في إعلانات بعض الوظائف: تمييز ضد المرأة اسمه 'للرجال فقط'

إعلان, الوظائف, عمل المرأة, المرأة العربية / نساء عربيات, حقوق المرأة, قضايا المرأة

02 أغسطس 2013

«للرجال فقط»، هو الشعار الذي ترفعه بعض الشركات الآن في إعلاناتها عن الوظائف الخالية، بسبب ادعائهم أن بعض الوظائف لا تقدر عليها المرأة أو لتخوفهم من كثرة الإجازات التي يمكن أن تطالب بها بسبب الزواج والإنجاب. فكيف تتعامل المرأة مع هذا التمييز؟ كيف تواجه شعار «للرجال فقط»؟ وما هو دور منظمات الدفاع عن المرأة ضد هذا الشكل من التمييز الصارخ في الوظائف؟


سارة عبيد: أثبتّ أن عالم المبيعات ليس حكراً على الرجال فقط

منذ البداية، لم تكن شخصيتها عادية، فقد اختارت لنفسها نهجاً مختلفاً لا يخلو من تحدٍ واضح في تصرفاتها، من اختيارها لملابسها، وصولاً إلى ركوبها الدراجة النارية بدلاً من السيارة، للتنقّل في شوارع الزمالك ومصر الجديدة في تحدٍ لنظرة المجتمع. حلمها بالعمل في مجال المبيعات هو ما وضعته أمامها، في خطة محكمة اتخذت سارة عبيد الخطوات لتنفيذها بكثير من الشجاعة والتحدي، ومواجهة رفض أصحاب الشركات الخاصة تعيينها في قسم المبيعات، لمجرد كونها فتاة لا تصلح لاختراق هذا المجال الصعب.

بداية القصة كانت بتقديم أوراقها في إحدى شركات «السجائر» الكبرى، فرضت «سيرتها الذاتية»، المليئة بالنجاحات، نفسها لقبولها في العمل بمجال «التسويق» الذي حاولت الخروج منه للعمل بالمبيعات، وسط رفض المحيطين بحجة عدم قدرتها على التعامل مع التجار والسوق، كونها «فتاة مكسورة الجناح». لم تغب فكرة اختراق مجال «المبيعات» عن خاطرها طوال أشهر العمل التي أثبتت فيها قدرتها على مواجهة التحديات التي وضعها أمامها أصحاب الشركة، وكان نزولها للترويج للمنتج وسط أكشاك السجائر الشرط الذي اضطرت سارة للتعامل معه، لتثبت قدرتها على أن تكون أول فتاة تعمل في مجال المبيعات بشركة «كبرى» لم تكن تسمح بدخول الفتيات سوق العمل.

وعن تجربتها مع التحدي تقول: «لم يكن من السهل قبول تحدي التعامل مع التجار والسوق، وخاصة في مجال بيع السجائر الذي يحتك في الغالب بأصحاب الأكشاك الذين تتركز في عيونهم نظرة مسبقة إلى الفتيات بعدم القدرة على التعامل مع الشارع. وكان العمل لمدة شهرين وسط هذه الفئة هو التحدي الأصعب الذي اجتزته بنجاح للانتقال إلى قسم المبيعات كأول فتاة تستطيع اختراق هذا المجال».
تكمل: «في البداية تحداني أصحاب الشركة بشرط نزولي وسط الأكشاك، الأمر الذي انتهى بتعييني عن جدارة في المجال الذي حلمت بالعمل فيه. انتقلت بعد ذلك إلى العمل في قسم المبيعات بشركة إلكترونيات كبرى وواجهت النظرة إياها».


نسمة هشام: بسبب التمييز ضد النساء تخرجت في كلية الهندسة لأعمل في حضانة أطفال!

لم تكن تتوقع أن يحمل لها لقب «مهندسة ميكانيكا» هذا الكمّ من الصعوبات التي عليها مواجهتها في رحلة البحث عن عمل بعد التخرج في الجامعة. أنهت تصفح جرائد الإعلانات وسؤال أصدقائها عن فرصة متاحة للعمل في مجالها... خطوات متلاحقة ومقابلات لا تنتهي خاضتها نسمة في محاولة للحصول على عمل. لم تغب عنها مجموعة من الأسئلة التي لم تضعها في اعتبارها في بداية الأمر، ثم حفظتها وتدربت على الإجابة عليها بدقة: تستطيعين العمل كم ساعة في اليوم؟ ما الإجازات التي ستطلبينها؟ هل أنت متزوجة أم مخطوبة؟»، وغيرها من الأسئلة التي لم تتوقع مواجهتها في لقاء عمل معتقدة أنه لن ينظر إليها سوى بمعيار الكفاءة الذي لم يعد الأخذ به مطروحاً في التعامل مع «الجنس اللطيف».

