مبادرة 'الشريط الأبيض' تسعى لنشر الوعي بين الرجال والتصدي للعنف ضد المرأة

العنف ضد المرأة, توعية, المجتمع السعودي, قضايا المرأة, قضية / قضايا إجتماعية

03 أغسطس 2013

يتردّد في أوساط المجتمع السعودي مصطلح «الشريط الأبيض» الذي عنون بعض الكُتاب والإعلاميون مقالاتهم به، لافتين إلى مبادرة دولية ووثيقة مبادئ تهدف لإشراك الرجال في مناصرة قضايا المرأة، والحد من العنف الموجه ضدها، وحضّ المجتمع على عدم اساءة معاملتها. ويؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن العنف ضد المرأة حول العالم موجّه على أساس الجنس لكونها امرأة.  وتتضمن المبادرة بنسختها السعودية حملات إعلامية وإعلانية، وورش عمل وتدريب للشباب في المدارس والجامعات في كل مناطق السعودية، لتأكيد ضرورة احترام المرأة وتعديل صورتها النمطية التي ما زالت سلبية ولا تعطي لها الاحترام والعناية التي أوصى بها الدين الإسلامي. كما ان الملك عبد الله يؤكد  دائماً في خطابه للمجتمع السعودي على ضرورة احترام المرأة وحسن معاملتها. 
«لها» تحدثت مع صاحبة المبادرة الإعلامية والكاتبة سمر فطاني وبعض الداعمين من الإعلاميين والكُتّاب السعوديين الذين أطلعونا على النسخة السعودية ودورها في الحد من قضايا العنف ضد المرأة وتفعيل دور الرجال فيها... 

مبادرة «الشريط الأبيض»  فكرة أطلقها ثلاثة رجال قبل 20 سنة في كندا، وتقوم على مساندة الرجل لمبدأ إنهاء العنف ضد المرأة بكل أشكاله الجسدية والجنسية واللفظية والنفسية والتهديدية. رجال أقسموا اليمين بأن لا يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه ما يحدث ضد المرأة من اهانات وعنف وإيذاء. ومن هذا المنطلق انتشرت في العالم بأكمله. وبعد بداية «الشريط الأبيض» في كندا عام 1991، انتشرت لتشمل 60 بلداً في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية ومنطقة المحيط الهادئ، ويتم الاحتفال بها يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام،  فيضع الرجال شارة بيضاء لإظهار مناصرتهم ومؤازرتهم للنساء في نضالهن للقضاء على العنف ضدهن.


فطاني: عدم احترام المرأة هو الذي أوجد العنف

قالت الإعلامية في القسم الانكليزي لإذاعة جدة، وكبيرة مذيعي إذاعة جدة، والكاتبة الصحافية في صحيفة «سعودي غازيت»، وعضو الهيئة الاستشارية لمنتديات الشباب في وزارة الخارجية، وعضو لجنة العلاقات الدولية في الغرفة التجارية بجدة، وصاحبة مبادرة «الشريط الأبيض» سمر حسين فطاني إن النسخة السعودية من هذه المبادرة تسعى لنشر الوعي بين الرجال والشباب في ما يتعلق بواجبهم الديني والاجتماعي للتصدي للعنف ضد المرأة، واحترامها: «الصورة سلبية عن السعودية في العالم، وهذا ما كشفته إحصائيات الأمم المتحدة حديثاً، ومن الواجب علينا تصحيح هذه الأفكار عن السعودية لا أن نخفي رؤوسنا كالنعام في الرمال.  فالدول الأخرى تعترف بالنقص وتعمل على تقليصه، وليس عيباً منا كسعوديين أن نعترف بوجود هذه الظاهرة في مجتمعنا ونسعى إلى تصحيحها. ومن هذا المنطلق و أثناء وجودي في الخارج، تساءلت لمَ لا ننادي بمثل هذه المبادرات في السعودية وفق القيم والمبادئ السامية التي حثت عليها كل الأديان السماوية، و التي نادت بها هذه المبادرة الدولية؟ وما لفت نظري أن أستراليا وبريطانيا تبنّتا هذه المبادرة، وفعّلتاها من خلال وزارة التربية والتعليم في كلتا الدولتين، عبر إقامة ورش عمل في المدارس والمعاهد والجامعات، مع نقل التطبيق لاحقاً في كل جوانب الحياة في الدولتين. وما أن بدأت هذه المبادرة، وبدأت أصوات الرجال تعلو حتى ارتدع بعض الأشخاص، وبات التصدي للعنف ضد المرأة أمراً مرغوباً به في هاتين الدولتين واقصد بريطانيا واستراليا».


ثقافة الصمت

من خلال الانترنت أجرت فطاني بحثاً مُطولاً، ووجدت أن المبادرة بسيطة التنفيذ، وليست مُعضلة أن تُشارك السعودية في هذه «المبادرة النبيلة»، بحسب وصفها. وأشارت إلى أن الإحصائيات في العالم دلت على أن العنف ضد المرأة يتفاقم: «مشكلة العنف الممارس ضد النساء والفتيات لها أبعاد كثيرة، خاصة أن الأمم المتحدة تشير إلى أن ثلث نساء العالم على الأقل تعرضن للضرب أو اغتصبن أو تعرضن لشكل آخر من أشكال سوء المعاملة، على الأقل مرة في حياتهن، علماً بأن من يمارسون ذلك العنف ضدّهن عادة ما يكونون من معارفهن. ونجد أن أبعاد العنف متشعبة وغير محصورة في الأضرار الجسدية، بل تمتد إلى الاتجار بالمرأة، وتجارة الرقيق وغيرهما. ومن أشكال العنف أيضا العنف النفسي، والاقتصادي والصحي، اذ ما زلنا نعاني مما يسمى ثقافة الصمت المرتبطة بخصوصية مجتمعنا الشرقي والذي يحمل المرأة العبء الأكبر في أي خلل يصيب أسرتها، و يمنعها من الشكوى أو الاحتجاج. لذلك أيقنت بضرورة تسليط الضوء على هذه المبادرة وأن أعمل على إقناع المجتمع السعودي بتبنيها، لتتحول إلى مبادرة دولية السعودية جزء منها، فيرتفع صوت رجال السعودية للحد من العنف ضد المرأة».


الرجال في الحملة

وأشارت فطاني إلى أن الحملة الكبرى هي وقف العنف ضد المرأة، لكن الجزء المتعلق بـ «الشريط الأبيض» هو صوت الرجال ودورهم في هذه الحملة: «هذه الحملة تُفيدنا أكثر لأن المشكلة التي نعانيها هي عدم احترام المرأة في المجتمع لذلك يوجد العنف، ولو وُجد الاحترام من خلال مبادئنا وتقاليدنا وأخلاقنا كمسلمين وعرب، لن يكون هناك عنف. ولا بد أن نعمل على إحياء عاداتنا والمثل والأخلاقيات الإسلامية والشهامة العربية عند الرجل لاحترام المرأة ووقف سوء معاملتها والعنف ضدها».

كما أكدت أن حملة «الشريط الأبيض» العالمية تهدف إلى تشجيع الرجال والفتيان على التعهد بعدم ارتكاب العنف  ضد المرأة، أو التهاون بشأنه، أو التزام الصمت إزاءه: «رجالنا ليسوا أقل من رجال العالم، وليسوا ضد المبادرة الدولية للحد من العنف ضد المرأة، بل على العكس ولكونهم رجالاً مسلمين وعرباً، ولديهم شهامة العرب بادروا بدعم هذه الفكرة وآمنوا بدورهم في إعلاء أصواتهم لردع الثقافة الذكورية التي تُنصّب نفسها ولياً على المرأة، مستغلة هذا وموقعة أقسى أنواع الإيذاء والاهانات للمرأة دون رحمة ورأفة. وهذا ما نسعى لإيقافه من خلال آليات للحملة نطالب فيها بإيجاد حلول وقوانين وتشريعات وأنظمة تتسم بالجدية في وقف العنف ضد المرأة. فعلى سبيل المثال عند دخول المرأة مجلس الشورى بدأنا نسمع في اليوم التالي من يلومها ويتطاول عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعية، فكما تتم ملاحقة الإرهابيين في الإنترنت ويُزجون في السجون يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لملاحقة المعنفين ومنعهم من الاستمرار في هذا الأسلوب غير الإسلامي وغير الحضاري. ولا بد أن يكون هناك رادع للأشخاص الذين يتحججون بالدين في ممارسة العنف، إضافة إلى الوصاية على المرأة ووجود بعض ضعاف النفوس ممن يستغلون هذا الأمر ويحرمون المرأة من ميراثها، أو من حقوقها الزوجية، وسوى ذلك».

