نساء يتحدين سرطان الثدي

نساء,سرطان الثدي

فادية عبود (القاهرة) 03 أكتوبر 2015

بين ليلة وضحاها، قد تتحول حياة المرأة الوردية إلى كابوس مرعب فور اكتشافها إصابتها بمرض سرطان الثدي.والبعض منهن يخشين آثار العلاج ويعتبرن أن استئصال هذا الجزء من الجسم يعني استئصال الأنوثة، ويخفن على عائلاتهن وأحبائهن من تأثير المرض في حيواتهم، لكن الواقع عكس ذلك، فبمزيد من الأمل تستطيع المرأة قهر ذلك المرض اللعين.  «لها» تعرض نماذج لنساء تحدّين سرطان الثدي.


لم تقع غادة صلاح، 49 عاماً، مدرّسة، في صدمة الإصابة بسرطان الثدي، حيث إن والدتها مرت بالتجربة نفسها من قبل، بل قابلتها بمزيد من التحدي والأمل في الشفاء، خاصةً أن الأطباء طمأنوها بأن المرحلة ليست متأخرة.
عن تجربتها تقول: «منذ حوالى عام ونصف العام، اكتشفت جسماً غريباً في صدري، فتوجهت إلى الطبيب وخضعت لأشعة الماموغرام، وبعد استشارة أكثر من طبيب أجمعوا على أن لا بد من إزالة هذا الجسم لأنه ورم سرطاني، لكنهم طمأنوني بأن الحالة ليست خطرة وأن نسبة الشفاء عالية. كنت مدركة أنني سأمر بمراحل صعبة، منها العلاج الكيميائي وأن شعري كله سيتساقط، ومن ثم مرحلة العلاج الإشعاعي الذي يغير لون جلدي، لكنني قررت تخطي المرحلة بكل قوتي، ففي العلاج الكيميائي مثلاً تغلبت على شحوب بشرتي بوضع المزيد من الماكياج وارتداء الباروكة والملابس الزاهية، مما كان ينعكس إيجاباً على نفسيتي».
وتتابع: «أنا أم لولدين، عمرهما 21 و15 عاماً، كلاهما قدم لي الدعم النفسي، فضلاً عن أن أسرتي ساندتني بقوة، خاصة أمي التي مرت بتجربة السرطان، أما أختي فلم تتركني للحظة واحدة».
خبرات ومكتسبات كثيرة خرجت بها غادة من تجربتها، أهمها، وفق قولها، أن الحياة يجب أن تسير على طبيعتها، وتوضح: «لم أوقف حياتي وحياة أولادي، فكنت أخرج بشكل طبيعي حتى في فترة تلقي العلاج. أما القناعة الثانية التي تعلمتها فهي أن لكل إنسان تجربة يجب أن يستفيد منها ويفيد من حوله، فاكتسبت من تجربتي عمق التفكير واختلاف أولوياتي في الحياة، وأصبحت أكثر قوة في مواجهة المصاعب. وفي ما يخص الآخرين، أصبحت أرى أن مساعدة الغير ضرورية، خصوصاً من يمرون بالتجربة الصعبة نفسها، فحولت كتاباً رأيته في انكلترا يشرح ببساطة للأطفال ماهية مرض سرطان الثدي، إلى نسخة مصرية برسوم مصرية وبلغة عامية بسيطة يفهمها الأطفال وتتضمن معلومات مركزة عن كيفية مساندة الأم وتقبّلها وقت المرض».


ثقافة تلفزيونية
تعلمت عصمت إبراهيم ثقافة الفحص الذاتي خلال مشاهدتها برنامجاً تلفزيونياً يتناول خطورة سرطان الثدي ويشرح كيفية الفحص الذاتي المنزلي، فأخذت عصمت تكرر الفحص وحدها، وبعد حوالى ستة أشهر من الفحص الدوري اكتشفت كتلة صغيرة تختفي أحياناً وتظهر أحياناً أخرى، حتى راودها الشك وقررت استشارة الطبيب.
وتحكي: «توجهت إلى جرّاح كبير قضى حوالى عشرين دقيقة يبحث عن هذه الكتلة الصغيرة حتى وجدها، وتعجب كيف استطعت اكتشافها، بالطبع لم أكن متوقعة تشخيص الجراح وشكّه في كونه ورماً سرطانياً، فطلب مني إجراء أشعة «ماموغرام» للثدي المصاب، وانتزع بعدها خزعة للتحليل».
وتتابع: «أجريت التحاليل والأشعة وحدي، وتحليت بالشجاعة ولم أُخطر فرداً من عائلتي، حتى تأكدت من النتيجة، ثم أجريت الجراحة فى حضور إخوتي الذين كانوا مندهشين؛ فهذه أول مرة يصاب فيها فرد فى العائلة بهذا المرض، وكنت بعد العملية في منتهى الهدوء والسكينة وتحليت بالشجاعة، وقد أتممت دورة العلاج الكيميائي والإشعاع والهورمونات، وشكرت الله الذي ألهمني في اكتشاف هذا المرض مبكراً».


قهر اليأس
رغم التاريخ المرضي لعائلة حنان جرجس، 54 عاماً، مفتش مالي في وزارة التضامن الاجتماعي، في الإصابة بسرطان الثدي، حيث إن والدتها أصيبت به وشفيت منه تماماً وعاشت بعدها 18 عاماً، إلا أن حنان استقبلت الخبر بيأس شديد.
وتقول: «أصبت بسرطان الثدي منذ ست سنوات في الثدي الأيمن، حيث وجدت الورم ولم أفصح عنه لمن حولي، خاصةً أبنائي، نظراً الى تاريخي المرضي، فقبلها أجريت جراحة استئصال الرحم، وجراحة استئصال الزائدة ثم أُصبت بجلطة في الدماغ. بالطبع كنت أحمد الله على التعافي في كل مرة، لكنني كنت أُشفق على أولادي من الدخول مرة أخرى في دوامة مرضي، فتكتمت على الخبر، لكن حين جاءت ابنتي لزيارتي، وجدت أن وجهي لونه أحمر فقلقت عليَّ وأصرت عليّ للذهاب الى المستشفى، ومن خلال الكشف الباطني والصدر هناك، لاحظ الطبيب ورماً فاستدعى طبيب أورام على الفور وسرعان ما شخص أنه ورم سرطاني فطلب مني إجراء التحاليل والصور الشعاعية اللازمة بعد علمه بتاريخ المرض الوراثي».
وتتابع: «العلاج الكيميائي في أول شهر أرهقني كثيراً، لكن نفسيتي تحسنت في ما بعد سريعاً، ومنذ سنتين وجدت بطني ينتفخ فأعربت عن قلقي للطبيب. وبعد الكشف عليّ، طلب مني استشارة طبيب أورام فأكد أن السرطان قد انتشر في الكبد والرئة، وقتها لم أستطع مقاومة اليأس وانهارت نفسيتي.
وعلى الرغم من طمأنة الأطباء لنا واستشارة أخي أطباء في انكلترا، فقد أجمعوا في النهاية على أن عامل الشفاء متوقف على ارتفاع معنوياتي، لكنه كان أمراً في غاية الصعوبة، خاصةً أن ابنتي تركت مصر، ولم يدفعني إلى مقاومة اليأس إلا رعبها وقلقها الشديد عليَّ وهي بعيدة عني، فقررت أن أقهر اليأس من جديد، والحمد لله حالتي مستقرة بعد عامين من العلاج الكيميائي».


الدعم النفسي
ثمة فارق كبير بين نتائج جراحات سرطان الثدي داخل مصر وخارجها. هذه أول نتيجة خرج بها الدكتور محمد شعلان أستاذ جراحة الأورام في جامعة القاهرة ، فور عودته من أميركا.
يقول: «أكملت دراستي وعملت في أميركا لفترة، وعند عودتي إلى مصر وجدت أن نسبة الشفاء من سرطان الثدي أقل بكثير من أميركا، رغم أن تقنيات الجراحة واحدة، فتوصلت إلى أن الدعم النفسي والمساندة هناك أقوى منها في مصر، فضلاً عن انتشار ثقافة المرض هناك، وفي المقابل قد تخجل النساء من الإصابة به فيتكتمن على الخبر خوفاً من وصم بناتهن».
تلك الأسباب وضعت الدكتور شعلان في حيرة من أمره لبعض الوقت، حتى قرر عام 2003 إنشاء الجمعية المصرية لمكافحة سرطان الثدي، التي تهدف الى تثقيف النساء ومساندتهن، وبالفعل أقام نشاطات عدة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، مثل ماراثون الجري في الأهرامات وتغطية الهرم باللون الوردي.
ويؤكد أستاذ الأورام أن سر الشفاء من سرطان الثدي يكمن في المساندة والدعم والإرادة في سبيل الانتصار على المرض، وهذا ما كانت تفتقده المصريات، إلا أن الجمعية وفرت لهن جلسات دعم نفسي، فضلاً عن المشاركة الجماعية المحفزة على الانتصار على المرض.
في المقابل، يفيد الدكتور محمد شعلان بأن نسبة إصابة المصريات بسرطان الثدي غير معلومة، لكنه يحتل المرتبة الأولى في الإصابة بالسرطانات الأخرى. ورغم ذلك، يمكن الاعتراف ببداية تثقيف المرأة بالمرض، حيث إن ثلث حالات معهد الأورام المصري يتم اكتشاف المرض فيها مبكراً فلا يضطر الأطباء الى استئصال الثدي كاملاً.