زياد الرحباني: وجود المرأة في حياتي ضروري جداً لكن النموذج اللبناني أزمة

زياد الرحباني,ناقد,موسيقي,فنانون لبنانيّون,لبنان,فنان / فنانون

مايا بنّوت 21 سبتمبر 2013

لم يكنْ لقاء الفنان زياد الرحباني أصعب من إعادة صياغة كلماته حرصاً على حرارة صدقها. لا بداهة بديلة لألفاظه ولأوزان كلماته الأولى والأخيرة التي «ترن» بقافية ودونها. بتوقيت آخر وتوقيع آخر بدت معه فيروز على قيد إبداع آخر.
تحيلُ الحياة واقعاً، بعد رجلٍ رحل أو حلم وطن طاف النعاس على ماضيه وارتحل ... «بما إنو» تكلّم، هذا الحوار وسؤال «بالنسبة لبكرا شو ؟»


- هل تحب بيونسيه (يعلّق صورتها بالأبيض والأسود على أحد جدران منزله)؟
كانت صغيرة في هذه اللوحة. رسمتْها فتاة وعرضتها للبيع في متجر في منطقة الجميزة. كنت ماراً ولم أتقصد الدخول. الصورة جميلة ولم أكن أعرف أنها بيونسيه رغم أنني معجب ببدايتها الفنية. لا أظنها تقدم ألبومات بالمستوى الأول.

- باتت تمثل في هوليوود وانطلقت في مشاريع موضة وجمال...
نعم، يبدو أنها تعبت كثيراً في البدايات وقررت أن ترتاح.

- ألا تشبه بيونسيه مايا دياب؟
نعم، ولا أقصد الشكل بل الشخصية وأسلوب المزاح والضحك. مايا إنسانة «سوبر طيبة القلب» يمكن للمرء أن يمرّر لها أي خبرية وتصدقه إن شعرت بالأمان تجاهه. هي متأثرة ببيونسيه وتحبها كثيراً.

- ماذا فعلت في آخر مرة دخلت إلى الأستديو؟
أعدت ترتيبه بعد الفوضى الفظيعة نتيجة الحفلة التي أحييناها في وسط بيروت. فاق عدد أعضاء الفرقة المعتاد، وكانوا يتدربون في الأستديو غير المصمّم لاحتوائهم جميعاً.

- كيف كانت أصداء الحفلة؟
الموسيقيون الذين يحضرون حفلاتنا عادة وجدوا أننا ارتكبنا حداً أدنى من الأخطاء مع كثرة الموسيقيين وقلة البروفات. لم تكن الحفلة ضمن برنامج المهرجان المطبوع.

- ما السبب؟
لا يتقبل أي منتج استقبال أعضاء فرقة موسيقية من الخارج قبل أسبوع من الحفلة. لكننا عدنا وشاركنا هذا العام بوجود السوريين والأرمن الذين كانوا يشاركون في بيت الدين وثلاثي أميركي يعيش معظهم في لبنان.
قدمنا حفلات في أكثر من منطقة في لبنان هذا الصيف، إحداها في قرنة شهوان. لم يعرف عنها إلاّ من «يسبّنا» ويواصل في الصحافة.
غالبية الإعلام لا تعلم بالأمر. هناك من يرى أنني لم أفعل شيئاً في حياتي سوى إعادة توزيع أعمال الرحابنة وينتظر التوضيح. «الحكي ما علي جمرك» في الصحافة.

- لو كان نزار قباني على قيد الحياة...
تجنّب نزار قباني في المرحلة الأخيرة من حياته «الحكي بالسياسة»، وكان محقاً.

- هو معروف بأنه شاعر المرأة لكن كتاباته السياسية لا تقل أهمية...
في مرحلة معينة عدم التعبير عن الإنتماء العربي كان شواذاً. أعرفه شخصياً مذ كنت صغيراً، فهو ساهر شبه يومي في منزل العائلة، كما أن زوجته الذي قتلت في حادثة السفارة العراقية كانت صديقة والدتي وتجمعهما جلسات طويلة. كان نزار قباني ينظر إلى الإنسان ويوصّف الوضع بشكل عام.

- لم فضلت التعبير عن رأيك بالمقال ولم تكتفِ بالفن؟
لأن المسألة أسهل. لا «لف ودوران» وحاجة إلى بذل مجهود في تحويل المسرحية إلى عمل مسلٍّ. أما المقال فلمن يرغب في قراءته.

