قرطبة: المدينة التي تحضن في ثناياها أمجاد أندلس العرب

قرطبة, إسبانيا, أوروبا, مدينة, العرب, بيوت

15 أكتوبر 2013

لم يبقَ في إسبانيه
منا، ومن عصورنا الثمانيه.....
وأعينٌ كبيرةٌ .. كبيرةٌ
ما زال في سوادِها ينامُ ليلُ الباديه..
لم يبقَ من قرطبه
سِوى دموعُ المئذناتِ الباكيه
سِوى عبيرُ الوردِ، والنارنجُ والأضاليه..
لم يبق من ولادة ومن حكايا حبها..
قافية. ولا بقايا قافيه..
من قصيدة «كتبتِ لي يا غالية» نزار قبّاني

عند ضفة نهر الوادي الكبير جنوب إسبانيا ثمة مدينة تحضن في ثنايا تاريخها وجغرافيتها أمجاد أندلس العرب. إنها قرطبة مدينة ابن رشد فيسلوف العقل الذي عبّدت فلسفته الطريق لأوروبا عصر النهضة، فكانت الرشدية اللاتينية المشعل الذي حمله كبار مفكّري أوروبا عصر الأنوار.

رغم أنه لم يبقَ من قرطبة الأندلسية كما يقول نزار قباني سوى دموع مئذنات باكية فإن الزائر كيفما جال فيها، يجد للعرب آثارًا تحدّثه عن آخر ملوكهم، عن مجدهم وانهيارهم، فلمسات فن العمارة الإسلامية منتشرة في أرجاء المدينة وكأنها شاهد يلملم بقايا أمجاد العرب في ثنايا عالم أندلسي مشغول بالبهاء والروعة.


المدينة العتيقة وبصمات العرب الجميلة

تتيح النزهة في المدينة العتيقة اكتشاف متاهة رائعة من الأزقة، والساحات والصحون البيضاء الكلسية المتحلّقة حول الجامع- الكاتدرائية الشاهد على أهمية المدينة في العصور الوسطى ورمزها.
خلال التجوال في المدينة العتيقة لا بد للزائر أن يخضع لإغراء التسوّق من بوتيكات الأرتيزانا التي تعرض تذكارات من الجلد المشهورة به قرطبة، ولكن الذكريات الأجمل التي يحصل عيلها زائر المكان هي الصور التي يلتقطها في مدينة إستثنائية والتي يحفظها في ذاكرته لإجازة رائعة في قرطبة.

لم تنسَ قرطبة تاريخها الجميل، ولكنها مدينة عصرية تتكيف مع الزمن الحاضر وتتواصل معه من خلال بنى تحتيّة وخدمة مواصلات عصرية، وكذلك عروض فنادق جيدة. فهذه المدينة متصلة ببقية مدن إسبانيا الأندلسية.
إذ يوجد فيها قطار بسرعة كبيرة وشبكة سكك حديد واسعة تقرّبها من المراكز المدنية الكبرى مثل مدريد وإشبيلية. كما في داخل المدينة شبكة كبيرة من الحافلات وسيارات الأجرة في متناول الزائر بغض النظر عن وجهته يصل إليها بدقائق معدودات.

وقرطبة هي أيضًا عنوان الفن والثقافة والترفيه، إذ تشهد المدينة عددًا كبيرًا من الأحداث الثقافية التي تنظم على طول السنة، مثل مهرجان الفلامنكو والعروض الموسيقة والباليه ونشاطات أخرى يكملها عدد كبير من المتاحف وأسلوب حياة صاخبة لا تهدأ حركتها.

من جهة أخرى تملك قرطبة بصمات إرث الأندلس، حيث المعلم الأكثر حضورًا هي المدينة الزهراء، الواقعة عند أقصى المدينة، وهي في الوقت نفسه توفرّ مشهدًا رائعًا لعشاق الطبيعة. فمتنزهات سييرا كاردينا في وادي لوس بيدروهيس و منوتورو وسييرا دي هورناكويلوس وسييراس سوبيتيكاس توفر احتمال ممارسة كل أنواع رياضات تحت سماء مفتوحة، كالقفز بالمظلّة.