وأرجعت فطاني أسباب العنف ضد المرأة في السعودية إلى عوامل عدة منها «الحرمان، وبعض العادات والتقاليد، إضافة إلى الذكورية المفرطة في التعامل مع النساء. وما نسعى إلى إيصاله من خلال الشريط الأبيض هو دور الرجل في التصدي لظاهرة العنف الأسري والمجتمعي. كما نطالب مجلس الشورى بضرورة الإسراع في سن قوانين تكفل حقوق المرأة وتوفر لها الحماية من مختلف أشكال العنف. فنحن نريد أن نعمل معاً رجالاً ونساء للتصدي لظاهرة العنف ضد النساء عبر المدارس ومنابر المساجد ومراكز الأحياء والجمعيات الخيرية لإيجاد مجتمع سعودي مترابط وصالح». وقد وضعت الحملة مواد تثقيفية ومجموعات مواد للعمل في هذا الإطار توزَّع على المدارس والجامعات والمؤسسات، تهدف إلى إحداث تحولات في مواقف الرجال لحضهم على احترام المرأة.


الإعلام في المُقدمة

وعن أعضاء المبادرة قالت فطاني إن معظم الداعمين لهذه الفكرة هم من الإعلاميين والكُتاب وذلك «لإرساء المرحلة الأولى من هذه الحملة من الناحية الإعلامية، ننادي بها الدولة إلى المشاركة في المبادرة، من خلال جهات عدة أهمها في الوقت الراهن وزارة التربية والتعليم لنتمكن عبرها من نشر ثقافة احترام المرأة ووقف العنف ضدها، وهذا ما يبدأ من الصغر عندما يتعلم الطفل أسس الاحترام للطرف الآخر فيكبر محترماً نفسه ومن حوله، ومن شبّ على شيء شاب عليه. ومن الممكن أن يوفر الإعلام برامج توعية، وإعلانات هادفة أو مسرحيات ترويجية كأن تنادي بأن «المعنِّف ليس رجلاً»، أو «لا يدل عنفك مع المرأة على الرجولة».

ومن الداعمين للفكرة عبدالله العلمي وهو من المؤسسين ومن أكثر النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين الكاتبات الداعمات للمبادرة الدكتورة هتون الفاسي، والكاتبة نبيلة محجوب، والدكتورة مها المنيف، والدكتورة ثريا العريض، والدكتورة ثريا عبيد، والدكتور سعود الكاتب، وجمال بنون، والإعلاميون أحمد الشقيري، وقسورة الخطيب، ومنى أبو سليمان، والدكتورة فاتنة شاكر،  ومديحه العجروش. وهناك الكثير من الأسماء القديرة ولا أرغب في نسيان أحد منهم لكن أعضاء المبادرة من المدن الرئيسية السعودية وصل إلى الآن 100 عضو من الجنسين. ومن خلالهم نسعى إلى توعية المجتمع بالمراحل الابتدائية من هذه المبادرة والمساهمة في نشر فكرة الشريط الأبيض. وسنقيم احتفالاً ضخماً للشريط الأبيض في السعودية وانطلاقتها بشكل رسمي ستكون في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بإذن الله».

وعلى الرغم من الهجوم والاتهامات التي رافقت الحملة ووصفها بالتغريبية، والبعد عن التقاليد الإسلامية، وبأنها تابعة لاتفاقية سيداو، فإنها بدأت وواصلت سعيها في «مراجعة القوانين واللوائح المتعلقة بالعمل على إنهاء التزويج المبكر والقسري للأطفال، والعنف ضد النساء والفتيات، وحالات الاغتصاب والاختطاف، واتخاذ التدابير التأديبية الصارمة والإجراءات اللازمة للتصدي للعنف في كل أماكن عمل النساء.  (www.whiteribbon.ca).


