مأساة امرأة فقدت زوجها في الثورة وابنها في حريق

مأساة امرأة,صرخات استغاثة,فقدت زوجها وابنها,الصدمة,الموت يقترب,المفاجأة,الشهيد

القاهرة - نسرين محمد 18 أكتوبر 2015

نصف ساعة تركت فيها صغيريها يستمتعان بمشاهدة أفلام الكرتون داخل غرفتهما، بعدما شغّلت لهما جهاز التكييف للتغلب على الحرارة المرتفعة في ذلك اليوم، وتوجهت لإعداد طعام الغداء من دون أن تدري أن القدر يخبّئ لها مأساة لن تتحملها، لتتجدد الأحزان على فراق أحبابها، والتي عانتها بشدة قبل أربع سنوات.


كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهراً، عندما اشتمت مروة رائحة دخان ظنت معها أن ما تطهوه من طعام قد احترق، فتوجهت مسرعة إلى المطبخ، لكنها وجدت كل شيء على ما يرام.
ازدادت الرائحة انتشاراً من دون أن تستوعب المسكينة ما يحدث، بعدما ظنت أن الدخان يأتي من الخارج، فتوجهت إلى طفليها لتصطحبهما إلى تناول الطعام في غرفة المعيشة.

الصدمة
أصيبت الأم بصدمة بعدما شاهدت الدخان يتصاعد من غرفة صغيريها، وشعرت بأن الشلل قد أصاب قدميها من هول المفاجأة. اندفعت المسكينة كالمجنونة في محاولة لإنقاذ الصغيرين، لكن القدر كان غير رحيم بها، عندما شاهدت الدخان الكثيف يغطي غرفتهما والنيران تمسك بهما وألسنة اللهب تكاد تخنقهما. صرخت الأم تطلب النجدة من الجيران في محاولة منها لإنقاذ الطفلين من الحريق الذي اغتال أحلام والدتهما في أن يكونا سنداً لها في الحياة بلا رحمة.

صرخات استغاثة
تجمع الجيران على صرخات الأم، وقاموا بكسر باب الشقة بعدما علموا بوجود حريق بسبب عواميد الدخان الكثيفة التي تتصاعد منها، وانقسموا الى فريقين؛ الأول حمل الصغيرين إلى المستشفى في محاولات بائسة لإنقاذهما، والثاني حاول إخماد النيران المستعرة التي التهمت كل شيء. محمود وريتاج، طفلان صغيران، الأول يبلغ من العمر ثماني سنوات والثانية تصغره بعامين، شاء لهما القدر أن يحرما من والدهما منذ أكثر من أربع سنوات، عقب استشهاده في ميدان التحرير خلال أحداث الثورة التي اندلعت في مصر.

الشهيد

الأب هو أحد رجال الشرطة، لم يبخل بحياته على وطنه في محاولة منه للتصدي لمحاولات بعض المخربين الذين استغلوا ظروف الثورة، لينال الشهادة أثناء دفاعه عن إحدى المنشآت الواقعة في نطاق ميدان التحرير.
لم يستوعب محمود في ذلك الوقت معنى استشهاد والده، بعدما ظل يتردد في أسماعه اسم الشهيد النقيب محمد البسيوني من دون أن يعي معنى هذا اللقب، فلم يكن حينها قد أتم عامه الرابع بعد ليفهم ما يدور حوله من أحداث، حتى لم يدرك سر الملابس السوداء التي اتشحت بها والدته.

لحظة فخر
شعر محمود بالفخر وأدرك أن والده ما هو إلا بطل سيذكر التاريخ بطولته، بعدما أقيمت حفلة كبيرة في المدرسة وتم تكريمه وسط تصفيق حار من الجميع، تقديراً لروح والده الشهيد، ليدرك وقتها أن والده قد رحل ليترك له الفخر هو وشقيقته بقية حياتهما.
في محاولة يائسة حاولت الأم التغلب على قسوة القدر، وقررت أن تكون للصغيرين أباً قبل أن تكون لهما أمّاً، وظلت تحكي لهما عن بطولات الأب علها تعوضهما عن فراقه، في الوقت الذي وجدت في تلك الحكايات تخليداً لسيرته، لكنها سرعان ما كانت تنهار وهي تتذكر أيامها معه.
بدأت قصة المسكينة مع زوجها منذ أكثر من عشر سنوات، عقب تخرجه في كلية الشرطة حيث أُلحق بالعمل في محافظة دمياط في دلتا مصر، وهناك تعرف إليها عندما كان يعمل في إحدى إدارات المرور وأُعجب بها، وقرر أن يتقدم لخطبتها، وسرعان ما صارت زوجة له، لينتقل بعدها للعمل في القاهرة وتبدأ معاناتها مع القلق عليه.

الموت يقترب
كان محمد أحد عناصر قوات تأمين الحسين، عندما وقع الحادث الإرهابي الشهير الذي استهدف اغتيال السياح عام 2010، قبل استشهاده بعام، وكانت وقتها المسكينة قد وضعت طفلتها الصغيرة منذ أشهر عدة لتعلم بخبر إصابة زوجها في هذا الحادث الإرهابي، الذي كُتب له فيه عمر جديد. على باب المستشفى وقفت الأم تناجي ربها أن يكون لطيفاً بها، لكن القدر كان قاسياً بعدما صعدت روح ملاكها الصغير إلى خالقها في اليوم التالي للحادث متأثراً بجروحه، في الوقت الذي ظلت ريتاج في حالة خطيرة تخضع لجراحات عدة في محاولة لإنقاذها بعدما رحل الجميع ولم يبق غيرها.
فقدت الأم القدرة على إدراك ما يحدث حولها، بعدما دُمرت حياتها برحيل زوجها منذ أربع سنوات، ليلحق به ملاكها البريء في حادث مأسوي لم يكن لها دخل فيه.

المفاجأة
تقرير المعمل الجنائي لمعاينة موقع الحادث كشف عن وجود جانٍ في الحادث، بعدما تبين أن جهاز التكييف هو الذي قتل هذا الصغير وقرر لشقيقته أن تعيش مشوهة.
فقد تبين أن «ماس» كهربائياً أصاب جهاز التكييف وأدى الى اشتعال النيران فيه، ليتطاير الشرر الكهربائي ويحط على مقعد صغير في غرفة الأطفال... كان كفيلاً بأن يدمر كل شيء في لحظة، وتنتهي حياة الأسرة بعدما مات هذا الملاك تاركاً شقيقته تواجه مصيراً مأسوياً، تسبب فيه جهاز التكييف بتحريض من القدر.