بين كلام المفتيين الحالي والسابق: التشات بين الجنسين يثير جدلاً دينياً!

التشات,جدل ديني,د. علي جمعة,شوقي علام,هدى الكاشف,د. آمنة نصير,د. إبراهيم نجم,د. كريمان حمزة

أحمد جمال (القاهرة) 27 سبتمبر 2014

صار التشات بين الجنسين واسع الانتشار ووسيلة لتبادل الآراء أحياناً حول القضايا المختلفة، إلا أن مفتي مصر الدكتور شوقي علام أثار حالة من الجدل عندما أفتى بأنه باب للعبث والشر، فيما خرج المفتي السابق الدكتور علي جمعة مؤكداً أن التشات لا يعتبر خلوة محرّمة بين الجنسين.

فما هي تفاصيل فتوى المفتيين الحالي والسابق، وماذا يقول علماء الدين؟

بدأت القضية بعدما تلقت دار الإفتاء المصرية أسئلة كثيرة عن حكم الشرع في «التشات» بين الرجال والنساء، من غير المحارم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.  
تجاوب الدكتور شوقي علام، مفتي مصر مع آلاف الأسئلة التي تلقاها الموقع الإلكتروني لدار الإفتاء، فأصدر فتوى تقول «إن المحادثة الإلكترونية بين امرأة ورجل «باب من أبواب العبث والشر»، ولا تجوز إلا في حدود الضرورة».  وأضاف: «لا تجوز المحادثة الإلكترونية بين رجل وامرأة كل منهما أجنبي عن الآخر إلا في حدود الضرورة، والمقصود بالرجل الأجنبي في الفقه هو من ليس من محارم المرأة، وهم زوجها وأقرباء لا يجوز لهم الزواج منها كالإخوة وغيرهم».
وأضاف المفتي تحت عنوان «مزيد من الشرح عن حكم محادثات الجنسين على الإنترنت»: «إن المحادثة الإلكترونية ممنوعة لما أثبتته التجارب المتكررة، خاصة في عصرنا، أن هذا النوع المحادثات- مع ما فيها من مضيعة للوقت واستهلاك له بلا طائل ولا فائدة صحيحة- يعد باباً من أبواب العبث والشر، ومدخلاً من مداخل الشيطان وذريعة للفتنة والفساد».

 وطالب المفتي، النساء– أيا كانت أعمارهن- بعدم إرسال صورهن لشخص لا يعرفنه أو لغير محارمهن، وذلك لأن العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تقدم تطبيقات تسمح بالتعارف عبر الإنترنت والمحادثة بالصوت والصورة بين غرباء، وكذلك التواصل مع الأصدقاء والأقارب أو زملاء العمل، مع العلم أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر وحدها لا يقل عن 32 مليون شخص، وبالتالي لا يحق شرعاً للمرأة أن ترسل صورتها لمن لا تعرف، صيانة لنفسها وحفظًا لعرضها وكرامتها، خصوصًا بعد ثبوت استعمالات فاسدة لهذه الصور من قبل المنحرفين العابثين، وهذه ثقافة مختلفة عما يأمر به الدين.

امتصاص الغضب

تسببت فتوى علام بعاصفة من الغضب الإعلامي والاجتماعي، وهذا ما جعل مستشاره الإعلامي، الدكتور إبراهيم نجم، يوضح عبر وسائل الإعلام أن الفتوى، التي تحرم المحادثات الإلكترونية بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، هدفها دعم قيم المجتمع المصري والعربي والإسلامي، وغلق أبواب الشر الاجتماعي في مجتمعاتنا الشرقية التي تخضع لعادات وتقاليد لا تمنع أن يتحدث الرجل للمرأة، لكن فى حدود هذه العادات والتقاليد التى تربينا عليها، وهذا ما لا يستطيعه الغالبية العظمى من الشباب والفتيات، الذين يعدون العدد الأكبر من مستخدمي التشات، ولهذا فإن الفتوى جاءت فى ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وما تتيحه من أبواب للمحادثات الإلكترونية تفتح مداخل للشيطان والفساد.

