بين الإدخار والتبذير... كيف هي علاقتكِ بالمال؟

الإدخار,التبذير,المال,إدارة المال,المشاكل الزوجية,سوء التفاهم,المرأة,روزلين شويري دياب,الدكتور جو عجمي

دينا الأشقر شيبان 07 فبراير 2015

تتضارب الأمثال المتعلّقة بالمال لترضي مختلف الأطراف! فبين «إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، و «إدخر قرشك الأبيض ليومك الأسود» تناقض شديد... بحيث تختلف آراء الناس إزاء المال: فمنهم من ينفق المدخول كاملاً ويهتمّ بتلبية رغباته ويعيش الحياة يوماً بيوم، ومنهم من يدّخر ويحسب ويوفّر. فهل المال غاية أم وسيلة؟ ومن الأكثر «شطارة» في إدارة المال، الرجل أو المرأة؟ منذ القدم، تنطبع صورة نمطية للعلاقة ما بين المرأة والمال. إذ لا يوجد حلّ وسطي. فالسيدة عموماً تكون إمّا مبذّرة ومهووسة تسوّق، وإمّا بخيلة إلى أقصى الحدود وإدارية بشكل مبالغ به. فلماذا تشوب هذه العلاقة الشائكة تساؤلات على الدوام؟ ألا يمكن التوفيق ما بين المدخول والمصروف؟ وما مردّ هذه التصرفات؟

يشكّل «المال» أحد  أهمّ أسباب سوء التفاهم والمشاكل الزوجية في مختلف بلدان العالم. فالسجال القائم دوماً حول الأمور الإدارية والمادية والمنزلية يبقى على طاولة البحث من غير حلول واضحة. ذلك أنّ إدارة ميزانية البيت والتوفيق ما بين الدخل والمصاريف أمر في غاية الصعوبة، خصوصاً في ظلّ الأزمات المالية والأوضاع غير المستقرّة. فالرجل غالباً ما يُلقي اللوم على عاتق المرأة، متهماً إياها بالإفراط في المصروف عشوائياً، لأنها تعتبر أنّ المال وسيلة للرفاهية والبذخ... من جهة أخرى، تتّسم بعض النسوة «بالبخل» حسب أقوال رجالهنّ، إذ يحسبنَ أدقّ التفاصيل ولا يصرفنَ إلاّ بعد عناء. فما مواصفات المرأة المبذرة؟ والإدارية؟ والبخيلة؟ وما علاقتها بالمال؟ وهل صحيح أن الرجل أفضل في التعامل مع المادة والمصروف والإدارة؟ تفسّر الإختصاصية في علم النفس روزلين شويري دياب الأسباب الكامنة خلف تكوّن شخصيّة الإنسان وإرتباطها بخصال وصفات معيّنة. ومن جهته، يشرح الدكتور جو عجمي، الأستاذ المحاضر في الإنسانيات والإعلام والأمور المعاصرة، نقاط الضعف والقوّة لدى الرجال والنساء، إزاء موضوع المال.

شخصيّة وتربية

الناس أجناس! إذ تختلف أنواع الشخصيات بين الأشخاص ويتأثر ذلك بعوامل عديدة أبرزها التربية والجوّ السائد في المنزل والعلاقة مع الوالدين. تشير دياب «إنّ علاقة الإنسان بالمال عموماً تعكس علاقته بالسلطة وبمصدر القوّة. ذلك أنّ العلاقة ما بين الولد والسلطة الأبوية الذكورية من أبرز ما يحدّد ملامح الشخصية. فإذا كانت العاطفة والمبادلة بالمثل سائدة، يعتاد الولد على العطاء بفرح، ليُقابلة عطاء من الطرف الآخر. أمّا إذا كانت العلاقة قائمة على الخوف والتوبيخ وإنتظار المقابل، فلا يقوم المرء بمبادرة إلاّ بغية إنتظار المكافأة أو المبادلة». يأتي الكرم أوّلاً بالأخلاق والمحبّة والصراحة والعلاقة السليمة، قبل أن يتطوّر إلى الكرم بالمال والتعامل مع الآخرين. فالشخصية الكريمة بطبعها هي تلك التي تفرح بالعطاء ولا تتوقّع مقابلاً. وأمّا الشخصية البخيلة، فهي تلك التي تخاف أن تعطي كي لا تفقد الشيء، كونها على يقين أنها لن تحصل على مقابل. تضيف دياب: «تلعب التربية دوراً جوهرياً في صقل شخصيّة المرء، إذ يترعرع الشخص في كنف عائلة تعلّمه الصواب والخطأ لينمّي في ما بعد القدرة على التمييز بنفسه». ويبقى أنّ الطبع يغلب التطبّع.

