احترسوا من إساءة استغلال حق تعدّد الزوجات!

استغلال, تعدّد الزوجات, مصر, فتوى, علماء الدين

23 أغسطس 2013

«أطالب بمنع تعدد الزوجات، خاصةً في الحالات التي يكون فيها ظلم كبير للمرأة». هذا ما قالته المخرجة إيناس الدغيدي عندما استضافها الإعلامي نيشان في برنامجه «أنا والعسل»، وهو ما يثير علامات استفهام حول مدى مشروعية منع تعدد الزوجات، ومتى يكون في هذا التعدد ظلم للمرأة.
وهل هناك حالات معينة يمنع فيها الدين الرجل من أن يتزوج بأكثر من امرأة؟ «لها» تواجه علماء الدين بالأسئلة، وتبحث لديهم عن أجوبة صريحة وحاسمة.

يؤكد الدكتور إبراهيم الخولي، رئيس قسم الشريعة في جامعة حلوان، إلى أن الشريعة أعطت وليّ الأمر مكانة كبيرة، لهذا أمرت بطاعته وحرَّمت معصيته، حتى تستقيم أمور الرعية ويتمكَّن من تحقيق الغاية التي تم تنصيبه لها، وهي غاية عظيمة مكوَّنة من شقين، أولهما حراسة الدين وحفظه على أصوله وقواعده، وثانيهما سياسة الدنيا وتدبير أمر الدولة والرعية بالدين.
لهذا فهو يحتاج إلى حرية كبيرة وقدرة واسعة على التحرُّك، فأتاحت له الشريعة كل ما يمكن عمله من فعل أو قول أو تصرُّفٍ في سبيل القيام بمهمته، طالما كان ملتزماً بأحكام الشريعة التي أعطته تدبير كثير من الأمور الاجتهادية وَفْق اجتهاده باستشارة المخلصين من أهل العلم والخبرة، وذلك من خلال المنع أو النهي أو التقييد أو إلالزام بأمر من الأمور، أو وضع قيود، بشرط عدم مخالفته لنصوص شرعية صريحة وقطعية.
وأضاف أنه «من حق ولي الأمر أو الحاكم تقييد تعدد الزوجات أو وضع ضوابط صارمة له، إذا قرر أهل العلم أن هذا التـصرُّف فيه مصالح أكبر من المفاسد التي يمكن أن تنجم عنه انطلاقاً من قاعدة «إن تصرُّف الإمام وكل من وَلِيَ شيئاً من أمور المسلمين يجب أن يكون مقصوداً به المصلحة العامة».
فإذا كانت هناك مصلحة عامة وجامعة فإن تصرُّفَ الإمام بناءً على ذلك يكون شرعياً وصحيحاً».


منع الضرر

أما الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتشير إلى أن بعض العلماء انتهوا إلى قاعدة اجتهادية تؤكد أن: «لوليِّ الأمر المسلم سلطةَ تقييد المباح أو الإلزام به بشكل موقت ولمصلحة عامة تُبتغى من وراء هذا».
ويمكن تطبيق هذه القاعدة بشكل موقت أو لضرورة في قضية تعدد الزوجات، إذا أساء الرجال استخدام هذا الحق الشرعي وتضررت منه غالبية النساء بشكل كبير، فمن حق ولي الأمر وضع الضوابط والقيود الموقتة التي تمنع هذا الضرر عن النساء بوجه خاص والمجتمع بوجه عام، أو تقلل هذا الضرر قدر الاستطاعة. 

وأوضحت الدكتورة عبلة أنه لَـمَّا كان تقييد المباح أو الإلزام به يشابه التشريع من بعض الوجوه، فلابد من معرفة الضوابط التي ينبغي اتباعها والمحافظة عليها، حتى لا يفهم البعض أن ولي الأمر أخذ حق التشريع من الله تعالى وحرِّم ما أحلَّ الله في تعدد الزوجات، من خلال حقه في المنع الموقت أو التقييد.