«في البداية تقدمت بأوراقي إلى شركة سيارات كبرى للعمل في مجال الميكانيكا»، هكذا بدأت نسمة حسام حديثها عن تجربة البحث عن عمل كمهندسة ميكانيكا في إحدى الشركات، وتضيف: «في بداية دخولي المكان توقعت رفضي من عيون المقابلين الذين حرصوا على جمع معلومات عن حياتي الشخصية قبل التأكد من قدرتي على القيام بالعمل. الأسئلة الخاصة بالإجازات والمرتب وقدرتي على الاحتكاك بالعمال هي ما تصدرت الموقف في معظم مقابلات العمل التي اكتشفت في نهايتها ضرورة كوني «رجلاً» للحصول على عمل في مجتمع الرجال».
تكمل نسمة: «معظم المقابلات التي تقدمت لها انتهت برفضي لكوني «فتاة» لا تصلح للاحتكاك بالعمّال، وتحمّل عدد ساعات العمل الطويلة، وفقاً لما يراه أصحاب الشركات الذين لم يترددوا في كتابة أسباب الرفض بأنهم يريدون رجال فقط».

ستة أو سبعة أشهر كاملة طرقت نسمة خلالها معظم الأبواب في محاولة للحصول على عمل، قبل أن تعلن استسلامها وتقف وسط حضانة للعمل كمدرسة للأطفال بشهادتها في هندسة الميكانيكا، لأنها لم تجد مكاناً أفضل، وتقول: «بعد معاناة في الدراسة، وجدت نفسي أدرس لأطفال بعمر عامين، لأنني لم أجد لنفسي مكاناً آخر، وهو ما دفعني لقبول العمل في شركة مقاولات بمرتب ضئيل لكوني فتاة «لا تحتاج إلى الراتب» مثل الرجل الذي «يفتح بيت».
تكمل نسمة: «معيار العمل في الشركات الخاصة لم يعد قائماً على الكفاءة، وتدخلت معايير أخرى في اختيار المتقدمين للعمل، خاصة إذا تعلّق الأمر بالفتيات اللواتي ينظر إليهن المجتمع على أنهن غير قادرات على خوض التجربة وتحمل عواقب العمل.


مي كمال: دبلة الخطوبة حالت بيني وبين فرصة العمل

مجموعة من الخطوط الحمراء وضعتها تحت إعلانات محددة في الجريدة الصغيرة التي تصفحتها بعناية قبل النزول لإجراء المقابلات الشخصية، نظرات متفحصة واجهتها من الممتحن الذي جلس أمامها لاستكشافها بدقة قبل وضع ملاحظاته على القائمة أمامه، نظرة أخرى «لدبلة الخطوبة» في يدها اليمنى، قبل أن يسألها: «متى ستتزوجين؟». بعفوية أجابت أن موعد زواجها بعد ثلاثة أشهر ... فرُفضت على الرغم من الشهادات التي ملأت بها سيرتها الذاتية، بحجة أنها لن تبقى في العمل بعد الزواج... «غالباً ما كان الرفض بسبب الخطوبة»، هكذا بدأت مي حديثها عن تدخل الحياة الشخصية في معايير اختيار الفتيات للعمل التي واجهتها في معظم المقابلات التي اضطرت خلالها للإجابة على الأسئلة الخاصة بخطبتها ومواعيد زواجها ومكان إقامتها، وغيرها من الأسئلة التي كان لها الدور الأكبر في رفض تعيينها في شركة كبرى للطرود.

التجربة الثانية التي خاضتها مي كانت عند تقديم أوراقها إلى مصرف. وهي لم توفَّق مع أنها لم تكشف الحقيقة عن حياتها الشخصية. وتقول مي: «بعد تخرجي مباشرة بدأت رحلتي للبحث عن عمل، ترددت على مجموعة كبيرة من الشركات، وخضت عناء المقابلات الشخصية التي ركزت معظمها على أسئلة تتعلق بحياتي الشخصية في محاولة للتعرف على قدرتي على الانتظام في العمل».
تكمل: «ليس ذنب الفتيات أن المجتمع يحمّلهن عناء البيت والأسرة، واكتشفت في النهاية أن معظم المقابلات لا تنظر الى الكفاءة ولا تعطي فرصة للفتاة بخوض التجربة، بقدر الخوف من تركها للعمل قبل أن تبدأ».