بنون: ارتفاع نسب العنف في السنوات العشر الأخيرة يدل على أننا ننزلق نحو الهاوية

من جانبه، قال أحد داعمي هذه المبادرة الإعلامي والكاتب الاقتصادي جمال بنون إن المجتمع الخليجي والشرق أوسطي يمارس فيه الرجل سلطة مفرطة، وهذا ما يعده البعض أمراً طبيعياً «لأن بيئة المجتمع السعودي منحت الرجل هذا الدور. ولكنها لم تساهم في التعريف بالحقوق والواجبات التي يجب أن تتوافر في الأجهزة الحكومية لمنع هذا العنف المفرط تجاه المرأة. وهناك أنواع مختلفة ومتعددة من العنف في السعودية تمارس ضد المرأة، لكن العنف الجسدي من أكثر الأنواع وجوداً، إضافة إلى العنف اللفظي والعنف النفسي، وهضم الحقوق وعدم إعطائها مستحقاتها».
وناشد مجلس الشورى أن يتبنى هذه المبادرة «بحيث يتم تجريم ومعاقبة العنف الجسدي، أو العنف اللفظي، والعنف بكل أنواعه. وأتمنى على الحكومة السعودية أن تُقر وزارة للمرأة والأسرة كما هو موجود في العديد من الدول للحفاظ على كيان الأسرة السعودية، ففي السنوات العشر الأخيرة ارتفعت نسبة الطلاق بصورة كبيرة، ونسبة العنف ضد الأطفال، والزواج من القاصرات، وهذ مؤشر كبير لأننا كمجتمع سعودي ننزلق نحو هاوية لعدم وجود قيم ومبادئ». 


د. كاتب: المبادرة تعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة وتوعية الناس حول العنف ضد المرأة

من جانبه، قال رئيس قسم مهارات الاتصال في جامعة الملك عبد العزيز والمهتم بالشؤون الأسرية وقضايا العنف ضد الأطفال الدكتور سعود الكاتب، إن انضمام الرجال إلى المبادرة «أمر ليس بجديد، فهناك أصوات كانت تساند المرأة في إيصال صوتها لوقف العنف ضدها. واعتقد أن وجود مثل هذه المبادرات أمر مهم. وهذه الحملة تعمل بشقين، الأول محاولة تخفيف العنف الممارس ضد المرأة، والثاني إشراك الرجل الذي يلعب الدور الرئيسي في الموضوع. ولعل ذلك ما يميز الشريط الأبيض، لكونها مبادرة جديدة تتمثل في وجود تكتل ذكوري».
ولفت إلى أن العنف الأسري لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل، وهناك حالات تُكتب في الصحف السعودية عن العنف ضد الرجال، لكنها قليلة، ليبقى العنف ضد المرأة والطفل في ازدياد. وأضاف: «المبادرة تعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار الخاطئة وتوعية الناس حول العنف ضد المرأة وضرورة نشر ثقافة احترامها. فالعنف لدينا ليس فقط بالضرب بل في نواحٍ كثيرة منها زواج القاصرات والعنف ضد الأطفال. وهناك من يستخدم الدين كمبرر لتلك التصرفات، وهو أمر مغلوط وعلينا توعية المجتمع من هذا الجانب، وإشراك رجال الدين في جزء من الحملة لإفادة المجتمع وتوعيته».


الخطيب: الرجولة ليست بالعنف والقوة الجسدية

قال رجل الأعمال قسورة الخطيب إن دعمه لهذه المبادرة  جاء من حرصه على تقديم المساعدة للمجتمع، خاصة في ما يتعلق بمشكلة العنف ضد المرأة المنتشرة بكثرة في المجتمعات العربية والخليجية، خاصة أن تلك المجتمعات تؤمن بالذكورية «ومصطلح سي السيد وأن الرجل هو الآمر الناهي في كل ما يخص المرأة في جوانب حياتها المختلفة، الأمر الذي يتحول في ما بعد إلى استغلال وضرب وعنف واهانات بسبب ولاية الذكر ووصايته عليها بشكل خاطئ. فالرجولة ليست بالعنف والاستغلال والقوة الجسدية، بل بالقوة العقلية والفكرية والتحاور مع المرأة بلين ولطف وهدوء».
وأشار إلى دور الإعلام  في هذه المرحلة من المبادرة بقوله: «على سبيل المثال، عندما عملنا على حملة الرفق بالإنسان تجاوب المجتمع بشكل كبير معها إعلامياً، ليصل صداها إلى إقرار مجلس الشورى بتوصيات تخص العمّالة والخدم وهو ما اعتبرناه باكورة نجاح قد نصل من خلالها إلى تفعيل مبادرات وحملات ورسائل من خلال الإعلانات التوعوية والهادفة».