مفتي مصر السابق, الدكتور علي جمعة: ارتفاع نسبة الطلاق في الصيام سببه غياب الوعي الديني

د. علي جمعة, فتاوى, الصيام, طلاق, خلاف, زواج, التدخين, شهر رمضان

06 يوليو 2013

رمضان على الأبواب، والكل يسعى فيه إلى صيام صحيح ليكتسب ثوابه، ومع ضغوط الحياة ومشاكلها تأتي أهمية فتاوى الصيام، لتكون بمثابة تحفيز للسلوكيات والأقوال التي تحمي صاحبها من ضياع ثواب صيامه. «لها» التقت مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة الذي تحدث معنا عن العصبية والتدخين والنميمة والغيبة وجلسات الشلة والتسالي، وغيرها من الآفات التي تفسد الصيام، وتأتي الفتاوى الخاصة بها واضحة حتى يتجنبها الصائم.


تؤكد بعض الإحصاءات أن الخلافات الزوجية تزيد في رمضان بسبب عصبية الزوجين، فما رأيكم في هذا الكلام من المنظور الشرعي؟
للأسف هذا الكلام صحيح، وسببه قلة الوعي بحكمة الصيام، وكيفية التصرف الصحيح وقت الغضب، ليس في الأسرة فقط بل في الحياة بوجه عام. وأتساءل كم من الصائمين يفهم ويطبق قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يَملك نفسه عند الغضب»، لكن المشكلة أن الصائمين والصائمات ربطوا الصيام بعدم الصبر والعصبية، مع إنه من المفترض أن يتم العكس تماماً، لأننا في شهر الصبر والشفافية والعفو والتسامح الذي يتطلب من الزوجين أن يطيعا الله في بعضهما، حتى لو قصر أحدهما في حق الآخر، فيجب أن يطيع الله في شريك حياته.

إذا كان الأزواج والزوجات يتصفون بالعصبية فكيف نجعلهم يفهمون ويطبقون حكمة الصيام فيكونون أكثر هدوءاً وتسامحاً؟
إذا كنا نقول إن التسامح والعفو عند المقدرة من شيم الكرام بوجه عام، فإن أولى الناس بذلك هم الأزواج والزوجات مع بعضهم ابتغاء مرضاة الله، الذي حثنا على ذلك في القرآن الكريم فقال: «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 14 سورة التغابن. كما أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ» آية 199 سورة الأعراف. وقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين المتقين، قال تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» الآيتان 133- 134 سورة آل عمران.


الطلاق

إذا كنا نتحدث عن مشكلات الواقع الأليم الناتج عن العصبية في رمضان فإن الطلاق يرتبط بتلك العصبية، فكيف يتم كبح جماح النفس الأمَّارة بالسوء؟
يتم كبح جماح النفس الأمَّارة بالسوء بمعرفة أمور الدين وتنفيذها على أرض الواقع، وليس مجرد حفظ النصوص الدينية فقط، حيث جعل الله العفو عن الناس أقرب إلى التقوى، فقال سبحانه: «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إن اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» آية 237 سورة البقرة. كما جعل الله البعد عن روح الانتقام سبباً لمرضاته ومغفرته وعفوه، فقال سبحانه: «إن تُبْدُوا خَيْرًا أو تُخْفُوهُ أو تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا» آية 149 سورة النساء.

لكن المشكلة أن البعض يرى أن حب الانتقام والقدرة على تنفيذه يمثل القوة والعزة أما العفو والصفح عند المقدرة فهو نوع من الضعف والتخاذل!
هذا الفهم الخاطئ لتعاليم الدين جعل الحق باطلاً والباطل حقاً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ». ويجب على الأزواج والزوجات الذين يتصفون بحب الانتقام والتشفي أن يتأملوا تصرف النبي، صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة، حين قال لمن آذوه وحاربوه وطردوه من مكة: «يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ؟ قالوا: خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم، قال: فإنِّي أقُول لكم كما قال يوسفُ لإخوَتِه: «لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ» آية 92 سورة يوسف. اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء».


