اكتناز الذكريات وأحياناً «النفايات» يسبب مشكلات صحية ونفسية

النفايات,مشكلات صحية

عزيزة نوفل (جدة ) 22 نوفمبر 2014

مقتنيات تحمل ذكريات وأحاسيس متحركة رغم كونها تتمثل في جماد قد يكون بالياً وتالفاً ومنتهيَ الصلاحية. أدراج وخزانات وأحياناً غرف وعليّات مكدسة بكل ما هو غير نافع من أوراق جرائد أو مستلزمات أطفال أو ملابس قديمة... قد يظن أصحاب هذه المقتنيات أنها كنز لا يفرط به، أو أنها قد تكون نافعة في وقت آخر مستقبلاً. تتفاوت درجة هذه العادة من شخص إلى آخر، وقد تكون منتشرة بصورة أكبر لدى كبار السن والمتقاعدين... عادة سيئة تسحب في دوامتها كل محبي الاكتناز لاحتواء نفايات وأشياء قد تضر بصحتهم وصحة من حولهم. موضوع تطرحه «لها» لتسلط الضوء على أغرب وأندر المكتنزات وحلول لقمع هذه العادة المرضية التي تسيطر على العقول والبيوت في آن واحد...

أجهزة تكييف وتلفزيونات معطّلة ودفاتر تقويم تكدّس على أمل أن تنفع يوماً

 لم تجدِ النصائح ولا حتى التأنيب مع والد السيد يزيد عبد الله (48 عاماً)، وهذا ما دفعه ودفع إخوته إلى التصرف بمقتنيات والدهم دون علمه، فوالدهم الذي كان يناهز 60 عاماً يهوى الاحتفاظ بكل شيء... باحة المنزل الخلفية كانت مكدّسة بأجهزة التكييف المعطلة، وعلية المنزل مستودع لاحتواء أجهزة التلفزيون القديمة والبالية، وهو كان يعتقد أن تلك الأجهزة قد تنفعه في يوم ما. وحتى أوراق وصفحات التقويم كانت هي الأخرى لها مكان في إحدى الحقائب التي تصطف بشكل عمودي في العلية التي تحتوي على المذكرات الخاصة به لأكثر من عشرين عاماً... عادة تفاقمت وتزايدت بعد تقاعده من التدريس. ذلك ما أكده السيد يزيد الذي وجد أن تراكم مثل هذه المهملات لن يجلب سوى الحشرات والجرذان والغبار...

الملابس والألعاب وأغطية أبنائي وهم أطفال لا تزال مخزنة

لا تزال أم فراس (39 عاماً) تحتفظ بمستلزمات الأطفال الخاصة بأولادها الذين التحقوا بالجامعة، فملابسهم وأغطيتهم وأسرّتهم وهم أطفال كلها ما زالت موجودة في مخزن بيتها، وحسب كلامها لا تزال في حالة جيدة ومغلفة بشكل محكم للحفاظ عليها. وحتى الألعاب والدمى التي كانوا يلهون بها لا تزال تمسح الغبار عنها كما لو كانت جديدة. وترى أم فراس أنه من الصعب عليها التفريط بهذه المقتنيات التي تعيدها سنوات إلى الوراء لتتذكر أياماً جميلة برفقة أبنائها الذين اغتربوا للدراسة خارج المملكة، فمخيلتها لا تزال تنسج لها صورهم وهم يلهون ويلعبون موحية لها بأنهم ما زالوا في أحضانها.

ذكريات فترة الخطوبة

 أما أمل عبد الجواد (25 عاماً) التي تزوجت حديثاً فجهّزت ركناً في عش الزوجية للاحتفاظ بكل هداياها في فترة الخطوبة، فزجاجات العطور الفارغة والدمى المحشوة وحتى باقات الورود الذابلة كلها ذات قيمة بالنسبة إليها، ولا تستطيع التفريط بها أو رميها ببساطة في سلة المهملات، فهي بحاجة إلى أن تتذكر أيام خطوبتها الجميلة وما كانت تحمله من ذكريات، وترى أن ذلك يقوي علاقتها مع زوجها ويجعلها أكثر تحملا لبعض المشاكل والخلافات التي قد تحدث، فهي تنسى على الفور غضبها وحزنها فور النظر إلى ركن الهدايا.

عدد هائل من معدّات المطبخ

خلّاطات ومعدات مطبخ تملأ خزائن السيدة وفاء أسامة «عاشقة المطبخ» (42 عاماً) التي تحب على الدوام اقتناء أحدث معدات الطعام، وتحوي خزانات مطبخها على عدد هائل من الخلّاطات والعجّانات والفرّامات التي لا تزال صالحة ولكنها قديمة واستبدلتها بأخرى حديثة، فهي لا تقوى على التفريط بها أو إعطائها لأحد مع أنها لا تستعملها...

غطاء الطفولة نقطة ضعفها

أما ريم محمد (28 عاماً) فترى أن غطاءها وهي طفلة ودميتها المحشوة هما أغلى ما تملك، لأنهما يُشعرانها بأنها لا تزال صغيرة في حضن والدتها. ورغم اهتراء هذا الغطاء وترهّل خيوطه، لا تزال متمسكة به بشدة ولا تقوى على النوم بدونه، ولا تسمح حتى بغسله لكي لا تزول رائحته. وتقرّ بأن هذا الغطاء هو نقطة ضعفها التي يستخدمها إخوتها وأهلها لإغاظتها أو لإقناعها بأمر ما...

 مكتبة مهجورة يُمنع الاقتراب منها

المكتبة المنزلية إرث عائلي عريق لا يمكن التفريط به، فأم عماد (45 عاماً) لا تقوى على الاقتراب من مكتبة زوجها حتى لإزالة الغبار عنها، فهذه المكتبة تحوي الكثير من القواميس والمراجع الثمينة والمرتبة بترتيب معين.ولأن هذه المكتبة مهجورة منذ سنوات وتشغل حيزاً كبيراً في شقتها الصغيرة نسبياً، فهي تحاول بشتى الوسائل إقناع زوجها بالتبرع بهذه الكتب لمن يستفيد منها.

سيارات معطّلة أيضاً...

وفي غضب عارم تروي أم فيصل (34 عاماً) قصة جارهم العجوز الذي يؤذيهم بنفاياته منذ أعوام، فمنذ أكثر من سنتين وجارهم يحتفظ بسيارتين معطلتين يكسوهما الغبار وتملاؤهما القطط والطيور، فقد اعتاد هذا الجار على وضع فتات الخبز أعلى تلك السيارات لتأكل منها الطيور. ولم تجدِ محاولات أهل الحي لإقناعه برمي تلك المخلفات، وهم يتشاورون لرفع شكوى ضدّه بعد فشل كل محاولاتهم الودية.

متلازمة التكديس القهري قد تكون وراثية

يوضح رئيس قسم التوجيه والعلاج في مستشفى الأمل الدكتور علي الشمري أن عادة تكديس الأغراض أمر طبيعي لدى الكثير من الأشخاص، ولكن عندما يزداد الأمر ويتجاوز الحدود الطبيعية فإنه يندرج تحت مسمى الوسواس القهري أو متلازمة التكديس القهري. وهذه تؤثر على مشاعر المصاب وأفكاره وسلوكياته، وتشمل أعراضها صعوبة تنظيم الوقت واتخاذ القرارات بالإضافة إلى التسويف والارتباط غير الطبيعي بالممتلكات إلى درجة الشعور بعدم الراحة إن استعارها أو لمسها شخص آخر.

ويضيف الشمري أنه لا يمكن تحديد أسباب معينة للإصابة بهذه المتلازمة، وبات من المعروف أنها قد تصيب أي شخص بصرف النظر عن سنه وجنسه ومستواه الاجتماعي والاقتصادي، فهي قد تصيب صغار السن من عمر 13 عاماً وتزداد سوءاً إن لم تعالَج. وقد أثبتت بعض الدراسات أن وجود هذه المتلازمة عند بعض أفراد العائلة يزيد احتمال الإصابة بها. ويكمن العلاج في صورتين، العلاج الدوائي والنفسي، ويكون عن طريق محاولة تغيير اقتناعات هذا الشخص لتقويم سلوكه.

 وتعقيباً على ما ذكر، تقول الدكتورة منى الصواف استشارية طب نفسي ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد بجدة وخبيرة دولية في علاج الإدمان عند النساء: «أعراض التكديس المرضي ترتبط بشكل وثيق بالاكتئاب وبالذات عند النساء، أما عند الرجال فيقابله نوع من أنواع الوسواس القهري الاكتئابي، يكمن في عدم مقدرة هذا الشخص على مقاومة رغبته الملحّة في تجميع أشياء قد يجدها الجميع تافهة مثل الزجاجات الفارغة أو أغطية العلب أو الأشياء المحطمة. ويعتقد أصحاب هذا السلوك أنهم سيستفيدون من هذه الأشياء، ويحقق لهم هذا نوعاً من الإشباع النفسي والعاطفي. ويلاحظ في غالبية الحالات كون علاقات هؤلاء الأشخاص بمحيطهم تنطوي على خلل واضطراب، وتدل بشكل واضح على شعورهم بالوحدة. للأسف قد يتصرف معهم المجتمع بطريقة لا تساعدهم من خلال التهكم والسخرية، أو من خلال سلبهم هذه الأشياء بطريقة إجبارية، وهذا بلا شك لا يساعد على العلاج أبداً. وفي مجتمعنا نجد هذا السلوك يزيد عند أصحاب «العش الفارغ»، وهم من قاموا بتربية أبنائهم حتى كبروا وتزوجوا ولم يعد لهم أي شاغل أو قريب يهتم بهم. وأرى أنه من الأَولى تخصيص أيام للتكلم معهم ومناقشتهم حول هذا السلوك بطريقة لطيفة، وإعطاؤهم بعض النصائح حول إمكان التبرع ببعض الأشياء للحصول على الأجر والثواب». 

بؤرة للأمراض؟

السيارات المعطلة والأجهزة القديمة المكدسة هي بؤرة لانتشار الأمراض وتجمّع الحيوانات. وحول هذه الظاهرة وتأثيرها على البيئة والصحة يؤكد الخبير البيئي الدكتور علي عدنان عشقي عضو هيئة التدريس في كلية علوم البحار، أن «هذه السلوكيات مضرة جداً بالإنسان، فالسيارات المعطلة والقديمة التي تبقى في الشوارع والتي يكدسها أصحابها دون أسباب مقنعة تصبح ملاذاً للقطط والجرذان، إضافة إلى كونها قد تختزن الماء بعد الأمطار مما يؤدي إلى تكاثر يرقات البعوض المسبب لحمى الضنك، ويجب ألا ننسى أن معظم السيارات قد تحتوي على مواد كيميائية قد تتفاعل إن بقيت لمدة طويلة تحت أشعة الشمس، مثل ماء البطارية الذي قد ينتج عنه تضرر بعض الأطفال والأولاد الذين قد يحاولون اللهو به».

أما أجهزة التكييف والغسالات وغيرها فتندرج أضرارها في كونها عرضة لأن تكون مجمعات للحيوانات، إضافة إلى كونها تحوي مواد كيميائية مثل حامض الكبريتيك الذي يتأكسد ويتفاعل مع الرطوبة والحرارة، والذي قد يضر بالأطفال.

ويلفت عشقي إلى أن «الاحتفاظ بألعاب الأطفال وبالذات البلاستيكية منها خارج المنزل سلوك خطير جداً، فالمواد البلاستيكة يتغير تركيبها الكيميائي مع الحرارة وبالأخص الصبغات الملونة الموجودة فيها. ويرى المقدم الدكتور صلاح المنشاوي استشاري السموم والمخدرات في الخدمات الطبية بوزارة الداخلية أن النفايات مشكلة عالمية تؤرق العالم وخصوصاً الدول الصناعية، وتعد نفايات الاستخدام اليومي غير ضارة بقدر النفايات المكدسة التي يُراكمها أصحابها إما نتيجة إهمال أو ظنّاً أنها قد تكون نافعة، فهي قد تحوي بقايا مبيدات حشرية أو منظفات أو معادن ثقيلة فيها مواد مثل الرصاص والزئبق والسيانيد، وهي ذات سمية عالية تؤثر على الإنسان والحيوان، وتؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان وتليف الكبد وارتفاع ضغط الدم.  ويعتقد المنشاوي أن عامل التوعية مهم لتجنب أخطار تكديس النفايات، مع تثقيف الناس بأهمية تجميع بعض المواد للاستفادة منها وإعادة تدويرها بدلاً من تكديسها بشكل عشوائي مضر.