«السيدة المسكينة» تاجرة مخدرات!

السيدة المسكينة,لقمة عيش,امرأة مثالية,جريمة,الهيروين,تاجرة مخدرات

نسرين محمد (القاهرة) 28 يونيو 2015

وسط منطقة مزدحمة بالسكان، كان من السهل عليها الوقوف لعرض بضاعتها المسمومة على روادها، ممن ذهبت عقولهم بلا رجعة من دون أن يكتشف أحد أمرها أو يشكك فيها على الإطلاق، بعدما نجحت وباقتدار في لعب دور السيدة المسكينة التي تقطع آلاف الكيلومترات بحثاً عن لقمة عيش لأولادها، فباتت في نظر الناس امرأة مثالية.

الحاجة فاطمة، أو السيدة العرباوية كما اشتهرت في أحد شوارع منطقة عين شمس في شرق القاهرة، نسبة إلى لهجتها البدوية التي لم تفكر يوماً في التنازل عنها، رغم ما تعانيه في أحيان كثيرة من صعوبة في توصيل معاني ما تقوله من كلام لا يستطيع أبناء القاهرة فك طلاسمه... هي امرأة بشوشة في العقد الرابع من عمرها تستطيع بابتسامة واحدة أن تجذبك إليها لتجرّب بضاعتها، التي لا يعرفها إلا من أدمن الكيف، وإذا كنت ضحية وقعت فريسة لطيبة مصطنعة، فاعرف أنك سقطت في منحدر لم يعد من السهل الخروج منه.
كانت فاطمة قد اتخذت من أحد الشوارع الرئيسية في المنطقة مكاناً لتفترش الرصيف، تعرض بضاعتها من منتجات الألبان التي كانت ستاراً لنشاط آخر كان من الصعب على رجال الشرطة اكتشافه.

تعاطف الأهالي
نجحت المرأة في كسب القلوب الرقيقة واستحواذ عطفها، بدرجة يصعب معها تصديق أنها تاجرة مخدرات كبيرة يعمل تحت إمرتها أكثر من صبي، تبيع سمومها وسط ما تعرضه، فباتت مثل من يدس السم في العسل والجميع مغيّب.
حب الناس وتعاطفهم مع السيدة العرباوية جعلاها تحظى بحصانة من رجال الشرطة، فلا يجرؤ أحد على اعتراضها أو مطالبتها برفع بضاعتها التي تشغل بها الطريق، حتى لو شهد الشارع حملة كبيرة لرفع الإشغالات ففي مقدورهم التعامل مع أي بائع إلا هي.

ستار الجريمة
لبن ماعز وجبن سيناوي وعسل جبلي وحلوى بدوية وغيرها من المنتجات التي يشتهر بها أبناء سيناء، كانت البضاعة التي تحملها فاطمة من بلدتها في محافظة شمال سيناء لتأتي بها وتبيعها لأبناء القاهرة، هذا ما كان يعتقده الجميع، حتى كان ما جعلهم يكتشفون حقيقة هذه المرأة.
كانت معلومات قد وصلت الى رجال الشرطة تفيد بانتشار تجارة مخدر الهيروين في المنطقة. وبعد فشل رجال المباحث في الوصول إلى مصدرها، تم إسناد المأمورية الى رجال إدارة مكافحة المخدرات، لتمكّنهم من التخفي في المنطقة من دون أن يتوصل أحد الى معرفة هويتهم، على خلاف الضباط الذين يعملون في المكان ذاته.
ثلاثة شهور قضاها رجال شرطة مكافحة المخدرات في المكان من دون أن يتوصل أحد منهم الى أي معلومة تفيد بكشف هوية هذا الشخص الذي ينشر سمومه في المنطقة.