وأكدت الدكتورة عبلة أنه ينبغي عدم التوسع في استخدام ولي الأمر ما لم يوجبه الشرع انطلاقاً من حقه في الإلزام، وإنما يفضل أن يظل المباح مباحاً كما شرعه الله تعالى، ويوضع القيود على من يسيء استخدامه، مثل إدمان بعض الرجال لقضية الزواج والطلاق بلا أي ضوابط، ولهذا نهى الإسلام أن يكون الرجل مزواجاً مطلاقاً بلا أي ضوابط، بحجة أن الشرع أعطاه هذا الحق، دون النظر إلى الضرر الذي يلحق بالنساء اللواتي يتزوج عليهن أو يطلقهن، أو ما يلحق بأطفاله منهن، فيكون في تصرفاته كالسفيه الذي لا يجيد تدبير أمره فيوقع الضرر بغيره ويضيع ماله.

وأنهت الدكتورة عبلة كلامها قائلة: «من أهم الضوابط التي يمكن أن يلجأ إليها ولي الأمر في تقييد المباح في تعدد الزوجات، أو غيرها من القضايا، الرجوع إلى النصوص الشرعية، وتصرُّفات الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما قام به الخلفاء الراشدون، طالما أن في هذا مصلحة عامة ودرءاً لمفسدة، والقاعدة الشرعية تقول إن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

                                                          
استشارة العلماء الثقات

ترى الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أنه لا مانع شرعاً، إذا رأى ولي الأمر أو الحاكم بعد استشارة العلماء الثقات أنه يلزم تقييد المباح لأسباب مقنعة، طالما أن فيه مصلحة أكبر أو تقليلاً لمضار كثيرة على النساء أو أطفالهن، أن يتم التقييد بضوابط معينة بحيث لا يتم تعميم المنع، لأن هناك من الرجال والنساء من يكون التعدد في مصلحتهم، لأنهم راعوا ضوابطه الشرعية، وبالتالي لا يجوز شرعاً منعهم من الحق المباح في التعدد، كأن تكون الزوجة مريضة أو لا تنجب، فالأفضل لها وبرضاها أن يتزوج زوجها عليها من أن يطلقها حتى يتزوج بأخرى، وأن تجد كزوجة ثانية من يرعاها ويعطيها حقوقها الشرعية، أفضل ألف مرة من أن تكون مطلقة، ولا تجد من يتزوجها بسبب مرضها أو عدم إنجابها.  

وعرضت الدكتورة مهجة لأمثلة حية لتقييد المباح في التاريخ الإسلامي، لعل أشهرها ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قيّد حكم إباحة الزواج من الكتابيات ومنع كبار الصحابة وأهل القدوة فيهم من الزواج من الكتابيات، حتى لا يقتدي المسلمون بهم في ذلك، خاصة أنه رأى تضرر النساء المسلمات من كثرة الزيجات من الكتابيات، مما عرض المسلمات في عصره للعنوسة مثلاً، مع أن القاعدة العامة في ظل الظروف العادية أن الزواج بالكتابيات حلال، حيث قال تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ « آية 5 سورة المائدة.

 وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالتأكيد أن منع عمر بن الخطاب للزواج من الكتابيات لم يشمل العفيفة المشهورة بعفتها وأخلاقها، وهنا نجد التقييد للمباح بقدر المرض الاجتماعي أو العلة الموجودة، وبالتالي فإن تقييد عمر بن الخطاب لهذا الأمر ليس على سبيل المنع أو التحريم، لكن على سبيل اختيار الأفضل، بدليل أن «حذيفة وطلحة»، وهما من كبار الصحابة، خالفاه وتزوجا بكتابيات ولم يعاقبهما على المخالفة.
وقد كتب عمر في البداية إلى حذيفة الذي تزوج بيهودية: خَلِّ سبيلها. فكتب إليه حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخَلِّي سبيلها؟. فقال عمر: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن».


حالة موقتة

وتطالب الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، أن تكون الحالة الملجئة لتقييد المباح في تعدد الزوجات واقعاً حقيقياً وليس مفتعلاً، لهذا ينبغي على أهل العلم الشرعي والاجتماعي قبل الحكم بجواز تقييد المباح أن يتأكدوا من صدق الحالات والواقع الذي سيتم الإفتاء على أساسه، خاصة إذا كانت نتيجة ذلك أن كان وليُّ الأمر سيـلزم الناس به، وأن يلتزم بذلك الحكام أنفسهم مثل بقية الرعية، حتى لا تكون لهم هذه الميزة عن بقية الشعب، لأنهم بمثابة القدوة للرعية.

