40 في المئة من الأمهات المتوفيات قاصرات

زواج القاصرات, أم, المغرب, سن الزواج, الزواج, القانون

08 أغسطس 2013

اعتبرت  الناشطة المدنية عاطفة تمجردين أن مدوّنة الأسرة في المغرب  لم تعد بالنسبة إلى الحركة النسائية تشكل مكسباً، بالنظر إلى كم التناقضات التي تحملها والثغرات الموجودة في عدد من نصوصها والتي فتحت الباب لمجموعة من الاختلالات التي أفضت إلى تعميق مشاكل الأسرة بدل الحد منها، والى تراكم عدد من الملفات والقضايا التي تهم ثبوت الزوجية والنيابة الشرعية وتدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج، وهي قضايا تقول المنسقة الوطنية لشبكة «أنا روز» كان من المفترض أن تكون منتهية مع إقرار المدوّنة، لكن العكس هو الذي حصل بسبب التحايل على بعض الفصول التي يأتي على رأسها الفصل الـ 16 الذي تم استغلاله بشكل شنيع. كلام منسقة شبكة «أنا روز» التي تضم مراكز الاستماع إلى النساء ضحايا العنف والمكونة من 44 جمعية، جاء  خلال اللقاء التواصلي الذي نظم أخيراً في الرباط تحت عنوان مدوّنة الأسرة والدستور. وقالت أيضًا إنه  أصبح من الضروري إرساء هيئة عليا لإصلاح منظومة العدالة، تعمل على إخراج المغرب من متاهة البحث عن نقطة انطلاق إصلاح العدالة التي لم تعد عادلة بل أصبحت  ظالمة.


ثغرات مدوّنة الأسرة

ويأتي تنظيم هذه الندوة بعد مرور سنتين على وضع دستور 2011 وتسع سنوات من إصلاح مدوّنة الأسرة التي اعتبرت في حينها  مستجيبة لمطالب الحركة النسائية. إلا أنه وأثناء التطبيق، خلص الجميع إلى وجود ثغرات وعراقيل، فكان من الضروري معالجتها، وهو الأمر الذي ساهم الدستور في التأسيس له من خلال إصلاح النصوص القانونية في أفق الملاءمة بين التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية ووضع سياسات عمومية كفيلة بالنهوض بالحقوق الأساسية للنساء، وكذلك إرساء الآليات والمؤسسات القادرة على الحماية من كل أشكال التمييز.
وتضمنت المذكرة  التي تقدمت بها كل من شبكة  «أنا روز» والجمعية الديموقراطية لنساء المغرب للهيئة العليا للحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة مجموعة من الملاحظات التي رصدت النواقص وتداعيات الاختلالات الموجودة في فصول مدوّنة الأسرة سواء على مستوى الصياغة أو على مستوى الإعمال، وذلك حال الفصل الـ 16 المتعلق بثبوت الزوجية والذي يتم العمل به في إطار فترة انتقالية مدتها 10 سنوات لمصلحة الآلاف من الأزواج القرويين على الخصوص والذين لم يتمكنوا من من توثيق علاقاتهم الزوجية لظروف قاهرة.

ويلاحظ حسب المذكرة أن هذا الهامش يتم استغلاله بشكل تعسفي لأغراض تزويج القاصر وتعدد الزوجات عن طريق التحايل على مسطرة ثبوت الزوجية، وهو ما أكدته دراسة احصائية أنجزت في محاكم الأسرة الثلاث في مكناس وفاس وخنيفرة، قدمتها خلال الندوة السيدة إلهام الشرقاوي رئيسة جمعية مبادرات للنهوض بحقوق النساء -مكناس فنسبة 46 في المئة   من الأحكام الإيجابية لدعاوى ثبوت الزوجية تتعلق بفتيات قاصرات عند بداية العلاقة الزوجية . ويضاعف هذا الرقم اكثر من أربع مرات النسبة المسجلة وطنيا لزواج القاصرات عن طريق إذن المحكمة ، 10 في المئة  سنة 2011 حسب وزارة العدل، والتي تسبب قلقا كبيرا لكل المتدخلين المدنيين كما لوزارة العدل، و25  في المئة من الأحكام الإيجابية لدعاوى ثبوت الزوجية تتعلق بفتيات قاصرات لا يتعدى عمرهن 15 سنة عند بداية العلاقة الزوجية، و61 في المئة  من الأحكام الإيجابية لدعاوى ثبوت الزوجية التي تخص أزواجا بدون أبناء تتعلق بفتيات قاصرات عند بداية العلاقة الزوجية، وهذا الرقم يدحض تبريرات بعض رجال القانون الذين يزعمون حسب ما جاء في الدراسة الحفاظ على مصلحة الأبناء لدى قبولهم دعاوى ثبوت الزوجية المتعلقة بقاصرات.


