هل يجوز؟ مطلقون ومطلقات في بيت واحد!

طلاق,الدكتورة سعاد صالح,فتاوى,د. آمنة نصير,د. صبري عبد الرؤوف,هدى الكاشف,د. مريم الدغستاني,الدكتور نبيل غنايم

أحمد جمال (القاهرة) 29 نوفمبر 2014

المكالمة التي تلقتها الدكتورة سعاد صالح في برنامجها «فتاوى النساء» من إحدى المطلقات حول إمكان بقائها مع مطلقها في بيت واحد لحماية أولادهما من الضياع، أثارت علامات استفهام حول جواز بقاء المطلقين والمطلقات في بيت واحد، والحالات التي يمكن فيها السماح بذلك. «لها» ترصد تفاصيل تلك المكالمة ورد صالح عليها وآراء علماء الدين في تلك القضية المثيرة.

اتصلت مهندسة تدعى نهى تبلغ من العمر 58 سنة بالدكتورة سعاد صالح في برنامجها «فتاوى النساء» وعرضت مشكلتها قائلة: «تزوجت قبل ربع قرن وأثمر هذا الزواج ثلاث بنات وولدين. وخلال فترة الزواج كان عدم التفاهم سيد الموقف، وأصبح شبح الطلاق يهدد حياتنا باستمرار، واتفقنا على الطلاق أكثر من مرة، لكننا كنا نتراجع في آخر لحظة محافظة على سمعة عائلتنا من فضيحة الانفصال، خصوصاً أن المجتمع لا يرحم ويلقي المسؤولية الأولى عن الطلاق على الزوجة مهما كانت مظلومة. أنا مستعدة للتضحية بنفسي من أجل المحافظة على مستقبل أولادنا وسمعتهم، حتى لا يعايرهم زملاء العمل والدراسة والأقارب والجيران. فوصلت إلى فكرة تريحني نفسياً، وفي الوقت نفسه أحمي من خلالها كيان الأسرة من التفكك والتعرض لسخرية المجتمع، وهي الطلاق سراً بالاتفاق مع زوجي والبقاء في البيت نفسه والامتناع عن الحقوق الشرعية له، مع العلم أنه طلقني طلقة ثالثة وبالتالي أنا محرمة عليه شرعاً، إلا إنني قادرة على المحافظة على نفسي والبعد عن أي مخالفة شرعية».  

ضوابط شرعية

ردت الدكتورة سعاد صالح قائلة: «للأسف إن هذه الحالة ظهرت في مجتمعاتنا أخيراً، وهي أخطر على الأسرة من الطلاق الصريح، ولهذا نستطيع القول إن ظاهرها رحمة وباطنها عذاب».

وفرقت صالح بين نوعين من الطلاق أولهما أن يكون الطلاق رجعياً، أي بعد أول أو ثاني يمين طلاق، وفي هذه الحالة ليست هناك مشكلة في بقاء المطلقة في بيت الزوجية، لعل هذا يؤدي إلى حدوث رجعة بينهما بالمعاشرة الزوجية قبل انتهاء فترة العدة، أما النوع الثاني فهو إذا بقيت الزوجة في بيت الزوجية بعد اليمين الثالث، هنا تكون محرمة عليه حتى تتزوج زوجاً غيره إذا أراد أن يراجعها.

وعرضت للنصوص الشرعية في الحالتين السابقتين، قائلةً: «في حالة الطلاق الرجعي أو إذا كانت حاملاً لا يجوز للزوج أن يخرجها من البيت ولا يجوز لها أن تخرج حتى تنتهي العدة، والحكمة في إسكانها بيت الزوجية تسهيل رجوع الزوج لها إذا رغب، فقال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً» آية 1 سورة الطلاق، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل».

أما في حالة الطلقة الثالثة فلا يجوز أن تبقى في بيت الزوجية مهما كان السبب، خشية وقوع الخلوة الشرعية، لأنها أصبحت محرمة عليه ولهذا قال الله تعالى: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» آية 230 سورة البقرة.

وأنهت كلامها الموجّه إلى المطلقة بأنها أصبحت غريبة عنه ولا يجوز له أن يرى منها سوى الوجه والكفين فقط، ويحرم وجودهما معاً في مكان واحد بمفردهما.

غاية نبيلة ولكن

تشير الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، إلى أن الغاية النبيلة التي ترغب الزوجة بسببها البقاء في بيت الزوجية، وهي خشية الفضيحة الاجتماعية والمحافظة على الأولاد والكيان الأسري، لا يمكن أن تكون مقبولة شرعاً إلا من خلال وسيلة مشروعة، وهي بقاء الحياة الزوجية قائمة وهذا غير متوافر بعد الطلقة الثالثة.

وعن حكم الشرع في استمرار المطلقين معاً في بيت واحد مع قدرتهما على مراعاة الضوابط الشرعية والتعامل كغريبين، تقول نصير: «هذه قضية يجب طرحها على المجامع الفقهية لمناقشتها من كل جوانبها وإصدار فتوى شرعية بشأنها، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتناب الشبهات فقال: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام؛ كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فـسد الجسد كله، ألا وهي الـقـلب».