انتهاك للحقوق

«تمييز ضد المرأة» هو المصطلح الذي وصفت به عزة سليمان، رئيسة مركز قضايا المرأة شعار «للرجال فقط» الذي ترفعه معظم الشركات الخاصة في مواجهة السيدات اللواتي لم يجدن فرصة للعمل في معظم المجالات التي بقيت حكراً على الرجال بحجة قدرتهم على تحمل مشاق العمل.
وعن هذا الشعار الذي بدأ في تشكيل ظاهرة جديدة للانتقاص من حقوق المرأة في العمل بالمساواة مع الرجال، تحدثت عزة سليمان عن أبعاد هذه الظاهرة ودوافعها، وكيفية التصدي لها من وجهة نظر منظمات المجتمع المدني، وقالت: «منع المرأة من الحصول على فرصة عمل، لمجرد كونها امرأة هو انتهاك صارخ لحقوقها، وشكل مستتر من أشكال التمييز التي يمارسها المجتمع ضد السيدات في مجتمعنا الذي لا يقبل مرور كلمة «امرأة» بسهولة».

تضيف عزة: «لا يقتصر منع المرأة من الحصول على فرصة عمل على كونه تمييزاً ضد المرأة، بل يتجاوز الأمر إلى حد مخالفة قانون العمل المصري الذي لا يميز في الوظائف بسبب الجنس، لهذا دائماً ما يحصل الدفع بالرجال فضلاً عن السيدات بشكل غير معلن. وأنا أعتبر هذا التمييز عقاباً للمرأة من المجتمع لمجرد كونها امرأة عليها تحمل مسؤوليات أخرى، منها البيت والأسرة وغيرها من المسؤوليات التي يلقي بها المجتمع على كاهلها باعتبارها لا تصلح سوى لبيتها».

وعن تأثير هذا التمييز على السيدات في المجتمع تقول: «التمييز الذي تتعرض له السيدات في الحصول على فرصة عمل يؤثر سلباً على نفسية المرأة المصرية التي تتعرض لهذا الانتهاك، ويؤدي إلى محاولاتها تأجيل الزواج أو التأخر في الإنجاب، أو وضع العمل في كفة والحياة الشخصية في الكفة الأخرى، وكأن عليها الاختيار بين حياتين كلتاهما من حقها في نهاية الأمر، وكل هذا يعد عقاباً من المجتمع للمرأة لمجرد أن الله خلقها أنثى».
وعن دور منظمات المجتمع المدني في التصدي لهذه الظاهرة تقول سليمان: «دور منظمات المجتمع المدني لا يستطيع تجاوز التوعية والمطالبة بدولة قانون تتمكن من حماية حقوق المرأة في المساواة مع الرجل، لكن المشكلة الحقيقية هي الثقافة التي تسيطر على المجتمع الذي يتعامل مع المرأة باعتبارها لا تصلح لهذا الدور، وأن مصيرها في النهاية بيت زوجها».
وتقول: «يجب أن نعمل على زيادة الوعي وخلق قيم داعمة للمساواة بين الجنسين، قائمة على معيار الكفاءة وليس الجنس أو النوع، وأن نعطي الفتاة التي تعرّضت لهذا التمييز حق اللجوء إلى القضاء».


«مكانك هو بيتك»

لمياء لطفي الناشطة الحقوقية والباحثة في مؤسسة «المرأة الجديدة»، كان لها رأي تفصيلي في ما وصفته بتهميش المرأة عن قصد، ومحاولات إقصائها من سوق العمل.
تقول: «نجاح المرأة في العمل، وخاصة في المجالات الصعبة، يؤثر في نجاح الرجل في أداء المهمات ذاتها، وهو ما يزيد محاولات إقصاء المرأة وتهميشها لإتاحة فرصة أكبر للرجل في الظهور والتميز «.

وعن الخطوات التي بدأت بعض الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة في انتهاجها للتصدي لهذا التوجه لتهميش المرأة في مجالات العمل المختلفة، قالت: «بدأت مجموعة من الجمعيات تكوين جبهة مضادة للتصدي لظاهرة إقصاء المرأة عن مجالات محددة من العمل بحجة أنها للرجال فقط، مثل الجمعية المصرية لتنمية الأسرة، والجمعية المصرية للتنمية الشاملة التي تشجع السيدات على التخصص في أعمال طالما قصرها المجتمع على الرجال، مثل القيادة وشركات صيانة السيارات وورش الميكانيكا، أو امتلاك رأس مال خاص بها ومضاربات خاصة باسمها في السوق، وغيرها من مجالات العمل التي بدأت تعرف بعض النماذج الناجحة من السيدات اللواتي قررن تحدي المجتمع وإثبات العكس».