واستشهدت الدكتورة ملكة بما فعله شيخ الإسلام العز بن عبد السلام، حين أراد ولاة الأمر في عصره فرض ضرائب على الناس زائدة عن زكاة أموالهم لمواجهة نفقات المواجهة مع التتار، فرفض إصدار فتوى بذلك حتى يُخرِج الأمراء المماليك ما في أيديهم وأيدي جنودهم من أموال أخذوها من بيت المال.
فلما قاموا ولم يكف لنفقات جهاد التتار أصدر الفتوى بجواز أخذ مال زائد عن الزكاة من الأغنياء كحالة موقتة وليست دائمة مرتبطة بظرف معين أدى إليها، وبالتالي يكون هذا التقييد للمباح موقتاً بقدر الاحتياج إليه، أو انتهاء الأسباب المؤدية إليه، أو زوال الضرورة التي جعلت ولي الأمر يفعل هذا.


التعميم مرفوض

حذرت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، من التعميم في التقييد أو الإباحة بلا ضوابط، بل لابد من الاجتهاد في وضع الضوابط من خلال كبار العلماء في كل دولة حسب ظروفها، والأضرار التي تتعرض لها المرأة بسبب التعدد، وهو ما يطلق عليه «فقه الواقع» الذي ينطلق من القاعدة الشرعية التي أرساها الإسلام في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، أما أن يتم التعميم سواء بالإفراط أو التفريط، فهذا مخالف للشرع، ومن يدعو إليه يكون آثماً شرعاً، لأنه يتجرأ على أحكام الشرع دون أن يكون لديه الفهم الصحيح والمعرفة العلمية الشرعية.

وأوضحت أن لكل مقام مقالاً حسب الظروف والواقع، لهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ، وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ عَلَيْهَا، غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ اسْتَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَمِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهَا، غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا».

ورغم أن الإسلام دين يسر، لكنه لا يرضى التهاون في الأحكام الشرعية، ولهذا فإن الحل هو اللجوء للعلماء الذين يشخصون الواقع لولي الأمر، ويقدمون له حكم الشرع بتقييد المباح من تعدد الزوجات أم لا، مع وضع الضوابط المطلوبة.

وأنهت الدكتورة آمنة كلامها مؤكدة أن على الزوجة التي تخشى أن يتزوج زوجها عليها، أن تشترط في عقد الزواج ألا يتزوج عليها، وإذا فعل ذلك فعليه أن يطلقها، وهنا يجب على الزوج الالتزام بهذا الشرط، لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً».


العدل

على جانب آخر، فرض الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، فكرة تقييد تعدد الزوجات، لأن في هذا مخالفة شرعية صريحة لنص قرآني صريح، وبالتحديد في آيتين في سورة النساء، وهما قوله تعالى: «فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ» آية 3 سورة النساء.
والثانية قوله تعالى: «وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا» آية 129 سورة النساء.

وأشار البري إلى أنه رغم اشتراط الإسلام للعدل حتى يكون التعدد في صورته المثالية، إلا أنه لم يمنعه أو يحرمه إذا افتقد الزوج المعدد للعدل بين زوجاته، رغم أنه ارتكب مخالفة شرعاً بعدم العدل، حيث قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل».

وأنهى الدكتور البري كلامه بالتأكيد على أن الرغبة في منع تعدد الزوجات أو تقييده، يروج لها أصحاب الفكر التغريبي، الذين يقلدون الغرب في كل شيء، حتى لو اصطدم ذلك مع نصوص شرعية ثابتة، فيطالبون بالتنازل عن النصوص الدينية من أجل التقليد الأعمى، مع أن القاعدة الشرعية التي أرساها الإسلام في قوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا» آية 36 سورة الأحزاب. لهذا يجب الابتعاد عن تلك الأفكار الوافدة.