الوسواس القهري شكوك مقلقه وأعراض قد يتجاهلها البعض

الوسواس القهريّ,زيادة الحرص,وساوس شيطاني,الخوف من انتقال الأمراض,الجراثيم,شكوك مقلقة

جدة - عزيزة نوفل 31 أكتوبر 2015

أيادٍ تُغسل باستمرار، وأبواب تغلق في تكرار، أفعال قد تدل أحياناً على زيادة الحرص والنظافة، بينما زيادتها تنبئ باضطراب نفسي لا ينبغي السكوت عنه. يتساءل البعض عما إذا كان القلق نابعاً من نسيان أمر ما؟ أم أن إعادة عمل شيء روتيني مرة أخرى عارض مرضي مخيف؟ وهل هو مجرد «وساوس شيطانيّ»؟. فكم منا عاد أدراجه إلى منزله للتأّكد من قارورة الغاز، وكم منا سها في صلاته ليعتقد أنها بطُلت لكونه شك في شيء ما! وحتى الأطفال قد يتجنب بعضهم تقبيل أقرب الناس إليه أو مصافحته لمجرد الخوف من انتقال الأمراض والجراثيم. ويبقى مصطلح «الوسوسة» شيئاً مبهماً وغير معروف الأصل، في حين يجهل الكثيرون الحد الفاصل بين ما هو طبيعي، وبين ما يسمى «اضطراب الوسواس القهري»... هذا ما سنحاول الإحاطة به في هذا التحقيق.


«وسواس النظافة»
السيدة أم محمد، 42 عاماً، سعيدة بإطلاق الناس عليها لقب «موسوسة بالنظافة» ولا ترى في ذلك أي عيب، فهي حريصة على إبقاء منزلها في أعلى مستوى من النظافة، من خلال الإفراط في استخدام مواد التطهير والتعقيم، وقضاء أوقات طويلة يومياً بالتنظيف، من دون أن تغفل عن أي تفصيل صغير، وهي دائماً قلقة ومنزعجة من زيارة الضيف، فتبقى عيونها على كل ما يُستخدم أو يُلمس من جانب أيّ منهم، لتبادر فور مغادرتهم إلى تنظيف كل ما لمسته أيديهم وتعقيمه. رغم تذمر زوجها وأبنائها من طبعها وكثرة انشغالها تنظيفاً وتعقيماً، فهي لا تقوى على الجلوس أو حتى النوم من دون أن تأتيها أفكار التنظيف ومحاولة تذكر ما غفلت عنه، وهذا ما يجعلها دائمة المكوث في المنزل وقليلة الاختلاط بالناس.

عدوى الترتيب انتقلت إلى ابنها
وتعتقد السيدة أم عمر، 28 عاماً، أن عدوى الترتيب تنتقل إلى ابنها الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام، لكنها لا تظن أن لهذه الصفة المكتسبة أثراً سيئاً عليه مستقبلاً، بل على العكس تماماً. فطفلها الذي اعتاد رؤيتها ترتّب الوسادات بطريقة معيّنة، وترتب لُعبه بشكل منظم، يجد متعة في القيام بهذه الأمور ويقضي وقتاً في تقليد والدته، وينزعج عندما يجد لعبَه أو بعض الأثاث غير مرتب، وهذا لكونه اعتاد على نمط الترتيب والنظام وأصبح كالهواية لديه.

الخوف من المرض
وعن «الوسوسة المفرطة» تحكي أم فارس، 44 عاماً، قصة ابنها الأكبر والذي عانى في فترة طفولته ومراهقته خوفاً مفرطاً من المرض، أو من انتقال أي عدوى إليه، مما كان يعرّضه للكثير من السخرية والحرج أثناء الاختلاط بالآخرين، لكونه لم يستطع التحكم بهذا الخوف، فدائماً ما كان كثير القلق حول المبيت خارج البيت، لأنه يشمئز من النوم على وسادات الآخرين أو استخدام أغطية غير تلك الخاصة به، حتى أنه كان يرفض الذهاب إلى الحمام في أي مكان سوى البيت، مما كان يسبب له مشاكل صحية كالإمساك، وكانت تنتابه حالة هستيرية حين يقترب منه شخص مريض ولو كان مرضه غير معدٍ، وهذا ما جعل والدته تشفق عليه وتفضّل البقاء معه في المنزل لتجنّبه كل ما يوتّره ويخيفه، ولتتفادى تعرضه للسخرية، لكن ما إن بلغ ابنها الثامنة عشرة من العمر، واغترب للدراسة، حتى تلاشى هذا الخوف المفرط واستطاع التأقلم بشكل أفضل مع زملائه وأقرانه.

شكوك ووساوس تجلب القلق والذعر
ويرى جواد فاروق، 29 عاماً، أنّ عمله في مجال الحسابات والتحصيل جعل منه شخصاً مصاباً بالقلق والنسيان، فكثيراً ما تنتابه وساوس حول نسيانه لمحفظة نقوده في مكان ما، ويعود ليجد أنها في جيبه، حتى أنه في بعض المرات يجد نفسه يرجع إلى المنزل بعد أن يقطع طريقه الى العمل، لمجرد شكّه بأنه نسي إقفال باب منزله بإحكام، وأحياناً يتأكد من إغلاق أبواب سيارته مرات عدة، خشيةَ أن يكون قد غفل عن إغلاقها، ويتخطى قلقه الحدود أحياناً، فيترك فراشه ليلاً بسبب الشك والقلق اللذين يتملّكانه، ويوحيان له بفكرة نسيان أو ضياع بعض الفواتير أو أوراق العمل المهمة! وعلى الرغم من كون جميع تلك الوساوس في غير محلها، فهي تسبب له قلقاً وذعراً مقيمين، ويعتقد أن طبيعة عمله هي ما جعلت منه شخصاً كثير الوسوسة والشك.

تعيد صلاتها مرات عدّة
حرصها على العبادات أحياناً يدفعها إلى إعادة صلاتها مرات عدة، فالسيدة جميلة غانم، 39 عاماً، دائماً ما تشعر بأنها نسيت شيئاً مهماً من مستوجبات الصلاة، فتارة تقطع صلاتها لشكها بأنها لم تتوضأ، وتارة أخرى تصلّي الفرض أكثر من مرة، وينبهها إلى ذلك زوجها وأولادها، وعلى الرغم من محاولاتها الجاهدة من خلال الكتابة على ورقة لتذكيرها، إلا أنها دائمة الشك حول نسيانها أمراً ما في الصلاة أو الأذكار.

الشكوك ليست دائماً من علامات اضطراب الوسواس القهري
استشاري الطب النفسي في عيادات النخيل في جدة الدكتور علي علي محمد زائري، حدّثنا عما هو مرَضي وما هو طبيعي، معرّفاً الوسواس القهري بكونه «أحد الاضطرابات النفسية السلوكية التي يعاني صاحبها أفكاراً غير مقبولة لا يمكنه التحكم  بها، وتدفعه إلى تكرار سلوك ما بشكل قهري، مثل تكرار التأكد من أمر ما، أو تكرار الوضوء لأتفه الأسباب كإمساك مقبض الباب مثلاً. لكن تلك التصرفات تبقى طبيعية ومعقولة ما دام صاحبها يستطيع التحكم بها، وكثيرون هم الأشخاص الذين تنتابهم هذه الأفكار والوساوس، لكن سرعان ما يتخلّصون منها».

أسباب الوسواس القهري
وعن الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هذا الاضطراب، يستبعد الدكتور زائري أن يكون العنصر الوراثي سبباً رئيساً في ذلك، «فقد يكون الأب والأم مصابين بهذا الاضطراب ولا يصاب به أبناؤهما، إنما قد يكون أحد المسببات، إضافة إلى أسباب عضوية وبيئية، فقد نلاحظ زيادة عدد المصابين به في بعض المجتمعات المحافظة والمتشددة دينياً مثلاً. ولا يعد سلوك الأم وتعلّقها بالترتيب أو النظافة سبباً لانتقال هذا الاضطراب إلى أولادها، كون الطفل قد يكتسب السلوك ويقلده فقط من دون أن تكون له أفكار أو قلق تجاه عدم اكتساب ذلك السلوك».

