هلسينكي العاصمة الأكثر هدوءًا في العالم

هلسينكي,فنلندا,أماكن التسوق,التسوق,حديقة

هلسينكي- ديانا حدّارة 04 أكتوبر 2014

لم يخطر في بالي يومًا أن هناك من يتصل بي ويدعوني لزيارة لابلاند في فنلندا في فصل الصيف وخوض تجربة تمضية سبعة أيام في وضح النهار على مدار الساعة، أستيقظ وأنام والنور منفلش. التحليق من بيروت إلى فنلندا يمرّ عبر اسطنبول ويستغرق نحو ست ساعات، أطلقت خلالها العنان لمخيلتي لما يمكن أن تكون عليه هذه البلاد الواقعة في أقصى شمال أوروبا وعلى مقربة من المحيط المتجمّد الشمالي. هل سيسمح نهارها الصيفي الذي يستمر نحو ستة أشهر لي بالنوم؟ سؤال تركت إجابته لفنلندا.
عند الثانية عشرة ظهرًا حطّت الطائرة في مطار هلسينكي الدولي، لا فارق في التوقيت بين هلسينكي وبيروت بل هو نفسه، العاصمتان جمعهما الوقت ولكن من الأكيد اختلفتا في زحمة السير. فهلسينكي هادئة رغم أنه يوم الإثنين ووقت الظهيرة الذي من المفترض أن تكون فيه زحمة السير في ذروتها، ولكن كل شيء كان يسير بهدوء وسلاسة كما الطبيعة التي تزنّر هلسينكي.

وصلنا إلى فندق كراون بلازا وكنت وبقية الفريق الصحافي الذي جاء أفراده من دبي وأبو ظبي والبحرين منهكين بسبب التحليق الليلي. رحّب بنا موظفو الإستقبال بابتسامة دافئة، وصعدنا إلى غرفنا لنأخذ قسطًا من الراحة قبل أن نتناول الغداء في مطعم الفندق «ماكو».

هل أنتم مستعدون لمغامرة التعرف إلى هلسينكي خلال يوم واحد؟ هذا كان سؤال ريتشارد مرشدنا السياحي. ركبنا الحافلة و شمس هلسينكي الصيفية ترافق تسللنا إلى قلب العاصمة التي تنبض بإيقاع عصري خفيف يعكس شخصية المدينة الهادئة، وكأن كل تفصيل فيها يتكلم بهمس جميل يغريك بالتعرف إليها.

توقفت الحافلة عند مدخل كنيسة تيمبليوكيو Temppliaukio التي شيّدها الأخوان سومولائين في جوف صخرة ضخمة عام 1969 وتقع في قلب العاصمة، وتسمى «كنيسة الصخرة». هنا ينسحب هدوء المدينة على داخل الكنيسة.

ساحة السينات... التاريخ إن حكى

يبدو أن ريتشارد فخور بتاريخ مدينته فهو لم يتوقف عن الحديث عن تاريخ فنلندا وعلاقتها بجارتها روسيا، وكيف أن الفنلنديين أصروّا على استقلالهم عن إمبراطورية القياصرة الروسية، لذا أصرّ على أن يجعل يومنا الوحيد في هلسينكي تاريخيًا بامتياز. فبعد كنيسة الصخرة توجهّنا إلى ساحة السينات Senate square قلب العاصمة والتي تشكّل المنطقة الأقدم في هلسينكي وتجمع هندستها المعمارية بين السياسة والدين والعلم والتجارة. تتحلق حولها الكاتدرائية ومبنى القصر الحكومي ومبنى جامعة هلسينكي ومنزل التاجر سدرهولم Sederhom  وهو أقدم منزل في وسط هلينسكي، بني عام 1757. يتوسّط الساحة مجسم الإمبراطور ألكسندر الثاني الذي شُيّد عام 1894 تكريمًا لهذا الإمبراطور الروسي الذي أدّت إصلاحاته إلى الحكم الذاتي بعيداً عن السيطرة الروسية رغم أنه روسي. وتحيط المجسم رموز تمثل القانون والثقافة والفلاحين، وقد تحوّل هذا المجسم رمزًا للمقاومة الهادئة ضد المراسيم الصادرة عن نيكولاس الثاني في جعل فنلندا روسية، فقد كان سكان هلسينكي يضعون الزهور عند أقدام مجسم ألكسندر الثاني جدّ نيكولاس الثاني ليعبّروا عن اعتراضهم على تحويل فنلندا إلى مقاطعة روسية.

