فتوى 'جهاد النكاح' إهانة للمرأة

د. فايزة خاطر, هدى الكاشف, د. نصر فريد واصل, د. عبلة الكحلاوي, د. صابر طه, د. مهجة غالب, طلاق, فتاوى, المرأة

15 أبريل 2013

رغم أن الداعية السعودي الدكتور محمد العريفي أنكر تماماً أي صلة له بفتوى جهاد النكاح، التي نسبت إليه، فقد أثارت حالة من البلبلة والجدل كونها نصّت على إجازة أن يقوم المقاتلون ضد أي نظام مستبدّ من غير المتزوجين أو من المتزوجين الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم، بإبرام عقود نكاح شرعية مع بنات أو مطلّقات لمدد قصيرة لا تتجاوز الساعة أحياناً، يتم بعدها الطلاق وذلك لإعطاء الفرصة إلى مقاتل آخر بالمناكحة. فهل مثل هذه الفتوى لها أسانيد من الدين؟ وماذا يقول عنها علماء الإسلام؟

في البداية تبدي الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، دهشتها من صدور فتوى كهذه، بصرف النظر عن مُصدرها، «لأنه من المؤسف أن هناك العديد من الفتاوى التي تشبهها، وكلّها تتعلق بالعلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة، بما فيه إهانة للمرأة والنظر إليها على أنها وسيلة لقضاء الشهوة فقط، مع أن الإسلام كرّمها وأعلى قدرها. وحتى عندما تحدّث عن العلاقة بين الرجال والنساء تحدّث عنها بأسلوب عفيف غير خادش للحياء، وأكبر دليل على ذلك سورة يوسف، وكذلك السور القرآنية التي توضح أحكام الزواج والطلاق والطهارة للمرأة، والتي لا نجد فيها لفظاً واحداً يخدش الحياء. والشيء نفسه نجده في أحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما يتحدث عن كل الأمور المتعلّقة بخصوصيات المرأة».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن البعض فهم خطأ مقولة «لا حياء في الدين»، وذلك «لأن ديننا دين الحياء، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء». وتعجبني مقولة العلامة وهب بن منبه: «الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء». ومع هذا ما زلنا نرى من ينظر إلى المرأة على أنها جسد فقط، لدرجة إباحته لجهاد النكاح».

عديمة الحياء
وتصف الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، فتوى جهاد النكاح بأنها عديمة الحياء ومخالفة للإسلام، الذي يعدّ الحياء خلقاً أصيلاً فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
ورأت أن «هذه الفتوى لا أصل لها من شرع يحترم المرأة ويكرّمها، أو عقل يحرص على كرامة المرأة، ولهذا فإن من تطبقها آثمة شرعاً وليست مجاهدة كما تزعم تلك الفتوى. والإسلام بريء من هذه الفتوى الغريبة التي تتنافي مع كل ما يدعو إليه، مثل قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» آية 70 سورة الإسراء. فأين التكريم الإلهي في مثل تلك الفتوى الغريبة التي تعدّ نوعاً من الامتهان للمرأة؟».

فقدان الحياء
وتوجه الداعية الإسلامية هدى الكاشف كلامها لمن يروِّجون لتلك الفتوى، مستندة إلى ما قاله صلّى الله عليه وسلّم لأمثال هؤلاء، الذين يتصفون بفقدان الحياء: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» وتكمل: «من المؤسف أن تنسب مثل هذه الفتاوى الرخيصة إلى الإسلام، ويتخذ منها الغرب وسيلة لتشويه صورته ووصفه بأنه يهين المرأة وهو من ذلك كله براء».
وتعجبت من الادعاء بأن هذا الزواج المحرّم نوع من الجهاد أو دعم للمجاهدين، «فبئس الجهاد إذا كان فيه تحليل للحرام والنظر إلى المرأة أنها تشدّ من عزيمة المجاهدين بهذه العلاقة الآثمة التي لا أساس لها في الدين، وليس لها سابقة في تاريخ الإسلام الذي حرّم أي علاقة خارج إطار الزواج الشرعي، فقال الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» الآيتان 5-6 سورة المؤمنون».

إباحة النخاسة
ويستنكر الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، فتوى «جهاد النكاح»، مؤكداً أنها نوع من إباحة النخاسة وتجارة الرقيق الأبيض باسم الزواج والجهاد، مع أن هذا ليس بجهاد ولا زواج، لانتفاء مواصفات الزواج وضوابطه فيه، بل إنه نوع من السفاح، لما فيه من امتهان لكرامة وحياء المرأة باسم جهاد النكاح، في حين أنه يعد إهانة للإسلام الذي ساوى بين الرجال والنساء في الكرامة الإنسانية، ولم يسمح للرجال الاستمتاع بالنساء إلا من خلال زواج شرعي مكتمل الشروط والأركان، فقال تعالى في المساواة بين الجنسين: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» آية 195 سورة آل عمران.  وأشار واصل إلى أن الجهاد أسمى من أن يبحث المجاهد عن أنثى يتزوجها لمدة ساعة أو ساعات ثم يتركها لغيره ليتزوج منها، إذا جاز لنا أن نسمّي هذا زواجاً، لأن ذلك سفاح بلا شك، فقال تعالى: «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إن عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إن أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ» آية 33 سورة النور.

فوضى
ويهاجم الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة جامعة الأزهر، هذه الفتوى قائلاً: «لا شك أن من أفتى بهذا النوع من الجهاد يعدّ آثماً شرعاً، لأنه أحلَّ حراماً مستغلاً حالة فوضى الفتاوى التي جعلت كل المحرمات جائزة باسم التيسير، حتى لو وصل الأمر إلى استباحة أعراض النساء واستغلالهن بهذا الشكل الفاضح وتحت مسميات مختلفة، منها «جهاد النكاح» الذي ما هو إلا نوع من أنواع الاستغلال وممارسة البغي باسم الدين».

عبث
وترى الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن ما يسمّى «جهاد النكاح» مع المجاهدين، للتخفيف عنهم من خلال إقامة علاقات زوجية عابرة لا تتعدى سويعات محدودة، ليس سوى علاقات تحمل كل مواصفات الخطيئة، لا تختلف في كثير من الأحوال عن العمل في مجال العلاقات الآثمة وتجارة البشر باستغلال الدين.
وحذرت من «فتح الباب أمام كل من هبّ ودب ليقوم بالادعاء بأنه مفتٍ، يقوم بتحليل هذا وتحريم ذاك، ولهذا لا بد من وضع حد لهذا العبث الذي هو أبعد ما يكون عن الإفتاء الذي لا بد من وجود ضوابط وقوانين لضبطه، بحيث تمنع مثل هذا الإسفاف والاستهتار بعقول الناس وعواطفهم وغرائزهم، مع أن الله توعد من يفتي بغير علم، فقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» آية 33 سورة الأعراف. وقول الله تعالى أيضاً: «وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إن الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» الآيتان 116-117 سورة النحل».
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالتأكيد أن الفتوى بيان لأحكام الله تعالى، والمفتي يقول عن الله ورسوله، ولهذا فإن القول على الله تعالى ورسوله بغير علم من أعظم المحرّمات، لما فيه من افتراء على الله ورسوله وإغواء وإضلال للناس. ولهذا اعتبر العلماء الإفتاء بغير علم من كبائر الإثم، وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتجرأ على الفتوى بالنار، فقال: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ». وأخشى في ظل فوضى الإفتاء أن نكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضّلوا وأضلوا».