زوجي مهنته خطرة!

مهنة, الزواج, طيار, شرطة, وزير الداخلية, مروان شربل, ليندا مروان شربل, ألغام

22 سبتمبر 2013

عندما تقبل المرأة الزواج من رجل يعمل في مهنة خطرة، وتصبح حياته مهددة بالأخطار  من حين لآخر، فهل نكون أمام امرأة من نوع خاص؟ هل هي أكثر شجاعة من غيرها؟ وهل تدفع مع زوجها ضريبة الخطر الذي يحيط بمهنته؟ «لها» تدخل عالم زوجات يتحملن بكل شجاعة تبعات الزواج من رجال في مهن خطرة، حتى أن منهن من دفعت ثمناً غالياً عندما فقدت زوجها بسبب مهنته. وهذه شهادات عدد من هؤلاء النساء، نبدأها مع نساء من مصر.


حنان عبد الفتاح زوجة ضابط شرطة: زوجي أصيب بطلق ناري والقلق عليه يقتلني

في البداية تقول الصحافية حنان عبد الفتاح، نائبة رئيس تحرير جريدة «المساء» وزوجة عقيد شرطة: «أؤمن بأن الزواج «قسمة ونصيب»، فقد تعرفت بزوجي في أحد احتفالات أعياد الميلاد لصديق مشترك، وخاصة أن هناك قرابة عن بعد بيننا، لكن لم تكن هناك معرفة مباشرة. حصل الإعجاب المتبادل وأعقبته الخطوبة لمدة سنة، وذلك عام 1999 وتم الزفاف عام 2000، وكان وقتها يعمل ضابطاً في القوات الخاصة في مطار القاهرة، وخاصة مكافحة الإرهاب، مما يجعله يتعرض لأخطار يومية، بل إنه أصيب بطلق ناري أثناء إحدى العمليات. انتقل بعد ذلك إلى الحدود المصرية الليبية، حيث أخطار تهريب المخدرات والسلاح وغيرها من أنواع الإجرام، مما جعلني أعيش في قلق أكثر. وعاد إلى القاهرة ليعمل في مديرية الأمن حيث عمل في النجدة فترة، ومن المعروف أن ضابط الشرطة في النجدة المفاجئة يتعرض لأخطار شديدة، ثم انتقل عمله إلى المكامن على الطرق، والتي فيها أخطارة شديدة، وخاصة في ظل حالة الفوضى التي تعيشها مصر».

 وتضيف: «أتواصل يومياً مع زوجي للاطمئنان عليه بما لا يعطله عن عمله، خاصةً أنني أعلم دقة عمله الذي يتطلب ذهناً صافياً وتركيزاً شديداً، لهذا أحاول إخفاء القلق النفسي الشديد على زوجي أو التقليل منه قدر الإمكان، حتى لا يكون هذا القلق عائقاً له».
وعن كيفية معالجتها لحالة القلق الشديدة التي تعيش فيها، حتى لا تصاب بأمراض نفسية أو تضطر لإدمان الأقراص المهدئة في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني، قالت: «لا أتوقف عن الدعاء له بأن يحفظه الله هو وزملاءه وكل من يعملون في مهنة خطرة يخدمون بها وطنهم. فأنا ومثيلاتي من الزوجات في حكم المضطرات، وليس أمامنا سوى الدعاء بحفظ أزواجنا. كما أن طبيعة عملي كصحافية تعد سلاحاً ذا حدين، أولهما أنني مشغولة في عملي، وبالتالي أجد ما يصرفني نسبياً عن التفكير الدائم في الأخطار التي يتعرض لها زوجي، وثانيهما أنني بحكم عملي أتابع الأخبار أولاً بأول، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من ذلك، لهذا فإنني أكون قلقة جداً كلما قرأت أو سمعت خبراً عن ضابط أو مجند شرطة أصيب بمكروه».

 وتروي حنان أن زوجها تعرض لأخطار كثيرة من المجرمين الذين هجموا على معسكرات قوات الشرطة أكثر من مرة بالأسلحة الثقيلة للاستيلاء على ما لدى رجال الشرطة من أسلحة، ولم تحفظه من أي مكروه إلا عناية الله. كما أنه تعرض لمشكلات أخرى مع المواطنين الذين لديهم حالة احتقان شديد من الشرطة التي أساءت استخدام سلطاتها قبل الثورة. وفي نهاية اللقاء سألنا حنان عبد الفتاح، هل تحبين أن يكون ابنك الوحيد ضابطاً للشرطة مثل والده؟ فردت بكل حسم وحزم: «رغم حبي الشديد لوطني، لا أرضى أبداً حتى لا أفقد ما تبقى لي من أعصاب وعقل في ظل قلقي الدائم على زوجي، فهل أرضى بمضاعفة القلق بدخول ابني الوحيد هذه المهنة. كفاني ما أنا فيه من قلق ورعب دائمين».


رحاب السعيد زوجة طيار: زوجي كثير الأسفار وتعرض لانقلاب طائرة

رحاب السعيد، زوجة الطيار إبراهيم الشيخ، تعترف بأنها تعاني من القلق الشديد على زوجها، الذي يعمل طياراً في إحدى شركات الطيران الخاصة التي تتخذ من السودان نقطة انطلاق لها إلى مختلف دول العالم، لهذا فإن أسفاره الشهرية لا تقل عن عشرين يوماً، تكون خلالها قلقة عليه لأنه يصعب عليها الاتصال به وقتما تحتاج إليه.
وأشارت إلى أنها تزوجت عام 2005، وبدأت معاناتها مع القلق المستمر منذ فترة الخطوبة وليس بعد الزواج فقط. إلا أنها تعلم حب زوجها لعمله ومهنته، لهذا تعمل قدر الإمكان على إخفاء هذا القلق حتى لا تسبب له قلقاً يؤثر سلباً عليه في عمله الذي يتطلب تركيزاً شديداً حتى يصل بسلام في رحلاته الجوية بين المطارات.

وأوضحت رحاب أنها تقوم بدور الأم والأب معاً لابنها الذي يبلغ من العمر ست سنوات وتتحمل المسؤولية كاملة عن تربيته، كما تحرص على النجاح في المنزل والعمل معاً، وتوفر الراحة النفسية لزوجها وابنها.
وعن أصعب المواقف التي مرت بها بسبب طبيعة عمل زوجها، أكدت أنه في أحد التدريبات الجوية التي شارك فيها سقطت بهم الطائرة، وكتب الله لهم النجاة. ومن يومها ازداد القلق على زوجها، لهذا فإنها تحرص على الاتصال به هاتفياً أو عبر الفيسبوك، لكن أحياناً قد تضطره ظروف عمله المتواصل لعدم التواصل معها لمدة أسبوع مثلاً، مما يجعلها في حالة قلق دائم حتى يتصل بها ويطمئنها.

 وأنهت رحاب كلامها بالتأكيد أنها تشعر بأن زوجها ليس ملكاً خالصاً لها، مثل أي زوجة يعود زوجها إلى بيته يومياً ويمضي يومه معها ومع أولاده، وتضيف: «رغم هذا تأقلمت مع حياتي وسعيدة بمهنة زوجي، حتى ولو كانت على حساب أعصابي واستقراري النفسي والأسري. لكن هذه هي طبيعة المرأة العربية التي تعد شمعة تحترق لتضيء لأسرتها ومجتمعها، وبالتالي ما أتحمله أنا وغيري من زوجات أصحاب المهن الخطرة شيء طبيعي».


سوزان علاء زوجة لاعب سيرك: زوجي يمارس ألعاباً خطرة جداً

 تشرح سوزان علاء، زوجة أحمد ياسين اللاعب في السيرك القومي المصري، معاناتها بسبب خطورة مهنة زوجها فتقول: «لست مبالغة إذا قلت إنني أعيش قلقاً نفسياً رهيباً كل يوم، ابتداءً من نزوله من البيت حتى عودته إليه. ويتخلل ذلك الاتصال به قبل الفقرة وبعدها للاطمئنان عليه، لأن مهنته خطرة جداً، حتى أنني لا أستطيع أن أشاهده وهو يؤديها، وإذا تماسكت وشاهدتها فإنني أكون متوترة جداً وواقفة ولا أستطيع الجلوس حتى ينتهي. وأحياناً لا أستطيع التماسك فأكون خارج مكان العرض حتى ينهي الفقرة، خاصةً أنه يقدّم أربع فقرات كلها خطرة جداً».

 وتضيف سوزان:»المشكلة أن زوجي محب للسيرك بالوراثة، فأسرته كلها من لاعبي السيرك، ابتداءً من الجد والأب والأشقاء، ولهذا يمارس ألعاب السيرك منذ أن كان عمره خمس سنوات، ويحب السيرك بشكل جنوني ويعشق الألعاب الخطرة ويرفض نصيحتني له بوضع حزام الأمان في فقرة «التوازن على اليد في الهواء»، مثلما يفعل من يمارسون تلك الفقرة في العالم كله. فهو يحب المجازفة والقيام بالحركات الصعبة التي لا يستطيع غيره عملها... المهنة كلها خطرة وتعتمد على المرونة والقوة، لأنه يعمل على أجهزة متحركة ووارد أن يحدث فيها في أي لحظة خلل, أو يختل توازنه، أو يصاب بالتعب المفاجئ أثناء تأدية الحركات على منضدة ارتفاعها متران ونصف المتر، وعليها استاندات حديد يقوم بتركيبها فوق بعضها حتى يصل عددها إلى ستة، ليصل الارتفاع إلى ستة أمتار، بالإضافة إلى ارتفاع المنضدة. أي إنه يؤدي فقرته على ارتفاع ثمانية أمتار ونصف المتر، مع العلم أنه كلما ازداد ارتفاع الاستاندات تكون أكثر مرونة واهتزازاً، فما بالنا وهو يؤدي فقراته عليها بيده ورأسه، حتى أنه يمر بجسمه كله من طوق حديد قطرة 30 سنتيمتراً فوق هذه الاستاندات».

 تواصل: «الأغرب أنه يؤدي فقرات أخرى مرعبة، مثل الخناجر والسكاكين مع شقيقه خالد ياسين، الذي يلقي هذه السكاكين والخناجر عليه مما يجعله عرضة للخطر. ويقدّم بهلوانيات في الهواء مع شقيقه محمد، بالإضافة إلى أكروبات على عجل متحرك صغير ومتوسط وكبير. إلا أن أخطر هذه الفقرات التي تكون على جهاز متحرك مما يجعل احتمال التعرض للإصابات كبيراً، وهي تحتاج إلى تدريبات عالية ومستمرة، لأن عضلات الجسم كلها تعمل فيها، كما أن إصابتها تكون كبيرة وتحتاج إلى فترة علاج طبيعي أكثر حتى يستعيد مستواه».
وكشفت سوزان أنه رغم وجود صلة قرابة بينها وبين زوجها، كان أول لقاء وتعارف حقيقي بينهما في السيرك قبل أربع سنوات، وحصل الإعجاب المتبادل وتزوجا منذ ثلاث سنوات ورزقهما الله ابنتهما شهد. وهي لا تتمنى أن تلعب ابنتها في السيرك مثل والدها، لكنها ستحرص على أن تكون رياضية.
وتشير إلى أن قلقها يكون أكثر أثناء إرساله إلى الخارج لتعلم فقرات جديدة ثم تعليمها لغيره في السيرك، وآخرها بعثة إلى الصين. وخلال ثلاثة أشهر عانت من القلق بشكل قاتل، لأنها لم تكن تستطيع أن تطمئن عليه بشكل يومي.

 وتنهي كلامها قائلة: «مهما حاولت التأقلم مع مهنة زوجي لا أستطيع التوقف عن القلق، وأمضي كثيراً من الوقت في الدعاء منذ ذهابه إلى العمل وحتى يعود، لأنه معرض للخطر طوال الوقت، فمن الممكن أن يحدث تعطل في الجهاز فذلك سيؤدي بالطبع إلى حدوث أذى له. وقد تعرّض لإصابات كثيرة في هذه المهنة، آخرها قبل فترة قريبة حين حدث خلل في الاستاندات فسقط وأصيب بشرخ في الضلع، واستمر شهرين راقداً بلا حركة، بالإضافة إلى أنه يحتاج إلى تدريب دائم حتى في البيت، وكذلك الأكل بشكل معين».


منار مصطفى: نادمة لأنني طلبت من زوجي ترك عمله كمراسل

 تقول منار مصطفى، زوجة الصحافي مصطفى سليمان، مراسل قناة «العربية» خلال ثورة «25 يناير» في مدينة السويس، إنها عاشت أقسى أيام حياتها أثناء هذه الثورة، اذ كانت مدينة السويس من أكثر المدن اشتعالاً، بل إنها من أوائل المدن التي تفجرت فيها الثورة، نظراً لكثرة الثوار فيها سواء من التيار الإسلامي أو من المهضوم حقهم. وفي ظل هذه الأجواء جاء تكليف زوجي بتغطية هذه الأحداث لقناة «العربية»، وذلك نظراً لتعاونه مع موقع «العربية نت»».
وأشارت إلى أنها كانت مرعوبة على زوجها، خاصة أنه كان ينقل قرابة العشر رسائل يومياً وسط الأحداث الملتهبة، وتقول: «كنت أخشى على حياته، وأصبت بانهيار عصبي لأنني لم أتحمل هذه المشاهد الصعبة، بالإضافة إلى افتقاد الأمن في القاهرة، وكنت أعيش مع أطفالي الصغار وسط هذا الجو الصعب جداً».

  وتضيف: «لم أتوقف عن مطالبة زوجي بترك عمله بعد مرور ثلاثة أيام والعودة إلى القاهرة للوقوف بجانبي في هذه الأزمة العصيبة التي لم أتحملها ولم تنفع معها المهدئات العصبية. ومن يومها وأنا نادمة على عدم تحكمي في أعصابي، وأضعت عليه فرصة ذهبية للاستمرار معهم كمراسل دائم، وخاصة أنه أثبت جدارة في التغطية الحية للأحداث، مما يعد فرصة لا تتكرر للشهرة وإثبات الجدارة في المهنة».
وتكمل: «حاولت بعدها تعويضه بتشجيعه على مزيد من النجاح في عمله كصحافي في جريدة «الأسبوع» وموقع «العربية نت»، التي يقوم من خلالها بتغطية العديد من الأحداث الخطرة في مصر والخارج، ومنها أحداث ثورة 30 حزيران/يونيو، والأحداث التي ما زالت ملتهبة في مصر والعديد من دول الثورات العربية التي يكلف بها من الجريدة والموقع والقناة».


الدكتور أحمد عكاشة: مغامرات وقادرات على مواجهة الصعاب

عن رؤية علم النفس لحالة زوجات أصحاب المهن الخطرة، يقول الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس: «تميل النفس الإنسانية بوجه عام، ولدى الزوجات بوجه خاص، إلى الهدوء والاستقرار والبعد عن كل ما يؤدي إلى العصبية والقلق والتوتر، لأنه ليست كل زوجة قادرة على تحمل أخطار عمل زوجها، وخاصة إذا كانت أخطار هذه المهنة مستمرة، مما قد يجعلها تتناول المهدئات حتى تستطيع تحمل الأخطار».
وأشار إلى أن المرأة عندما تقرر الموافقة على الزواج من أحد أصحاب المهن الخطرة، وخاصة إذا كانت تعلم ذلك منذ البداية، تكون ذات نفسية تتصف بالمغامرة والمجازفة والقدرة على تحمل الصعاب، وخاصة إذا كانت مهنة الزوج من المهن التي لها واجهة اجتماعية، مثل الضابط والطيار والمراسل، وغيرها من المهن التي تتطلب شجاعة وقدرة على اجتياز الصعاب.

وأكد أن التعامل النفسي لزوجة صاحب المهنة الخطرة قد يتخذ أكثر من طريق، أولها القدرة على التأقلم مع طبيعة المهنة وتحمل المشقات، بمعاونة أسرتها وأسرته في التخفيف عنها. وهذه الزوجة ذات تركيب نفسي قوي، لأنها تكون قادرة على التوافق مع زوجها وأخطار مهنته، الطريق الثاني أن تلجأ الزوجة إلي المهدئات للتخفيف من توترها، وقد يؤدي هذا إلى إصابتها بإدمان تلك المهدئات، مما يكون له أثر سلبي على المدى البعيد. وفي الغالب تكون علاقة الزوجة بزوجها فيها نوع من التوتر النسبي على حسب درجة تحملها. أما الطريق الثالث فهو كون الزوجة ذات نفسية ضعيفة أو تتصف بالعصبية أصلاً، مما قد يجعلها عرضة للانهيار النفسي والعصبي وعدم المقدرة على تحمل التوتر، لأخطار عمل الزوج من جانب، وتحملها مسؤولية الأولاد بشكل أكبر من غيرها من الزوجات العاديات. هذه الزوجة عادة ما تكون حياتها الزوجية متوترة بشكل كبير، وقد تصاب بانهيار وتطلب الانفصال، وخاصة إذا كانت محبة لزوجها جداً وهو محب لعمله جداً، فتأخذ في المقارنة بين حالها وحال غيرها من الزوجات المستقرات نفسياً نظراً إلى الأعمال المستقرة لأزواجهن.


قلق الأزواج لا يقل عن قلق الزوجات

أصحاب المهن التي تصنفها النساء «خطرة» عادة ما يقعون تحت ضغط عصبي سببه قلق زوجاتهم المستمر عليهم، في حين قد تنعكس الآية لدى البعض فيصبح الرجل هو مركز التوتر بالنسبة إلى زوجته إذا ما كانت هي أيضاً تشغل وظيفة يراها «خطرة». «لها» استوقفتها العديد من قصص النساء مع أزواجهن في السعودية ممن يمتهنون وظائف خطرة كالمراكز الأمنية الحساسة وغيرها، والتي تصل درجة الخطر فيها إلى الموت أحياناً...


السيدة جيهان: كانت تخشى عليه من مهنته فلقي حتفه برصاصة طائشة

منذ أن تقدم لخطبتها كانت قلقة بشأن عمله، فهو نقيب في الشرطة، ولكنها لم تكن تعلم بأنها ستفقده أمام عينيها عن طريق «مزحة» دفع حياته ثمناً لها.
السيدة جيهان عبد المحسن فقدت زوجها قبل نحو 20 عاماً وبعد زواج لم يستمر سوى عام وستة أشهر، وتقول: «تقدم لخطبتي وأنا لم أكمل الـ19 من عمري، وكنت مترددة في بداية الأمر، إذ أن طبيعتي المبالغة في الخوف على كل من حولي. لكن والدي أقنعني بالارتباط به فوافقت».

وبحكم عمله فإنه من الطبيعي جداً أن يكون السلاح كأي قطعة أثاث في منزله، وهو ما كانت جيهان تخافه كثيراً، وتضيف: « كنت دائماً أوصيه على نفسه قبيل خروجه من المنزل إلى عمله، وتنتابني حالات من الخوف إلى أن يعود إليّ».
وفي يوم من الأيام، كان يمازحها وهو ممسك بيده سلاحه وضغط على الزناد والسلاح موجه إليها قائلا إنه غير محشو، وقالت: « قلت له مراراً توقف عن مزاحك فأنا أخاف الأسلحة، فصوب سلاحه نحو رأسه وقال لي ضاحكاً إنه فارغ، وما أن عاود الضغط مجددا على الزناد حتى انطلقت منه رصاصة فأردته غارقاً في دمائه أمام ناظري».

تعرضت لصدمة عصبية كلفتها الكثير من سنوات عمرها كي تتخطاها بسلام، وأردفت قائلة: «أتذكر عدداً من المشاهد، أولها زوجي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أمامي ولم أستطع إنقاذه، وكمية الدماء التي خرجت من رأسه وأنفه، إلى جانب تساؤلي المستمر لو أن تلك الرصاصة استقرت في صدري بدلا منه هل كنت سأنجو وأكمل حياتي معه أم أنه سيقام عليه حد القتل بعد اعترافه بقتلي؟».


خلود السليماني: خوفي بدأ بعد اغتيال صديقه

يعمل زوجها في دائرة مكافحة المخدرات، وإحساسها به لم يتعد في البداية دائرة الفخر والاعتزاز كونه يعد عملاً رائعاً يستفيد منه وطنها، غير أن استهداف إحدى عصابات ترويج المخدرات لصديقه الذي لقي حتفه على يد مروج بعد نجاحه في القبض على أعوانه، جعلها تبدأ معاناة الخوف على زوجها.
وتؤكد خلود السليماني التي مضى على زواجها نحو سبع سنوات، أن زوجها أحياناً يتلقى تهديدات عبر مكالمات مجهولة بعد كل نجاح له في إحباط عملية لترويج المخدرات، وهو ما يدفعها للعيش وسط سلسلة من الاحترازات التي تصفها بأنها «هوليودية».
ولكي تخفف من حدة خوفها على زوجها، التحقت خلود بوظيفة في إحدى المدارس الأهلية للبنات، وذلك في محاولة منها للانشغال عنه قليلاً بدلاً من تزايد تفكيرها بطبيعة عمله ومن ثم ازدياد توترها وخوفها: «أحاول الاطمئنان إليه خلال فترة العمل، ولكنني تمكنت من تهدئة نفسي قليلاً حين باشرت عملي».


أمل سراج: زوجي لقي حتفه في مداهمة لأحد الأوكار الإرهابية

في مكة المكرمة، وخلال أول عملية مداهمة أعلنت عنها السلطات السعودية قبل سنوات، قدّر للسيدة أمل أن تفقد زوجها بعد زواج استمر أكثر من 12 عاماً كان نتاجه ثلاثة أبناء وإبنة.
أحبّته قبل أن تتزوجه، ولأنها يتيمة الأبوين والمسؤولة عن اثنين من أشقائها الصغار، وجدت في زوجها عائلة كاملة وكانت دائماً تعينه على أداء وظيفته وهو أحد منسوبي القطاع العسكري، ولم تشعر يوماً بأي قلق كونها تؤمن بشجاعته المطلقة وبقدرته على مواجهة كل الأخطار.

تروي السيدة أمل سراج قصتها: «قبل حادث مقتله بيومين كنت أشعر بخوف شديد عليه، وحاولت إقناعه بالاعتذار عن تلك المهمة ولكنه رفض وقال لي بالحرف الواحد «زوجك جبان؟». بررت له طلبي بخوفي الشديد عليه غير أنه أجابني بأن ذلك الخوف سببه أنها العملية الأولى التي يشارك فيها في مواجهة الإرهاب».
واستطردت: « لم أشعر يوماً بأي خوف عليه سوى في اليومين الذين سبقا مقتله، ولم يفارقني هذا الخوف حتى الآن رغم مرور عشرات السنين على الحادث، وكأن زوجي لا يزال على قيد الحياة».


صفية عمر: زوجي باحث في «الصحة» وأخاف عليه من الأمراض

زيارة المناطق الموبوءة هي من صميم عمل السيد محمد العمري كونه مسؤولاً عن رصد الأوضاع الاجتماعية لأي منطقة بمجرد بدء انتشار المرض فيها، وهو ما يجعل زوجته دائما قلقة، بل ازدادت لديها نزعة «الشك» في مدى نظافة منزلها وحتى أبنائها. وتقول السيدة صفية بعد مرور أكثر من 15 عاماً على زواجها: «حين يكون عمله مكتبياً فإنني أطمئن إلى حد كبير، ولكن بمجرد ظهور مرض جديد في البلد، أعرف مسبقاً أن وقت الخوف قد حان، وأنه سيحزم حقائبه ليتوجه إلى المنطقة المصابة». وما زالت تتذكر موجة «حمى الوادي المتصدع» التي انتشرت قبل سنوات في مناطق جنوب السعودية، حين غاب عنها زوجها قرابة شهر ونصف الشهر: «في تلك الفترة تحديداً كنت أشعر بأنني سأفقد زوجي هناك، إلى درجة أنني أصبحت أفكر ماذا سأفعل إن وافته المنية وهو بعيد عني وكيف لي أن أتصرف لاستعادة جثمانه ودفنه في جدة».


رندا المحضار: الخوف من العدوى وضغط العمل

شعرت بقمة السعادة حين تقدم لخطبتها أحد الأطباء، ولم يتعدَّ طموحها في بادئ الأمر دائرة الثراء والرفاهية التي ستشعر بها بعد زواجها كونه يتقاضى رواتب كبيرة مقارنة بالوظائف الأخرى، إضافة إلى أنه ينتمي إلى عائلة ثرية في الأساس.
لكن تلك السعادة تحولت إلى خوف غير مسبوق بعد الزواج، حين بدأت تتعرف إلى تفاصيل عمله أكثر فأكثر، لتكتشف أن حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه أكبر بكثير مما يجنيه من أموال.

رندا المحضار البالغة من العمر 36 عاماً، تزوجت قبل ما يقارب 17 عاماً. تقول إن نظرتها الآن إلى مهنة الطب لم تعد كالسابق، خصوصاً أن الأطباء مسؤولون عن أرواح بشرية قد تهدر نتيجة خطأ بسيط، الأمر الذي يجعلها دائمة الحرص على نصح زوجها وإلقاء تعليمات مفادها الانتباه جيداً لكل حالة مرضية ترد إليه. وتقول: «غالباً ما يتم انتدابه سنوياً خلال موسم الحج، وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً كبيراً على أعصابي في ظل انتشار الأمراض واحتمال وقوع حوادث قد تحدث في ذلك الموسم نتيجة توافد الملايين إلى بقعة محدودة من بلاد الحرمين»، مشيرة إلى أنها لن ترتاح إلا إذا تقاعد زوجها من وظيفته!


أم عبدالملك: «فوبيا المرتفعات» جعلتها تكره وظيفة زوجها

بلغت الـ18 وتزوجت قريبها الذي كان حينها حديث العهد بالعمل مهندساً معمارياً، ومنذ ذلك الحين مر على زواجهما نحو 10 أعوام، وهي تخشى عليه من الصعود إلى الأماكن المرتفعة خصوصاً أنها تعاني «فوبيا المرتفعات». خوفها من الأماكن المرتفعة لم يتولد لديها دون سبب، وإنما بعد أن شاهدت في صغرها ابن الجيران يسقط من الطابق الأول لمبنى كان قيد الإنشاء أمام منزل عائلتها، ورغم أنه لم يصب سوى برضوض وكسر في يده جراء وقوعه على كومة من الرمل المستخدم في عملية البناء، باتت تخاف كثيراً من المرتفعات مهما كانت طبيعتها.

وتقول أم عبد الملك: «منذ أن تزوجت ما زلت أبرر لزوجي خوفي عليه بحادث سقوط ابن جيراننا، ولا أجد منه سوى السخرية، ولا أستطيع حقيقة التخلص من خوفي عليه، ولا سيما أن طبيعة عمله كمهندس تحتم عليه متابعة المشاريع على أرض الواقع وبالتالي الصعود إلى أماكن مرتفعة».
وما يضايق أم عبد الملك هو أن زوجها صار يتعمد إغلاق هاتفه النقال أو تجاهل الرد عليها خلال ساعات عمله، مكتفياً بالسماح لها بإرسال رسالة نصية إذا ما كانت بحاجة إلى شيء ما.


إيمان: تخيفها حوادث السَّير

مهنة زوجها تفرض عليه التنقل في الشوارع بسيارته مثله مثل أي مسؤول مبيعات في مختلف الشركات، ولكن الزحام الذي تشهده المدينة التي تسكن فيها إيمان سيف الدين أوجد في نفسها الكثير من القلق عليه، فضلاً عن قيادته التي وصفتها بـ«القاسية» في إشارة منها إلى تهوره واندفاعه خلف مقود السيارة.
وتروي إيمان «معاناتها» مع زوجها قائلة: «في بداية زواجنا قبل نحو 7 سنوات كان زوجي يعمل في أحد البنوك، ولكنه غيّر مجال عمله بعد عرض وظيفي جيد تقدم به صديقه الذي يمتلك شركة متخصصة في بيع المعدات الصناعية، والآن يومياً تنتابني حالة من القلق كلما خرج إلى عمله». وذكرت أن زوجها تعرض لأكثر من حادث مروري ولكن العناية الإلهية دائماً تحفظه ولا يتعرض لأي أذى.


