أستاذة في جامعة الأزهرالدكتورة سهير الفيل: الصوم لا يمنع الترفيه

أسئلة الصائم,علماء الدين,الدكتورة سهير الفيل,كلية الدراسات الإسلامية للبنات,جامعة الأزهر,الزينة,الأعمال الفنية,الإسلام,السينما,مواقع التواصل الاجتماعي,الكذب الإلكتروني,المصحف والطهارة

أحمد جمال (القاهرة) 12 يوليو 2015

تتواصل الأسئلة التي تشغل أذهان الصائمات في الشهر الكريم، حتى يصلن إلى صوم مقبول لا تكون فيه أي شبهة. ومن هنا تأتي أهمية وضع كل التساؤلات أمام علماء الدين للحصول على إجابات حاسمة في شأنها. «لها» تلتقي الدكتورة سهير الفيل، وكيلة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، وتطرح عليها العديد من علامات الاستفهام، التي تبحث المرأة عن إجابات لها من أجل صيام صحيح.

-حب النساء للزينة فطرة، فهل تؤثر في ثواب الصيام؟
الزينة في حد ذاتها ليست حراماً طالما تتم بضوابطها الشرعية، كأن تكون للزوج، وألا يدخل في أدوات الزينة شيء محرّم شرعاً. ولهذا فإن الزينة الحلال تدخل في التحليل العام في قول الله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (آية 32) سورة «الأعراف».

الزينة نهاراً

-لكن ماذا عن زينة المرأة في نهار رمضان تحديداً؟
لا بد من أن تكون الزينة معتدلة بحيث تظهر أمام زوجها بشكل لائق وجميل، وليس منفراً أو قبيحاً بحجة منع الإثارة. فالاعتدال مطلوب، وهناك فارق بين المظهر الجميل وزينة غرف النوم، ولهذا نحذر من المبالغة في الزينة لتتحول إلى إثارة وفتنة في وقت تُحرّم فيه العلاقة الزوجية، وهو نهار رمضان. أما في ليله من المغرب حتى الفجر فلتتزين بما تشاء، بل إنها مُثابة شرعاً على ذلك، حتى تعف نفسها وزوجها بالحلال، خاصةً أن المسلسلات والأفلام الرمضانية تكون كلها مثيرة للأزواج والزوجات، ولم تعد – للأسف الشديد – تراعي حرمة الشهر الفضيل.

-لكنَّ منتجي هذه المسلسلات الرمضانية يقولون إنها تذاع ليلاً وبالتالي لا حرمة فيها لأنها بعد الإفطار؟
هذا عذر أقبح من ذنب لأسباب عدة، أولها أن أفضلية أوقات رمضان ليست نهارية فقط، بل تمتد إلى الليل الذي يجب أن يكون متواصلاً مع الطاعة النهارية من خلال الصلوات المفروضة وصلاة التراويح وعمل الخير والبعد عن المنكرات والحرص على صلة الأرحام وقيام الليل وغيرها من الطاعات الليلية... وبالتالي فإن ليل رمضان ليس للفضائيات الخليعة والمسلسلات الخادشة للحياء. والأدهى من ذلك، أن كل المسلسلات الليلية تعاد إذاعتها في النهار بحثاً عن المزيد من الإعلانات، ولهذا علينا تأمل قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».

-ماذا تقولين لمنتجي الأعمال الفنية القائمة على العري والإسفاف ويتعمدون بثّها في رمضان ليلاً ونهاراً؟
أقول لهم اتقوا الله ولا تفسدوا على الصائمات والصائمين صيامهم، بل إنكم إن أصررتم فأنتم على إثم عظيم، وندعو الله لكم بالهداية ونذكّركم بأنكم محاسبون على أعماركم وشبابكم وأموالكم، ولهذا يقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم».

-لكن النفس قد تمل إذا كانت العبادات ليلاً ونهاراً وكأن الإسلام حرّم الترفيه في رمضان!
هذا مفهوم خاطئ، لأن الإسلام دين الاعتدال والوسطية في كل شيء، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم». وقال في حديث آخر: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم». ولكل إنسان طاقة وقوة تحمل في العبادات، ولهذا فإن الله وضع المعيار لذلك حين قال سبحانه: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ على الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا على الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (آية 286) سورة «البقرة».

