وظائف 'شاغرة' ومقابلات 'فاشلة' تحكم على متخرّجين بملازمة البيوت

الوظائف, العمل

29 أغسطس 2014

فرص عمل تبقى شاغرة، ومتخرجون يلازمون المنازل، معادلة متفككة إلى ما لا نهاية، ولا تتعلّق أسبابها أحياناً بضعف المؤهلات العلمية،أو بأنواع الوظائف المتاحة، أو حتى بأصحاب العمل ومسؤولي التوظيف، بل يدخل الرفض إلى عالم خفي يجهله الكثير من المتخرجين والمتخرجات في السعودية. عدم الإلمام بمهارات التحدث والتعبير عن النفس، أو صياغة السيرة الذاتية بشكل محترف، يعرّض هؤلاء لكمّ هائل من مقابلات العمل الفاشلة، مما يجعلهم يظنون أن السبب تعجيزي لا أكثر. وقد يفقدون الأمل ويلازمون المنازل لسنوات، أو يمتهنون مهناً ليست من مجال دراستهم، أو حتى من ضمن طموحاتهم. وفي هذا الصدد نمنح القراء لمحة سريعة عن تجارب ومقابلات عمل باءت نتائجها بالفشل، مع آراء اختصاصيين واستشاريين سيمنحون المقبلين على العمل العصا السحرية لاجتياز المقابلات الشخصية ونيل الوظيفة بنجاح...


«العمل في مجال آخر كان فرصتي للحصول على خبرة»

الخبرة وتعزيز الناحيتين الشخصية والعملية، ليس من السهل اكتسابهما إلا من خلال التدرب والعمل، فعبد الحليم يزيد (25 عاماً) حديث التخرج، بقي ما يقارب ستة أشهر يبحث عن عمل، ويتنقل بين مقابلات شخصية في شركات عديدة. ورغم تفانيه خلال تلك الفترة، وتجاوبه مع كل الشروط التي كانت تطلب منه خلال المقابلة الشخصية، إلا أن فرصته في نيل وظيفة تناسب مؤهله العلمي لم تسنح، إلى أن جاءته الفرصة للعمل كمُحصّل ما لي في إحدى الشركات. ووقتها لم يرفض هذا العرض، لكونه بحاجة إلى خبرة وعمل، وهذا ما جعله يتمسك بتلك الوظيفة على مدى سبعة أشهر، منتظراً فرصة أخرى لنيل وظيفة تناسب مؤهله الجامعي.

«عمل بلا راتب تنازل مرفوض وإن كنت بدون خبرة»

قد تكون اللغة الإنكليزية من العقبات التي تمنع الشباب أو الشابات من العمل، فحسن تمراز (26 عاماً) تخرج من جامعة عربية قسم هندسة مدنية، بقي ما يقارب عاماً  دون وظيفة، ويعود السبب إلى ضعف لغته الإنكليزية التي تشكل شرطاً أساسياً في معظم الوظائف، إضافة إلى الخبرة التي لا يملكها كونه حديث التخرج. ويرى حسن أن الثقة وعدم التنازل، عنصران مهمان لنيل الوظيفة، وذلك ما اكتشفه من خلال تجربته التي اقتضت عمله في شركة كان شرطها الذي قبل به أن يعمل لمدة ثلاثة أشهر بلا راتب، وبعد مرور ستة أشهر من العمل لم يوقع عقداً ولم يتقاض أي أجر أو حتى شهادة خبرة، وهذا ما جعله ينسحب للبحث مرة أخرى عن وظيفة، دون تقديم أي تنازلات. وبعد محاولات عدة تمكن من إيجاد وظيفة براتب جيد.

«عبارات التساهل لا تعطي انطباعاً جيداً»

تروي هيا السواري (25 عاماً) التي تخرجت من قسم المحاسبة في جامعة الملك عبد العزيز قبل ثلاث سنوات، ولم تحصل على وظيفة إلا قبل بضعة أشهر، أنها مرّت بتجربة سيئة مع شركة لم تمنحها مستحقاتها من الرواتب بحجة عدم توافر سيولة. وتؤكد أن الثقة وعدم تقديم التنازلات من أهم ما يجعل المتخرج مؤهلاً لنيل وظيفة، فعبارات مثل: أقبل بأي شيء، أو أي وظيفة، أو لا مشكلة في «الراتب»، هي من العبارات السيئة التي تعطي صورة سلبية للمتقدم إلى وظيفة، فالثقة وطلب الأجر المناسب للمؤهل العلمي واختيار الوظيفة المناسبة لذلك، حق من حقوق أي شخص راغب في العمل، ولا يجوز أن يتنازل عنه.