أم فارس: زوجها يخشى عليها من مهنتها!

لأنها واحدة من المنتسبين إلى«مهنة المتاعب» باعتبارها صحافية في إحدى الصحف السعودية اليومية، فإن نزعة الخوف تلازم زوجها الذي يخشى عليها من الاصطدام بأي أفراد قد يلحقون بها الأذى حتى وإن كان لا يتعدى الضغوط النفسية. وتقول أم فارس التي تزوجت قبل عامين وخمسة أشهر: « كل إنسان معرّض للخطر بصرف النظر عن مهنته، ولا أنكر خوفي على زوجي بشكل عام في الحياة، غير أنني دائماً أدعو الله تعالى أن يحفظه وأستودعه إياه وأعتقد أن ذلك كافٍ لكي أطمئن عليه». وكونها إعلامية، فإن الخوف عليها صفة تلازم زوجها منذ أن تعرف عليها قبل أن يتزوجا، وتضيف: «كان ولا يزال يسألني باستمرار إذا ما كنت أتلقى رسائل أو مكالمات مزعجة على هاتفي النقال، إلى جانب حرصه الشديد على ما أنتقيه من مواضيع صحافية فلا يسمح لي بتناول قضايا ساخنة قد تفتح أمامي جبهة عدائية مع جهات أو جماعات معينة». وتوضح أن زوجها يخاف عليها أيضاً من النزول إلى مواقع الكوارث ولا سيما أنه يعتبرها مندفعة ومتهورة وجريئة: «في بعض الأحيان أنزعج من تقييده لي خاصة في ما يتعلق بمهماتي الوظيفية، ولكنني ألتمس له العذر فهو يخشى عليّ كثيراً ودائماً يذكرني بأنني مسؤولة عنه وعن ابننا، فأحاول البحث عن حل وسط كاصطحابه معي إلى ميدان العمل على سبيل المثال».


أزواج لبنانيون في نقاط ساخنة

رجالٌ معرضة حياتهم للخطر، وفي رهان مع الموت. الموت خطأ أو قصداً، والمهنة هي السبب. زوجة رجل ناجح بالرغم من كونه من دون ساعدين. وزوجة رجل أمن تكره الزجاج الحاجب للرؤية. وزوجة ثالثة حرضت على قتل زوجها وهي مطمئنة الى أن أصابع الإتهام ستوجّه إلى معارضي خطّه السياسي...

ليندا مروان شربل زوجة وزير الداخلية: لا يمكن أن أقول إن اللبنانيين راضون عن زوجي مائة في المئة

الحياة المحفوفة بالخطر لم تعرفها ليندا صقر بعد زواجها من رجل دولة فقط، بل حين كانت جامعية تدرس علم النفس، الإختصاص الذي لم تتابعه في دولة دون أدلة على كل اغتيال السياسي. هي زوجة وزير الداخلية اللبناني مروان شربل الذي تعرّض للتهديد وكانت عائلته مطالبة بالتنقل مع مرافقة وسيارة بزجاج حاجب للرؤية. وقد توقف ذلك عند المطالبة.

- من هي ليندا صقر؟
أنا امرأة عادية وتقليدية كسائر النساء، تلازم بيتها وتحافظ على عائلتها. لست سيدة مجتمع تنشر صور صبحياتها في المجلات بكثرة. لديّ مجتمعي الصغير ولا أحب الحياة الصاخبة، أخرج لشراء أغراض بيتي كأي سيّدة.

- ألم تؤثر مهنة الزوج على تحركاتك؟
حين أصبحت زوجة وزير بات لديّ إلتزامات جديدة، لكنني لا أحب التقيد بحياة لن تستمر على حالها في ما بعد. لست زوجة الوزير المعروفة وتحت الأضواء بل أم لثلاثة أولاد، وجدة لتوأمين. لم تتبدل حياة أولادي، يقود ابني سيارته بنفسه ويخرج للسهر بحرية. لم أفكر يوماً في تأسيس جمعية كما يحصل غالباً، قد أتطوع اجتماعياً لتقديم خدمات معينة ... أريد أن أعيش حياتي بعيداً عن مرحلتيْ قبل وبعد. أحرص على ألاّ يؤثر منصب زوجي على حياة أولادي خصوصاً لناحية المظاهر التي ستزول لاحقاً.

- تطغى في لبنان على أولاد السياسيين مظاهر أبناء رجل مهم ...
لقد تعرضنا للتهديد في البداية، وطالب المعنيون أولادي بعدم الخروج وحدهم. لكنهم لم يتأقلموا مع الوضع وعادوا إلى حياتهم الطبيعية. رفضوا المرافقة وأنا كنت سعيدة بالأمر رغم أنني كأم سأكون مطمئنة أكثر. لا أريد لأولادي أن يعتادوا على الرفاهية، لا أريدهم أن يصعدوا أو ينزلوا وفق الظروف بل أن يعيشوا بثبات وتوازن.

- هل أنت امرأة عاملة؟
لم أزاول مهنة في حياتي. بقيت إلى جانب أسرتي، كبرنا في أجواء الحرب. أهتم بكل تفاصيل منزلي. تزوجت في سن مبكرة وكان زوجي نقيباً وأنجبت أول أولادي في سن العشرين. أنتمي إلى جيل الحرب، درست اختصاص علم النفس سنة واحدة، حال خطر الطريق دون متابعتي الدراسة. 

- في تلك الفترة لم يكن زوجك سياسياً وفي الواجهة...
لكنها كانت أيام حرب وكانت الصواريخ تنهال علينا في الحازمية... تزوجت رجلاً عسكرياً في الحرب وكانت فكرتي أنه رجل قوي لكن سقوط القذيفة لا يفرق بين القوي والضعيف. في تلك الفترة لم تكن الهواتف المحمولة موجودة ومحاولة الإتصال مباشرة. عشت لحظات لا أعرف فيها مكان زوجي. كان مندفعاً ولا يخاف لكن الحرب مخيفة «وما حدا كبير قدامها».

يزاول مهنته بين النقاط ...

- ماذا يعني أن تكوني زوجة وزير الداخلية مروان شربل في ظل إنقسام البلاد؟
لدي ثقة كبيرة بزوجي، وأعرف أنه يزاول مهنته بين النقاط. أعتقد أن أداءه جيد ولا يمكن أن أقول إن اللبنانيين راضون عنه 100 في المئة. لكن شخصياً نظرتي إلى زوجي لا تتبدل باختلاف المناصب والظروف. وأعتبر أن تبوؤه هذا المنصب هو بمثابة مكافأة لجهود بذلها من أجل الوطن.

- هل تفكرين بأن هذه المكافأة قد تشكل خطراً على حياته؟
دون أدنى شك، إن منصب زوجي حساس ومهمته صعبة تماماً كالأوضاع لكنني امرأة مؤمنة وكثيرة الصلاة. لقد اتفقوا على حقيبة الداخلية قبل خمسة أشهر من تشكيل الوزارة ورجوت الله أن يكون هذا المنصب لخير عائلتي وأن أعيش بسلام. تنقلب المقاييس بين ليلة وضحاها في لبنان. حين حضر إلى موقع الإنفجار في منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية وحصل الشغب الذي تناقله الإعلام كنت أراقبه على الشاشة، لكنني كنت على يقين بأنه سيكون بأمان. شعرت بأنه لن يصيبه أي أذى. لم أكن قلقة.


في حادثة Bank of America دخل مع فرقته الى البنك وأنقذ الرهائن

- هل تشعرين بأن الحرب في لبنان كان لها تأثير على التكيّف مع القلق؟
جعلتنا الحرب أكثر تقبلاُ للأوضاع، وربما تقدير آخر لأبعاد الأمور. لقد مرّ زوجي في مراحل أصعب بكثير من اليوم. أخبرني عن حادثة Bank of America في السبعينات حين دخل مسلحون وهددوا الموظفين واحتجزوهم كرهائن بسبب دعم أميركا لاسرائيل. دخل زوجي مع فرقته البنك وسحب الرهائن. زوجي لا يخاف ومعتاد على مواجهة الخطر.

- ما أكثر ما يزعجك في مهنة زوجك؟
الزجاج الأسود الحاجب للرؤية. أطلق على هذه الوزارة اسم «وزارة الأرقام والزجاج الأسود» بدل وزارة الداخلية.  يشكل هذا الزجاج خطراً على سائق السيارة وليس العكس. لا أجد سبباً مقنعاً لوضعه، فهو إما لإبعاد الشبهة عن رجل يخرج برفقة صديقته أو عن مهربي الأسلحة ... من يعيش حياته في العلن لا يحتاج إلى «الفوميه». أولادي وأنا لا نقود سياراتنا بزجاج أسود. ولا أجد أن الأمر متعلق بالسماح أو غير السماح بوضع الزجاج الأسود بل بذهنية اللبناني وجيل يريد أن يكبر في الخفاء ويحب المظاهر.


رئيفة غدار خشاب زوجة خبير ألغام: أصبحت يدَيّ زوجها ...

قد يجد أي إنسان نفسه غبياً إن سأل رئيفة: «ما موقفك من انفجار العبوة التي أعدت خصيصاً لزوجك ؟». وكأنه سؤال عبثي عن درجة الألم الذي سببته المواجهة الدائمة والدامية مع الموت. تتحدث رئيفة غدار عن زوجها وهي تخشى أن تبدو مبالغة في حديثها، «كان زوجي الوحيد الخبير في تفكيك المتفجرات في لبنان حين عاد من السعودية». زاول مهنته قبل أن يتزوجها، وكان الأمر بالنسبة إليها «تحصيل حاصل، رغم المخاوف ما كنت لأتركه فقد تزوجنا عن حب. لم يكن سهلاً التأقلم مع ظروف مهنته في لبنان. كان يعد المتفجرات وفق دراسة لفتح أنفاق في السعودية. أما في لبنان فأصبح يفكك عبوات مجهولة المصدر بوسائل بدائية لم تعد متّبعة في العالم».
تابع محمود خشاب دراسته في السويد ليواجه لاحقاً الموت متنقلاً من منطقة إلى أخرى. تلفت زوجته: «كان يمضي وقتاً على الأرض أكثر من البيت. لقد رصد كماً هائلاً من المتفجرات وفي كل المناطق. كان يُستدعى على الفور حين يشك بأمر سيارة أو أي جسم غريب». لقد عاش الزوجان وقتاً عصيباً: «لم يكن يعرف الراحة فهو من أول الخبراء الذين نشطوا في الحرب الأهلية. تناقشنا كثيراً في ظروف مهنته لكن وضعه بين خيارين كان مستحيلاً».