-نريد إجابة قاطعة: هل الترفيه في رمضان حلال أم حرام؟
الترفيه الحلال الملتزم بالضوابط الشرعية وليس فيه ما يغضب الله من قول أو فعل، مباح شرعاً في رمضان وغير رمضان، ولكن المشكلة عندما يتحول الأمر إلى الترفيه الدائم وعدم استثمار ما في شهر رمضان من الخير ومضاعفة الثواب، ولهذا فهو «أوكازيون إلهي للرحمة والمغفرة».

-ما هو المقصود بأن رمضان «أوكازيون إلهي»؟
أي تُضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه الذنوب، ولهذا قال عنه النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين»، وقال (صلّى الله عليه وسلّم) أيضاً: «إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وصفدت الشياطين وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة»، وحثّنا على الاجتهاد في العبادة فيه فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله»، ومعنى «أروا الله من أنفسكم خيراً»، أي سارعوا إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات وابتعدوا عن السيئات.

-لكن بعضنا اعتاد على بعض السلوكيات والأخلاقيات المخالفة للشرع، فكيف يتخلص منها في رمضان؟
لست مبالغة إذا قلت إن رمضان يمثل فرصة ذهبية للتخلص من السلبيات في الأخلاق؛ والتوبة الصادقة في الإقلاع عنها؛ ليس في رمضان فقط بل في بقية العام، ولهذا يقول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم»، وقال (صلّى الله عليه وسلّم) أيضاً: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، ولهذا فإن وصيتي لجميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يحفظوا صومهم وأن يصونوه من جميع المعاصي ويجتهدوا في الخيرات والطاعات والإكثار من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار.

كوافير النساء

-إذا عدنا إلى الزينة باعتبارها أحد مظاهر الترفيه الحلال للنساء، فهل ذهاب المرأة إلى الكوافير في نهار رمضان حرام شرعاً؟
الذهاب الى الكوافير في نهار رمضان في حد ذاته ليس حراماً ولا يفطر، لكن بشروط وضوابط شرعية، أهمها أن يكون العاملون في محال الكوافير نساء وليسوا رجالاً، لأنه يحرّم شرعاً على الرجل الأجنبي عن المرأة أن يرى منها شيئاً، فما بالنا بمن يلمسها بحجة تجميلها وتصفيف شعرها وتزيين وجهها. لهذا حذّر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) من التهاون في لمس الرجال للنساء من غير المحارم، فقال: «لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحلّ له».

-هل الحرمة هنا تكون على المرأة أم الرجل الذي يعمل كوافيراً؟
الحرمة هنا تكون على الطرفين، إلا أن نصيب المرأة من الإثم أكبر، لأنها تساهلت في أمور دينها وذهبت إلى الكوافير بنفسها، وسمحت لرجال أجانب عنها بأن يمسّوا جسدها ويروا ما أمرها الله بستره من كل جسدها ما عدا الوجه والكفّين. أما الإثم فهو عليهما لمخالفتهما قول الله تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أولى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا على عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (الآيتان 30-31) سورة «النور»، وكذلك قول أم المؤمنين عائشة: «دخلت أسماء بنت أبي بكر على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وعليها ثياب شامية رقاق، فأعرض عنها ثم قال: «ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه».

-هل معنى هذا أن عمل الكوافير حرام سواء في رمضان أو غير رمضان؟
هو حرام إذا كان العاملون فيه رجالاً. أما إذا كن نساء فلا شيء فيه، بشرط أن يكون تزين المرأة لزوجها وليس للفتنة والخروج بذلك أمام الرجال الأجانب عنها، فهذه الضوابط الشرعية لا يجوز شرعاً التهاون فيها، لأنها من أبواب الشيطان الذي يزين لنا الحرام، ووقعت النساء فريسة لشياطين الإنس، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أبداً وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آية 21) سورة «النور». ولهذا فإن كل ما يؤدي الى الحرام فهو حرام...