«تطوير الذات بالمهارات المطلوبة»

وترى فرح القهوجي (20 عاماً) أن سبب بقاء أختها سارة بلا عمل، هو عدم رغبتها في تطوير إمكاناتها الشخصية، فالأخيرة متخرجة من قسم اللغات، وستتجاوز السنة الثانية دون عمل. ولا يعود السبب إلى تكاسلها أو عدم بحثها عن عمل، لكن معظم الوظائف المتاحة تتطلب منها تعلم مهارات أخرى مثل الكمبيوتر أو إجادة صياغة التقارير، ولهذا يقودها التمسك برأيها إلى البقاء دون عمل، مما يؤثر سلباً على نفسيتها.

«الجامعيات يفتقرن إلى فنون التعريف عن النفس والتفاوض»

ويقول غسان عبد الله الذي كان يعمل سابقا مدير تسويق في شركة: «من خلال وظيفتي السابقة أتيحت لي فرصة إجراء مقابلات شخصية بهدف نيل وظيفة شاغرة لدينا في الشركة، ورغم كون معظمهن ذوات مستوى عالٍ من التعليم، ومتخرجات من جامعات مرموقة ومعروفة في المملكة، فإنهن لا يملكن مهارات التعبير عن أنفسهن، وليس لديهن أدنى فكرة عن أسلوب التفاوض. فمنهن من تطالب براتب يفوق مؤهلها العلمي ومنصبها الوظيفي، وأخريات يقبلن بسذاجة أي منصب أو أي راتب لا يتناسب مع مؤهلاتهن العلمية الجامعية، وأعتقد أن ذلك هو من أكثر الأخطاء التي تقع فيها فئة المتخرجين الجدد».

«التساهل والتسرع قاداني إلى مقابلة عمل فاشلة»

أما عبير محمد (24 عاماً) التي كانت لا تزال طالبة انتساب وقت تقدّمها لأول وظيفة، فبعد تشجيع أحد أقاربها للذهاب لمقابلة عمل بهدف نيل وظيفة سكرتيرة، خاضت تجربة فاشلة اعتبرتها بمثابة درس. تقول: «كنت أظن أن مهنة السكرتيرة لا تحتاج إلى ذلك المجهود أو المؤهل العلمي، وأن كل ما تحتاجه هو إتقان مهارات اللغة والكمبيوتر والطباعة لا أكثر. في مقابلة العمل الأولى لي لم أعِ أهمية بعض النقاط المهمة، فلعدم توافر طابعة لدي، ولضيق الوقت نسخت سيرتي الذاتية على قرص مضغوط، وكان ذلك أول خطأ أقع فيه، فلم أتوقع أن يرفض صاحب العمل فتح القرص. ثم بدأ يسألني أسئلة عن دراستي وخبرتي، ومن بعدها أمطرني بأسئلة لم أعرف الإجابة عليها، مثل نقاط الضعف في شخصيتي، وكيفية تصرفي في بعض الأوقات الحرجة... ومن وقتها علمت أنني لن أنال الوظيفة بسبب تعجّلي وعدم استعدادي واستخفافي بالوظيفة والمقابلة».

الإلحاح والتعليقات السلبية لا تشجع المتخرجين ولا تمنحهم وظائف

يؤكد الدكتور صالح رميح الرميح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود، أن بعض ممارسات الأهل التي تضغط على أبنائهم المتخرجين، تجعلهم عرضة أكثر للعمل في مجالات لا تتماشى ولا تتمشى مع طموحاتهم، «فللأسف كلما طالت فترة بقاء المتخرج بدون عمل ازداد الكلام والتساؤلات من حوله، مما يؤثر سلباً على نفسية الشاب أو الفتاة، ويجعله يعتقد أنه غير نافع. وهذا بالتأكيد سينعكس سلبا على الأداء أثناء المقابلات الشخصية، وسيجعل من الشباب من الجنسين أشخاصاً غير واثقين بأنفسهم فيقدمون تنازلات على حساب نيل الوظيفة، أو قد يبقون سنوات دون عمل ليكونوا عرضة للإنحراف والكسل والخمول».