وعندما لم يقتنع كثيرون بهذا التبرير، علق الدكتور إبراهيم نجم: «إن فتوى حرمانية «التشات» بين الجنسين أسيء فهمها، لأن التشات بين الجنسين ليس محرمًا، لكن لا بد من تطبيق الضوابط أثناء الحوار، ونحرص ألا يغرر الشباب بالفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت».

فرق

أما الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، فيؤكد أن التشات عن طريق الإنترنت بين الجنسين يعد حرامًا إذا أدى إلى ضياع الأسر والفجور، لكنه لا يُعدّ خلوة ما بين رجل وامرأة أجنبية، وهناك نهي من الله ورسوله عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية.

وأضاف: «التشات أداة يختلف حكمها باختلاف استخدامها، لأن التعارف عبر التشات من أجل الزواج جائز بشرط أن يكون بالمعروف، وأنه إذا تحول التشات إلى تجاوزات أخلاقية يجب الامتناع عنه، مع التأكيد أن هناك فرقاً بين الخلوة والسر والحياة الخاصة والعامة، فالخلوة تشترط وجود رجل وامرأة بجسديهما بجوار بعضهما في مكان خاص لا يقطع عليهما أحد خلوتهما، والرسول نهى عن ذلك بدون محرم، وهذا يختلف عن التقاء رجل وامرأة ببعضهما، كإمام مسجد وامرأة تسأله في أمور الدين وحدهما، ولا يعد ذلك خلوة، لأن ذلك أمر من أمور الحياة العادية، ويجوز لأي أحد قطع هذا اللقاء، والأمر نفسه يقع على المحادثات الإلكترونية لأنه ليس هناك التقاء بالأجساد».

وأكد الدكتور علي جمعة ضرورة أن يتابع الوالدان ما يدور من حديث ابنتهما مع أصدقائها، ولا يحق للفتاة أن تمنع والدها من متابعتها، وكذلك الزوجة لا يجوز لها منع زوجها من الاطلاع على ما تقوله وعلى من تكلم، ووجه حديثه للشباب الغاضب من هذه الفتوى قائلًا: «أيها الشاب الغاضب لماذا تغضب؟ نحن لا نفرض الإسلام على أحد ولا نقهر أحداً لكي يتبع الفقه الإسلامي».

النية

اعتبرت الدكتورة آمنة نصير، عضو المجلس القومي للمرأة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، أنه لا يجوز تعميم الحكم بتحريم التشات أو المحادثة الإلكترونية بين الجنسين بإطلاق، وإنما الحكم يتوقف على النية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، القائل: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».

وأشارت إلى أن المحادثة الإلكترونية أصبحت ضرورة عصرية ويمكن استخدامها فيما ينفع الناس، وكذلك ما يضرهم، ولهذا فإن الحكم الشرعي ينبغي أن يكون مرتبطاً بمضمون المحادثة التي هي من الأشياء «ثنائية الاستخدام»، وبالتالي يتوقف الحكم الشرعي على طريقة استخدامها، فهي مثل السكين التي يمكن استخدامها في المفيد والضار، حسب رغبة وإرادة مستخدمها، وهو يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله عالم الغيب والشهادة، القائل: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ، سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ» الآيتان 9-10 سورة الرعد.

للضرورة فقط

أكد الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون في طنطا جامعة الأزهر، أن التشات بين الجنسين دون ضرورة يشجع على الفوضى الأخلاقية، نتيجة الاختلاط المحرم، حتى ولو كانت المسافات بعيدة، ولهذا حذرنا الله تعالى من ذلك فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آية 21 وسورة النور. 

أضاف: «فتوى دار الإفتاء- مع إيماني بعدم التحريم الشامل– قد تكون من قبيل الإجراء الوقائي الاستباقي، وخاصة بين الشباب والفتيات في سن المراهقة، مما قد يؤدي إلى الوصول إلى الرذيلة، وهنا لابد من عدم التهاون والعمل علي دفع مفسدة الخطيئة التي قد يؤدى إليها التشات، ولهذا فقد استبق المفتي الحدث قبل وقوعه، ونبه لخطورته حرصاً على مقتضيات المصلحة الشرعية ما يمكن أن يؤدي إليه تشات الجنسين، خاصةً إذا كان طرفا المحادثة من ضعاف الإيمان الذين تناسوا أو تجاهلوا قول الله تعالى :«إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ» آية 5 سورة آل عمران، وقوله تعالى أيضاً: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» آية 14 سورة الفجر.

