ابتكارات شبابية للصدقات الرمضانية!

الشهر الكريم,الصدقة,فعل الخير,بيت العائلة,خيمة رمضانية,فوانيس

فادية عبود (القاهرة) 21 يونيو 2015

يهلّ الشهر الكريم فيتهافت الجميع على الصدقة وفعل الخير، لكن هناك شباناً وفتيات قرروا أن يكون الخير بشكل مبتكر وغير تقليدي، حتى لو كان هذا الابتكار بسيطاً وغير مكلف، لكنهم ينجحون من خلاله في إسعاد الآخرين في الشهر الفضيل. «لها» تلتقي مجموعة من الشبان والفتيات وتستمع منهم كيف يبتكرون أفكاراً جديدة في عمل الخير خلال شهر رمضان الكريم.

فريدة الغندور: هذه مفاجأتي لوالدتي
عملاً بمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف»، تضع فريدة الغندور، اختصاصية علاج نفسي، إسعاد والدتها في مقدم الصدقات الرمضانية، ولكن بطريقة مبتكرة تضفي عليها المزيد من السعادة.
تقول: «أمي منهمكة في أعمال المنزل طوال الوقت وتسعدها أي لفتة بسيطة، لذا أفاجئها كل عام بأواني طهو جديدة وأدوات للمائدة بشكل مبتكر جديد وغير معتاد، ما يضفي على المائدة جواً رمضانياً مختلفاً عن بقية العام. وهي تغرق في السعادة، خاصةً أنها رمز العطاء الأول، لذا عندما تتلقى أي عطاء بسيط مني يكون وقعه مختلفاً عليها، حيث تشعر بالاهتمام والمساندة. أما بقية الأسرة فيسعدون بسبب الأدوات الجديدة البعيدة عن التقليدية».
وتتابع: «قناعتي تتلخص بأن الصدقة ليست للأغراب فقط، بل من الممكن أن تكون لأقارب الدرجة الأولى، فالأقربون أولى بالمعروف، لذا أحرص على أن تكون صدقتي الرمضانية في محيط الأسرة، فرسم الفرح والبسمة على وجه أسرتي، نوع من الصدقات علينا ألا نغفله كشباب».

فلسفة الابتكار
تتفنن أسماء حمدي (33 عاماً)، في إيجاد الوسائل المبتكرة لإسعاد الآخرين، ولا تعتمد على الزكاة والصدقة بصورتهما المعتادة، وتقول: «السعادة مثل كرة «تنس الطاولة»، كلما أرسلتها إلى غيرك عادت إليك مرة أخرى، ففي رمضان أساعد في الصدقات المعتادة بصورها التقليدية، لكنني أكون أسعد في الابتكارات المختلفة التي أجهد في التفكير بها، كأن أتوجه مثلاً بعد صلاة التراويح إلى أقرب متجر حلوى وأنتقي أصنافاً مختلفة من الحلويات الشرقية الرمضانية، ووفق ميزانيتي أحدد عدد الأطباق بحيث يكفي الطبق فرداً واحداً، ثم أبحث عن المساكين لأوزّع عليهم الحلوى».
تشرح أسماء فلسفتها في هذا الابتكار موضحة: «المساكين يسعدون بأشكال العطاء المختلفة عن النقود، يشعرون بالبهجة والتكافل أكثر، هذا ما أراه في عيون المحتاجين الذين أوزع عليهم الحلوى، وأنا على قناعة بأن رمضان شهر العطاء، والفقراء لا يجدون أي مشكلة في تناول الإفطار والسحور على موائد الرحمن، لكن من النادر أن يتناولوا الحلوى، لذلك أحاول جاهدة أن أقدمها لهم قدر استطاعتي».
وتضيف: «ابتكارات العطاء لا تتوقف طالما نيتي إسعاد المحتاج، فكم من الأفكار التي أشاركها مع أصدقائي وأهلي، خاصةً أن من يهدف الى إسعاد الآخرين تعود عليه السعادة بإسعادهم».

