ارتدت فستان زفاف وتجولت في شوارع القاهرة من دون عريس! الفنانة التشكيلية سماح حمدي: لست مجنونة ولا أخشى المجتمع

سماح حمدي,فستان زفاف,شوارع القاهرة,المرأة المصرية,المجتمع الذكوري,الزواج,جنون

فادية عبود (القاهرة) 23 مايو 2015

سبعة وعشرين عاماً أمضتها في مجتمع ذكوري يضع المرأة في قالب الزواج ولا يراها خارجه، يحسب عمرها بالدقائق والساعات حتى تدخل برجليها القفص الذهبي، لينهي المأذون بعقد طموحاتها وأهدافها ويسلّمها الى عريسها زوجة فقط، ليس من حقها النجاح المهني أو ممارسة هواياتها، لذا أعلنت اعتراضها على أفكار المجتمع وقولبته المرأة، وارتدت فستان زفاف ونزلت إلى شوارع القاهرة في وضح النهار بلا عريس، لتعلن أنها تزوجت من أحلامها، وأن الزفاف إلى رجل لا يكمل شخصية المرأة، بل هو مرحلة لا بد منها في الحياة تأتي في الوقت المناسب الذي قدّره الله. «لها» التقت الفنانة التشكيلية سماح حمدي لتحدثنا عن تجربتها الجريئة، في فيلم بعنوان «هل لديكم رغبات أخرى؟»، أرفقته بمعرض صور بعنوان «من مذكرات فستان»، وكانت قد نالت عنه جائزة صالون الشباب في دار الأوبرا المصرية.



- في البداية عرفينا بنفسك!  
فتاة مصرية بسيطة أبلغ من العمر 27 عاماً، حاصلة على بكالوريوس ديكور مسرح عام 2009، وتمهيدي ماجستير عام 2010، والآن باحثة ماجستير في فن الأداء تخصص الصورة المرئية، وبالتوازي أعمل مصممة ديكور في إحدى الشركات الخاصة، وأتابع تخصصي في دار الأوبرا المصرية في تصميم كل ما يخص الصورة المرئية في المسرح.

- فتاة تنزل إلى الشارع بفستان زفاف في وضح النهار وبلا عريس وتتنقل في أماكن عامة مثل وسط المدينة وتركب وسيلة المواصلات الأكثر ازدحاماً مثل «مترو الأنفاق» ، ألا يعد هذا ضرباً من الجنون في مجتمعنا الشرقي؟
إطلاقاً، لست مجنونة، وما فعلته يعبّر عن قناعتي الشخصية  بمسألة الزواج.

- هل أنت معترضة على فكرة الزواج؟
لست معترضة على فكرة الزواج في حد ذاتها، وإنما على قولبة الفتاة واختزالها لأهداف الآخرين دائماً، حتى وإن كانوا أهلها، فترتدي وفق ما يريدون وتتصرف طبقاً لمشيئتهم، وتدرس كيفما يشاؤون، الفكرة بالنسبة إلي كانت رفضاً لجميع الضغوط الواقعة على الفتاة، والزواج فقط هو نموذج لذلك، أردت توصيل فكرة أن الزواج حالة أعيشها وحدي ولا يشاركني فيها المجتمع أو أهلي أو أقاربي، فلا أحد يطلب مني تنفيذ مطالبه أو أمانيه ويعيش التجربة بدلاً مني، فإذا تزوجت لأرضي الآخرين فلن يشاركوني حياتي، وبناءً عليه ارتديت فستان الزفاف ونزلت الى الشارع وحدي بلا عريس، ليس من أجل رفض الزواج، وإنما من أجل رفض اختزال الفتاة بكونها العروس دائماً، وأن زواجها هو الهدف الأسمى لكل المقربين إليها، وفي ما عدا ذلك، فإن نجاحها المهني ليست له أي قيمة طالما لم تتناسل، أكررها ثانية أنا لست ضد الزواج، وإنما ضد أن يكون نجاح الفتاة بلا أي قيمة طالما أنها لم تتناسل، وضد أن توقف الفتاة حياتها انتظاراً لقطار الزواج، وتكريسها وبرمجتها طوال الوقت بمقولة : «أنت فتاة جيدة حتى تكوني زوجة ثم أمّاً وبعدها تنتهي حياتك وطموحاتك»، لذا جاءت تجربتي نموذجاً لرفض جميع القوالب التي توضع فيها الفتاة.

