مفتي مصر السابق يفجّر الجدل: طلاقك باطل إذا لم ينطقه زوجك بالفصحى!

طلاق,فتوى,علماء الدين,د. علي جمعة,د. حامد أبو طالب,د. فايزة خاطر,د. أحمد عمر هاشم,د. عفاف النجار,د. سيف قزامل,د. سعاد صالح

أحمد جمال (القاهرة) 01 نوفمبر 2014

رغم أن كثيرين ينطقون لفظ الطلاق بالعامية ويستبدلون حرف الهمزة في نطقه بالقاف فيقولون «طالئ»، لكن المفاجأة التي فجرها أخيراً مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة بقوله إن عدم نطق لفظ الطلاق بالفصحى وبشكل صحيح يبطله، وبالتالي لا يقع الطلاق ويكون الزواج مستمراً.
فما الذي استند إليه المفتي السابق في فتواه؟ وماذا يقول علماء الدين عن تلك القضية المثيرة؟

أعلن الدكتور علي جمعة أنه أعد بحثاً عن الطلاق، أورد فيه أن طلاق المصريين لا يقع لأنهم ينطقونه بالهمزة وليس بالقاف، فيقولون «طالئ» وليس «طالق».
واستند في فتواه إلى رأي قديم للفقهاء كانوا يرون فيه أن لفظ «تالق» بالتاء المفتوحة الذي كان ينطق به البعض قديماً لا يعتبر طلاقاً، والمعلوم أن الطلاق يقع باللفظ مع النية، ولفظة الطلاق أو ما يعنيها تعني وقوعه، وأن من لفظ الطلاق نوع صريح، وهذا يقع بمجرد لفظه حتى لو لم يقصد الإنسان الطلاق.
وأوضح جمعة أن قول الزوج «عليَّ الطلاء» لا يقع به الطلاق أيضاً، بل إنه إذا قال «عليّ الطلاق» باللفظ الفصيح يرى بعض الفقهاء أنه لا يقع به الطلاق أيضاً.

رأي قديم

تساءل الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «لماذا خالف الدكتور علي جمعة ما قاله العلماء وذهب إلى رأى قديم في هذه الآونة التي نعمل فيها على تقليل الخلاف حول الفتاوى، وخاصة ما يتعلق بشؤون الأسرة والمجتمع حفاظاً على تماسكها؟».

ولفت إلى أن الأمر يتوقف على النية وليس اللفظ فقط، للحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».

الطلاق بأي حرف

ترى مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات جامعة الأزهر، أن هذه الفتوى جانب فيها الصواب الدكتور علي جمعة، لأن يمين الطلاق يقع سواء كان طلاق الهمزة أم طلاق القاف أم حتى طلاق الجيم، إذ ينطق البعض القاف جيماً، فالأهم من اللفظ النية فهي الأصل، فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق، والنكاح، والعتاق، فمن قالهن، فقد وجبن». وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والرجعة».

وأشارت صالح إلى ضرورة أن يعمل العلماء على محاصرة أسباب خراب البيوت الذي تسببه بعض الفتاوى التي تسهل الطلاق، «ولهذا فإنني مع الاجتهاد الذي يقول أصحابه: «لابد من الطلاق على يد المأذون أو أمام شهود، مثلما تم الزواج أمام المأذون والشهود، أي لابد أن ينتهي الزواج بالطريقة التي بدأ بها».
 
وأنهت كلامها بالتأكيد أن من قال لزوجته «أنت طالئ» سيقع طلاقه، طالما أنه يقصد لفظ الطلاق، لكنه نطقه بلهجته ولغته الدارجة.  

مجرد اجتهاد

تطالب الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق، بأن نحسن الظن بالعلماء، لأن ما قاله الدكتور علي جمعة مجرد اجتهاد قد يكون فيه صواب أو خطأ، وهو في الحالتين مثاب شرعاً، فقد حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد قائلاً: «من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد».
 
واقترحت طرح القضية على المجامع الفقهية في مصر والعالم العربي، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء في الأزهر، لدرسها من كل جوانبها باعتبارها من القضايا الخلافية، وباعتبارهم أهل الذكر الذين قال فيهم الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» آية 43 سورة النحل.
وأنهت كلامها بالتأكيد أن جمعة «عالم لا يشق له غبار، ونحن مأمورون بالظن الحسن بالناس عامة والعلماء خاصة، وفي ذلك يقول الفاروق عمر بن الخطاب: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها فى الخير محملاً»».

التماس العذر

ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون: «لا بد أن نلتمس العذر للعلماء بوجه عام، ولا نتصيد زلاتهم، طالما أن ما يقوله فيه مبرر شرعي وليس شططاً فكرياً وقد أعجبني قول ابن سيرين: «إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه».
وأوضح الدكتور رأفت عثمان أنه شخصياً من أنصار وقوع الطلاق، سواء كان لفظه بحرف «القاف» أو «الهمزة» أو غيرهما حسب لغة القوم ولهجتهم، ويتكامل اللفظ مع نية الزوج التي تعد الفيصل لدى كثير من العلماء
واستشهد بما جاء في كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيثمي، حين سئل عمن قال: «أنت تالق» فهل يحنث؟ فأجاب بقوله: «إن كان من قوم لغتهم إبدال الطاء تاء كان صريحاً، لأن هذا الإبدال لغة قوم من العرب وإلا فهو كناية عن الطلاق، وبالتالي يقع الطلاق رغم الاختلاف في نطق كلمة الطلاق.

