فتوى غريبة في مصر: تلصّص على خطيبتك!

فتوى,علماء الأزهر,د. محمد رأفت عثمان,د. سعاد صالح,د. فايزة خاطر,د. نصر فريد واصل,د. عبلة الكحلاوي,د. صابر طه

21 سبتمبر 2014

الدكتور محمد رأفت عثمان: الأعمال بالنيات

في البداية يوضح الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن هناك فرقاً بين مراقبة من تريد خطبتها، بأن تنظر إليها دون علمها لترى منها ما يدعوك إلى الزواج منها بنية مخلصة، وبين إنسان لا يغض بصره ويدمن تتبع عورات المسلمات دون علمهن.
وأضاف: «الحالة الأولى لا تسمى تجسساً أو تلصصاً، طالما كانت نيته التي لا يطلع عليها إلا الله، سليمة وصادقة برغبته في الزواج منها، وفي هذه الحالة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»، أما الحالة الثانية فهي من التجسس المحرم لما فيه من تتبع عورات وعثرات الناس وأخطائهم، فهذا حرام لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا» آية 12 سورة الحجرات».
وأنهى رأفت كلامه قائلاً: «يرى فريق من الفقهاء أنه يجوز للرجل النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها، سواء بعلمها أو حتى دون علمها، واستندوا في ذلك لما رواه أبو داود وأحمد عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» فقال جابر: «فخطبت امرأة، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها».


الدكتورة سعاد صالح: لا يجوز للرجل النظر إلى خطيبته بشهوة

أما مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر، فتقول: «لا يجوز للرجل أن ينظر إلى من يريد خطبتها نظرة تلذذ وشهوة تصل به إلى تتبع العورات، لأن هذا يتنافى مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذوا عباد الله ولا تعيِّروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته».
وأشارت إلى أنه يحل للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفين ويتأمل محاسنهما، لعزمه الأكيد على الزواج منها، أما ما عدا الوجه والكفين فإنه يجوز له جعل إحدى النساء، مثل والدته أو أخته مثلاً، تصف ما يريد معرفته غير الوجه والكفين طالما كانت نيته صادقة في الزواج منها، فهذا يحقق له ما يرجوه ويبعده عن الخلوة المحرمة بها أو التلصص عليها.
وأنهت صالح كلامها بأنه ينبغي مراعاة أعراف الناس في ذلك، حتى لا تحدث عواقب سلبية على الخاطب أو المخطوبة، والعرف من الأمور المعتبرة في الإسلام طالما لا يتناقض مع تعاليم الإسلام، ولهذا قال تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ» الآيات 199- 201 سورة الأعراف.


الدكتورة فايزة خاطر: التجسس الإلكتروني مرفوض شرعاً

عن حكم التجسس على المخطوبة إلكترونياً للتعرف على أخلاقها أو بعض أسرارها التي لا يعرفها راغب الخطبة أو الخطيب الرسمي، أشارت الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالزقازيق جامعة الأزهر، إلى أن هذا أمر مرفوض شرعاً، لأن فيه اختراقاً لخصوصيات امرأة ما زالت أجنبية عنه، والأفضل له أن يحسن الاختيار على أساس الدين بعد أن يستخير الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وأوضحت الدكتورة فايزة أن حكم التجسس حرام، سواء كان إلكترونياً أو مباشراً، وإذا كان الرجل عازماً على الزواج بزوجة صالحة فعليه البحث عن فتاة متدينة، وك ذلك حرص أهل المرأة على تزويج ابنتهم للرجل المتدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
وأنهت الدكتورة فايزة كلامها مؤكدة ضرورة البعد عن التجسس والشك المحرم، لأن الأصل في المسلمين عموماً السلامة من الفواحش والآثام، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بالمؤمنين والمؤمنات، وعن التجسس عليهم أو تتبع عوراتهم، أو أمور الناس المستورة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجسسوا ولا تحسسوا».


الدكتور نصر فريد واصل: التلصص على العورات حرام

عن حدود النظر المباح من الرجل إلى من يريد الزواج منها، يقول الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق: «يباح النظر إلى ما لم يرد نص بتحريمه، مثل الوجه والكفين، فعن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أن أختها أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفيه».
واستشهد الدكتور نصر فريد بجواز رؤية المباح فقط دون رؤية العورات، بما رواه المغيرة بن شعبة قال: «خطبت امرأة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها؟» قلت: لا. قال: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما». ولا يشترط للرؤية إذن المرأة ولا إذن أوليائها عند جمهور أهل العلم، اكتفاء بإذن الشارع طالما لم يتجسس أو يتلصص ليرى العورات، امتثالاً لأمر الله تعالى بغض البصر سواء بالنسبة للرجال أو النساء، في قوله تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الآيتان 30- 31 سورة النور، ولهذا فإن الأصل أن يغض المؤمن بصره عن المرأة الأجنبية عنه.