روشتة دينية

كيف يعالَج الغضب الرمضاني الذي يؤدي إلى المشاجرات التي قد تنتهي بالطلاق كما قلنا؟
يكون بالاستعاذة بالله من الشيطان الرچيم، لقوله تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» آية 36 سورة فُصِّلت. كما ورد في السنة أن الوضوء يطفئ الغضب ويقلل التوتر، كما نصح الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير الحالة التي عليها الغاضب، حتى لو بالخروج من المكان الذي هو فيه وما شابه، واستحضار ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية في كظم الغيظ وعاقبة الغضب، فقال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليَجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فَليضطَجِع». وقد ثبت علمياً أن الهرمونات المصاحبة للغضب تنخفض بهذه الحركات التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا استطاع الصائم السيطرة على نفسه وعدم الغضب في البيت، فإن الواقع العملي خارج البيت أكثر استفزازاً، سواء في العمل أو الشارع، فماذا يفعل الصائم لمن يتطاول عليه أن يهينه؟
جعل الله أخلاق الصائم إذا غضب وتشاجر مع الناس تختلف عن غيره، فأمره أن يتصف بالحلم والبعد عن تصعيد الغضب، فقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سبَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم». كما روى الصحابي الجليل أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي، صلى الله ‏عليه وسلم: أوصني. قال: لا تغضب، فردد مراراً، فقال: لا تغضب»، ومن يتأمل الحكمة من ذلك سيجد أن الغضب يجمع الشر ‏كله.


الوضوء والغضب

قلتم إن الوضوء سواءٌ أثناء الصيام أو حتى في غير شهر الصيام يقلل الغضب، فما هو الرابط بينهما؟
ثبت علمياً أن الوضوء يؤدي إلى تهدئة الأعصاب، كما أن ذكر الله أثناء الوضوء يصرف الإنسان عن التمادي في الغضب، وقد تأملت السُّنة النبوية فوجدت الحكمة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من ‏الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ». ‏

ماذا تقول للقاسية قلوبهم الذين يرفضون العفو والتسامح حتى في هذا الشهر الفضيل؟
أقول لهم أنتم على خطر عظيم، لأن هذه العبادة السامية وهي الصيام، لم ترق بنفوسكم الراغبة في الانتقام، وأذكِّر هؤلاء بقول بليغ للإمام ابن القيم الجوزية: «يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوباً لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وإن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل».


كارثة التدخين

كيف يمكن استثمار رمضان كفرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين؟
إذا نظرنا إلى رمضان خلال شهور الصيف الحالية سنجد النهار أطول من الليل، ولهذا فإن فيه فرصة ذهبية للانقطاع عن التدخين فترة أطول، لهذا أنصح من ابتلاه الله بالتدخين أن يستعين بالله ويبيت النية الصادقة للإقلاع عن آفة التدخين، الذي يعد من أكثر الأعمال الخاطئة التي يعاقب عليها الإنسان، لأنه يحاسب على ماله الذي أضاعه في سلوك ضار، وكذلك يحاسب عن صحته التي أضرها، مع أنها نعمة قد أعطاها الله له لفعل الطاعات، ويحاسب كذلك عن إضراره بصحة الآخرين.

بعض الأزواج المدخنين يأتي الصيام عليهم برد فعل عكسي فبدلاً من اتخاذه وسيلة للإقلاع عن التدخين نجدهم يتعصبون أكثر وقد يطلقون زوجاتهم، فهل طلاق مدمن التدخين لا يقع باعتباره في حالة مزاجية غير عادية وتحت تأثير النيكوتين؟
مع اعترافنا أن مدمن التدخين هو مبتلى وأقرب إلى الإنسان المريض الذي يجب أن نعذره في بعض تصرفاته، إلا أن هذا العذر لا يصل إلى تبرير عدم وقوع يمين الطلاق على زوجته، لأن الحالة العصبية التي لا يحسب معها يمين الطلاق هي غياب العقل وعدم القدرة على التمييز بين الأفعال، حتى أنه لا يدري بماذا نطق، وأعتقد أن مدمن التدخين لا يصل إلى درجة غياب الوعي، حتى لو اتفقنا أنه إنسان تصرفاته غير عادية وتحدث تحت تأثير إدمان التدخين، التي ينهار فيها صبره، وبدلاً من أن نلتمس لمدمن التدخين العذر في تطليق زوجته، نقول له إن الصيام عبادة نبيلة، وكلمة صيام تعني الإمساك عن كل ما حرم الله، وليس المقصود من الصيام الإمساك عن الطعام والشراب فقط، وإنما الإمساك عن كل ما يغضب الله، بالتالي من مصلحته الإقلاع عن التدخين حتى لا يطلق زوجته ويخرب بيته.


جلسات الشلة

تكثر في رمضان جلسات الشلة بين الصديقات سواء المراهقات أو النساء الأكبر سناً، وعادةً ما يصاحب جلسات الشلة الغيبة والنميمة لزوم هذا التجمع، فما حكم الشرع في ذلك؟
من المؤسف أننا لم نفهم حكمة الصيام الذي أمرنا الله فيه أن نصوم عن الحلال وهو الطعام والشراب والجماع، ومع هذا فإننا قد نفطر على المحرمات أو نضيع ثواب صيامنا، فنكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش». وليس في هذا الحكم تشدد، وإنما حدث ذلك عملياً فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما تم إخباره عن امرأتين صامتا حتى أوشكتا على الموت، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ائتوني بهما، فلما قدمتا قال لهما النبي، صلى الله عليه وسلم: قيئا فقاءتا دماً وصديداً حتى ملأ الإناء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إنهما صامتا عن ما أحل الله وأفطرتا على ما حرم الله». ومعنى الحديث أنهما أمعنتا في الغيبة والنميمة حتى أصبح صيامهما بلا ثواب.


قول الزور

من السلوكيات الغريبة المحرمة التي لا تتوقف في رمضان، بل تستمر رغم ما فيها من الحرمة، قول الزور، ليس في المحاكم فقط بل في أمور الحياة العادية إذا طُلب الإنسان، رجلاً أو امرأة، للشهادة. فماذا تقول لمن أدمنوا قول الزور طوال العام حتى في رمضان؟
نقول لهؤلاء: «أنتم على خطر عظيم بضياع ثواب صيامكم، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «مَن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». ولا يتوقف الأمر عند ضياع ثواب الصيام فقط، بل إن شهادة الزور تورد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة، لأنه من الكبائر لما يترتب عليه من ضياع الحقوق، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ». ويكفي شاهد الزور إثماً أن الله أبعده عن صفة المؤمن أصلاً، فقال في صفات المؤمنين: «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا» آية 72 سورة الفرقان. وكذلك جرأته على مخالفة ما أمر الله به، فقال» فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» آية 30 سورة الحج.


مخاطر اللسان

لكن البعض لا يعي مخاطر اللسان في رمضان وغير رمضان فماذا تقول لهم؟
اللسان نعمة ونقمة في الوقت نفسه، أو كما يقال «سلاح ذو حدين»، فهو مفتاح الجنة إذا كان يقول الطاعات، وهو مفتاح النار إذا استحل الكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة، مع تأكيدنا أن ذنوب العباد لا يغفرها الله إلا إذا تسامح فيها وعفا عنها من تم ذكره بسوء، ولنا أن نتصور كم من البشر لهم مظالم عند كل واحد منا، وقد قال ربنا: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» الآيات 16- 18 سورة ق. ولعل هذا ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للصحابي الجليل معاذ بن جبل عندما سأله: هل نحاسب بما نقول؟، فقال له الرسول: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُّ الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم». والمخرج من ذلك رواه الصحابي الجليل عقبة بن عامر، حيث قال: «قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك».

طالما نتحدث عن آفات الحواس فإن البعض في رمضان لا يتوقف عن سماع المحرمات التي لا ترضي الله ورسوله حتى أن الأمر يصل لدرجة التجسس فما حكم صيام هؤلاء؟
الأذن خلقها الله لسماع كل ما يرضيه، فإذا استعملها الإنسان في ما لا يرضي الله فهو آثم شرعاً، وتتوقف درجة الإثم على الفعل نفسه وتأثيره السلبي، وخاصة أن الأذن تسمع الكلام القبيح كما يمكن أن تسمع الكلام الحسن، فمثلاً نهانا الله عن التجسس فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إن اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» آية 12 سورة الحجرات. والنجاة حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟ قالوا: بلى يا رسول الله. يعني نعم نريد أن نعرف. قال: الصمت وحسن الخلق».


كلام تسالي

هل هذا ينطبق على كل الكلام حتى لو كان كما يقال «مجرد كلام تسالي» لا أكثر؟
ليس في الاسلام شيء اسمه «كلام تسالي»، وإنما هناك مسؤولية عن كل كلمة وحركة تصدر من الجوارح، وذلك لأن كلام التسالي هذا هو عين المعصية ويورد الإنسان المهالك، لهذا قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا» الآيتان 70-71 سورة الأحزاب. وقد حذرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من التهاون في الذنوب، فقال: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». وقال أيضاً: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليها سخطه إلى يوم يلقاه»، وفي رواية أخرى عن خطورة الكلمة قال صلى الله عليه وسلم: «إن الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».


الغيبة والنميمة

لكن البعض يستحل الغيبة والنميمة مؤكداً أنه يقول الحق أو العيوب الموجودة في الشخص الذي يتكلمون عنه فما هو التعريف الشرعي للغيبة والنميمة؟
بإيجاز شديد، هما ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه ما ذكرت، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ما الغيبة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ذِكْرُك أخاك بما يكرهه. قيل: أرأيت إن كان في أخِي ما أقوله؟ قال: إنْ كان فيه ما تقول فقد اغْتَبْته، وإن لم يَكن فيه فقد بَهَتَّه». أما النميمة هي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد وكشف الستر وهتكه. ويكفي بهما إثما أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتَّات» أي نمَّام.