'الهيئة' تضبط 581 مبتزاً في السعودية خلال عام

المملكة العربية السعودية, جريمة, السجن, الابتزاز

20 يوليو 2013

تحدث بعض جرائم الابتزاز نتيجة تراكم علاقات «محرّمة» تصل أحيانا إلى حد الثقة بين الفتاة ومن يسمى «صاحبها» إلى أن تسلّمه صوراً شخصية لها وتقع ضحية للابتزاز والمساومة على العرض أو الفضيحة. الابتزاز «تجارة» من نوع خاص تاجرها محتال متمرّد على الفتيات، وبضاعتها «شرف البائعة». هي تجارة تبدأ في وحل الرذيلة وتدار دائماً في الخفاء...


تقول نوف: «تلقيت رسالة على هاتفي المحمول من شخص يقول إنه يعمل في إحدى الجامعات، ووقتها كنت متخرجة حديثاً من الثانوية بمعدل مقبول. هذه الرسالة شكلت لدي أملاً لأكمل دراستي الجامعية، لذا جهّزت كل أوراقي وأرسلتها له على البريد الالكتروني، وبعد يومين تلقيت اتصالاً من هذا الشخص الذي راح يكرر اتصاله بشكل يومي».
وتضيف: «أخبرني بقبولي في الجامعة ولكن طلب مني طلباً غريباً، وهو أن لا يتم قبولي بالجامعة إلا إذا قابلته في مكان خاص، مرضت ومررت بحالة نفسية سيئة، وأصبح يصر على مقابلتي وأنا أرفض، إلى أن وصل الأمر إلى التهديد والابتزاز وفضحي أمام أهلي خاصة أن معه كل الأوراق وسجل مكالماتي معه».

وتتابع بصوت حزين: «أمضيت أكثر من ثلاثة أشهر وأنا أشعر بخوف كبير تحت التهديد والابتزاز، إلى أن خطر ببالي أن ابلغ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعلاً تجاوبوا معي، وتقدمت لهم بطلب رسمي فنصبوا له مكمناً وأوقعوا به».


ابتزاز وسجن عام

لا تتوقف القصص عند ابتزاز الشاب للفتاة، بل أحياناً يحصل العكس تماماً، وأحياناً يشترك الطرفان في القضية، وإن كانت الفتاة هي التي بدأت العلاقة. يقول أحمد: «أرسلَتْ صوراً غير محتشمة على هاتفي، وبعدها تعرفت عليها، عندما اتصلت بالخطأ على رقمي، فهي من بادرت  بالاتصال آخر الليل وطلبت التعرف، والسبب أن رقم هاتفي مميّز. استمرت العلاقة سنة ونصف سنة وكنت أشتري لها بطاقات شحن للجوال». ويضيف: «حاولت مراراً وتكراراً قطع العلاقة فهددتها بصورتها مع ابنة خالها، فرجعت العلاقة أفضل مما كانت عليه. ولكن لكثرة طلباتي وتهديدي لها دبّرت لي مكمناً محكماً مع أفراد الهيئة وتم القبض علي، وأودعت سجن الحائر، وحكم علي بالسجن لمدة عام مضى منها أربعة أشهر».


وافد عربي يبتز عشرينية سعودية

قام وافد عربي يعمل في أحد محال صيانة أجهزة الهواتف المحمولة بتهديد فتاة سعودية تبلغ من العمر 22عاماً كانت برفقة والدها عندما أرادت إصلاح هاتفها، فسحب الوافد كل الملفات من جهازها المحمول وحوّلها إلى جهازه بغرض ابتزازها. وبعد يوم من مغادرة الفتاة للمحل فوجئت برقم غريب يتصل بها فلم ترد عليه. تكرر اتصاله إلى أن ردت ففوجئت بأن المتصل هو صاحب المحل ويهددها بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم ترضخ لطلباته الدنيئة، وبعد المكالمات دخلت الفتاة في حالة نفسية سيئة في ظل إلحاح الوافد على مقابلتها وإلا نشر صورها.
وبعد تفكير وتخوف من الفضيحة قررت الاتصال برجال الهيئة الذين تثبّتوا من صحة المعلومات وكشفوا ممارسة هذا الرجل أنشطة أخرى مشبوهة من خلال المحل. فأوقفوه بعد اتخاذ الإجراءات الرسمية المتبعة ووجدوا بحوزته كل الصور التي تخص الفتاة، وصوراً لفتيات أخريات ومقاطع مخلة وفاضحة، وأعترف الوافد خلال التحقيقات بفعلته وأحيل على الجهات الأمنية. 


الأسباب النفسية لظاهرة الابتزاز

يقول الاختصاصي الاجتماعي الدكتور وليد الزهراني إن المبتز هو شخص يعاني الاضطراب في الشخصية، ولديه هوس جنسي يستهوي مناظر العري، وبعض المبتزين لديه رغبة انتقام والبعض يسعى للاستغلال المالي. بعض المبتزين نشأ في أسر غير سوية، وهو حساس جداً ثائر في أي لحظة، يميل إلى الانعزال ويحاول أن يجبر الآخرين على تبنّي آرائه.
ويضيف: «المبتز والضحية دائماً لديهما مشكلات أسرية، ويجب عدم الانصياع لهما، وتوثيق كل ما يدور حتى يكون هناك دليل عندما يحال المبتزّ على القضاء. والمبتزون عادة ينتابهم الخوف والقلق ولا يثقون بأحد».