جدول برامج
نرمين القماح، إعلامية شابة، تجد رمضان فرصة ثمينة للمّ الشمل وإسعاد الآخرين، وتقول عن أحد ابتكاراتها في هذا المجال: «لي بصمة خاصة في الشهر الكريم، أصبح جميع الجيران والأصدقاء ينتظرونها من العام إلى العام، حيث أجمع مواعيد المسلسلات والبرامج الدينية وبرامج الترفيه والمنوعات والقنوات التي تذاع عليها، وأدوّنها في جدول ثم أطبع عدداً كبيراً منها لأوزعه على الأقارب والجيران والأصدقاء».
وتتابع: «السعادة التي يتلقى بها الجميع الجداول التلفزيونية لا تضاهيها كنوز العالم كله، خاصة المسنين من الأقارب والجيران، حيث باتوا ينتظرون جدولي من العام إلى العام، ويستقبلونني بحفاوة، تلك السعادة التي أراها في عيونهم وأسمعها في أصواتهم تحفز إنسانيتي دائماً، وتثبت لي أن العطاء ليس شرطاً أن يكون مادياً، بل من الممكن أن يترجم بفكرة أو مجهود يسعد المحيطين».
وتضيف: «الدرس الذي تعلمته من عادتي السنوية، أن الصدقة بصفة عامة، والرمضانية على وجه الخصوص، يجب ألا تكون للمساكين فقط، بل من الممكن أن تكون للأقربين أيضاً، فالجميع يحتاجون إليها بمختلف الطرق، حتى ولو كانت بابتسامة، فصدق الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) عندما قال: «تبسّمك في وجه أخيك صدقة».

بيت العائلة
الحنين إلى الماضي وذكريات الطفولة دفع أحمد المغربي، مسوّق إلكتروني، إلى استعادة الروح الرمضانية التي كان يمضيها الأهل في منزل جدّته المتوفاة، ويقول: «جدّتي رحمها الله كانت بوصلة العائلة في رمضان، حيث نجتمع عندها دائماً، وبعد وفاتها انساق الأبناء الى مشاغلهم ولم يقوَ أحد على تجميع إخوته كاملين لمدة ثلاثة أعوام، حتى جاءتني الفكرة وقررت إعادة لمّ الشمل من جديد، واتفقت مع نظرائي من الأحفاد وتجمّعنا قبل رمضان، نظّفنا منزل جدّتنا ووضعنا فيه زينة رمضانية جديدة، فضلاً عن طباعتنا بعض الصور التي تجمعنا بها وتعليقها على الجدران، لنشعر بأنها ما زالت معنا تحتفل بالشهر الكريم».
ويتابع: «كانت الخطة أن يؤثر كل منا في أسرته حتى نفطر أول يوم في منزل جدّتنا رحمها الله، من دون أن يعلموا أن بقية إخوتهم سيتجمعون. وبالفعل، أحضر كل منا إفطاره وذهب إلى منزل العائلة قبل صلاة المغرب، لتتوالى المفاجآت بقدوم الآخرين، فكانت فرحة عارمة أشبعت افتقادي جدّتي وهزت مشاعر الجميع».
ويضيف المغربي: «حتى أصدقاء الطفولة الذين كنت ألعب معهم عند الذهاب إلى جدتي لم أستثنهم من المفاجأة، حيث جمعتهم ومارسنا معاً ألعاب الطفولة، مثل «بنك الحظ» و «البلاي ستيشن» و «كرة القدم»، واتفقنا يومها على أن ننظم تلك الألعاب كدورة رمضانية ونعلن نتيجتها أول يوم العيد».

أم الشهيد
أحمد فاروق، مصمم مواقع إلكترونية، قرر أن يسعد الآخرين بطريقة مختلفة تماماً، فهو لم يقصد أهله ولا جيرانه ولا المساكين، بل استهدف الأطفال وأمهات شهداء ثورة 25 يناير. يقول: «اتفقت مع أصدقائي وجمعنا مبلغاً مالياً اشترينا به حلوى للأطفال، قسمناها في أكياس وطبعنا صور شهداء 25 يناير، وكتبنا في أسفلها أرقام هواتف أمهاتم، حتى يهاتفهم الأطفال وأهاليهم، والجميل أن أول يوم رمضان صادف يوم الجمعة، ووزعنا الهدايا على الأطفال بعد صلاة الجمعة».
يؤكد أحمد أن ابتكاره استهدف إسعاد أربع فئات، ويوضح: «أربع فئات سعدت بتلك الصدقة الرمضانية المبتكرة، أولها الأطفال الذين يصومون للمرة الأولى، ففكرة تلقيهم مكافأة من أغراب على صيامهم توطد فيهم حب الصيام والشعائر الدينية، وكذلك كون الخير لم يقف عندهم، وأننا شرحنا لهم أنه ينبغي علينا أن نعيّد أمهات فقدن أبناءهن في سبيل الحرية، وأن هذا عمل اجتماعي وصدقة رمضانية تسعد الأطفال، حيث إن الطفل يميل إلى فعل الخير بحكم فطرته. الفئة الثانية التي سعدت، آباء الأطفال، فمن ناحية سعدوا برغبة أبنائهم في فعل الخير والتواصل مع أمهات الشهداء، ومن ناحية أخرى استمتع الآباء أنفسهم بفعل الخير».
ويتابع: «الفئة الثالثة التي سعدت بفعل الخير هي الأمهات المكلومات، حيث فوجئن بأغراب يواسونهن ويشعرونهن بأنهم ما زالوا يتذكرون أبناءهن الذين ضحّوا بأنفسهم. أما الفئة الرابعة التي تلقت المقدار الأكبر من السعادة فكنت أنا وأصدقائي، خاصةً أننا اتصلنا بأمهات الشهداء لنقول لهن كل عام وأنتن بخير، فنحن أبناؤكن، فوجدنا ردود أفعالهن في غاية الفرح والسعادة، وكن يحكين لنا كيف أنهن يتلقين مكالمات عديدة من نوعية مكالماتنا تسعدهن وتشعرهن بأنه إذا كان أحد أبنائهن قد توفي، فإن الله أنعم عليهن بأبناء آخرين».