 ويعتقد الرميح أن «تشجيع المتخرجين على التعلم وزيادة خبراتهم بما يخدم مجالهم الأكاديمي، وتوعيتهم بأهمية تقديم أنفسهم بشكل جيد، هي مفتاح الحصول على وظيفة والتميز فيها. ويجب ألا يصاب الباحث عن عمل بإحباط بسبب كثرة المقابلات وعدم وجود وظيفة مناسبة، بل على العكس يجب أن يستغل فترة تفرّغه هذه لتطوير نفسه والتعلّم من أخطائه».

مهارة تسويق الذات أهم عنصر للحصول على وظيفة جيدة

ترى المحللة الإستراتيجية الدكتورة نوف الغامدي أن البحث عن عمل يختلف بين المتخرج الجديد الباحث عن عمل وبين آخر يبحث عن وظيفة جديدة، فالمتخرج يبحث عن فرصة لإثبات ذاته وتعزيز ثقته بنفسه وتكوين وضع اجتماعي يضمن له حياة مستقلة، وقد يقدم الكثير من التنازلات حتى يحصل على فرصة جيدة. أما من يبحث عن وظيفة جديدة لتغيير مجال عمله أو المؤسسة التي يعمل فيها بحثاً عن فرصة أفضل، فقد يكون أكثر حرصاً على عدم تقديم التنازلات والتمسك بوضع معين. وترى الغامدي أن الأمر برمته متعلّق بشكل وثيق بمهارة تسويق الذات، فإذا لم يتمكن الشخص من إيصال رؤيته وطموحه وحماسه فمن يستطيع سواه فعل ذلك؟!
ويستطيع المتقدم للوظيفة نيل ذلك من خلال إثبات جدارته، واهتمامه بالسيرة الذاتية، وبالالتزام بموعد المقابلة الشخصية، والثقة والهدوء، والجاهزية لأي أسئلة قد تباغته. وأخيرا تعد مرحلة تسويق الذات مرحلة مهمة، وذلك من خلال القنوات التي تزيد قيمة المتقدم للوظيفة، كالإعلانات في الجرائد والمجلات، والتي تتوافق مع تخصص العمل، وذلك لتكوين صورة واضحة عن ثمن مهارة هذا المتقدم من خلال وظائف وشركات منافسة أو من خلال مواقع التوظيف.

الحاجة تكمن في تسويق خدمات الشباب في سوق العمل

ويوضح الدكتور حبيب الله محمد التركستاني عضو هيئة التدريس في قسم إدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أن الحاجة تكمن في تسويق خدمات الشباب في سوق العمل، وهو ما تَطّرق إليه في كتابه «كيف تحصل على وظيفة؟». فالحصول على وظيفة «مهارة يستطيع المتخرج اكتسابها من خلال التدريب وكثرة الإطلاع والاستفادة من التجارب والثقة بالنفس. ومن الممكن أن يملك هذا المقبل على العمل إمكانات ممتازة، ولكن ليس لديه المهارة الكافية لإيصالها، ولا يعرف كيف يستطيع إقناع الطرف الآخر. ولا يعي أن المقابلة الشخصية هي عبارة عن صفقة لا بد أن يلمّ بطريقة التفاوض عليها، ويعلم ما الأشياء التي يقولها، وما الأشياء التي يحظر عليه البوح بها. فإيحاء المتقدم للوظيفة بقدرته على التعلم بسرعة، وامتلاكه لروح التعاون، وطموحه في التطور، تعكس صورة إيجابية للقائم على المقابلة، بينما قد تعطي بعض الحركات صورة غير مهنية للمتقدم للوظيفة مثل: طريقة الجلوس غير المبالية، أو مناقشة بعض الأمور الشخصية، والمزاح».

ويضيف تركستاني: «النقص في مهارات تسويق الذات لا يعود أبدا إلى عدم وجود مناهج في الجامعات لتغطية هذا النقص، بل هناك مواد تدرّس منذ عشر سنوات تقريبا، ومنها مادة أخلاقيات العمل، ولكن المتخرج ليس بحاجة إلى تلقين، بل إلى توسيع آفاقه بالبحث والتعلّم وخوض العمل الفعلي، فالشهادة وحدها لا تعكس مهارة الشخص».