وتقول استشارية طب الأسرة الدكتورة هند الحمود إن الابتزاز من القضايا العامة التي انتشرت أخيراً، «ولكن بشكل محدود لأننا نعيش في عالم مادي تطغى فيه المادة على الجانب الأخلاقي».
وتضيف: «لا بد أن تضطلع كل وسائل الإعلام بدور كبير في توعية الشباب والفتيات. ولا ننسى دور التنشئة الاجتماعية، فالبعض يعيش في فراغ عاطفي وأسرته لا تعلم عنه شيئاً. ولا بد من تفعيل الضبط الاجتماعي داخل الأسرة ودرس مشكلات الشباب والفتيات».

وأكدت أن أهم وسائل الابتزاز هي التهديد بفضح الضحية بنشر صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتهاون بعض الفتيات بإرسال صورهن، وأن أبرز أماكن الابتزاز هي المشاغل النسائية والاختلاط، ومحلات بيع الهواتف المحمولة وصيانتها، علماً أن الفئة العمرية المراد ابتزازها هي ما بين 16 و39 عاماً.
وطالبت بتوعية الشباب والفتيات على أسس دينية وأخلاقية وقانونية، وأن يعلم كل منهم ما هي عقوبة الابتزاز. «ويجب أن يصدر قانون واضح للجميع، وأتمنى أن يدرَّس في المدارس».

ويذكر أستاذ الشريعة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله التريكي أن من أسباب الابتزاز وضعف الوازع الديني. وفي هذا العصر دخلت حياتنا وسائل الاتصال الحديثة بصورة كبيرة وكل فرد من أفراد الأسرة مشغول بجهازه، وأصبح هناك تنافر بينهم. والعمالة الوافدة، التي تعمل، خاصة في صيانة الهواتف المحمولة، كان لها دور كبير في ابتزاز الفتيات وتم القبض على الكثير منهم ومعاقبتهم وترحيلهم. نحن لا ندعو إلى الشك المريب الذي تضيع معه الثقة، وفي الوقت نفسه لا ندعو إلى الثقة العمياء».
وطالب بتعاون الجميع في التصدي لهذه الظاهرة من خلال تقوية الأسرة للوازع الديني لدى أفرادها وتربية أبنائها تربية صالحة، ويجب متابعة الأبناء بطريق مباشر أو غير مباشر، وأن يعلم من يقع في الابتزاز أن عليه مصارحة الأم والأب أو الأقارب بحقيقة الأمر، وعدم الخضوع للمبتز وإبلاغ الجهات المعنية، لأن هذه الجريمة تمس الحفاظ على الضرورات الشرعية.


تقرير الهيئة

ذكر تقرير الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه في عام 2012 سجلت 581 حالة ابتزاز في السعودية، وكانت منطقة مكة المكرمة الأولى في قضايا ابتزاز الفتيات ووصلت إلى 166 قضية، تليها المنطقة الشرقية بـ 119 قضية، ثم منطقة الرياض بـ 101 قضية.
وتسعى «الهيئة» إلى بذل كل الجهود والمبادرات الممكنة لمحاربة «الإفساد في الأرض»، وحماية أبدان الناس وعقولهم وأعراضهم، من العابثين بالقيم والمثل العليا في المجتمع، إذ أن التهاون في ذلك سوف يدفع بهم لبسط شرورهم على أفراد المجتمع لتحقيق مآربهم ومقاصدهم الدنيئة.

ومن الإفساد في الأرض العبث بالإعراض من خلال الإقدام على ابتزاز النساء. وتقوم الهيئة بجهود استثنائية للتصدي لظاهرة الابتزاز، بكل تداعياتها المؤلمة على الاستقرار الأسري والمجتمعي، فالمبتزون في طرائق ابتزازهم، وأساليب حيلهم، وأدوات مكرهم، لا يتورعون في الغالب من استخدام كل أداة أو وسيلة، وكل تقنية حديثة، خصوصاً الهاتف النقال والانترنت، لمحاصرة ضحاياهم، وترويعهم، وصولاً إلى أغراضهم الدنيئة ورغباتهم الشيطانية، سواء كانت مالاً أو شهوة جنسية محرمة.، فالغايات مبررة، والأهداف محدودة، والنتائج قاصمة، والفتيات اللواتي يقعن فرائس لهذه الذئاب البشرية تحاصرهن في الغالب مشكلات أسرية، ونفسية واقتصادية واجتماعية تقودهن إلى هذه المزالق الأخلاقية الصادمة.

وقالت الهيئة إنها تتعامل مع ظاهرة الابتزاز الدخيلة على المجتمع السعودي بسرية تامة، ومهنية عالية، بما يحفظ للفتيات المبتزات كرامتهن بالستر عليهن، لينعمن من جديد بحياة أسرية مستقرة، وقد وعين وأدركن جيداً أهمية المحافظة على عفتهن وأعراضهن من طمع الطامعين، ودناءة الفاسدين الذين يفتقدون مروءة الرجال ومكارم الأخلاق.
وانشأت الهيئة وحدات في بعض فروع الرئاسة للتعامل مع قضايا الابتزاز، والعمل قائم على استكمال إنشاء وحدات مماثلة في بقية الفروع. في موازات إجراء العديد من الدراسات والبحوث عن هذه الظاهرة، وأسبابها، وأساليب معالجتها، وتجهيز عناصر مدرية تدريباً نوعياً متميزاً للتعامل مع قضايا الابتزاز بصورة احترافية.