المتلاعبون بالقانون

هذه الأرقام والمعطيات التي  أُدرجت  في المذكرة المطلبية التي اعتبرت بناء عليها أنها تبين للجميع بما لا يدع مجالا للشك أن المادة 16 كما هي معمول بها الآن، تتيح فرصة للتلاعب بقانون الأسرة الذي يحدد سن الأهلية القانونية للزواج بـ 18 سنة  للزوجين، و الشيء  نفسه يلاحظ بالنسبة إلى متلاعبين بالقانون يخرقون مقتضيات المواد الخاصة بالتعدد والتي لا تطالب المدعي بتقديم شهادة العزوبة ولا تلزم القاضي حتى باستفساره حول هذا الموضوع. ولكل هذا ومن أجل التصدي لممارسات لا قانونية ولا إنسانية، أفرزت آلاف الضحايا من الفتيات القاصرات والنساء التعيسات اللواتي يعانين من الخيانة الزوجية. ومن الضروري حسب المذكرة القول بلسان جماعي: لا للتلاعب بالفصل 16 من اجل تزويج القاصرات والتعدد ، ونعم للإعمال المنسجم والمتناغم لكل مقتضيات قانون الأسرة المغربية.
ودعت المذكرة وزارة العدل إلى إصدار دورية إلى القضاة تحضهم على التأكد من وجود مانع  «مقبول وغير مناقض لنصوص القانون ومقاصد المشرع » حال دون توثيق الزواج في إبانه، وعلى توثيقه بنص الحكم القاضي بقبول دعوى ثبوت الزوجية» . وتمسكت  بضرورة حفظ حقوق جميع أفراد الأسرة من خلال ثبوت الزوجية ورفض الاستغلال اللاقانوني والإجرامي للمادة 16 من أجل تزويج القاصر.


إعادة نظر

من جهته، أثار مصطفى القاسمي من جمعية الألفية الثالثة من الراشيدية  في مداخلة له   موضوع «حقوق الطفل في التشريع الأسري: مسؤولية من؟». وقد تناول مشكلة النيابة الشرعية التي تعطى للأب عند الطلاق مقابل الحضانة للام،  وهو ما يدخلها في متاهة من المشكلات القانونية ،  خاصة في ما يتعلق بتسيير شؤون الطفل إذ أن المرأة الحاضنة عليها أن تطلب إذن الزوج وموافقته على أي إجراء يتعلق بالطفل حتى لو كان هذا الإجراء يتعلق بنقله من مدرسة إلى مدرسة بحكم تغيير سكن الأم بعد انتهاء العلاقة الزوجية.
وطالب القاسمي بأن  تكون النيابة الشرعية التي يتمتع بها الاب هي نفسها للأم مع إعمال الضوابط التي تحمي مصلحة الأبناء. كما تحدث عن حالات وردت إلى الجمعية تخص مشكلة اقتسام الممتلكات بعد الطلاق، إذ يتم تجريد المرأة من كل شيء وتخرج خاوية الوفاض بعد سنوات قد تتجاوز عند بعض الحالات عشرين سنة من العلاقة الزوجية، وهو ما يستدعي اعادة النظر في بعض فصول المدوّنة التي لم تكن دقيقة وحاسمة في الفصل في هذه القضايا تاركةً الحكم للقضاء.


تحايل بشع

وتناول محمد ألمو من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب موضوع الفصل 49 وحدود الحماية القانونية والقضائية للزوجة، وتساءل لماذا كل هذا التعنت والاقصاء والتصدي لحقوق النساء، خاصة في القضايا التي تهم اقتسام اموال الاسرة بعد الطلاق؟ فالثغرات الموجودة في الفصل 49 سمحت لبعض القضاة باعتبار العمل المنزلي للمرأة واجبا عليها، بل منهم من يعتبر أنها أخذت مقابله في المتعة، وأغلب الأحكام الصادرة عن هذا التيار تسير في اتجاه تحريم الحق وحذفه أو تقييده. وفي المقابل هناك توجه قضائي ينظر إلى العمل المنزلي ببعض الإيجابية.
وتطرق أيضا إلى تداعيات الاستغلال والتحايل البشع على الفصل 16 من أجل ترسيخ ظاهرة   زواج آلاف القاصرات والسماح بالتعدد وتوثيق الزواج الثاني  دون أن يطلب من الزوج إبراز الوثائق القانونية التي تشترط المدوّنة وجودها لإبرام العقد.