- لمَ لا تقدّم أغنية مثل «المقاومة الوطنية اللبنانية» اليوم (وردت فيها عبارة «اللي عم يحكوا اليوم هوْ غير اللي ماتوا»)؟
ثمة أعمال أخرى في الخانة نفسها لا تحمل ملامح الثمانينات، أبحث عمن يؤديها. التعبير المحلي أقوى وأسهل بكثير من تقديم أغنية ملحنة تصف الوضع اليوم.
التلحين معاناة حقيقية خصوصاً مسألة القافية. قد تأخذ القافية الفنان إلى مكان لا يقصده لكن يفضل لدواعٍ موسيقية استخدامها. ولذلك أفضل التعبير بغير أغنية أحياناً، عبر حوار أو مقال...

- أي أنك تسقط عن القافية عفوية المعنى ودقّته...
نعم، دون قافية نكون نبتكر أغنية على الطريقة الأوروبية والعالمية التي تعتمد «الرنة الشبيهة»، ويتخلون عنها أحياناً لأنها تؤثر على المعنى فعلاً. لا يملكون عقدة القافية.

- إلى أي مدى أنت حريص على القافية في الأغنية؟
القافية كارثة لدى التعبير عن الرأي ونقل الأفكار.

- ما أطرف قافية وردت في أغانيك؟
سؤال لذيذ لكن يحتاج إلى التفكير. قد تنقذ القافية الأغنية.

- ماذا عن «الصابون» والزيتون» و»البلكون» في أغنية «مش كاين هيك تكون»؟
كان «الجردون» وارداً ذكره لكن حذفناه لاحقاً، كان «الجردون أصغر» و«الكميون أكبر» (أي الشاحنة). أحمد الله على هذه الرقابة الذاتية التي مارستها على «الجردون».
ضحكت فيروز حين قرأت كلمة «كميون»، سألتني: «هل سنغني للشاحنات»؟ تحب أمي الشاحنة نفسها والبوسطة والمركبات الآلية الكبيرة. لا أعرف إن كانت جدّية، لكنها كرّرت أمامي أنها تريد شراء بوسطة وتفكر في مكان لركنها.

- قد يكون تعلّقاً بأغنية «البوسطة»؟
لا، قد تذكرها بمرحلة من حياتها حين كانت تعمل... «هي هيْنة البوسطة أدي بتجمع عالم»؟

- هل ذهب «زمن البوسطة»؟
لا تزال البوسطة موجودة. أتنقل بها أحياناً، ولا يعرفني أحد. قد تستقل شابة جميلة وأنيقة البوسطة خارج بيروت. بينما لو التقيتها في العاصمة لا يمكن أن يهيَّأ لك أنها تجلس في بوسطة.
وهي نفسها قد تترجل بعيداً عن المكان الذي تقصده لتبعد الشبهات، وتركب سيارة أجرة... «مش كل العالم منزوعين كتير».

- لمَ يسخر نقدك السلبي من المرأة أكثر من الرجل؟
لأنني لست موفّقاً في علاقتي مع المرأة. أحاول البحث في الأسباب، وفي كل مرة أكتشف أن السبب غير متعلق بي. المرأة تحلّل وتصنّف.
وجود المرأة في حياتي ضروري جداً لكن النموذج اللبناني أزمة. أظن لست وحدي من يلاحظ الأمر، حتى الأجانب يكتشفون المرأة اللبنانية بسرعة فظيعة.

- بأي عبارة تصفها؟
لا أجرؤ على وصفها. هي ذكية لكن لا أعرف أين تضع عقلها؟ تظن أن العقل «مش عالموضة» ربما. أتوجه إليها فأشعر بأنها لا تسمع أو تنظر إلى شيء ما ورائي.
وفي اليوم التالي، أتأكد من الأمر إن عادت واتصلت. هذا النموذج أصادفه كثيراً في العاصمة، قد تكون اللوثة وصلت إلى مناطق أخرى لكن ليست بالوحشية نفسها.

- ما السبب؟ وهل هذا أمر طارئ؟
اشتد أخيراً. أظن أن الأمر متعلق بما يعرض على الشاشة والإعلام عامة، لقد شمل هذا التأثير شريحة كبيرة غير متوقعة.
كنت أحضر لمجموعة مقالات تحت عنوان RotaLand نسبة ل«روتانا» منذ عام 2007، قد أجمعها في كتاب صغير لاحقاً.

- ما قصة أغنية «لاحق ترجع عدبي»؟
هي عن الوجود اللبناني في دبي. تلخص هذه الإمارة الهجرة أكثر من أي عاصمة أو دولة أخرى عربية بالنسبة إلى اللبنانيين.