- ما فعلته تم تصويره في فيلم اخترت له عنوان «هل لديكم رغبات أخرى؟» فكيف جاءتك فكرة هذا الفيلم؟
الفكرة راودتني بسرعة، فنفذتها على الفور من دون تحضير  ولا إعداد ، بهدف ترجمة انفعالي الحالي، فكان بالنسبة إلي تجربة أدائية، بمعنى أنني الشخص الحالي بمشاعري نفسها، أعبّر عن مكنون نفسي بشكل يراه الآخرون، وهذا ما يميز الأداء عن التمثيل المسرحي أو السينمائي، فأنا كسماح حمدي لدي أفكار معينة قررت مواجهة المجتمع بها، وهذا نوع من الفن معروف جداً في أوروبا منذ ستينات القرن الماضي، تجربة الأداء تخضع للصدفة البحتة، لا نخطط لردود أفعال الناس ولا للأماكن التي يتم التصوير فيها، وعليه طلبت من مصور زميل مقابلتي، وفاجأته وأنا أرتدي فستان الزفاف، وكان اليوم الأول من التصوير ترجمة بصرية لردود أفعال الناس في الشارع، وكانت المفاجأة أن غالبية الناس لم ينتبهوا للمصور خلفي، فواجهت تحرشات لفظية أكثر مما تواجهه الفتاة في يومها العادي، وكأننا وضعنا التحرشات أسفل عدسة مكبرة، أما النساء الكبيرات في السن فوقفن ليراقبنني ويرصدن أفعالي.

- وما النتائج التي خرجت بها من تصوير اليوم الأول؟
اليوم الأول بالنسبة إلي كان توثيقاً للتجربة، وفي تحليل المضمون وجدت أنني عندما جسدت فكرة الآخرين للفتاة بأن تكون عروساً رفضوا الفكرة، وهذا ينم عن أننا مغيبات طوال الوقت، فالناس رفضوا ما يتمنون أن يروا عليه الفتاة دوماً، بعدها تشاورت مع مخرج صديق لنقدم العمل كقصة، كأنني نزلت من المنزل في يومي العادي ووقفت مهمومة في محطة مترو الأنفاق، فسرحت بمخيلتي ورأيت نفسي أرتدي فستان الزفاف، مجسدة فكرة اختزال المجتمع للفتاة كعروس، وفي النهاية يأتي المترو لأفيق من شرودي وأدخله وينتهي الفيلم. المرحلة الثالثة من العمل أرفقت بها صوراً فوتوغرافية مكتوبة عليها تعليقاتي بإحساسي ومشاعري، فمثلاً في الفيلم تظهر تعليقات الناس وهم يسألونني «هل العريس تركك وهرب؟!»، في المشهد نفسه، تظهر لي صورة مرفقة بتعليقي الشخصي قائلة: «حتى عندما تنفذين رغبة الناس يظل العريس أهم منك»، في مشهد آخر أقف أمام محل ملابس يقدم حسومات في نهاية الموسم، وبعد سماعي تعليقات الناس أقول: «التخفيضات على الملابس نهاية كل موسم؟، متى تحدث التخفيضات على البشر؟»، رافضة بذلك التعليق اختزال المرأة كسلعة، وفي النهاية أرفع لافتة وأنا أرتدي فستان الزفاف مكتوباً عليها: «هل لديكم رغبات أخرى؟».

- ألم تخشي أن تواجهي انتقادات بأنك تحرضين على العنوسة من خلال تجربتك، خاصةً أن الإحصاءات تؤكد أن لدينا في مصر أكثر من تسعة ملايين عانس؟
لا يوجد شيء اسمه عنوسة، وتلك الإحصاءات ما هي إلا تجارة بحتة، سواء كانت مادية أو اجتماعية. لقد سافرت إلى دول أوروبية كثيرة ولم أسمع كلمة عنوسة إلا في مجتمعاتنا العربية فقط، ولكي نجزم بوجود العنوسة علينا تحديد سن الزواج، حتى تصبح من تتخطاه عانساً، ولأن الزواج لا يكون من طريق «الكتالوغ» فلا سن معينة له، وإنما يأتي بالتلاقي الروحي بين الرجل والمرأة، والله وحده هو مقدر وقت ذلك التلاقي الروحي، فهل من المعقول أن توقف الفتاة عمرها كله في انتظار تلاقيها مع شريكها؟!، في وجهة نظري نستطيع أن نخطط حياتنا العملية كعمل ودراسة بالتواريخ، لكن لا يمكننا تخطيط متى سنتلاقى روحياً بشريكنا، ولو تجاهلت الفتاة التلاقي الروحي لتتزوج من أول رجل يطرق بابها هرباً من العنوسة، تختزل بذلك كيانها لتحقيق هدف الآخر، وتجسيد أشباح لا وجود لها.

- هل تخضعين لضغوط والدتك بالزواج، بما أن عمرك 27 عاماً؟
بالطبع ضغوطها تحاصرني من كل اتجاه، وليست ضغوطها وحدها بل ضغوط العائلة والجيران أيضاً، فأنا نموذج حي لفتاة ترفض اختزالها بفكرة الزواج من دون أن تلتقي شريكها الروحي، فقط أنا مؤمنة بأنني أعيش اختياراتي وأن المحيطين بي لن يعيشوها إذا نجحت الزيجة أو فشلت، فأنا وحدي من أتحمل النتائج، لذا لا أسمح لأحد بأن يرغمني ولو معنوياً على الزواج لتحقيق أهدافه بأن يكون جداً أو جدة أو حتى ليفرح في حفل زفافي، وأؤمن أيضا بأن الزواج يكمل سعادتنا، لذا لن أتزوج إلا عندما أجد الشخص الذي أكون سعيدة معه.

- كيف دفعتك تلك الضغوط للنزول إلى الشارع بفستان زفاف من دون عريس لتعلني رفضك لتلك القولبة الاجتماعية؟
وجدت أن جميع تصرفاتي تترجم من جانب المحيطين في إطار الزواج فقط، فإذا ارتديت ملابس معينة فإنني أرتديها لجذب الأنظار والزواج، وإذا قررت استكمال دراستي العليا فلأظفر بزوج أفضل من حيث المكانة العلمية، فالناس لا ترى تصرفاتي إلا من أجل الزواج فقط، فكان رد فعلي إذا كان الفستان الأبيض هو الهدف الأسمى بالنسبة إليكم، والزواج هو بوابة العبور بالنسبة إلي من وضعي تحت المجهر، فأنا سأرتدي الفستان وأحقق أمانيكم وأعيش يومي العادي لعلكم لا تشغلون تفكيركم بي بعد الآن.

- وماذا كان رد فعل والدتك وأسرتك عندما نزلت إلى الشارع بفستان الزفاف؟
تقبلوا الأمر كعمل فني، ولم يعلموا به إلا عند عرض الفيلم الذي جسدته في صالون الشباب في دار الأوبرا المصرية، فرحت والدتي بالجائزة التي حصلت عليها، لكن الفكرة لم تغير قناعتها، فما زالت ترى أن الفتاة ليس لها سوى بيت زوجها مهما بلغت من نجاح.

- هل ترين أنك قدمت حلاً من خلال عملك الفني لتغلّب الفتاة على الضغوط الاجتماعية المتعلقة بالزواج؟
أرى أنني قدمت رسالة قوية لها وللمجتمع في الوقت نفسه، حيث أكدت أن الفتاة بشخصيتها ونجاحها وليست نصف كائن كما يكرسها المجتمع دائماً حتى تقبل برجل يكمل نصفها الآخر، وأكدت أن الفتاة ليست استمراراً لأحد، وليست مطالبة بتحقيق أحلام الآخرين، فعدم الزواج لا يقلل من قيمة الفتاة.

- هل ترين أن المجتمعات العربية ما زالت تمارس التمييز الجنسي ضد الفتيات رغم تطور الثقافات وانفتاح سقف الحريات إلى حد ما؟
عموماً ما زالت المجتمعات العربية تمارس التمييز ضد المرأة، فهناك وظائف ما زالت مقتصرة على الرجال فقط، ولو ان عملها يجبرها على التأخر ليلاً توصم كساقطة، كما يظهر التمييز في التقليل من شأنها طوال الوقت إذا تأخر زواجها، وربما توصم بالعار، في حين أن الرجل في عمرها نفسه لا يزال قادراً على اختيار العرائس كسلعة ويرحب به المجتمع دائماً بينما يلفظ الفتاة.

- في النهاية، هل تعتقدين أن قولبة المرأة في فكرة الزواج تؤثر في طموحها العملي ومشاركتها السياسية؟
بالطبع، فدائماً ما يصور المجتمع للمرأة أن حياتها تنتهي مع الزواج، حيث تحقق هدفها الأسمى في الحياة، لتتوقف طموحاتها وجميع أدوارها الاجتماعية في ما عدا كونها زوجة، فإذا لم تعِ المرأة قيمتها الفردية تستسلم للفشل ولا تحقق أي نجاح مهني، على عكس الرجل الذي لا يعيقه الزواج عن استكمال حياته المهنية والاجتماعية.