أيتام ومهمّشون
بطريقة عملية، قررت داليا أبو عميرة، مراسلة تلفزيونية، إسعاد الآخرين وفق قدراتها المهنية، حيث كانت تختار الفئات المهمّشة والأيتام لتصور معهم تقارير تلفزيونية في رمضان، فتنقل إليهم الاهتمام وتسعدهم بظهورهم على الشاشة.
تقول داليا: «في التقارير الرمضانية دائماً ما أستحضر نية إسعاد مسلم، وأبحث عن الفئات المهمشة لنصور معهم، أو الشباب الذين يوزعون على الطرقات عصائر على الصائمين، أو نصور في دور أيتام ومسنين، وفي كل مرة أحاول جاهدة أن أسعد هؤلاء بطريقة مختلفة. فمثلاً، الأطفال كنت أوزع عليهم الحلوى، وكنت أبذل قصارى جهدي حتى تخرج التقارير في أبهى صورة ليسعد بها أصحابها».

خيمة رمضانية
خيمة رمضانية مصغرة تتناول الطرب والشعر والإلقاء، يقدمها علي نهضة (23 عاماً)، إلى أهله وأقاربه وجيرانه وأصدقائه يومياً في رمضان، فقط بهدف نيل السعادة من إسعاد الآخرين واستمتاعهم.
ويوضح علي ذلك قائلاً: «أجيد اللعب على آلة العود وصوتي مقبول، فضلاً عن موهبتي الشعرية، لذا أحاول استثمار مواهبي في شهر الخير بنوع مختلف من الصدقات، ألا وهو إسعاد الأقرباء. فتارة أجمع أهلي وأصدقائي في المقهى، وتارة أخرى أتوجه إلى جيراني، وجميعهم يسعدون بهذا الجو الرمضاني، وكأننا نقيم خيمة رمضانية صغيرة نتداول فيها الشعر والغناء والطرب والعزف على العود، بمذاق مختلف».
ويتابع: «فلسفتي في إسعاد الآخرين، أن أقدم مهاراتي ومواهبي هدية إليهم وأحصد سعادتهم لتعود عليَّ، فضلاً عن استغلال رمضان من أجل لمّ الشمل الذي نفتقده طوال العام، بسبب انغماس الجميع في العمل».

