوجين أن يكون على وعي بتلك النظرة، من القبول أو الرفض الاجتماعي، وأن يكون كل منهما أكثر تمسكاً بالآخر وحرصاً على حمايته اجتماعياً ورعايته نفسياً من تلك النظرات بالشفقة، التي وإن كانت مقبولة ومطلوبة بين الزوجين، إلا أنها قاتلة نفسياً واجتماعياً من أفراد المجتمع.