أعمال المهندسة المعمارية 'أوديل ديك'

ديكور عصري, مصممة ديكور, مهندسة ديكور

01 سبتمبر 2013

موهبة نادرة، شخصية استثنائية ومظهر بوهيمي غريب... مواصفات تخفي خلف مفرداتها طبيعة لفنانة حالمة، جامحة الخيال، متمردة، تعشق المواجهة والتحدي ولا تعترف بالمستحيل. انها أوديل ديك Odile Decq المهندسة المعمارية والزخرفية الفرنسية المشهورة.
مشاريعها عملاقة وأجواؤها غريبة صادمة ومقارباتها تتخطى كل الأشكال التقليدية. هذه المرأة المولودة في الخمسينات، كان عليها اختطاف قرارها بنفسها لتحقيق ذاتها بعيدا عما تخططه لها العائلة.
تركت مدينتها في منطقة بريتانيا الفرنسية، للالتحاق بمدرسة لافيليات للهندسة في باريس، حيث نالت منها ديبلومها عام 1978، بالإضافة الى شهادة عليا في الهندسة المدنية.
وأسست بعد ذلك مكتبها الخاص للدراسات الهندسية والزخرفية والتخطيط المدني بالشراكة مع صديقها المهندس المدني بونوا كورنيت عام 1985.

وهكذا كانت بداية مسيرة الإبداع على أن الشهرة لم تتأخر كثيرأ في التقدم الى هذا الثنائي: كان ذلك بعد تكليفهما وللمرة الأولى بتصميم وتنفيذ مشروع ضخم لمصرف كبير هو La Banque populaire de l’ouest في مدينة رين، وذلك عام 1990.
وقد حظي بالكثير من الأعجاب، وتناقلت اخباره العديد من وسائل الإعلام والصحف والمجلات المتخصصة في هذا المجال، واصفة المشروع بأنه متميّز.

التصميم خرج عن كل الأطر الهندسية والأنماط التقليدية المعروفة، بهيكليته الحديثة المدهشة ومواده المتباينة بين النعومة والخشونة. وهو تباين استطاع التصميم اللعب على تناقضاته لإبراز الجوانب والقيم الجمالية التي جعلته في مصاف التحف الهندسية.

توالت المشاريع بعدها على هذين المهندسين من كل صوب، ليحصدا معها جوائز كثيرة، كان من بينها جائزة «الأسد الذهبي»، وذلك خلال مشاركتهما في بينالي البندقية عام 1996.

غيّب الموت كورنيت عام 1989، فكان على اوديل أن تتابع وحدها المشوار في هذه المهنة، تتأبط عزيمتها الصلبة وأحلامها الواعدة، لتمضي بعيداً، متنقّلة من مشروع الى آخر على امتداد خريطة المدن الفرنسية والعالمية، مستمدة قوتها من إيمان عميق بالنجاح، وإصرار على الجهود المكثفة التي تصرفها في الأبحاث والتجارب الهندسية والزخرفية الناجحة.

فنجدها تملك، من خلال عملها على توسيع متحف الفنون المعاصرة في روما، الكثير من العزم، فقد أتاحت لتصميمها الديناميكي وألوانها الساطعة أن تتسلل إلى النسيج الهندسي المعماري المعقّد في أحياء روما القديمة...

ومن روما إلى متحف الفنون المعاصرة في مدينة رين الفرنسية، ثم متحف الأنتربولوجيا في الصين... لقد عملت هذه المهندسة الفرنسية جاهدة على تطوير أسلوبها متابعة فتوحاتها الفنية لترتقي بأعمالها في كل مجال إلى قمة الإبداع.

أوديل ديك ترى في كل مشروع معركة عليها ان تفاوض فيها كل العناصر والرياح المعاكسة، وتتغلب على كل الأمواج العاتية، مستعيرة منها نقاط قوتها لتعيد استخدامها لصالح المشروع.


قصر أوبرا غارنييه

نجاحها الباهر لفت اليها الأنظار فكلّفتها إدارة قصر اوبرا غارنييه الشهير في وسط باريس، «زرع» مطعم عصري حديث في قلب هذا المبنى التاريخي الذي يعود بناؤه الى ماقبل 136 عاماً.

وهكذا كان على أوديل أن تقبل التحدي الفريد، في هذا الصرح المعماري المدهش، الذي صممه وأشرف على بنائه المهندس شارل غارنيية عام 1875 بأسلوب يجمع بين النمط الهندسي الكلاسيكي والطابع الباروكي الفاخر.