 خطوات مفّصلة لترك صورة مميزة ونيل الوظيفة

تسرد لما باجعيفر مسؤولة الإدارة الإقليمية في إحدى شركات حيلاً ونصائح لجعل فرصة العمل سهلة المنال، من خلال التميز بمهارة تقديم النفس في كتابة السيرة الذاتية، والتي هي مهمة جدا لترك انطباع سيئ أو جيد. فهي تمنح المسؤول عن العمل نظرة سريعة عن إمكانات الشخص اللغوية والكتابية، إضافة إلى خبراته العملية. وليس من الضروري أن تأخذ السيرة الذاتية الطابع التقليدي المعتاد، بل من الممكن إضافة الألوان أو صفحة غلاف، كما من الممكن ابتكار فكرة لجعل صفحة السيرة الذاتية تشمل العربية والانكليزية. ويعتمد طول وقصر السيرة الذاتية على نوع الوظيفة ، وعلى طبيعة عمل الشركة، فبعض الشركات تفضل الاختصار بذكر المناصب الوظيفية والخبرة على شكل رؤوس أقلام، والبعض الأخر يفضل أن يقرأ السيرة الذاتية على شكل موضوع ، يعبر فيه الشخص عما منحته إياه كل وظيفة من الوظائف من خبرة، وعن أسباب اهتمامه بها، وعن إمكاناته ومهاراته ومنجزاته وطموحه. ولا بد أن يتمتع المتقدم بذكاء لمعرفة نوع السيرة الذاتية المناسبة له ولمجاله الوظيفي. وفي كل الأحوال لا بد أن تكون السيرة الذاتية مختصرة وتشمل صفحة واحدة، مع وضع علامات على أهم الأعمال التي قام بها الشخص، ولا يجوز خلال كتابتها أن يستخف بأعمال بسيطة قام بها حتى لو كانت تطوعية، لأنها وبالتأكيد ستمنحه صورة جيدة عند مسؤول التوظيف، وستبين مدى اهتمامه بشَغل وقته بالعمل.

وتواصل باجعيفر حديثها عن المرحلة الثانية وهي الاستعداد للمقابلة الشخصية، فتضيف: «يبدأ الاستعداد للمقابلة من خلال تسليح النفس بالمعلومات الضرورية، وعدم نسيان أي تفصيل متعلق بالأعمال السابقة، أو الأعمال التي يستطيع الشخص القيام بها، وذلك لمنع حدوث ارتباك وقت المقابلة. ومن ثم تأتي مسألة الاهتمام بسمات الشخصية الخاصة به كمتقدم للوظيفة، من خلال تعمقه في نفسه ومعرفة نواحي قوته وضعفه، لأن شركات كثيرة تهتم بهذه الأسئلة، وتتوقع من الشخص إجابات متميزة وفريدة. كما أحب أن أنوه إلى أن اللغة الإنكليزية مهمة وعلى الجميع الإلمام قدر الإمكان بها. أخيرا مسألة الاهتمام بالمظهر بشكل عام، وارتداء ملابس أنيقة. وعلى الفتيات والسيدات ألا يبالغن في وضع الماكياج».

وعن أكثر الأخطاء الشائعة التي يجب تجنبها أثناء المقابلة الشخصية، تلفت باجعيفر إلى مسألة التفاوض على الأجر «بطريقة تعيق سير المقابلة الشخصية بشكل إيجابي،  فترى الكثير من الشباب يخلطون ما بين الراتب الذي يريدونه والراتب الذي كانوا يتقاضونه سابقاً، وهذا في بعض الشركات التي تدقق في هذه المسائل قد يسبب إحراجاً للمتقدم، لذا لا بد من التحلّي بالصدق أولاً وأخيراً. ثانياً تأتي مسألة عدم وعي المتقدم لمعدل الأجر الذي تعطيه معظم الشركات لوظيفته، فإما يطلب أعلى مما يستحق أو أقل، لذا لا بد أن يكون لديه فكرة عن معدل الرواتب. ولا يجوز طرح السؤال المتعلق بمسألة الأجر مباشرة أو في بداية المقابلة، بل من الممكن السؤال في آخر المقابلة وبطريقة غير مباشرة».