-لكن يمكن أن يكون مصففو الشعر الرجال من محارم المرأة، فما الحكم الشرعي؟
إذا كانوا من المحارم فلا حرمة في ذلك، بشرط أن يكون هذا التزين للزوج أو لا يراه الرجال الأجانب عن المرأة، ممن لا يصح لها إبداء زينتها لهم، وهذه الفئات حددها الله في (الآية 31) من سورة «النور». ومع هذا فإنه إذا كان الإيمان ضعيفاً فقد تقع الفتنة بين المحارم في عصرنا الذي كثرت فيه الفتن، حتى أننا نسمع عن زنى المحارم، ولهذا يجب وضع ضوابط شرعية حتى بين بعض المحارم سداً لأبواب الفتنة، مثلاً إذا كان الرجال والنساء المحارم في مرحلة الشباب، فإن من الأفضل سد باب الفتنة أو الإغراء، لأنه كما يقال «الشيطان شاطر»، ويزين المحرّمات حتى بين المحارم في ظل ضعف الإيمان والتقوى.

السينما

-تشهد صناعة السينما ركوداً في رمضان ومع هذا نجد بعض السينمات تعرض أعمالها ليلاً، فهل هذا حرام أم حلال؟
رغم أن من غير المستحب في رمضان الانشغال بغير الطاعة، نظراً الى أنه شهر الطاعات الذي تضاعف فيه الحسنات عن بقية شهور السنة، إلا دخول السينما في حد ذاته، سواء في نهار رمضان أو ليله، لا يفسد الصيام، إلا إذا شاهدنا أعمالاً فيها إسفاف وعري فهي حرام، سواء في رمضان أو غير رمضان، لكن الحرمة في رمضان سواء ليلاً أو نهاراً تكون أشد بالطبع، ولهذا ينبغي الانشغال بالطاعات واستثمار وقت الصيام.

-أي أن التعميم بالتحليل أو التحريم مرفوض شرعاً؟
بالطبع، لأن الحكم الشرعي يكون مرتبطاً بالهدف من دخول السينما ومع من تدخل المرأة، هل مع زوجها فيكون حلالاً إذا كان العمل السينمائي لا يتضمن ما يغضب الله! أما إذا كان دخول المرأة الى السينما مع خطيبها أو صديقها الذي يعد أجنبياً عنها لمشاهدة فيلم مثير، فهذا حرام مطلقاً، وقد يفسد الصيام بالمشاهد الساخنة التي تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فيخسر الصائمون والصائمات صيامهم، ويستبدلون الحسنات من الصيام بالسيئات، لأنهم لم يراعوا حرمات الله الذي نهى عن خروج المرأة مع غير ذوي محارمها، فما بالنا بمن يدخلون السينما لمشاهدة أفلام مثيرة تضيّع ثواب الصائمين الذين يتحملون وزر التهاون والتفريط بالضوابط الشرعية.

نصيحة

-ما هي نصيحتك للمراهقات والمراهقين الذين – غالباً – ما يكونون ضحايا إغراءات مواقع التواصل الاجتماعي؟
أنصحهم بأن ينشغلوا بالطاعات وكثرة الذكر لله، وأن يكثروا في الليل من قيام الليل وصلاة التراويح. ويتذكروا دائماً قول الله تعالى: «وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا» (آية 36) سورة «الإسراء»، وليتذكروا أيضاً أن رمضان هذا العام قد يكون آخر رمضان في حياتهم، وبالتالي فقد خسروا ثواباً عظيماً وسيندمون كثيراً يوم لا ينفع الندم.

-كثير من الأعمال الفنية التي تعرض في رمضان يستكملها الممثلون والممثلات في نهار رمضان، فهل هذا حرام ويفسد الصيام؟
التعميم مرفوض كما سبق أن قلت، وإنما يتوقف الأمر على طبيعة العمل ومراعاته الضوابط الشرعية، فمثلاً إذا كان يتم تصوير عمل ديني أو تاريخي فهذا لا يؤثر في صحة الصيام. أما إذا كان فيه اختلاط محرّم أو خلوة شرعية محرّمة أو عري وإثارة فهذا حرام قطعاً، لا يجوز للصائم أو الصائمة القيام به سواء في رمضان أو غير رمضان.