المرأة والمال

تشدّد دياب على أنّ «المرأة ترى المال مصدراً للسلطة والقوّة، وبديلاً للتعويض عن نقص. فالصبيّ يولد في مجتمعاتنا الشرقية الذكورية بأفضليّة على الفتاة، بمجرّد أنه ولد! ويبقى على الفتاة أن تحاول إيجاد بديل عن هذه السلطة التلقائية المُعطاة له. فيُعطيها المال ثقة إضافية بالنفس وتعويضاً نوعاً ما». بالطبع تختلف النساء في ما بينهنَ أيضاً في هذا السياق، إذ لا تعاني جميع الفتيات من «عقدة النقص» هذه، وذلك حسب الجوّ العائلي والتربية والظروف التي تمرّ بها.
تضيف: «إنّ المستوى الثقافي والعلميّ والعملي يشكّل أيضاً عاملاً مهماً في علاقة المرأة بالمال. إذ إنّ السيدة المتعلّمة متسلّحة بسلطة من نوع آخر، ألا وهي شهادتها وعلمها وثقافتها. وهي بالتالي لا تحتاج إلى التعويض بشكل كبير. كما أنّ غالبية النساء المتعلّمات سيّدات عاملات. وبالتالي، عندما تتعب المرأة لتجني مالاً بعرق جبينها، تتخلّص تلقائياً من التبعيّة المادية والسلطويّة الذكورية، وتحصل على إستقلاليتها، وإن كانت مادية فقط، كما تقدّر قيمة المال، وتحسب ماهيّة صرفه».

بين المرأة والرجل

يتحلّى الرجال والنساء على حدّ سواء، بهامش من الإدارة وبنقاط قوّة إزاء التعامل مع المال.لكنهم من جهة أخرى، يعانون نقاط ضعف واضحة كعين الشمس. فلا يمكن القول إن أحدهما أفضل من الآخر بشكل مطلق!
يقول عجمي: «من المتعارف عليه في أغلب المجتمعات أنّ الرجل هو االشخص القياديّ في العائلة الذي يتولّى المسؤوليات المادية وتقع على كاهله مهمّة جني المال لإعالة زوجته وأطفاله. فمن البديهيّ أن تعطيه هذه المسؤولية حسّاً بالثقة بالنفس، كونه قادراً على تأمين ما يلزم من دون مساعدة. إذ إنّه من الطبيعي أن يكون الرجل شخصاً منتجاً وعاملاً. بينما ما زلنا نعتبر في بعض المجتمعات أنّ عمل المرأة هو من الكماليات، أو أنها تعمل لتخفف من مصروفها الخاص على زوجها، وليس لمساعدته». هذه الصورة المتعارف عليها منذ القدم هي بمثابة نقطة قوّة للرجل، كونها تؤكّد دوره الطبيعي.
من جهة أخرى، يرى عجمي أنّ الرجل عموماً يكسب أجراً أكثر من المرأة في أغلب الوظائف، رغم أنهما الآن على قدم المساواة. وهذه الحقيقة تمكّنه تلقائياً من الإعالة وتأمين الحاجيات. ويميل الرجال إلى التخطيط للمستقبل عندما يتعلّق الأمر بالأسرة والموارد المالية ووضع الميزانيات، لأنه يحسب على المدى البعيد إمكاناته مقابل إحتياجاته. وأمّا المرأة فإتكالية في بعض الأحيان، كونها على يقين أنها تعتمد على الشريك أو الأب أو الأخ لمساندتها، أي السلطة الذكورية التي تشكّل مرجعاً دائماً لها في حياتها».
يتابع: «إنّ التعامل مع المال بموضوعية وتسخيره كوسيلة لا غاية من المقوّمات التي تجعل من الرجل متفوّقاً على المرأة في هذا المجال. فالرجل أقلّ عُرضة لأن تتآكل سلطته في حال عدم وجود المال، وبالتالي هو أقلّ عُرضة للإنفاق وفق ما تمليه العاطفة وفورة التسوّق وهوس الحصول على كلّ جديد للتباهي والتفوّق على الآخرين، كمصدر تعويض للسلطة. بينما المرأة تحتاج عاطفياً ومعنوياً لفرض سلطة ما أو تفوّق، كي لا تنتقص من ثقتها بنفسها. وغالباً ما تملأ هذا الفراغ العاطفي بالشق المادي».

بين البذخ والإدارة

تشدّد دياب على أنّ «الإنفاق الذي يفوق المدخول غالباً ما يشكّل في مرحلة لاحقة مشاكل عديدة، إجتماعية وعائلية وحتى شخصيّة. فالمرأة التي تتهوّر في الإنفاق بلا ضرورة تشكّل عبئاً إقتصادياً هائلاً وهي كائن طائش لا يتحمّل المسؤولية والتبعات. فالإستقلالية المادية أو السلطة لا تبرّر إدمان التسوّق والشراء». وهنا تُعرف المرأة بالمبّذرة.
تضيف: «إنّ الإعتقاد السائد من جهة أخرى، بأنّ بعض النساء بخيلات إلى أبعد الحدود عارٍ عن الصحة إجمالاً. فالإقتصاد في المصروف وووضع ميزانية محدّدة والإلتزام بها وعدم تخطّي الدخل وتحميل بطاقات الإئتمان ديوناً وأعباءً، يشكّل نقطة إيجابية لصالح السيدة التي تعرف الموازنة ما بين المدخول والمصروف». إنّ التصّرف الواعي والمنظّم والتدقيق في الحسابات والدهاء الفطري الذي تتمتع به المرأة لإدارة شؤون المنزل تساعدها في تولّي مسؤولية كبرى، وبالتالي مدّ يد العون إلى شريكها وإنجاح الشراكة الزوجية والعائلية. فهنا تكون المرأة إدارية بإمتياز وليس بخيلة!
تضيف: «لا وجود لمصطلح المرأة البخيلة بشكل عام! بل إنّ صفات بعص الناس، رجالاً كانوا أو نساء هي ما تتسبّب بنعتهم هكذا. ومردّ ذلك طريقة التعامل مع الآخرين».

مصروف...

من المعروف أنّ الرجل يهوى إمتلاك السيارات الحديثة والعقارات والساعات والأدوات التكنولوجية، بالإضافة إلى الملابس الأنيقة والأحذية. ويُقسّم ما يجنيه ما بين تسديد المترتبات عليه من حيث المأكل والمسكن والمدراس والعائلة، بالإضافة إلى الأمور التي يهوى. وأمّا المرأة، فتتجه إلى مواكبة العصر من حيث الحاجات. فتراها تتوجّه أكثر نحو الملابس والأحذية والتجميل والمستحضرات وعمليات التجميل والتنحيف والأكسسوارات وسواها. لكن ما دامت الميزانية مدروسة ما بين الدخل والإنفاق، فلا شيء يمنع من ذلك!

نصائح لها

يعطي عجمي بضع نصائح بغية أن تتذكّرها كلّ سيّدة:

✽ حدّدي مصاريفك حسب مدخولك.
✽ حاولي الإدخار وإن قليلاً كي لا تلجأي إلى الإستدانة من أحد.
✽ قومي بحسابات دقيقة ودوّني ما تصرفين.
✽ لا  تدعي الإنفاق يخرج عن سيطرتك. لا تصرفي المال عشوائياً.