فوانيس وزينة
لم تتخلَّ هاجر منصور، مراسلة تلفزيونية، يوماً عن ذكريات طفولتها الرمضانية في صناعة الزينة مع أقرانها من الجيران، وتعليقها في الشارع لتصل كل عمارة بالأخرى، وتقول: «حتى عندما كبرت وأصبح صعباً عليّ التوجه إلى الشارع لصناعة الزينة وتعليقها، ظللت أصنع الزينة في المنزل، وأخرج الفانوس النحاسي الكبير وأنظفه حتى نعلقه في الشارع كعادتنا دائماً».
وتتابع: «لاحظت بعد فترة أن صناعتي الزينة وتحضيري الفوانيس لا يُسعدان جميع الجيران، فلم أعد أرى نظرات الرضى التي كنت ألمحها في الشارع، فقررت أن أسعد الآخرين بطريقة مختلفة، وكنت من أوائل الذين اشتروا الفوانيس الصغيرة التي تأتي على هيئة ميدالية مفاتيح، ووزعتها على أصدقاء الطفولة وعلى زملاء العمل والجيران... تلك اللفتة البسيطة تحيي في داخلنا ذكريات رائعة وتشعرنا بسعادة العطاء في الشهر الكريم».
وتضيف: «العام الماضي تزوجت قبيل رمضان بأسبوعين فقط، ولم أتخلَّ عن عادتي في توزيع الفوانيس وإسعاد الآخرين، لكنني فكرت كيف أدخل زوجي في دائرة السعادة الرمضانية بطريقة مختلفة، وكانت المفاجأة أول يوم رمضان، عندما عاد من عمله إلى المنزل ليجده أشبه بالخيمة الرمضانية، أقمشة الخيامية مزينة الحوائط، فضلاً عن الفانوس الكبير الذي وجده في غرفة المعيشة، ومفرش السفرة الذي صنعته من قماش الخيامية، فبمجرد دخوله الى المنزل سمع أيضاً الأناشيد الرمضانية، بالإضافة إلى فوانيس الشموع الصغيرة التي تناولنا على ضوئها السحور».
تؤكد هاجر أن مجهودها في تغيير ديكور المنزل أضفى بهجة على زوجها وجعله سعيداً بذلك الجو الرمضاني طوال الشهر، مما زاد من سعادتها.

ثقافة العطاء
في الجانب النفسي، يقول الدكتور أحمد البحيري، استشاري الطب النفسي: «ابتكارات الشباب لإسعاد الآخرين في رمضان ترتبط بالتأثير النفسي لثقافة العطاء الرمضانية في مجتمعنا، حيث يعتبر الشهر الكريم ماراثوناً لفعل الخير وحصد أكبر قدر من الثواب، خاصةً أن الله تعهد مضاعفة الأجر في رمضان، وبالتالي يتسابق الجميع لإخراج أقصى جهد للحصول على الثواب، ومن هنا تظهر الابتكارات الشبابية في عمل الخير وكسب الصدقات، ولو برسم الابتسامة على وجوه الآخرين، سواء كانوا أهلاً أو أقارب أو جيراناً أو حتى محتاجين». ويتابع: «هذه الابتكارات الشبابية تدل الى أنه حتى ولو لم يكن الإنسان متديناً بطبعه، فإن نشوءه على ثقافة الخير الرمضاني منذ صغره تجعله يواظب على فعله، وبذل مجهود أكبر لابتكار طرق مختلفة لفعل الخير بمختلف أشكاله، سواء كان مادياً أو معنوياً، وهذا يعد حافزاً أكبر للآباء لبذل مزيد من الجهد، لغمس الأطفال في العمل الخيري والتطوعي، حتى تُغرس في قلوبهم الرحمة وفعل الخير والمزيد من معاني الإنسانية غير المرتبطة بالموسم الرمضاني. لذا يجب أن تتكاتف الأسرة مع المنظومة التعليمية والإعلام لغرس تلك القيم المرتبطة بالعطاء في نفوس الأطفال منذ نعومة أظفارهم، حتى تظل جزءاً من شخصياتهم».

التشجيع واجب
الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع، توافق الدكتور أحمد البحيري الرأي، وتقول: «فعل الخير عدوى تنتشر بين الشباب في رمضان بأساليب مبتكرة وجديدة، نظراً الى اختلاف أجيالهم عنا، فتارة نجد من يدعو إلى إفطار جماعي في ميدان التحرير احتفالاً بنجاح ثورة 25 يناير، في رسالة منهم بأن الشعب ما زال يداً واحدة ومتماسكاً، وفي أخرى نجد من يتفنن في إسعاد أهله والمحتاجين، وتدل تلك الأساليب المبتكرة الى أن الشباب في حاجة إلى هدف جاد ليبذل قصارى جهده في إنجاحه، وأن الشباب ما زال لديه الكثير لإسعادنا نحن الآباء والأجداد ولأداء دوره الفعال في المجتمع، لذا علينا دعم هذا الجيل الرائع من الشباب ومساندتهم ومشاركتهم في ابتكاراتهم الخيرية الرمضانية، حتى تظل عادة تلازمهم طوال السنة، وعلينا أن نتفهمهم ونستوعبهم على الدوام، وليس لمدة شهر واحد تطغى علينا فيه الرحمة».
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع أن بنشر المبادرات الشبابية الخيرية في رمضان، نفتح الأفق لمزيد من الشباب، حتى يدخلوا ماراثون العطاء في الشهر الكريم ويستمروا به طوال السنة، خاصةً أن متعة العطاء يستمتع بها المانح أكثر من المتلقي، بحيث تعود عليه سعادة المتلقي أيضاً.