وضعوا له العبوة واستهدفوه شخصياً
فقد محمود خشاب عينه ويديه بحادثة كان يظن أنها تابعة لمسلسل يومي. لكن العبوة كان معدّة خصيصاً له في بيروت. ما الذي تغيّر في حياته بعد الإصابة ؟ «لا يزال محمود الإنسان نفسه». فقد يديه ونظره لكنه لم يفقد أمله بحياة أفضل لعائلته. تضيف: «لا يصدق المحيط أنه غير متأثر بوضعه، لا بل أصبح أقوى وأكثر مرحاً بعد إصابته». يحب عمله كثيراً. جدران منزله التي علق عليها بزته الممزقة وشهادات التقدير وقصاصات من جرائد توثّق إنجازاته أبلغ توثيق.
هل توقعت أن يتراجع عن ممارسة مهنته ؟ «لا، رغم إصابته البليغة. لقد وضعوا له العبوة واستهدفوه شخصياً. كنا نعيش رعباً حقيقياً خصوصاً حين كان البعض يدخل المنزل دون استئذان بحثاً عنه».

كأننا ننتظر خبراً سيئاً طوال الوقت
كيف انعكست مهنة تفكيك المتفجرات على العائلة ؟ «كنا نخاف جداً كلما خرج في مهمة وكأننا ننتظر خبراً سيئاً طوال الوقت. لقد سمعت بتعرضه للإنفجار على التلفزيون. طار جسمه واصطدم بأعلى الجسر». ماذا عن إصابته الثانية ؟ «كانت نتيجة الأولى. فقد التقط فيروساً وهو في مستودع المتفجرات».
درس محمود خشاب اختصاصه في تفكيك المتفجرات وتابع دورات في تركيا والعراق والسعودية حيث عمل في المنشآت المدنية ونسف المباني بعد دراسة خاصة. يعتبر مهنته هواية ونتيجة ما تربى عليه في أجواء متفجرة. يقول محمود : «كنا ندرس 10 أيام ونتوقف شهرين». حين عاد إلى لبنان وأدرك فداحة الوضع الأمني تقدم إلى مديرية قوى الأمن. فهم كانوا بحاجة إلى خبراء متفجرات. لقد شعر بالرهبة لدى تفكيك أول عبوة، «ثمة فرق كبير بين وضع العبوة لتفجير منشأة بأسلوب آمن وتفكيك عبوة مجهولة المصدر والعثور على ما هو معدّ لتفجير البشر».

أعيش ساعات إضافية على حياتي  Overtime منذ سنوات
ما كان تأثير مهنتك على زوجتك وعائلتك؟ «تعلمت زوجتي مني الشجاعة في مرحلة كنا نشتبه بوجود  20 أو 25 سيارة مفخخة يومياً. لقد كنت أحياناً أحمل العبوة وأعطّلها وأنا في طريق العودة إلى السيارة العسكرية». هل هي ثقة زائدة بالنفس ؟ «لقد اعتدت الأمر وبات كأي عمل روتيني في حياتي. لم أكن أجالس عائلتي مطولاً بل كنت في حالة جهوزية دائمة. كانت زوجتي صبورة للغاية، تكيفت مع ظروف مهنتي. حتى بعد إصابتي نتيجة مراقبتي واستهدافي بقيت إلى جانبي».
تمزقت بزة محمود العسكرية، تقطعت يداه وانطفأت عينه. لكنه رأب الشرخ الذي كاد يهدّد تماسك عائلته، لا عودة إلى الوراء. إنه خبير قوى الأمن الذي عرفه كل لبنان من رئيس الجمهورية حتى أصغر مواطن يشاهد الأخبار.
لم يسلم محمود خشاب من الحادثة الأولى فقط بل تعرض لأزمة ثانية، «الإصابة الثانية عام 2010 نتيجة جرثومة في مستودع المتفجرات التي نجدها، نجمعها ثم نتلفها. أعاني ضعفاً في عيني نتيجة المواد الكيماوية. شعرت وكأن الإصابة الأساسية كانت 2010 . لم أعد أقوى على قيادة سيارتي. معنوياتي مرتفعة لكن نظري تأثر. لكن زوجتي بقيت إلى جانبي ولها فضل كبير في تجاوزي أزمتي وهي تحاول جاهدة أن تلبي كل طلباتي. فأنا أعيش ساعات إضافية على حياتي ...Overtime منذ سنوات».

يستخدم يديها بدل يديه
تأثرت رئيفة كثيراً بكلمات زوجها الأخيرة ... تزيل قسماً من السيجارة وتشعلها لزوجها، فهو ممنوع من التدخين. تقلص خطراً آخر تقوى عليه، تمسكه بيديها. فهي أصبحت يدَي زوجها ورفيقة درب ما عاد يبصره جيداً. ستسافر معه إلى أوروبا مجدداً لتلقي العلاج. وكانت في مرحلة سابقة رفضت أن يخضع لعملية زرع أطراف لأنها راضية عن وضعه، وقد تعرّضه العملية إلى مضاعفات كنقص المناعة في جسمه. طرحت عليه هذا السؤال وأجابت : «ما الذي ينقصك؟ لا شيء».
تقول بصوت منخفض محفوف بالحب والخوف تعليقاً على أنه يعيش ساعات إضافية من حياته: «أعارضه على هذه المقولة، هو بالتأكيد يقول ذلك ممازحاً. فهذا المنزل لو لم يكن فيه رجل اسمه محمود خشاب لما خرج منه رجال مثفقون وصبايا مهذبات. لم يستغل وضعه الصحي يوماً بل كافح من أجلنا لحياة أفضل. كان مصراً على تعليم أولاده. أنهى ابني ياسر رسالة الدكتوراه في المعلوماتية، ورماح  أنهت دراسات عليا في المعلوماتية أيضاً. وابننا الصغير يدرس إدارة الأعمال، ونجحت ابنتي الصغرى مع تقدير جيد في الشهادة الرسمية أخيراً. حتى هذه اللحظة أولاد محمود خشاب هم بحاجة إليه وليس العكس ... هو مثال أعلى بالنسبة إليّ وإليهم. لقد استغل بعض الآباء وضعهم الصحي للتخلي عن مسؤولية إعالة العائلة لكنه لم يفعل».