بيوت قرطبة وشوارعها متاهة ألوان الأبيض سيّدها

تلفتك بيوت قرطبة بلونها الأبيض وتلاصقها وبأنها لا تزيد عن طبقتين، زُينت جدرانها بأصص الورود ولا يهم إذا كانت هذه الورود طبيعية أو صناعية، و كل ما يهم هو أن توضع على الجدران أو الأسقف والأرضيات والطاولات أيضاً.
كما تتميّز منازل قرطبة، بالفناء الخارجي الذي يحوّله أصحابه إلى مقهى. لذا من الضروري ألا يفوّت زائر المكان تجربة أحد هذه المقاهي وتناول طبق من المطبخ المحلي اللذيذ.
يعتبر زيت الزيتون، الذي يتمّ إنتاجه بكميّات كبيرة في جميع أنحاء قرطبة، عنصرًا مهمًا للكثير من الأطباق التقليدية. منها الحساء البارد الذي يتكوّن من الخضار المهروسة وزيت الزيتون. وقوام معظم الأطباق في قرطبة لحم الضأن وحساء الراغوت.
أما الحلويات ففيها نكهة عربية منها باستيل قرطبة المقلية بالزيت الحلو والمغمسة بالعسل، والبيستيونوس عبارة عن لوز وعسل.

وشوارع قرطبة متاهة بكل ما للكلمة من معنى، فأثناء التجوال يصادف الزائر رجل عجوز ينادي على اليانصيب قائلاً بالأسبانية «لوتاريا» أو عرافة تقرأ الكف... وفجأة تسمع نغمات عازفو الغيتار.

وتنتشر عند أسوار المدينة العتيقة تماثيل عدد من الفلاسفة كابن رشد فيلسوف قرطبة وحكيمها واسمه بالإسبانية Averroes، كما يلفت النظر وجود نصب تذكاري لأشهر عاشقين في مدينة قرطبة و هما إبن زيدون وولادة بنت المستكفي.

الجامع- الكاتدرائية الشاهد على رقي الفن الإسلامي
يقال إن قرطبة كان فيها خلال الحكم الأموي 1000 جامع ويعتبر الجامع الكبير الذي تحوّل كنيسة معلمًا لا يزال يشهد على رقي تمازج الفن المعماري الإسلامي والمسيحي.
يدهش الزوار بأعمدته الألف وأقواسه الحجرية المطلية بالأحمر والأبيض وأقواسه ونمنماته والآيات القرآنية التي تزين واجهة المحراب.
ويصاب الزائرون بالدهشة عندما يكتشفون في وسطه كاتدرائية قوطية شُيّدت خلال حملات الملوك الكاثوليك.


قصر قرطبة Alcazar ومتعة التجوال بين أطلال العرب

قصر قرطبة هو قلعة وقصر يحتويان قسمًا كبيرًا من الفن المعماري الخاص بقرطبة. هنا في هذا المكان المفضل لمختلف حكام المدينة تساكن الأطلال الرومانية والقوطية الأطلال العربية.
وقد دمّر كلياً المعلم العتيق الذي كان جزءًا من قصر الخليفة بعدما اجتاح فرناندو الثاني قرطبة عام 1236، وأعيد ترميمه من قبل ألفونس الخامس وألفونس السادس، وقد استعمل لعدة أغراض عبر التاريخ. فكان سياج مكتب الكاهن خلال مرحلة محاكم التفتيش، وأحيانًا سجنًا خلال النصف الأول من القرن الحادي عشر.

تدهش القعلة زائرها، فهي مزنّرة بأربعة أبراج هي: برج الأسود وبرج الوالي وبرج التفتيش وبرج كولومبو.
أما بقية ملحقات القلعة فهي تدور حول الباحات بورودها الفريدة وأعشابها العطرية والنبات الترف.
من بين الصالات لا يمكن تفويت القبة الباروكية وصالة الفسيفساء حيث تعرض قطعًا رومانية، كما يمكن زيارة الحمامات العربية المنقسمة ثلاث صالات توصلها ببعضها مدفئة.
من بين الباحات موديجار Mudejar التي تدوخ بجمالها، وبأرضها الرخامية وخرير المياه الجاري عبر القنوات والأحواض تنعش الزائر وتشعر بالإسترخاء. أما الحدائق الغنّاء المحيطة بالقصر تزيده روعة وجمالاً.

 

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة