قصة طفل أراد أن يثبت «رجولته» فتحوّل الى قاتل

طفل,سلاح,رصاص,رجولة,مصر

نسرين محمد (القاهرة) 17 مايو 2015

طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، يحمل سلاحاً آلياً يطلق منه 20 رصاصة، تستقر جميعها في جسد امرأة أراد أن يثبت لها أنه رجل، لكنها لم تعد على قيد الحياة لتدرك تلك الحقيقة الصادمة، مشهد قد يأتي ضمن أحداث عمل درامي، لكنه للأسف واقع حدث في صعيد مصر، حيث مزّق الطفل جسد زوجة عمّه بالرصاص، بعد أن استفزت رجولته بقولها: «لو راجل اضرب طلقة واحدة»، لتخرج 20 طلقة ظن الطفل معها أنه أصبح رجلاً، من دون أن يفهم أنه بات قاتلاً.

في إحدى قرى محافظة قنا في جنوب مصر، لم يكن غريباً على أهلها أن يروا طفلاً صغيراً يحمل السلاح. فسمعة العائلات وقوتها هناك تقاس بعدد الأسلحة التي تمتلكها كل عائلة، تقاليد وعادات قاسية لا يعرفها إلا أهل الصعيد، غالباً ما تدفعهم الى التورط في جرائم قتل تفجّر أنهاراً من الدماء لا تتوقف في ظل قضية الثأر الذي بات لديهم شرفاً لا بد من الدفاع عنه.

طفل يحمل السلاح
وسط تلك الظروف والمشاهد، لم يكن غريباً أن يحمل «حسن»، ذلك الطفل الذي لم يكمل عامه الرابع عشر بعد، بندقية آلية يجوب بها القرية أمام أعين الجميع، وسط فرحة عارمة تظهر في عيون أمه قبل أبيه. فصغيرها بات قادراً على حمل السلاح والدفاع عن نفسه مثل الرجل الكبير، فهي لا تبالي بدروس العلم التي يتلقاها في مدرسته مقدار اهتمامها بألا يخطئ عيار صغيرها إصابة الهدف.
طلقات الرصاص تهز القرية في ساعة مبكرة من الصباح، فيفزع الجميع مهرولاً لمعرفة مصدرها، فربما يكون أحدهم قد أخذ بثأر قديم، أو آخر أطلق الرصاص على لصوص حاولوا سرقة مواشيه، لكن الأمر تلك المرة كان كارثياً بكل ما تحمله الكلمة.

مشهد الدماء
حسن يقف رافعاً سلاحه إلى أعلى، وزوجة عمّه ترقد أسفل قدميه غارقة في الدماء، بعدما مزقتها الطلقات فأفقدتها الحياة في الحال، من دون أن تملك حتى الفرصة للصراخ لبشاعة ما حدث لها، وقد أحدث الرصاص فتحات في جسدها. صرخات السيدات انطلقت معلنة الكارثة، في الوقت الذي وقف رجال القرية يضربون كفاً على كف غير مصدّقين ما حدث، في حين وقف حسن فخوراً بذاته يتباهى بما فعله، غير مدرك حجم المصيبة التي ارتكبها.
لم يجد عمدة القرية، بعد أن وصل إليه الخبر من خفرائه، مفراً سوى التحفظ على الطفل القاتل بصحبة سلاحه، حتى حضر رجال الشرطة وتحفظوا عليه ونقلوا الجثة إلى المشرحة.

قضية قتل
«جناية قتل، المتهم فيها حسن ع.س (14 سنة)، طالب في المرحلة الإعدادية، والمجني عليها خ.ر (45 سنة) ربة منزل، والأحراز بندقية آلية وخزينة فارغة الطلقات، بالإضافة إلى فارغ 20 رصاصة عثر عليها في موقع الحادث»، بيانات حملها ملف القضية التي أرسلت الى النيابة لتباشر تحقيقاتها. بهدوء منحته إياه سنه الصغيرة، عجز معه عن استيعاب جرم ما فعله، وقف حسن أمام وكيل النيابة يعترف بقتل زوجة عمه، لتأتي اعترافاته بمثابة طلقات في رأس وكيل النائب العام وهو لا يصدق ما يسمع.

اعترافات صادمة
اعترف الطفل بقتل الضحية ليثبت لها أنه رجل كما طلبت منه، فهي من أمرته بإطلاق الرصاص إذا كان رجلاً، فخرجت طلقاته لتقول «نعم أنا رجل» ولتتوالى الاعترافات الصادمة للجميع.
قال حسن إن الضحية كثيراً ما كانت تتعمد افتعال المشاكل معه، وتقوم بسبّه وشتمه من حين لآخر، محاولة التقليل من شأنه وإظهاره أنه لا يزال طفلاً لا يجرؤ على الرد عليها.
«كنت أشعر بنار تشتعل في داخلي وهي تنعتني بلفظ عيل»، لكن احترامه لعمّه كان يمنعه من الاعتداء عليها لتأديبها على خطئها في حقه، اعترافات المتهم كانت كفيلة بأن تسلبه صفة الطفل، والتي حصنتها له الأوراق الرسمية، فيواصل أقواله: «حذرتها أكثر من مرة بلا فائدة، كانت تستمر في التطاول عليَّ، وكل مرة تزداد في أفعالها التي تغضبني، حتى جاء يوم الحادث وكتبت على نفسها الموت».

رصاص الرجولة
وأكد المتهم: «خرجت من منزلنا الذي يقع مقابل منزل عمي، ناوياً التوجه إلى والدي في الأرض حاملاً سلاحي الآلي كعادتي، وفوجئت بزوجة عمي وقد سكبت كمية كبيرة من المياه كادت تدخل منزلنا، فنهرتها على ذلك، لكنها كعادتها انطلقت تسبّني وتشتمني، فوجهت سلاحي إليها، فإذا بها تضحك بسخرية استفزتني وهي تقول «لو راجل اضرب طلقة واحدة».
وأضاف: «ولأنني رجل بالفعل، كان لزاماً عليَّ أن أطلق عليها الرصاص، فوضعت يدي على الزناد ولم أتركه إلا وقد فرغت خزينة سلاحي، بعد أن استقرت 20 طلقة في جسدها، فوجهت حديثي اليها وأنا أشاهدها تسقط على الأرض غارقة في دمائها متسائلاً: «عرفتِ إني راجل»، لكنها للأسف كانت قد فارقت الحياة وماتت لتريحني من لسانها الطويل».
اعترافات مثيرة فشلت معها كل محاولات أهل الطفل في إبعاد التهمة عنه، أكدها بتمثيله الجريمة وابتسامة ترتسم على وجهه وهو يعلن للجميع تفاصيل الملحمة التي أثبت بها رجولته، ليُزج به بعدها خلف القضبان وسط القتلة والمجرمين،  بعدما فجّر دماء الثأر بين والده وعمّه الذي رفض تلقي العزاء في زوجته.

العقوبة
تقاليد وموروثات خاطئة دفعت هذا الطفل لارتكاب جريمة قد تقيد حريته بعقوبة تصل الى السجن عشر سنوات، كما يؤكد المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة، حيث تنص المادة «101» من قانون الطفل على معاقبة من لم يتجاوز الخامسة عشرة، إذا ارتكب جريمة، بمجموعة من التدابير من بينها الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
ولأن ما ارتكبه هذا الطفل هو جناية قتل مع حيازة سلاح من دون ترخيص، فإن من المقرر معاقبته بالإيداع في إحدى دور الرعاية الاجتماعية التي تسمّى بالمؤسسات العقابية، مدة تصل الى عشر سنوات على أقصى تقدير.