الحكمة الشرعية

عن الحكمة الشرعية في منع بقاء الزوجة في منزل زوجها بعد الطلقة الثالثة واشتراط زواجها بغيره إذا أرادت الرجوع إليه والعيش معه في منزل واحد، يقول الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: «هذا نوع من التأديب النفسي القاسي للمستهترين في قضية الطلاق، ونزل بها نص قرآني صريح هو قول الله تعالى: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ» آية 230 سورة البقرة، ولها سبب نزول حيث قالت امرأة رفاعة لرسول الله: «إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإن ما معه مثل هدبة الثوب– أي لديه عجز جنسي-. فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»، أي لابد من الزواج التام الذي فيه معاشرة زوجية».

وأوضح عبد الرؤوف أنه من حق المطلقة طلاقاً رجعياً البقاء في منزل الزوجية، إذ قال الله تعالى: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» آية 229 سورة البقرة، وهذا التشريع فيه رحمة بالمرأة وإزالة لعنت الأزواج، أما إذا تمت الطلقة الثالثة فلا بقاء لهما معاً.

وعن الحكمة من منع بقاء المطلقين معاً بعد الطلقة الثالثة، حتى ولو كانت لديهم القدرة على التحكم في أنفسهم أو لكبر السن، قال: «يعمل الإسلام على سد كل منافذ الفتنة وإغلاق كل مداخل الشيطان الذي سيزين كل منهما في عين الآخر حتى يقع المحرم رغم أنهما مطلقان، ولهذا قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آية 21 سورة النور.

قضية خلافية

أشارت الداعية الإسلامية هدى الكاشف إلى ضرورة النظر إلى القضية من مختلف جوانبها، والتفرقة بين الحالات المختلفة فمثلاً إذا كان المطلقون والمطلقات في سن الشباب، «يختلف أمرهم عما إذا كانوا في سن متقدمة لا يخشي منها الفتنة، وكذلك قد تكون ظروف المطلقة قهرية كالفقر الشديد وعدم وجود أهل تسكن عندهم، فهل نتركها في الشارع أم نحاول البحث لها عن مخرج شرعي رفقاً بحالتها».

ولفتت الكاشف إلى ضرورة مراعاة المقصد الشرعي في أهمية المحافظة على أعراض المسلمين وسد باب الفساد الموصل إليها، لأن الإسلام جاء لحفظ الضروريات الخمس، ومنها حفظ النسل فصان العرض وحماه بمنع اختلاط الأنساب ومنع الفاحشة المؤدية إلى ذلك، ومنها بقاء المطلقين والمطلقات طلاقاً بائناً بينونة كبرى مع بعضهما في سكن واحد في شكل دائم.

ودعت المؤسسات الدينية والاجتماعية إلى البحث في مثل هذه القضايا وإيجاد حلول دينية واجتماعية لها، خصوصاً إذا توافرت النوايا الطيبة وكانت هناك ظروف قهرية.

تقدم السن

هل التقدم في السن بالنسبة إلى المطلقين والمطلقات مبرر شرعي لبقائهما معاً محافظة على الكيان الأسري؟

أجابت الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «رغم اعتراف الإسلام بأهمية النية في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» إلا أنه لا يجوز لهذه النية الطيبة أن تحل حراماً أو تحرم حلالاً. وأوضحت الدغستاني أن تقدم المطلقين والمطلقات في السن لا يعد سبباً مانعاً الفتنة، لأن هذه القدرة أو الرغبة ليست مرتبطة بالسن في شكل تام، بدليل أن المسن أو المسنة من الممكن أن يقعا في الفتنة، ولهذا فإن الإسلام لا يضع قضية الأعراض في مهب الريح بل إنه يتعمد إغلاق الأسباب المؤدية إلى الانحراف الأخلاقي، فقال الله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا» آية 32 سورة الإسراء. وهنا الإسلام لم ينتظر وقوع الخطيئة وإنما أمر بالابتعاد عن الأسباب المؤدية إليها.

وطالبت المطلقات والمطلقين الباحثين عن الاستقرار الأسري لأولادهما والبعد عن اللوم الاجتماعي، بالبحث عن وسائل أخرى غير البقاء معاً في منزل واحد.

تعاطف ولكن

 أعرب الدكتور نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة عن تعاطفه الشديد مع المطلقات اللواتي يردن البقاء في منزل الزوجية محافظة على المكانة الاجتماعية وسمعة الأولاد، باعتبار أن هذه عاطفة نبيلة يجب أن تحترم، ويمكن الفقهاء البحث فيها في شكل مستقل، بمعنى درس كل حالة وإصدار فتوى خاصة بها.

وأوضح غنايم أن العاطفة، حتى لو كانت نبيلة، يجب ألا تكون سيدة الموقف في حكم شرعي عام وإلا فكيف يطبق المطلقون والمطلقات الذين يعيشون في بيت واحد قول الله تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الآيتان 30-31 سورة النور.

وأكد تعاطفه مع المطلقات الراغبات في الحفاظ على كيان أسرهن، لكنه يرى صعوبة العيش مع أزواجهن السابقين كأجانب، ولهذا لا بد من البحث عن حل آخر للمشكلة حتى لا يكنَّ ممن ينطبق عليهن القول المأثور: «الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة»، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» وقوله في حديث آخر: «... فاتّقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».