وأنهى قزامل كلامه مؤكداً أنه لا مانع شرعاً من التشات بين الجنسين للضرورة، وليس للتسالي أو الحب والغرام، وكما يقول الفقهاء: «الضرورة تقدر بقدرها» في إطار قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، بشرط ألا تجر هذه المحادثات لأشياء أخرى، إلا وجب الامتناع عنها، لأن الدين يقوم على درء الشبهات والابتعاد عن المفاسد.

معيار الحلال والحرام

تقول الدكتورة كريمان حمزة مقدمة العديد من البرامج الدينية: «مع احترامي لفتوى دار الإفتاء المصرية حول تحريم «التشات» بين الجنسين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه لابد من تحديد نوعية ومضمون المحادثة، لأنها المعيار الوحيد للحكم إذا كانت المحادثة حلالاً أم حراماً، فمثلاً إذا كانت المحادثة أو التشات من أجل منفعة ما أو تعاون إنساني في الخير أو لتقديم مشورة ونصيحة لوجه الله فهي حلال، لعموم قول الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» آية 2 سورة المائدة، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

وأضافت أن من يتأمل الآية والحديث السابقين سيجد الأمر فيهما عاماً دون تحديد للجنس، وإنما عام بين البشر بشرط ألا يؤدي إلى معصية، ويكون منضبطاً بالضوابط الشرعية اللازمة في اللقاء المباشر بين الجنسين، مثل عدم الليونة النسائية في الكلمات، لقول الله تعالى: « يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ...» الآيتان 32-33 سورة الأحزاب.

وأنهت الدكتورة كريمان كلامها مؤكدةً أهمية التنشئة الدينية في عصر السموات المفتوحة، الذي لا يمكن فيه منع التواصل بين البشر، سواء رجالاً أو نساءً بالوسائل التقليدية، ولهذا فإن التربية على مكارم الأخلاق هي التي تمنع طرفي التشات، سواء كانوا ذكوراً أو إناثا، من تخطي الخط الأحمر الذي حدده الشرع للعلاقة والتواصل الإنساني بينهما، ولهذا فإن فتوى دار الإفتاء بتحريم التشات بين الجنسين تعد مجافية للواقع، لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً من الواقع لا يمكن إنكاره، لأن المحادثة بين الجنسين حلالها حلال وحرامها حرام.

التعميم مرفوض

تتحفظ الداعية الإسلامية هدى الكاشف عن فتوى تحريم التشات بدون وضع ضوابط دقيقة لذلك، قائلةً: «يعد التشات الآن ضرورة لدواعي العمل أو الدراسة، أو لأي منفعة، فليس هناك منها ضرر، أما كون الرجل والمرأة غريبين عن بعضهما فهما موجودان معاً في العمل يومياً، وبالتالي فإن التحليل والتحريم يكونان مرتبطين بمضمون التشات».

ورفضت بعض الفتاوى التي ترى التشات خلوة شرعية محرمة، بصرف النظر عن مضمونه، قائلةً: «التعميم مرفوض في كل شيء، لأن لكل مقام مقالاً، وبالتالي لا يمكن النظر إلى تشات العمل الجاد أو زملاء الدراسة أو العمل الحلال أياً كان، على أنه نوع من الخلوة الشرعية التي ينطبق عليه قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». وأنهت كلامها مؤكدة أن الأساس في التحليل أو التحريم هو الغرض من تلك المحادثة ومضمونها، أيا كانت وسيلتها والنواحي الأخلاقية لدى طرفي المحادثة، وخوفهما من الله القائل: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» آية 4 سورة الحديد، فإذا التزم الطرفان بهذه الآية فلا مانع شرعاً من التشات.