فتوى جريئة للدكتور علي جمعة: ضرب الزوجة من الكبائر وطلاقها أهون

ضرب الزوجة,فتوى,د. علي جمعة,د. أحمد عمر هاشم,د. آمنة نصير,د. سعاد صالح,هدى الكاشف,د. محمد عبد المنعم البري,علماء الدين

10 يناير 2015

قال مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة في برنامجه الفقهي «الله أعلم» على إحدى القنوات الفضائية: «ضرب المرأة من الكبائر، والطلاق أفضل وأهون إذا وصل الأمر إلى الضرب المبرح للزوجة.
وأكد أن ضرب المرأة جريمة، وأن التفاهم والتعامل بالحكمة مع الزوجة أو حتى هجرتها، أهون بكثير من ضربها، لأنه يهدم الأسرة. وإذا كان هذا هو رأي مفتي مصر السابق، فماذا يقول علماء الدين؟

يشير الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء والرئيس السابق لجامعة الأزهر، إلى أن الطلاق له أحكامه الشرعية عند أهل السنّة والجماعة، فقال تعالى في (الآية 229) من سورة البقرة: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ».
وأضاف: «حتى لا يكون الطلاق وسيلة لنشر العداوات، كما هو الحال في عصرنا الحديث بسبب الأمية الدينية، فإن الإسلام طالب من شرعوا في الطلاق– حتى إن كان قبل الدخول– بألا ينسوا الفضل بينهم، محافظةً على العلاقات الإنسانية، فقال الله تعالى: «وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (آية 237) سورة البقرة.

وأشار إلى أن ضرب الزوجة بشكل وحشي فيه مهانة، وقد نهى الإسلام عن هذا النوع من الضرب، بل إن الضرب المباح مقصده التوبيخ أو الزجر  المعنوي فقط، أما إذا زاد عن ذلك فهو مرفوض شرعاً ويتنافي مع ما أمر به الإسلام حين وصف الله العلاقة الزوجية الراقية حين قال تعالي : «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة الروم.
وأوضح هاشم أنه يتفق مع فتوى الدكتور علي جمعة، لأن من غير الجائز شرعاً لأحد ضرب أحد من الناس إلا بالحق، حتى لو كان ذلك بين الأزواج والزوجات، ولهذا قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا» (آية 58) سورة الأحزاب.

وأكمل: «من يتأمل سيرة الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، وأحاديثه الشريفة، سيجدها خير دليل على كراهيته للضرب ونهيه عنه، ولا شك في أن الزوج الذي يهين زوجته ويضربها يعد مخالفاً للأمر الإلهي في المعاشرة بالمعروف، حتى لو كره الزوج زوجته، فقال الله عز وجل: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (الآية 19) سورة النساء.
وأنهى كلامه: «ضرب الزوجة حتى لو كان بسيطاً من دون مبرر، هو نوع من الظلم المحرم في الكتاب والسنة النبوية، بل إنه نوع من الظلم الذي يكون ظلمات على صاحبه يوم القيامة، فعن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روي عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا».

الرسول قدوة

تؤيد الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية-جامعة الأزهر، الفتوى مؤكدة أن الضرب فيه إهانة لإنسانية المرأة، التي كرّمها الله ضمن تكريمه العام لبني آدم، حيث قال الله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (آية 70 )سورة الإسراء.
وأشارت إلى أن الكرامة الإنسانية للزوجة يجب الحفاظ عليها ككرامة الزوج بالضبط، لأن الله خلقهما وساوى بينهما في التكاليف الشرعية، مع بعض الفروق التي تتناسب مع الطبيعة التي خلق الله كل منهما عليها، فقال الله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» (آية 195) سورة آل عمران.
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها، مؤكدة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الضرب، ولم يثبت عنه قط أنه ضرب زوجة من زوجاته، فقد قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: «ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل»، ولهذا يجب على الأزواج أن يتخذوا منه قدوة لهم في حياتهم الزوجية، ولهذا قال الله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (آية 21) سورة الأحزاب.

أخف الضررين

تتحفظ مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلاميةـ جامعة الأزهر، على فتوى الدكتور علي جمعة، وذلك لأن الطلاق، كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أبغض الحلال عند الله، نظراً إلى ما يترتب عليه من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ومع هذا أحلّه الشرع لأنه آخر الدواء لاستحالة الحياة الأسرية.
وأضافت صالح: «أما الضرب مقارنة بالطلاق فهو أخف الضررين، وخاصةً إذا تم في ضوء الضوابط الشرعية، بأن يكون غير مبرح أو بالسواك، ولهذا شرّعه الله كوسيلة تأديبية للزوجة الناشز، فقال الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (آية 34) سورة «النساء».
وأنهت كلامها بأنه إذا كان الضرب بلا جبروت أو إهانة للزوجة، فهو أهون ألف مرة من الطلاق الذي ينتج منه تدمير الحياة الزوجية وتشرد الأولاد وضياعهم، على عكس الضرب الذي جعله الله وسيلة تأديبية لبعض الزوجات ولم يجعله حكماً عاماً لكل الزوجات.