الكذب الإلكتروني

-الكذب قد يضيع ثواب الصائم أو يقلله، فهل ينطبق هذا على الكذب الإلكتروني عبر «فيسبوك» أو «تويتر» أو غيرهما خاصةً أنه غير منطوق؟
نهى الإسلام عن الكذب بكل أشكاله وأنواعه، لأنه يفسد الصوم، وهو أسرع الطرق الموصلة إلى النار وأكثر الذنوب التي تبعد صاحبها عن نعيم الجنة، وهذا الكلام ليس مبالغة، وإنما نصّت عليه السنّة النبوية، حيث يقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً».

-قد يقول قائل إن الملائكة الموكلين بكتابة أعمال الإنسان يكتبون ما يتلفظ به فقط لقول الله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»!
يعلم الله سبحانه وتعالى كل حركات الإنسان وسكناته، بل وبما تحدّث به نفسه، وليس ما يكتبه على الوسائل الإلكترونية حصراً، حيث لا يقتصر على الكذب اللفظي فقط كما قد يظن البعض، ولهذا لا بد من فهم الآيات فهماً كاملاً غير منقوص، إذ يقول سبحانه: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (الآيات 16-18) سورة ق.

-متى يمكننا القول إن «الكذب الإلكتروني» أفسد الصيام أو قلّل من ثوابه فقط؟
هذا أمر يرجع إلى الله تعالى وحده، المحاسب على النيات، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم) «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»، ولهذا يجب أن يعلم الصائمون والصائمات أن الجزاء على الصيام بيد الله وحده.

المصحف والطهارة

-تحرص غالبية الصائمات على ختام القرآن في رمضان مرة أو أكثر، فهل يُشترط لقراءة القرآن من المصحف الطهارة؟
يرى جمهور الفقهاء أنه يشترط لقراءة المرأة القرآن الطهارة من الجنابة والنفاس والحيض، بل يرى بعضهم ضرورة أن تكون المرأة متوضئة من الحدث الأصغر لعموم قوله تعالى: «إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ. لاّ يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ» (الآيات 77-79) سورة «الواقعة».

-هل تحصل المرأة على الثواب نفسه إذا استمعت إلى القرآن بإنصات وتدبر لوجود مانع شرعي من القراءة من المصحف؟
بفضل الله ورحمته سيعطي المفطرة لعذر شرعي ثواباً عظيماً لا يعلم قدره إلا الله، الذي يعلم أنها لم تمتنع عن القراءة من المصحف، إلا لعذرها الشرعي، وهذه في حد ذاتها طاعة لقول الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (آية 36) سورة «الأحزاب»، ونأمل أن يعطي المفطرة لعذر، والتي تستمع الى القرآن بتأمل وتدبر، ثواباً عظيماً، لأنه سبحانه القائل: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (آية 206) سورة «الأعراف».

فتوى خاطئة

-أفتى البعض أن صيام السيدات اللواتي تتراكم عليهن أيام صيام من سنوات سابقة غير مقبول، فهل هذا صحيح؟
لا يقول هذا إلا جاهل بأحكام الشرع، وقد حذرنا الإسلام من الاستماع الى أصحاب هذه الفتاوى الخاطئة، لأن صيام شهر رمضان سنوياً مستقل بذاته عما سبقه من شهور رمضان أخرى في سنوات سابقة، مع العلم أنه يجب عليها شرعاً قضاء كل الأيام من شهور رمضان الماضية، ولا تتكاسل لأنه في حكم الدين في ذمتها، وعليها حساب عدد هذه الأيام وقضاؤها، فدين الله أحق بالقضاء، إلا إذا كان العذر الذي أفطرت المرأة من أجله مستمراً، كالمرض وغيره من مبررات الإفطار، وننصح كل من أفطرت أياماً في رمضانات سابقة لعذر شرعي أن تسارع بقضاء ما عليها، حتى تبرّئ ذمتها أمام الله في الدنيا والآخرة.