القصد قبل اللفظ

يرى الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أن يمين الطلاق يقع أياً كانت لغة قائله أو نطقه بالكلمة في لهجته، بدليل وقوع يمين الأبكم بالإشارة أو الكتابة إذا تأكدنا أنه يقصد الطلاق.
وأشار الدكتور عمر هاشم إلى أنه إذا افترضنا جدلاً أنها قضية خلافية، فإنه يمكن جعل الزوج ينطق بكلمة «الطلاق» بحرف «القاف» لقطع الشك باليقين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
وأنهى هاشم كلامه بأنه يجب شرعاً الابتعاد عن كل ما فيه شبهة، وخاصةً في أمور الطلاق، لأن الحلال بيِّن والحرام بيّن، لقول رسـول الله صلى الله عـليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».

جدل

أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، فتطالب بعرض القضية إذا افترضنا أنها قضية جدلية على المؤسسات العلمية لإصدار فتوى واحدة يلتزمها الجميع في مصر وخارجها
وتقول: «لمن لا يعلم فإن هذه القضية قديمة وموجودة في كتب التراث، وكانت أيضاً مثار جدل في مختلف العصور، فقد جاء فى كتاب «الحاوي للفتاوى»  للإمام السيوطي سؤال عن من قال لزوجته أنت «تالق»، ناوياً به الطلاق هل يقع به طلاق؟ فأجاب السيوطي: «إن نوى به الطلاق وقع، سواء كان عامياً أو فقيهاً، ولا يقال إنه بمنزلة ما لو قال «أنت فالق» أو قال «أنت مالق»، فإنه لا يقع به شيء، لأن حرف التاء قريب من مخرج الطاء ويبدل كل منهما من الآخر في كثير من الألفاظ، فأبدلت الطاء تاء في قولهم.
وأنهت النجار كلامها بالتشديد على أن النية مع العرف الكلامي المشهور على الألسنة، هو ما يجب أن يأخذ به الفقهاء في وقوع الطلاق من عدمه،  وجاء في كتاب «زاد المعاد» للعلامة ابن القيم قوله في تلك القضية بالنص: «والله سبحانه ذكر الطلاق ولم يعين له لفظاً، فعلم أنه رد الناس إلى ما يتعارفونه طلاقاً، فأي لفظ جرى عرفهم به وقع به الطلاق مع النية، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على مقاصد ألفاظها، فإذا تكلم بلفظ دال على معنى وقصد به ذلك المعنى ترتب عليه حكمه، ولهذا يقع الطلاق من العجمي والتركي والهندي بألسنتهم، بل لو طلق أحدهم بصريح الطلاق بالعربية ولم يفهم معناه لم يقع به شيء قطعاً، فإنه تكلم بما لا يفهم معناه ولا قصده، وقد دل حديث كعب بن مالك على أن الطلاق لا يقع بهذا اللفظ وأمثاله إلا بالنية».

سبب الاختلاف

يؤكد الدكتور سيف قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون في طنطا جامعة الأزهر، أن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن ألفاظ الطلاق منها ما هو صريح ومنها ما هو كناية، وأكدوا أن الرجل لو قال لزوجته: «الحقي بأهلك» أو «لم تعودي زوجتي»  أو «حبلك على غاربك» أو «اعتدي»، وكان ناوياً الطلاق فإنه يقع منه الطلاق. إلا أن بعض الفقهاء اشترطوا الألفاظ الصريحة في الطلاق ومنها نطق كلمة «الطلاق» بحرف القاف وليس الهمزة أو غيرها، وهناك فريق من العلماء لم يشترطوا النية أصلاً طالما كان اللفظ صريحاً، سواء كان باللغة العربية الفصحى أو باللهجات  العامية أو حتى اللغات الأجنبية.
فإن قول الزوج لزوجته أنت «طالئ» يعد صريحاً في الطلاق لمن كانت لغته إبدال القاف همزة، وقد أكد هذا الفريق من العلماء أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، فقال الخرقي بالنص: «وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نوه أو لم ينوه». وقال ابن قدامة: «إن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك» أما من لم تكن لغته إبدال حرف القاف همزة، فإنه إذا قال لزوجته «أنت طالئ» فإن ذلك يعد من قبيل الكناية، إن قصد بها الطلاق وقع وإن لم يقصد لم يقع.
ويوضح قزامل، أن سبب الاختلاف أن البعض يحاول تضييق أسباب الطلاق محافظة على الأسر من الانهيار، ولهذا فهو يتلمس الأسباب للتقليل من أعداد من يقعون في الطلاق الذي يعد أبغض الحلال عند الله، في حين يقف فريق آخر عند اللفظ لإصدار الحكم الشرعي، دون النظر إلى الواقع الذي قل فيه الدين وانتشر التلفظ بكلمات الطلاق باستسهال واضح.
وأنهى قزامل كلامه، داعياً الفقهاء للابتعاد عن الجدل في هذه القضايا الحياتية رفقاً بالناس، لأنهم ليسوا في حاجة إلى من يتشتت أفكارهم، بل إنهم في حاجة إلى من يجمعهم، ويجب أن يكون شعارهم جميعاً قول الله تعالى: « قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» آية 88 سورة هود.