الدكتورة عبلة الكحلاوي: سؤال أهل الثقة عن المخطوبة أفضل من التلصص عليها

وتقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات في بور سعيد جامعة الأزهر: «يجوز للمسلم الصادق الراغب حقيقة في الزواج الشرعي تتبع المرأة التي يريد خطبتها، من أجل النظر إلى ما يدعو إلى نكاحها، بشرط أن يتتبعها في أمور ظاهرة فهذا أمر لا حرج فيه، أما إن كان يقصد بالتتبع معرفة أمور باطنة أو خفية أو مشاهدة عورات فهذا لا يجوز شرعاً، لأنه يتضمن نوعًا من التجسس المحرم شرعًا».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن الوسيلة الشرعية لمعرفة دين المرأة أو خلقها لأجل الخطبة أو حتى مواصفاتها الجسمانية، هي سؤال من يعرفها من الناس الثقات والعقلاء، سواء من الرجال أو النساء، فإن أثنوا عليها خيرًا تقدم المرء لخطبتها بعد أن يستخير الله في أمرها ليختار له الأفضل، فهذا هو الطريق الأمثل الذي يحمي الرجل من النفس الأمارة بالسوء، التي قال عنها الله تعالي على لسان زوجة العزيز: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 53 سورة يوسف.
واستشهدت الدكتورة عبلة، بأن الاستخارة بعد سؤال المقربين وأهل الثقة عن الفتاة أفضل شرعاً، بدليل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبا أيوب الأنصاري، عندما أراد أن يعلن رغبته في خطبة امرأة ما، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:» اكتم الخطبة ثم توضأ وأحسن وضوءك ثم صل ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجده ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، فإن رأيت أن في فلانة- ويسميها باسمها- خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيراً لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي» وقد قيل: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار».
 

الدكتور محمد المنسي: بعض العلماء أجازوا التلصص على المخطوبة حتى لا يندم الرجل على الزواج منها

يرى الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة، أن أكثر العلماء ذهبوا إلى أنه يباح للخاطب أن يرى الوجه والكفين فقط، لكن بعضهم اجتهد في أكثر من ذلك بضوابط شرعية، مثل قول الإمام النووي: «إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم، ويجوز تكرير هذا النظر بإذنها وبغير إذنها، والمرأة تنظر إلى الرجل إذا أرادت تزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها» وبالطبع هو هنا لا يقصد النظر بلا حدود حتى يصل الأمر إلى التلصص عليها وهي عارية أو تستحم، فهذا أمر منافٍ للفطرة السوية وتعاليم الأديان عامةً.
وأوضح الدكتور المنسي، أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أنه يباح للخاطب أن ينظر إلى ما يظهر غالباً من المخطوبة أمام محارمها، يعني أكثر من الوجه والكفين، من مظاهر أنوثتها والتي تدعوه أو تنفره من الزواج منها، دون علمها تلصصاً وتتبعاً لعورتها، وذلك حتى لا نفتح باباً للشيطان لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آية 21 سورة النور.
وأنهى المنسي كلامه بالأخذ بأسباب التدين قبل أي شيء آخر، سواء من جانب الرجل أو المرأة، عند اختيار كل منهما شريك حياته، ثم يأخذ بالأسباب من سؤال أهل الثقة والاستخارة، وفي النهاية لن يكون إلا ما كتبه الله في ضوء قوله تعالى: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» الآية 26 سورة النور، وفي النهاية كما يقول المثل العامي المصري «الزواج قسمة ونصيب»، وعبر عنه الله تعالى في قوله: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» آية 51 سورة التوبة.


الدكتور صابر طه: ينبغي البعد عما فيه شبهة حرام

يؤكد الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، أن الوسطية سمة أساسية من سمات الإسلام، وبالتالي فإنه يمكن التوفيق بين الفقهاء المبيحين والمحرمين للرجل الراغب في الخطبة أو حتى الخاطب أن يرى ما يريد ممن يرغب في الزواج منها دون علمها، بأن يصدق الله نيته ويستخيره ويسأل عنها القريبات منها الصادقات في القول والفعل، فهذا هو المخرج، أما أن نترك الحبل على الغارب بأن يتلصص كل خاطب على مخطوبته حتى لو وصل الأمر إلى أن يرى عوراتها فهذا أمر مذموم ومحرم، بل ورد الوعيد الشديد لمن يفعل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته».
وأنهى طه كلامه بقوله: «إذا افترضنا أن القضية جدلية أو فيها أقوال، فينبغي البعد عما فيه شبهة الحرام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».