- ما كانت قيمة التصويت الذي قررته لاختبار صداها لدى القرّاء وإذا كانت تصلح لكي تغنّيها فيروز في صحيفة «الأخبار» اللبنانية؟
أردت إقناع فيروز بأن انطباعها «مش مزبوط»، فلم يهمّها الأمر. تعتقد أن التصويت «مش مزبوط»، وأن من صوتوا إيجاباً هم من أنصاري. أحبت فيروز كلمات الأغنية ولكن مأخذها كان على تكرار كلمة «دبي».

- هل تجد صعوبة في إقناعها عادة؟
لا جلسات إقناع بيني وبين فيروز، أسمِعها الأغنية مرة واحدة وأتركها عندها لتعديل تفاصيل صغيرة لا تغيّر المعنى. لكن ما هو مركزي لا أغيّره، ما يحصل أنها لا تؤدي الأغنية أو تضعها جانباً.
كانت لتغني نشيداً عام 1979 مثل نشيد مسرحية «نزل السرور» أو نشيد «يا رياح الشعب» الذي لحنته بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس الحزب الشيوعي.
كما أنها لا تزال تحتفظ بأغانٍ لسيد درويش «سيئة نصاً» لا يمكن تعديلها، إحداها بعنوان «حرّج عليا بابا ما روحش السينما وحقبلك فين». تحب كلمات هذه الأغنية ولحنها كثيراً.
قلت لها «بيقوموا عليك المصاروة» إذا غيّرت الكلمات ف«نقعتها». لدى فيروز بقع مستعصية تضعها في الشمس أحياناً لتنقى.
قد تغنيها لاحقاً.
فاجأتني حين سمعت أغنية «بنص الجو» التي أدتها لطيفة قائلة: «لمْ تسمعني هذه الأغنية؟ كان يمكن أن أغنيها». فأجبتها : «هيك صارت نكايات القصة». كنت وقتها أنجزت حديثاً ألبومي مع لطيفة، سجلت فيروز الأغنية وكانت تسمعها ووصفتها بالممتازة.

- فتحت الفنانة التونسية لطيفة حرف الدال في كلمة «صدّقني» ولفظتها بلهجة مصرية في أغنيتكما اللبنانية «معلومات مش أكيدة». ما الذي تعكسه هذه «اللا مثالية» في الأغنية على صعيد اللهجة؟
كانت لطيفة حريصة على أداء اللهجة اللبنانية وتجنّب اللفظ المصري، لكنني قلت لها لا بأس في ذلك. فأنا شخصياً أجهل مصدر ما أكتبه أحياناً، مثل عبارة «مش فارقة معاي». أدركت أن كلمة «معاي» كلمة فلسطينية لاحقاً.
وصف عمي منصور رحمه الله الأغنية - حين أسمعته إياها عبر الهاتف - بالعظيمة لكن سأل عن مصدر كلمة «معاي» واحتمال أن تظهر فيروز وكأنها تغني اللهجة الفلسطينية عن قصد. فأجبته : «من هو متفرغ للبحث في هذا التفصيل في ذاك الوقت».
يتكلّم اللبناني نفسه كلاماً بلهجات مختلفة، قد أستخدم كلمات مستعملة في منطقة الشوف نتيجة تعايشي معهم في فترة. «لقطت» منهم كلمات مثلما «لقطت» من الجنوبيين. أنتبه إلى أحاديثي حين أسمعها مسجلة أو مكتوبة...

- اعتاد الجمهور سماع أعمالك الموسيقية مع السيّدة فيروز. هل يمكن له أن يكتفي بحاسة السمع بتعاونك مع أسماء نسائية فنية أخرى خصوصاً أن أغنية «بنص الجو» صوّرت؟
أولاً، لا دخل لي بتصوير أغنية «بنص الجو» رغم ظهوري في آخر الشريط المصور. كانت فكرة «روتانا» لأنني رفضت إجراء مقابلة معهم حسب ما قالت لطيفة. لم أقم سوى بزيارة موقع التصوير، وعدتني لطيفة بحذف المشاهد بعد يومين من العرض، وهو ما لم يحصل. «منيح إنو تتوضح يوماً ما هذه المسألة».
قد يسمع الجمهور أغنية دون كليب إذا كانت المغنية جدية، وغير منسجمة مع عصر التعامل مع الأغنية كمنتج سوق له صورة وسرعة معينتان قد تبث في مهرجانات لكرة القدم أو عرض للأزياء. يضعون أمام الفنان حلولاً مادية لاستثمار الأغنية أكثر بوجود مشكلة حقوق نسبية وعالمية.

- قدمت دار Dsquared2 مجموعة أزيائها على أنغام أغنية بيلي هوليداي Ain't nobody's business وتنقلت العارضات على أصدائها. هل يعني ما أشرت إليه سابقاً أنك تخالف هذا الأمر؟
هذا الأمر ليس سيئاً، خصوصاً لناحية إحياء فن من لا يعرفها جيل اليوم. أنا مع إحياء بيلي هوليداي كل الوقت لكن النسخ الأصلية من أعمالها.

- هل تتقبل أن تستخدم أغنية «ما شاورت حالي» للسيدة فيروز في عرض أزياء لبناني أو عربي؟
لا حاجة للتفكير بالإجابة، فوضعنا مختلف. تتطفل الغالبية على المهن التي تمارسها. وكل ما هو من معقد البحث فيه الأسهل منعه وعدم الخوض في تفاصيله.
وهذا ما حصل مع المخرج فيليب عرقتنجي في فيلم «البوسطة». توصلت معه إلى استخدام موسيقى «البوسطة» دون صوت فيروز وجوزيف صقر.

- كم هو فريدٌ صوت جوزيف صقر؟
صوته حالة، ليس مغنياً ولم يكن يملك هاجس استعراض صوته بل التفكير في الكلمات التي يقولها حتى الضحك. ولذلك كنا نعيد التسجيل أحياناً.

- من قصدت بسؤالك الإعلامي المصري يسري فودة في لقائه معك في برنامج «آخر الكلام» عن شبيهة بيلي هوليداي في العالم العربي، في سياق حديثكما عن لويس أرمسترونغ باعتباره «عبد المطلب العربي»؟
لا أذكر بأنه أجابني، نعم. تشبه زكريا أحمد قليلاً وسيد درويش وقدامى الفنانين المصريين، لكن الفرق أن تسجيلاتهم غير صالحة لرداءة الصوت التي تزعج المستمع وتدفعه إلى عدم مواصلة الإستماع. لم يكن سيد درويش يملك صوتاً جميلاً لكنه كان يصيب «النوتات»، وكأنه يصرخ وهو يغني «زوروني كل سنة مرة» ويقول «العما بيقلبكن حسوا عدمكن» عن الشرفة. لا تبدو وكأنها أغنية عاطفية بصوته.

- لا بأس إن امتلك الفنان صوتاً متواضعاً لكن أصاب «النوتات»؟
لدينا نماذج عديدة، من يغنون نشازاً ومن يؤدون بشكل صحيح لكن يحتاجون إلى من يردعهم ويقنعهم بأنهم ليسوا مطربين Solo. لا بأس بأن يكونوا أصوات Back Vocals.
ليس معيباً أن يكون الفنان صوتاً خلفياً. كان كورس الرحابنة قوياً وقد تحوّل بعض المؤدين إلى مطربين ومنهم ملحم بركات وحوزيف ناصيف رحمه الله ومروان أو أنطوان محفوظ وإيلي شويري وعصام رجّي...

- هل تتواصل مع الموسيقار ملحم بركات؟
«إذا هلِّت معو» وكان مرتاحاً.

- هل أنت مع أو ضد موقفه السلبي من الفنانين اللبنانيين الذين يؤدون غير اللهجة اللبنانية؟
وهل تتوقف المشكلة عند اللهجة؟ إحدى جماليات الموسيقى أنها تنتقل من شعب إلى آخر وتبقى مفهومة للجميع.
لقد حول الأغنية اللبنانية إلى قضية قومية وهي «مش هلقد قومية». قد يكون محقاً في مبالغة البعض في أداء اللهجة المصرية خصوصاً إذا أسمع فنانة لحناً لبنانياً جميلاً لكنها فضلت الأغنية المصرية أو الخليجية لاحقاً لأن هذا المطلوب.

- عطفاً على ما سبق. لمَ نربط نجاحنا العربي بالنموذج الغربي المثالي أحياناً ولا نكتفي أن نكون حالة قائمة بحد ذاتها؟
نعتاد هذا الأمر من أيام الإستعمار، وأننا الدولة التي تحتاج الرعاية من دولة أكبر. انتهى الإستعمار لكننا لا نزال نتطلع إلى كسب رضاه وإعجابه.
والغرب لا يحب هذا الأمر حقيقة. قد يُسعد السفارة أن الشعب اللبناني تحت التأثير الفرانكوفوني لكن الفرنسيين فرداً فرداً يستاؤون من اللبناني الذي يتحدث الفرنسية وهو يصطنع اللكنة.

- بداية حرب ال75 واليوم...
اليوم شبيه بالأمس كثيراً مع جغرافيا مختلفة ومسيحيين أقل وعودة شيعية من الغربة...

- ما تأثير الواقع اللبناني عليك؟
«ليش أنا بعد بعرف شو عم يأثر عليي». تأثير يومي ومصير مهني مجهول قد يلغي أي مشروع أو مخطط فني ندرسه. كما يحصل مع إحدى مغنيات الفرقة معنا، الأميركية سيندا رامزور.

- ما الذي سيسجله التاريخ عن زياد الرحباني؟
لا أفكر في هذه الإجابة، بل كيف ضاع العمر في الحرب الأهلية التي لم تنتهِ وأصبحت شكل الحياة هي وذيولها، ونسيان القيم الكبيرة التي لا بحث فيها بل بهموم أخرى لكثرة ما طالت الحرب.

- إلى أي مدى مخيف هذا التكيّف؟
كارثة، فقد كل شيء قيمته ولم يعد أي حدث مدهشاً. قد يكتفي المواطن بهز رأسه لدى سماع خبر موت 100 قتيل، ويكمل سهرته بشكل طبيعي.

- كيف تنظر إلى تداخل الواقعين السوري واللبناني على الصعيد الإنساني؟
أظن أن اليد العاملة في لبنان تحتاج إلى خريطة جديدة. من توظف وهو نازح لن يغادر لبنان بمجرد انتهاء الحرب في سورية في ظل عمليات إعادة الإعمار التي قد تمتد لسنوات.
لقد أحدث النازحون وضعاً جديداً في لبنان ليس في صالح الطبقة العاملة اللبنانية التي يخطئ أرباب العمال بحقها. لكن هذا يدل على أن نظرية القومية ووحدة الأراضي والمصالح حقيقية أيضاً.
فعدد من السوريين موجودون قبل اشتداد الأزمة حتى بالأرياف حيث ينفر المواطن من الغريب عادة. بينما العاصمة تتحمل كل الفروقات الدينية والجنسية بشرط الإستفادة. لا يبحث رأس المال عن الانتماء بل ينتقل بسهولة.
حتى اللبناني بات طاقة بشرية للإستعمال. اكتشفت الأمر أكثر مع إحيائي الحفلات الموسيقية، لأول مرة في حياتي يرن هاتفي ويعرض لبناني آتٍ من كندا أو فرنسا العزف في فرقتي كونه موجوداً في لبنان لفترة محددة في الصيف... موسيقيون وموسيقيات شباب بلجهة لبنانية متواضعة يجيدون العزف على آلات ولا يمكن لأحد أن يضاهيهم. لا أظن أنهم سيكررون المجيء العام المقبل لأنهم اختبروا ما لم يصادفوه في حياتهم، تحليل هذه الظاهرة إجتماعياً كارثة.

- هل تنظر في حفلاتك إلى الحضور في الصف الأول؟
لا، أكون منشغلاً. يعلمني المنتجون من سيجلس في الصف الأول أحياناً.

- هل تولي اهتماماً للحضور في الصف الأول؟
ثمة عرف أن المشاهير يجلسون في الصف الأول. النخبة موجودة في كل العالم. لكن نخبة ماذا؟

- هل تذكر من جلس في الصف الأول في حفلة «أعياد بيروت»؟
أذكر استناداً إلى الصور، واستغربت حضور إليسا. مايا دياب تحضر حفلاتنا في كل مكان.

- هل يعني لك أن تحضر إليسا حفلتك؟
نعم، إذا لديها اهتمام بمعرفة ما يحصل موسيقياً، لكن لا أعرف ما قد تعنيه لها حفلتي حين تخرج منها. كيف تقوّم القصص وتقارن وإن كانت تجد المجهود طبيعياً وتلاحظ دور كل آلة... سمينا إليسا لأنها كانت موجودة.
لا أعرف كيف تصنع أغنيتها وإن كانت ستضع المقارنة المتعلقة بالمفهوم الموسيقى والرؤية المختلفة. قد يرى البعض الأغنية بإيقاعاتها و«ماشية لعبكرا» بالنمط نفسه في أكثر من أغنية له ولغيره.
ولهذا تشبه الأعمال الغنائية بعضها، تقدم بالوسائل نفسها ويصنعها الشخص نفسه بعد السؤال عن اسم الموزع وطلب رقمه وسرعة الإتصال به.
يلاحق الفنانون بعضهم بعضاً رغم أنهم يسبّون بعضهم. ثمة «دينامو» يسيّر العالم والإنحدار العام يشمل برامج التسلية أيضاً...

- هل تستخلص هذا الواقع شخصياً أو أنت متابع لكل ما يعرض؟
يكفي تسجيل حلقة واحدة من أي برنامج، وملاحظة أزياء المذيعة وتوجهها اللغوي مع المشاهدين... بدءًا بشكل نشرات الأخبار أخيراً.

- ما رأيك بالنشرة التي تقدمها الإعلامية ديمة صادق؟
فظيعة، مصرّة على البلاغة وإن سمعها المرء دون أن يراها قد يظن أنها خريجة الأزهر.

- وإذا شاهدها دون أن يسمعها؟
لا جواب... «يعني إيلي صعب».

- ما به المصمّم المبدع إيلي صعب؟
نعم، هو جيد شخصياً وهو الطبيعي من بين مصممي الأزياء ومستثنى من الموجة... وهذا كافٍ.
يصمّم للمرأة من موقع طبيعي وتعني له كرجل. ديمة صادق تقدم الإثارة والتواضع. هي حرفياً بليغة بالإثارة والتواضع. بالصدفة كنت أشاهد مسابقة ملكة جمال لبنان عند جاري، تساءلت لمَ تقدّم الحفلة؟ هي الملكة.

- ما قصدت بأنها الملكة؟
تنقّلها على المسرح وأسلوب حديثها، تعلّمهن جميعاً.

- هل على المذيعة أن تكون قبيحة ولا تحسن التنقل؟
ما من محطة تلزم مذيعة بتقديم برنامج، يحق لها أن تعتذر إن كانوا يريدونها في قسم الأخبار. حضرت لها حواراً أو حوارين وكنت متفائلاً بها في البداية وأظن أنها لا تفكر في شكلها لكن لا أعرف ما أصابها لاحقاً. ثمة سيدات لبنانيات يعملن في لبنان وهن ملكات جمال بمظهرهن لكن «آخر همن».

- في الفترة السابقة ارتبط اسمك بفنانين كبار الموهبة لكن ليسوا تحت الأضواء. هل زياد يتعاون مع فنانات متوضعات الموهبة وتحت الأضواء اليوم؟
نعم، تعاونت مع كثر. لطالما نصحني عمي الياس بعدم الإبتعاد عن الإعلام. لكنني لا أمشي بهذه النصيحة حتى اليوم. يظن الجمهور حين نؤدي بعض الأغاني القديمة أحياناً أنها صدرت حديثاً مثل أغنية «بلا ولا شي» (1986).
ظنوا أنها صدرت مع أغنية «إيه في أمل» (2010). أملك تكتيكاً جديداً اليوم، مقاطعة من سيطر على السوق يخالف لينين الذي يقول بأن عليك العمل مع هؤلاء لضمان الوجود. مثلاً، يجدر دخول المجلس النيابي طالما هو قائم لا تفجيره. لا يكون التغيير بهذه الطريقة.

- ما القاسم المشترك بين «حبق ومنتور» (منثور Matthiola) أغنية «بعدك على بالي» للأخوين الرحباني في السبعينات، و«ورد ومنتور وياسمين» أغنية «إيه في أمل» (2010) لزياد الرحباني؟
أعرف الحبق فقط، ما هو شكل المنتور؟ المنتور موجود في ذاكرتي الموسيقية. لقد أدينا أغنية «بعدك على بالي» مع الفرقة أخيراً في حفلة وسط بيروت. أفضل هذه الأغنية على «نحنا والقمر جيران» التي تعد من الكلاسيكيات المترجمة إلى أكثر من لغة. أظن أن أغنية «بعدك على بالي» كانت لتترجم لو سمعها المعنيون.

- أي مرحلة في حياتك كانت الأسعد؟
في النصف الآخر من الثمانينات، وبداية علاقتي بكارمن لبس بعد طلاقي وطلاقها. كان غرامنا قاتلاً حينها وكانت «تحشر» نفسها في العمل وتملك فضول التعلّم والغناء مع الكورس. لم أعرف مثل هذه السنوات.

- كارمن لبس تشبه ممثلتك المفضلة...
فاي داناواي؟ لا أجد شبهاً بينهما. أنا معروف بحفظ الصور. (يلاحظ لاحقاً أنهما متشابهتان في صورة من اختياري أريه إياها عبر الهاتف).

- هل زياد الرحباني وحيد اليوم؟
«بإذن الله والهيئة مطولة». أراسل مواقع الزواج عبر الإنترنت حالياً، وضعت كل البيانات الشخصية صحيحة ما عدا صورتي.

- هل هذا For fun؟
For Fun !!! أريد الزواج. وهل أنا أختلف عن سائر الناس؟ حين يعود ابن الضيعة من الخليج يحضرون له ثلاثاً أو أربع فتيات ليختار منهن الأجمل. هكذا تكون الحياة إن فشلنا في عيشها على طريقة «روميو وجولييت».

- هل كانت الكتابة انطلاقاً من الذات بمثابة «فضيحة ملحّنة». هل بالغت في شفافيتك خصوصاً أن البعض ربط بين أعمالك الفنية وحياتك مع زوجتك السابقة وحياتك الشخصيك عموماً؟
طالما الإنسان يكتب الكلمة فهو مصدرها والقائل. لا أعتقد بما يسمى الحياة الشخصية. برأيي كل ما يحصل مع الإنسان أو ينجزه ويوقعه لم يبتكره وحده.
الإنسان كائن إجتماعي ومجموعة من العلاقات الإنسانية اليومية وما من شيء يولد من فراغ بل مزيج وتركيبة.

- قد يجذب المطلع الموسيقي لأغنية «قصتنا الغربية» المرء لتعلّم العزف على العود أو البيانو إذا سمع أغنية «كيفك إنت». كيف تتأثر شخصياً بالفن؟
بالصوت بحد ذاته، بعد حرب «السنتين» وبرنامج «بعدنا طيبين قول الله» في الإذاعة الرسمية اللبنانية كنت على «شبه قطيعة» مع الفنانين الذين كانوا يتخوفون من احتمال أن يفعل بي (مَن كانوا مسيطرين) مكروهاً.
وكان الأفضل عدم التعاون معي. كنت في حاجة إلى العمل. اكتشفت في تلك المرحلة أن ما من شيء لا يعوّض. أتأثر بكل شيء.

- يقول لويس أرمسترونغ: «إذا شعرت بحاجة إلى السؤال عن ماهية الجاز لن تعرفه أبداً»...
فظيعة هذه العبارة ومريحة. طرحت هذا السؤال على موسيقيين أجانب ولم ألقَ إجابة. الموسيقى أبسط وأعقد من أن توصف. الموسيقى مجموعة أصوات يصعب تعريفها لكنها تلامس الأحاسيس.

- هناك علامة استفهام كبيرة على قصص الحب في أغانيك، «ولا مرة زابطة»؟
لأنني أتكلم عن نفسي، وقد أحسد أي ثنائي لا تزال علاقته بخير.

- ما هي هوايتك غير الموسيقى؟
أميل إلى الفك والتركيب وأعمال الصيانة اليومية، خصوصاً أنني تعلمت وحدي تسجيل الصوت وامكانات تسجيله. في ما مضى، كنت أحاول تسجيل الموسيقى ورغم وجود أكثر من آلة لا يبرز في التسجيل إلاّ صوت الطبلة والمطرب.

- ما هو أغرب مصدر إلهام استوحيت منه؟
الجلسة لفترات طويلة بعد الظهر في أبو ظبي دون أي عمل حيث كنت أعزف ليلاً. الموسيقى وظيفة أيضاً. لا أحب المراكز التجارية.

- لم تغبْ يوماً لكن «عودة زيادة الرحباني» عنوان دائم...
هذه حتمية الإستمرار، ولذلك اتخذت قرار العودة إلى الكتابة في الجريدة مجدداً.

- ما ثمرة التعاون بين زياد الرحباني ومايا دياب؟
ثمرة التعاون «السّب» حتى اللحظة. ستصدر أغنيتان قبل الألبوم، «لاحق ترجع عدبي» و»تبقى اتصل فيي».

- ما الذي لفت نظرك في مايا دياب؟
شخصيتها، تجمع صفتَي الجاذبية وخفة الدم. لا أراها جميلة. المرأة الجميلة تكون رائعة كيفما التقطتها الكاميرا. لكن مايا دياب - وهي تعلم هذا الأمر لأنها «مش غشيمة» - قد تبدو ملامحها شبيهة بالرجل. تعرف مايا كيف تبرز مظهرها وهي صاحبة كاريزما تفوق المقاييس المثالية للمرأة الجميلة. صارحت مايا بأنها ستتفوق كممثلة كوميدية أكثر من الغناء.

- ماذا عن صوتها؟
لا أعرف، لكنها تتابع صوتها أكثر من السابق.

- هل تمنح الثقة بالنفس الصوت شخصية؟
العكس تماماً، قد يبدو الشخص مزعجاً للغاية خصوصاً لدى الفنانين الذين يحيون المهرجانات وجماعة استديو الفن تحديداً... أحدهم «مفكر حالو بانديراس».

- من؟ وائل كفوري؟
نعم.

- علام بنيت رأيك بوائل كفوري؟
لمَ يوكلون للجنة فاحصة اختبار الأصوات؟ أُدعى على الدوام لهذا الأمر، لكن لا أذهب.

- لو أنت في «لجنة فاحصة» وأمامك وائل كفوري...
لا ينجح، قد يرافق أصواتاً أخرى. «اعتبريني من اللجنة الفاحصة»، وأملك حق إبداء رأيي. صوته غير مكتمل وتنقصه ذبذبات صوتية.