خطة الإيقاع
فرق بحثية من رجال الشرطة يتواجدون على مدار اليوم في هيئات مختلفة، فأحدهم يلعب دور بائع الروبابيكا، والثاني بائع للعرقسوس، والثالث عامل نظافة، والرابع شحاذ ضرير... وغيرها من الأدوار من دون أن يلاحظ أحد أي نشاط مشبوه في المكان.
بات رجال مكافحة الإتجار بالمخدرات في مأزق لعدم توصلهم إلى الهدف الذي جاءوا للبحث عنه في المنطقة، وبقي أمامهم أمل أخير بعدما انحصرت شكوكهم في ثلاثة أشخاص، أحدهم صاحب مقهى، والثاني يفتتح كشكاً لبيع السجائر، والثالث يمتلك مدرجاً لبيع الفاكهة.

الاشتباه
شكوك رجال مكافحة الإتجار بالمخدرات جاءت بعدما تم رصد عناصر مشهورين بتعاطي المخدرات يترددون على هؤلاء الأشخاص الثلاثة بين الحين والآخر. ورغم حصر الاشتباه في ثلاثة أشخاص، إلا أن المهمة ما زالت صعبة، فلم يكن من السهل عليهم مداهمة الأماكن المملوكة لهذه العناصر المشتبه فيها وتفتيشها من دون إيجاد دليل مادي يؤكد المعلومة، وإلا سيضيع مجهود الأشهر الثلاثة هباء إذا لم يتم العثور على المخدرات لديهم، وستفشل المأمورية بعد كشف هويتهم للجميع.
تفكير عميق قطعه العميد غالب مصطفى مدير إدارة مكافحة المخدرات في القاهرة، حتى توصل إلى الخطة التي بموجبها يمكن التوصل إلى هذا التاجر الذي يبيع المخدرات في المنطقة ويحير الجميع، لما يتمتع به من خبث ودهاء.

العملات الورقية
اعتمدت الخطة على إيقاف بعض متعاطي المواد المخدرة في المنطقة على سبيل الاشتباه من جانب رجال مباحث قسم عين شمس، وأثناء الكشف عن هويتهم، يتولى أحد الأشخاص وضع علامة محددة على ما يملكون من نقود، ومن يتم ضبط هذه النقود لديه فمن المؤكد أنه هو من يبيع هذه السموم.
وبالفعل تم نشر رجال المباحث في كمائن ثابتة ومتحركة، نجحت في تنفيذ الشق الأول من الخطة باقتدار، وبات على رجال مكافحة المخدرات تنفيذ الشق الثاني من خلال توجيه أحد عناصرهم للشراء من المشتبه فيهم الثلاثة.

انتظار الإشارة
توقف ضابط مكافحة المخدرات بعد أن تنكر في زي بائع الروبابيكا، في انتظار الإشارة، حتى يتوجه لتنفيذ الخطة الموكلة إليه. ولئلا يثير الشكوك فيه من طول انتظاره، توجه إلى السيدة العرباوية لشراء «برطمان» من العسل الجبلي، فكانت المفاجأة والسيدة تخرج أموالها لإعطاء باقي النقود لبائع الروبابيكا - كما كانت تظن - فإذا به يجد العملات التي احتوت على العلامات المتفق عليها.
برهة من التفكير قطعها الضابط قبل أن يأخذ قراره بتفتيش الصندوق الذي تستخدمه هذه السيدة في عرض بضاعتها، معرّضاً الخطة للفشل إذا لم يجد ما توقعه، إلا أن المفاجأة كانت في صدق حدسه.

البضاعة
عثر الضابط على أكثر من ثلاثة كيلوغرامات من مخدر الهيروين لدى المرأة العرباوية، قامت بتشكيلها في قوالب تشبه الجبن الذي تبيعه، حتى لا يشكك أحد في أمرها، إلا أنها من دون أن تدري سقطت في فخ العملات التي تحمل علامة رجال مكافحة المخدرات.
فاطمة س. (37 سنة)، من محافظة شمال سيناء، تاجرة مخدرات شهيرة، كان هذا الصيد الذي وقع في قبضة رجال الشرطة، بعدما نجحت في خداعهم وخداع كل من تعاطف معها، عندما صدقوا أنها تبيع الجبن والعسل بدلاً من الهيروين الذي سقطت به فلقبوها ببائعة السم في العسل، بدلاً من السيدة العرباوية.