ويعتبر هذا المبنى درّة معمارية من عصر الأمبراطورية الثانية و رمزاً من رموز الترف الزخرفي الذي كانت تتمتع به باريس في ذلك الزمن.

وقد عمل على تزيين صالات المبنى التاريخي العريق الذي كان يعتبر من أكبر دور الأوبرا في اوروبا كلها، مجموعة من الرسّامين والنحّاتين الذين أثروا فضاءاته بأروع الأعمال الفنية النادرة.

 

ففي مقاربتها لتصميم مشروع المطعم الحديث داخل مبنى الأوبرا، عمدت ديك الى ابتكار صيغة جديدة مذهلة تساعد على دمج الهيكلية الحديثة للمطعم داخل المساحة المحددة له في المبنى، شرط أن لا يلامس أعمدته المرتفعة حتى السقف وجدرانه، مع إبراز جماليات النقوش والأجواء المحيطة.
فابتكرت تصميم هيكل على شكل سحابة من الرزين، تطفو فوق فضاء الصالة المركزية للمطعم وذلك بصياغة لافتة وخطوط متماوجة تذكر أجواؤها بديكور شبح الأوبرا، وذلك تكريماً لإحدى المسرحيات التي عرضت في الماضي في هذا المكان، والتي تحكي حكاية قصة الحب القوطية التي استلهم الروائي غاستون لورو موضوعها وأحداثها من شائعات كثيرة كانت تدور قديما حول هذا القصر التاريخي.

لقد استعادت أوديل ديك فكرة هذه المسرحية لتعيد تقديمها في حلّة هندسية وزخرفية مدهشة، وذلك بأسلوب ديناميكي وألوان مبهجة.
يعتبر التصميم الجديد للمطعم الذي يحمل اسم «شبح اوبرا غارنييه» نموذجاً هندسياً فريداً بصياغته المبتكرة وهيكله المصنوع من الرزين ومواده المتنوعة التي عسكت تناغماً مثيراً رفد اجواء المكان بكثير من الحيوية.

فبين الأرضيات المدعمة بألواح معدنية تم إسقاطها بدقة في قلب المساحة، والجوانب الزجاجية الشفافة المحيطة بالمكان والتي ترتفع حتى السقف مثبّتة بحبال فولاذية مقاومة للصدأ، يجتمع الحاضر والماضي.

لقد بدت هذه البيئة الزخرفية الجديدة المدّمجة غامضة، قبل أن يأخذ الديكور مظهره النهائي من حيث توزيع الأحجام والألوان، والتي راهنت فيها أوديل ديك على الأحمر كلون رئيسي لتلبيس المساحات والمقاعد، إلى جانب الأبيض الذي تمثل بهيكل الرزين في الطابق النصفي وبعض الجدران والطاولات، إضافة إلى الرمادي الذي غطى الأرضيات، مما ساهم في إبراز معالم الديكور بشكل باهر.


استثمار المساحة

نجح التصميم في استثمار المساحة بشكل بارع، اختفت فيه العديد من التفاصيل، خصوصا تلك التي تتعلّق بالتوصيلات الكهربائية وأنابيب التدفئة والتبريد تحت بساط أحمر. فبدت وكأنها مساحة للفن المعاصر، تجسد تجربة حسية مميزة.

من المدخل إلى الصالات الداخلية في الطابق الأرضي والعلوي وجلسة البار الممتدة بخط متماوج جانبي من الصالة في الطابق الأرضي إضافة إلى الطابق العلوي والممرات والسلالم الموصلة بين الطابقين والتي بدت كلها فضاءات مريحة وممتعة تقود الزبائن في نزهة عبر عصرين تتوالى فيهما المشاهد أفقيا وعموديا لتكشف للحاضرين صوراً زخرفية جديدة برؤى متنوعة تزيد جاذبية المكان وسحره.

ولم يكتفِ التصميم باستثمار المساحة الداخلية المحددة بأفضل الأشكال، فقد حظي الخارج أيضاً بجلسات أنيقة تحتلها طاولات وكراسٍ نسقت فوق المساحة الخارجية المرصوفة عند مدخل الأوبرا والتي تشكل في أناقتها امتدادا جميلا للمساحات الداخلية و تعكس أجواءها بأناقة بالغة وألوان حية مفرحة.