أرقام صادمة

ارتفع زواج القاصرات في المغرب من 18341 زيجة سنة 2004، إلى 39031 زيجة خلال 2011، على ما أظهرت إحصاءات لوزارة العدل والحريات المغربية. وأوضح مصدر في الوزارة أن معدل التغيير الأكبر في النسب سجل في 2006، فارتفع بنسبة 22في المئة  مقارنة بعام 2005، في حين أن أدنى معدل تغيير كان في 2008 حين تم تسجيل نسبة ارتفاع لا تتجاوز 3 في المئة ، ليعاود الارتفاع في 2009 بنسبة 8 في المئة  ثم بنسبة 5 في المئة  في 2010، ليصل التغيير سنة 2011 إلى 12في المئة.

وتبين الإحصاءات أن طلبات الإذن بزواج القاصرين والقاصرات خلال الخمس سنوات الأخيرة تتوزع بين سن 14 و17 سنة بنسب مختلفة، ذلك أن طلبات فئة 17 سنة تشكل النسبة الكبرى بمجموع وصل إلى 144346 طلباً، في حين بلغت طلبات فئة 16 سنة خلال المدة نفسها إلى 55967 طلباً.
وتلاحظ الوزارة في خلاصات إحصاءاتها أن «هذا النوع من الزواج يلحظ ارتفاعاً من سنة لأخرى»، مؤكدة أنها «تولي عناية خاصة لهذا الزواج وتتابعه عن كثب، من خلال تنظيم ورشات والحرص على تطبيق المقتضيات القانونية».

وتلفت إلى أن عدد طلبات الزواج للقاصرين التي رفضها قضاة الأسرة بلغ 4899 خلال سنة 2011، وهو ما يمثل نسبة 10.44 في المئة من مجموع الطلبات.
وشدد الوزير مصطفى الرميد على ضرورة رصد تفاعل المجتمع مع قانون تحديد سن الزواج المنتظر صدوره، وما إذا كان سيشكل رافعة لوعي الناس وتقليص ظاهرة زواج القاصر، أم أن المجتمع سيرفضه ويعمل بالزواج خارج التغطية القانونية وبالتالي عدم توثيق العقود، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبيَّة.
يذكر أن القانون المغربي ينص على أن سن 18 هو سن الأهلية للزواج، تماشياً مع الاتفاقات الدولية، لكنه في الوقت نفسه فتح نافذة استثناءات عبر ضوابط وشروط تسمح بزواج القاصر.


أضرار صحيّة وجسدية

من جهته، طالب اتحاد العمل النسائي المسؤولين الحكوميين والمؤسسة التشريعية بمراجعة مدوّنة الأسرة والقانون الجنائي، وإصدار قانون محاربة العنف ضد النساء، وذلك ضمانا لحماية الفتيات القاصرات من تبعات تزويجهن مبكراً، لوقايتهن من الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية الوخيمة للظاهرة.
ويأتي هذا المطلب على خلفية رفض اتحاد العمل النسائي استمرار العمل بالمادتين 20 و21 من مدوّنة الأسرة، اللتين يعتبرهما الاتحاد «الاستثناء المخجل في المدوّنة» الذي يسمح بتزويج القاصر، في ظروف خاصة جدا، بينما أضحى قاعدة، مع بلوغ عدد زيجات الفتيات القاصرات 47 ألفا و89 سنة 2009، ووصل إلى حوالي 12 في المئة من مجموع الزيجات سنة 2011، حسب ما أكدته زهرة الوردي، رئيسة اتحاد العمل النسائي، خلال لقاء صحافي عُقد في الدارالبيضاء، حول موضوع صحة الأمهات القاصرات، على خلفية دخول فئة من الأمهات عالم الأمومة دون استعدادهن لذلك.

وكشف اللقاء أن الحمل المبكر يعرضان الفتيات لخطر كبير بسبب عدم اكتمال نموهن الجسدي وعدم نضجهن الاجتماعي وتوازنهن الشخصي، إذ أن نسبة كبيرة من هذه الزيجات تنتهي بالفشل، و40 في المئة من الأمهات المتوفيات في المغرب هن قاصرات.
ومن الأضرار الصحية والجسدية التي تتحملها القاصر، حسب اللائحة التي رصدها اتحاد العمل النسائي، تمزق المهبل والأعضاء المجاورة، إلى جانب ازدياد معدلات الإجهاض وسطهن لعدم تأقلم الرحم، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة الناتجة عن الحمل.
ويضاف إلى ذلك ظهور تشوهات في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر، مع ارتفاع احتمالات اختناق الجنين في بطن الأم القاصر نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين.