نازك الحريري: أرى رفيق عمري في صفات الأولاد مجتمعين

نازك الحريري,رفيق الحريري,ذكرى,مقابلة,غياب

روزي الخوري 14 فبراير 2015
عشر سنوات على استشهاد الرئيس الحريري... حضور لا يمحوه الغياب


رفيق العمر والدرب هو. كلّما ازداد غياباً ازداد حضوراً، ولا تقوى سنوات الفراق على محوِ صورته الراسخة في القلب والعقل. ذكراه تتجدد كلّ يوم كأنّها اللقاء الأول مع رفيقة دربه السيدة نازك رفيق الحريري. لا تتعامل مع ذكراه كأنها من الماضي، فهو بالنسبة إليها ماضٍ لا يمضي وحاضر لا يتبدّد ومستقبل ثابت أبدَ الدهر. بكثير من اللهفة والحرقة والعاطفة وبأمل لا تنال منه الأحزان، تستعيد السيدة الحريري شريط حياتها مع الرئيس بعد مرور عشر سنوات على استشهاده من أجل الوطن.


- تتزامن هذه المقابلة مع مرور عشر سنوات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري. ماذا تقول السيدة نازك في هذه الذكرى؟
بداية، شكرًا لاستضافتكم الكريمة في منبر مجلة «لها» التي تتميَّز بمكانة خاصة في لبنان وفي العالم العربي، والتي نحمل لها شخصيًا ولأسرتها كل تقدير واحترام، بالنظر الى الدور الناشط الذي تؤديه في تمكين المرأة العربية، وتعزيز موقعها ومشاركتها في المجتمع، والدفاع عن حقوقها.

وبالعودة إلى حديثنا الذي يتزامن مع الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، أسترجع عبارة قلتها بُعَيد الاستشهاد الكبير، وها هي اليوم تتضح معالمها، ويا للأسف الشديد: نعم، أيها الرئيس الشهيد، خافوك فقتلوك. خافوك رجل دولة، استطاع بعزمه وبرؤيته أن ينتشل وطنه الغالي من براثن الحرب وأن يعيد بناء هذا الوطن على قدر أحلام أبنائه وتوقعاتهم وطموحاتهم. خافوك زعيمًا وطنيًا جامعًا محترمًا بين الأمم والشعوب ومشاركًا في إيجاد الحلول الناجعة للقضايا الشائكة. والأهم، أنهم خافوك إنسانًا كبيرًا بإيمانه وبقلبه وبفكره، رجلَ مبادئ ومواقف سيبقى التاريخ شاهدًا لها وعليها. خافوك لأنك دافعت عن الإنسان وعن وحدة الأوطان وسلامة الأراضي، ومبادئ الحق والعدل والإنصاف والاعتدال في وجه القهر والظلم والفقر والجهل. قتلوك لأنك رفضت الحروب فرفعت راية السلام عاليًا في كل أرض وطأتها وفوق كل منبر اعتليته. واستبدلت لغة السلاح بلغة العلم للطلاب وللطالبات، بعيدًا من التجاذبات والاصطفافات السياسية التي كانت وما زالت في بلدنا الحبيب لبنان.

- كيف ترين لبنان بعد مرور عشر سنوات على استشهاد الرئيس؟
أرى لبنان، بعد عشر سنوات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، يفتقد عرَّاب الوحدة الوطنية والموقف الوطني الجامع الذي، وإن اختلف البعض عليه أو معه، بقي يناضل انطلاقًا من المصلحة الوطنية العليا. هذه المصلحة الوطنية التي اجتمع عليها كل اللبنانيين عند استشهاده. بعد مرور عشر سنوات، أرى لبنان يفتقد الضامن، بمعونة الله، للأمن والاستقرار وروح التفاؤل لأبناء هذا الوطن. وإنني أرى أن من يفتقد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس فقط عائلته الصغيرة وعائلته الكبيرة، بل كل من أحبَّ لبنان وأراد لهذا البلد الحبيب الأمن والاستقرار والازدهار.

- هل شعر الرئيس الحريري يوماً بالخوف على نفسه أو بقلق من أمر ما؟ وماذا كان يقول لك في هذا الصدد؟
جلسات المحكمة الدولية خير دليل على أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان مدركًا الأخطار التي أحاطت به والتهديدات التي كان يتلقاها بسبب مواقفه الوطنية. فالخوف على النفس فطرة أوجدها الله سبحانه وتعالى في قلوب الناس. إلا أن إيمان الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالله عز وجل، ويقينه بأن لكل نفس أجلاً مسمّى كانا أكبر من الخوف على النفس، وشكّلا العنصر الأساسي لمواجهة كل المخاوف في سبيل إحياء قضية الحق والحرية والسيادة في لبنان.

- ما الذي تقوله الزوجة نازك رفيق الحريري عن الرئيس الشهيد للمرة الأولى؟
أقول للرئيس الشهيد رفيق الحريري «يا رفيق عمري ودربي»، في كل مرة أقولها يكون وقعها في قلبي كالمرة الأولى.

- لطالما ارتبط اسم الرئيس الحريري بنشاطات خيرية على كل الصعد، هل أنت راضية عن وتيرة استمرارها اليوم؟
عندما أنشأ الرئيس الشهيد رفيق الحريري مؤسسة الحريري التي ركّزت عملها بداية على النشاطات الخيرية بسبب الظروف العصيبة التي كانت سائدة في لبنان يومذاك، كان هدفه الأبعد أن تصبح المؤسسة في مرحلة السلم مرفقًا وطنيًا حيويًا يساهم في تفعيل الطاقات البشرية، ولا سيما الشابة منها وتوظيف هذه الطاقات في تحقيق النهوض الاجتماعي والنمو الاقتصادي. وهذا ما باشر تحقيقه بالفعل عندما بدأت مسيرة الإنماء والإعمار، التي قادها مع الشعب اللبناني، تؤتي ثمارها، وتساهم في إيجاد فرص عمل جديدة للناس. كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يسعى باستمرار إلى مساعدة الناس في إيجاد وسيلة لتأمين رزقهم ورزق عائلاتهم بما يوفِّر لهم حياة كريمة، من دون الحاجة إلى غيرهم، على قول المثل الصيني: «لا تطعمهم سمكًا بل علِّمهم اصطياد السمك». وهذا ما تسعى إليه مؤسسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري اليوم في إطار خطة إعادة الهيكلة وبرنامج العمل قيد التنفيذ. ولا ننسى مسيرته ونهجه منذ بداية إنشاء المؤسسة بإرسال نحو ستة وثلاثين ألفًا من الشبان والشابات ليحملوا الشهادات بدلاً من السلاح. كما أنشأ المراكز والمستوصفات الصحية تلبية لحاجات أصحاب الأوضاع الاجتماعية الخاصة من شعبنا الحبيب في لبنان.

- مَن من الأولاد تجدينه الأقرب إلى شخصية الرئيس الحريري؟ وما هي النصيحة التي تسدينها لهم لكي يتشبّهوا به؟
كل واحد من الأولاد يحمل صفة أو جانبًا من والده. وأجمل أوقات حياتي تكون عند اجتماع الأولاد من حولي، فأشعر بقرب الرئيس رفيق الحريري. أما نصيحتي لهم فتكون في سياق حديثي معهم بأن يتبعوا مسيرة والدهم ونهجه وخطاه وطريقته في الحكم على الأمور في مختلف أنواعها، كالإنسانية والخيرية والوطنية ومحبة الآخرين ورعايتهم.

- نعلم أنّك بعيدة بالجسد عن لبنان، ولكن قريبة بالروح. كيف تتابع السيدة نازك من الخارج كل النشاطات والأعمال الخيرية المرتبطة باسمها؟
إنني كما أؤكد باستمرار، أبقى على تواصل يومي مع مؤسسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومع الأهل والأصدقاء في لبنان، وكذلك مع الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالشأن الوطني والاجتماعي، بما يصب في مصلحة بلدنا الحبيب لبنان. ونحن كعائلة، ومن موقعنا، وانطلاقًا من العلاقات والصداقات التي أسسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نبذل الوقت والجهد بما يخدم جميع اللبنانيين واللبنانيات، وبما يعزز القيم والمبادئ الوطنية التي بذل الرئيس الشهيد رفيق الحريري عمره وحياته من أجلها حتى الشهادة.

- كيف ترين دور المرأة في العالم العربي في ظل الثورات العربية، وكيف تدعمينها من موقعك؟
أولى الرئيس الشهيد رفيق الحريري أهمية استثنائية لدور المرأة اللبنانية خصوصًا والعربية عمومًا، وكان هدف تمكين المرأة يأتي في طليعة أولوياته، لأنه كان يوقن أنها الأساس في بناء المجتمعات المسالمة والحديثة والمتقدمة. ومن هذا المنطلق، أسس جمعية نساء المستقبل. وإنني ملتزمة، كما عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مواصلة هذا الهدف ودعم المرأة اللبنانية والعربية التي بات دورها أكثر حيوية في ظل المتغيرات والتحديات التي يشهدها لبنان والعالم العربي بأسره. وفي هذا السياق، تكثف مؤسسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري النشاطات الاجتماعية والوطنية المختلفة، ولا سيما الندوات وورش العمل والدورات التعليمية والتدريبية التي تصب جميعًا في هدف تمكين المرأة على الصعد المختلفة وتعزيز دورها للإسهام في بناء مجتمعات محلية عربية أكثر سلمًا وتطورًا.


عن المراحل الجميلة التي عشتها إلى جانب الرئيس:

- عندما تراجعين شريط الذكريات، ما هي أول صورة تبادرك؟ وأجمل ذكرى بينكما؟
أول صورة وأجمل صورة من شريط ذكرياتنا هي مشهد العائلة مجتمعة مع رفيق الدرب بيننا، يضحك بابتسامته المعهودة، والمفعمة بالمحبة والتفاؤل، وهو فخور بهذه العائلة الكريمة التي أنعم الله عليه بها. إنه المشهد الذي لا يفارقني، وسوف يبقى دائمًا راسخًا في جوارح قلبي وفي نفسي.

- ما هي المحطة الأجمل الراسخة في ذهنك؟
المحطة الأجمل هي أول جولة لنا في وسط مدينة بيروت العزيزة والغالية على قلبه، بعدما استعادت نبض الحياة ونفضت عنها غبار الحروب. ما زلت أتذكر كم كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري سعيدًا بتلك اللحظات، وبوسط بيروت وقد عادت العاصمة إلى سابق عهدها جوهرة تسطع بين العواصم والمدن.

- أي أحاديث لم تكن نازك الحريري تملّ تكرارها مع رفيق الحريري الزوج والأب؟
أكثر كلام كنت أردّده للرئيس الشهيد رفيق الحريري الزوج والأب ولا أملُّ تكراره، أن يحرص على صحته وسلامته وأمنه وأن يتجنب قدر المستطاع المخاطر، فنحن عائلته الصغيرة نفتقده اليوم وحياتنا من دونه عذاب وقهر. أما عائلته الكبيرة لبنان فهي في حاجة ماسة إليه. فالمسؤولية التي أخذها على عاتقه كانت كبيرة جداً، عمادها الإنسانية والوطنية وخالية من المصلحة الذاتية.

- ما أكثر الأحاديث التي كانت تدور بين الرئيس الشهيد والأولاد؟
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يحرص على أن يتشاور مع الأولاد في أمور العائلة وفي مستقبلهم، وكان يحرص على أن يكون خير صديق لهم، ويصغي الى مشاكلهم وانشغالاتهم، ويشاركهم بدوره أفكاره وآراءه ورؤيته الى الحياة والعائلة والوطن. وكان يوصيهم دائمًا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالخير والمحبة وبالتحلّي دائمًا بالصدق.

- ما كانت أجمل الهوايات المشتركة بينكما؟
أجمل هواياتنا المشتركة كانت تشاركنا في الحياة بكل جوانبها، وكان التحاور أكثر ما يجمعنا. فقد كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يولي الاستماع إلى الطرف الآخر أهمية خاصة، في الحياة الخاصة كما في الحياة العامة، وكان من عادته أن يتخذ القرارات والخيارات التي ترضي الجميع وتشعر كل طرف بأنه رابح. وهذا سر نجاحه في الحياة وسر محبة الناس له.

- أي عطلة كانت الأجمل لكما؟ وأين؟
كل يوم كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقضيه بين عائلته كان يوم عطلة بالنسبة إلي. ولعل أجمل الأيام تلك التي أمضيناها في وطننا الحبيب لبنان، بين الأهل والأحباء. فليس أقسى من الاغتراب وليس أجمل من أن يكون الإنسان بين من يحب. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تحين الفرصة المناسبة وأن يجعل عودتنا الى أرض الوطن قريبة جدًا، بإذن الله.

- أي نوع من الهدايا كان يحب الرئيس أن يقدمها إليك؟ وماذا عن الهدية الأحب إلى قلبك؟
أجمل الهدايا التي قدمها اليّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي ذلك الحب الكبير الذي أسّس عليه بيتنا وعائلتنا، والذي كان دعامة كل مرحلة من مراحل حياتنا. والحقيقة أن عائلتنا استمدت من هذه العاطفة الكبيرة، بمعونة الله سبحانه وتعالى، قدرتها على الاستمرار وعلى مواصلة مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رغم كل الصعاب والتحديات.

- في مجالسك مع الأحفاد، ماذا تخبرينهم عن جدّهم رفيق الحريري؟
أخبر الأحفاد عن كل القيم والمبادئ التي زرعها جدّهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيته وفي أولاده، وأوصيهم دائمًا بأن يسيروا على خطاه وأن ينظروا إلى الحياة نظرة أمل وتفاؤل، كما كان يفعل رحمه الله، وأن يتمسكوا بإيمانهم بالله سبحانه وتعالى وبمحبتهم للناس، وألا يحيدوا عن طريق الحق مهما بدت صعبة وشائكة، لأن إحقاق الحق يعلو ولا يُعلى عليه، بإذن الله تعالى.