تستقطب ساحة السينات Senate Square الكثير من السياح لا سيّما درجات سلّم الكاتدرائية الذي يتيح للناظر عند الجلوس في أعلاه مشهدًا فريدًا لجمال التاريخ المستريح حولها. وبكل فخر حدّثنا مرشدنا السياحي كيف أنّ الساحة جذبت العدسة الهوليوودية، فهنا صوّر المخرج والممثل الأميركي وارن بيتي بعض مشاهد فيلمه «ريدز» Reds عام 1981، على أساس أنها سانت بيترسبرغ من دون ظهور للكاتدرائية، وبعض اللقطات من فيلم جون هيوستن «رسالة الكرملين» The Kremlin Letter عام 1970. وقد صورت المشاهد خلال الليل بما فيها ظلال الكاتدرائية، وكذلك مشاهد أمسيات ثلجية في فيلم جيم جارموش Night on Earth  عام 1991. 

رصيف المرفأ تجربة تسوّق لا بد منها

بعد الساحة توجهنا إلى رصيف مرفأ المدينة الممتد على خليج هلسينكي الذي هو إحدى أذرع بحر البلطيق، وفيه سوقان، الأولى داخل مبنى قديم يضم ثلاثين كشكًا طغت عليها الأناقة في التصميم وطرق عرض المأكولات والخضر والفواكه وكأنها جواهر تعرض في بوتيكات المجوهرات. ولفتني حضور المأكولات التركية من كباب وحلويات، في السوق الصغيرة. ومن السوق المغلقة خرجنا إلى السوق المنفتحة على الهواء والبحر، حيث أكشاك تعرض للخضر والفاكهة وأخرى تفوح منها روائح الطبخ السريع من سمك وأطباق شعبية... الندّل والنادلات منهمكون، وعليك أن تفكّري سريعًا في الوجبة التي تريدين تناولها، فالتحضير سريع والتقديم أسرع. فيما تسمع مناداة أصحاب البسطات التي تعرض للتذكارات والحرف اليدوية، هنا يمكنك أن تساومي على السعر خصوصًا في هذا التوقيت، فمع غروب الشمس الذي يبدأ عند العاشرة قد تخور قوى أصحاب البسطات ويصبح من السهل المساومة على الأسعار بعد نهار طويل أمضوه في سوق المرفأ.

وعلى رصيف المرفأ كان طير النورس يمرح ويتقافز بين الرواد وسياراتهم، شعرت بأنه فخور بالمدينة ومينائها، لا يأبه لعدستي التي تلاحقه لإلتقاط صورة وهو يقف متأملاً البحر أو ربما راصدًا صيده في البحر، لأجده فجأة يحلّق ويغط في الماء، ليعود ويستريح على الرصيف بهدوء يشبه المدينة التي يحلّق في فضائها. 

بعد جولة السوقين دارت بنا الحافلة على طول خليج هلسينكي وكان الناس لا يزالون يستمتعون بشمس الصيف وبحره، فعلى طول الطريق إلى الفندق تحتشد المتنزّهات العامة حيث تفترش العائلات العشب الأخضر ويتظلل أفرادها بفيئ الشجر الوارف ليتناولوا طعام الغداء، وهناك هواة السمرة يستغلون شمس الصيف إلى أقصى حدود، وهناك من فضل هواية الركض، وبعضهم يمارس هواية الصيد بالصنارة، والهدوء هو الطاغي رغم نبض الحركة الإنسانية.

أنهينا يومنا في هلسينكي بعشاء في مطعم «كو» حيث انهالت علينا الأطباق الفنلندية التقليدية. وهكذا كانت هلسينكي المقدّمة الجميلة التي حكت لي الكثير بهدوئها عما ينتظرني في لابلاند- فنلندا...

معلومات مفيدة 

● هلسينكي مدينة يحلو التجوال فيها سيرًا على الأقدام أو على الدراجة الهوائية.  لذا إذا قررت  زيارتها في الصيف لا تنسي حذاءك الرياضي، والقبعة، وتعرّفي  إلى تفاصيل العاصمة بهدوء.

● استعمال الواي فاي في هلسينكي متوافر مجانًا للمقيمين وللسياح على حد سواء، ولا يحتاج السائح إلى تسجيل هاتفه أو كلمة سر لفتح الواي فاي بل يكفي البحث عن هلسينكي Helsinki City Open WLAN من خلال الشبكة المتوافرة، حتى يبدأ استعمال خدمات الواي فاي.

التسوّق

تعتبر منطقة الأزياء Design District في هلسينكي مقصد هواة الموضة على اختلاف أنواعها وتقع في قلب العاصمة. يتفرّع منها 25 شارعًا، وأكثر من 200 متجر  من ضمنها متاجر المجوهرات، والمحلات التجارية العتيقة، ومحلات الأزياء والمتاحف والمعارض الفنية والمطاعم والفنادق وصالات العرض.