- قد يزعج هذا الرأي مايا دياب خصوصاً أن وائل أعز أصحابها؟
لتنزعج، «مشكلتها هي بأصحابا».

- أي الأصوات يلفتك؟
تعرفت في مصر على شاب مصري اسمه حازم شاهين. أحب صوت ملحم بركات، وصوت ملحم زين. أفضل صوته على صوت وائل كفوري بأزمنة.

- ذكرى من البدايات الموسيقية...
لكثرة ما تكلم والدي عني أمام عبد الوهاب «لبكلي عيشتي». كنت في الخامسة عشرة، عزفت أغنية «دقيت طل الورد عالشباك» لتؤديها فيروز.
مقدمة البيانو واضحة في هذه الأغنية. لا أنسى هذا الموقف، كان عبد الوهاب على وشك أن يغفو ومذ سمع رنة الموسيقى في الصالة استفاق.

- بعد «إيه في أمل»، هل من ألبوم جديد لفيروز؟
نحضّر لألبوم، وكنا لنسجل جزءًا منه في حزيران/يونيو المنصرم مع موسيقيين مصريين لكن الظروف حالت دون ذلك. سنستأنف العمل قريباً، اخترنا 8 أغانٍ.

- هل المنزل الذي تربت فيه السيدة فيروز يتداعى أو يتصدّع فعلاً؟
لا علاقة لفيروز بهذا المنزل، هو مجرد توريط لاسمها في الحكاية لغايات أخرى. كان جدي مستأجراً ذاك المنزل.


بصراحة

- ما هو حلمك؟
أن أقابل امرأة أكمل معها حياتي.

- ما الذي تحب أن يقال عنك؟
إنني غير مغتر بنفسي، فلا قيمة للإنسان وحده ويصبح كأي تفصيل في الطبيعة.

- هل للمشاعر أحجام، «قد البحر» مثلاً؟
نعم، فللمرأة طاقة على التعبير عن الحب كما تبدّل ملابسها وعطرها... تماماً كما لديها طاقة على الإنسحاب.

- لم تستاء من موسيقى الBlues؟
لأنها محدودة ومؤسسة على النعي، موسيقى لها تاريخ لكن عبودية وأنين.

- ما «المواد الأولية» للفن اليوم؟
مشواران إلى مكان تفحص فيه المواد الأولية.

- الصورة المثالية للوطن واللبناني التي طبعتها أغاني الرحابنة في ذاكرتنا...
«ولا في المنام»، الأمثلة كثيرة عما يحدث في كل بيت لبناني. نضحك على أفغانستان، «بس هني واضحين نحنا كذابين».

- أن تكون والدتك فيروز...
«شي مشربك وعوامات». هذه الحلوى المفضلة لدي. «مشربك» يعني إثنان متداخلان ويصعب فصلهما.

- مسؤولية ابتكار السهل الممتنع الذي لطالما اتسمت به أغاني فيروز...
نكبة، وطرح السؤال يتضمن الإجابة وتأكيد للنكبة.

- أن تكون صاحب مدرسة في الموسيقى العربية؟
«ما في مدرسة موسيقية». إذا قرّر كل فنان أن يؤسس مدرسة أين يذهب التلاميذ؟

- المجاهرة بالرأي السياسي أكثر بالمقال وتأثيره على جمهور زياد...
«آخر همي»، من يتوجّه إلى الإنسان لا تشغله زيادة حجم الجمهور.

- أقل ما تفتخر به في حياتك...
من المعيب أن أجيب. لكنني في فترة كنت لأصدّق نظريات سائدة في مجتمع من لون واحد، أن طائفة معينة «بتفهم» أكثر من الطوائف المحمدية. كنت في الرابعة عشرة.

- ما هي الصفة التي تتبدل في شخصيتك؟
الشك، حين يخف الشك يرتاح الإنسان. أشك بما تريده المرأة مني تحديداً حين أستثني الشكل والمال، هل هي حشرية وفضول في معرفة أسلوب عيشي أو عملي أو اختبار مشاعري تجاه المرأة؟ هذا يحصل طوال الوقت.
عقدت خطوبتي وكنت على اقتناع بأنها فتاة صادقة، لكنها كانت مفاجأة العمر حين اختفت دون تبرير.

- أن يبدأ مشوارك الفني مع الوالدة قبل سنتين من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية...
«هيك صار»، هذا الأمر بطلب من عمي ووالدي (الأخوين الرحباني). كانا المصفاة الأولية لكل من تعاونت معه فيروز، فيليمون وهبي أو حتى عمي الياس...

CREDITS

تصوير : مروان طحطح