إهدار للكرامة

تؤيد الداعية الإسلامية هدى الكاشف، ما أفتى به الدكتور علي جمعة، مؤكداً أن ضرب الزوج لزوجته بدون وجه حق أمر مخالف للشرع ولأخلاق وسلوك الرسول، (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يثبت عنه أنه أهان أو ضرب زوجة من زوجاته، بل أوصى الرجال وخاصة الأزواج بالنساء خيراً، فقال في حجة الوداع: «اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
وعن الحل الشرعي في حالة الزوجة الناشز، التي إن طلقها زوجها ضاعت هي وأولادها ولم يصلحها النصح والهجر في الفراش، قالت الكاشف: «اشترط بعض الفقهاء ألا يتجاوز الضرب للزوجة التي لا يصلحها إلا الضرب عشرة أسواط، طبقاً للحديث النبوي الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواط، إلاّ في حدّ من حدود اللّه».
 ويجب أن يعلم الزوج أن من ضرب زوجته سوطاً واحداً بغير حق، فإن الله توعده بالعقوبة يوم القيامة، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة».
وأنهت هدى الكاشف، كلامها بأن الطلاق عند المرأة الحرة التي تعتز بكرامتها أهون من الضرب الذي فيه إهانة لكرامتها، ولهذا نهى عنه الشرع، وذم الإسلام الأزواج الضاربين، فقد سأل أحد الصحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».

ترتيب مقصود

يعارض الدكتور محمود مزروعة، العميد السابق لكلية أصول الدين في المنوفية، الفتوى الصادرة عن مفتي مصر السابق قائلاً: «نهى الإسلام عن ضرب الزوج لزوجته قبل الوعظ والهجر في المضجع، لأن الترتيب مقصود في قول الله تعالى: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً» (آية 34) سورة النساء، وبالتالي فإن الزوج الذي نفذ تقويم أو إصلاح زوجته بهذا الترتيب ليس آثماً شرعاً.
ويتساءل مزروعة: «أيهما أخف ضرراً على الأسرة بما فيها من أولاد، الضرب أم الطلاق الذي به تنهار الأسرة ويتشرد الأولاد؟ ولهذا فإنه يجب أن تتحمل الزوجة الضرر الأصغر وهو الضرب، في سبيل تجنب الضرر الأكبر وهو الطلاق، الذي يجب أن يكون كالكي آخر وسيلة للشفاء أو العلاج للزوجة الناشز، التي لم ينفع معها وعظ ولا هجر ولا ضرب».
وأنهى الدكتور مزروعة كلامه، مؤكداً أن من القواعد الشرعية التي تحكم العلاقة بين البشر، وخاصة في العلاقة الزوجية «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»، ولا شك في أن الطلاق بكل آثاره السلبية يعد مفسدة.

كرامة الزوجة

يؤكد الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة-جامعة الأزهر، أن من الخطأ التعميم في الحكم بأن الطلاق أهون من ضرب الزوج لزوجته، وإنما لكل مقام مقال، ولكل حالة ما يتناسب معها من سبل العلاج، فهناك من الزوجات من لا يصلحها إلا الضرب، حتى أنها تستهتر بزوجها إن لم يضربها، وهذه زوجة غير طبيعية، لأننا نرفض الضرب الشديد الذي فيه إهدار لكرامة الزوجة أمام أولادها أو المجتمع أو البيئة التي تعيش فيها.
وعن كيفية إصلاح الزوج لزوجته، التي لا يتم تقويمها إلا بالضرب، قال البري: «يمكن الزوج أن يقوم زوجته بالترغيب حيناً والترهيب حيناً آخر، حسب طباع زوجته، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «رحم الله امرأ علق سوطه بحيث يراه أهله»، أي لمجرد التهديد للزوجات غير السويات نفسياً».
وأنهى كلامه بأن «من غير المفضل شرعاً، إذا تمت المفاضلة بين الضرب أو الطلاق، أن تكون البداية بالطلاق الذي يعد وسيلة لخراب البيوت، ولهذا يجب عدم اللجوء إلى الطلاق إلا مع استحالة الحياة الزوجية، ليكون القرار الأخير الذي لا رجعة فيه».