التشخيص
ويلاحظ الدكتور علي الزائري وجود إصابات بهذا الاضطراب عند الأطفال، حيث سجلت أصغر حالة مصابة بعمر السنة، «علماً أن هذا الاضطراب موجود عند الحيوان كما هو موجود عند الإنسان، ويعد انزعاج الطفل من مصافحة الناس أو ترتيبه الزائد وكثرة غسله ليديه من أهم أعراض وجود هذا الاضطراب لديه، حيث إن التشخيص يكون غالباً بصورة عيادية من خلال طرح بعض الأسئلة والأجوبة على المريض نفسه، وأحياناً على والدة الطفل، من دون إجراء تحاليل مخبرية».
ويضيف الدكتور الحكير أن اكتشاف المرض والوعي به من أهم أسباب التشخيص والعلاج المبكر، إذ غالباً ما يتأخر الكثيرون في اكتشافه، حيث ينظر البعض الى أعراض هذا المرض على أنها مَس أو عين، وأحياناً ضعف في الشخصية، أو مجرد أفكار مشوشة، مما يدفع الكثيرين الى عدم التحدث عن معاناتهم خوفاً من أن يطلق عليهم الناس «لقب مختل» عقلي أو أن يصفهم البعض بالجنون، ولذلك كثيراً ما يضطر المصاب إلى عدم البوح، مما يؤدي إلى تأخير مرحلة العلاج.

أنواع الوسواس القهري
ويتفق كل من الدكتور زائري والحكير، على كون أشكال اضطراب الوسواس القهري تتمثل في أنواع عدة أهمها:
1 - وسواس التلوث أو النظافة، الذي غالباً ما يحتل المرتبة الأولى من حيث الانتشار.
2 - وسواس ترتيب الأشياء وتنظيمها بحثاً عن الكمال.
3 - وسواس التكديس والاحتفاظ بالأشياء القديمة وعدم القدرة على التخلص منها.
4 - وساوس جنسية وتكون على هيئة أفكار جنسية غير مرغوب فيها لدى المصاب.
5 - وسواس تكرار الأعمال الروتينية بشكل مبالغ.
6 - وسواس العنف والعدوانية.
7 - الوسواس الديني المنتشر بشكل واسع في المجتمعات المحافظة، والذي يتعلق أحياناً بتكرار الصلوات والوضوء، أو الشك ببطلان الصلاة، مما يدفع كثيرين إلى الشعور بالذنب والاكتئاب ومن ثم ترك الصلاة على سبيل المثال.
8 - وساوس متعلقة بالطعام.
9 - وساوس مختلطة بحيث يخطر للشخص كل فترة نوع مختلف من الأفكار والوساوس.

العلاج

زائري: «العلاج الدوائي سريع النتائج ولا آثار جانبية له»
ويَقسم كل من الدكتور زائري والحكير العلاج إلى ثلاثة أنواع مهمة هي: العلاج المعرفي والذي يتم فيه تغيير تصوّر المريض وإقناعه بأن أفكاره غير حقيقية وإنما هي مجرد تصورات، العلاج السلوكي والذي يكون على هيئة تمرين من خلال تعريض المريض لمواجهة خوفه بطريقة تدريجية وعدم تجنب مخاوفه، إضافة إلى حث المريض على تجنب تكرار العمل غير المرغوب فيه قدر الإمكان، وذلك من خلال تشتيت الذهن والتفكير بأمور أخرى. ثالثاً وأخيراً، العلاج الدوائي، والذي يرى الدكتور زائري أنه ليس ضرورياً في كل الحالات، إلا أنه من الخيارات المتاحة للتخفيف من حدّة الأعراض التي يعانيها الشخص، وتصل نسبة نجاحه إلى 90 في المئة حتى من دون اللجوء الى العلاج المعرفي والسلوكي، وهو خالٍ من الآثار الجانبية تماماً فلا يسبب الإدمان أو الانتكاس بعد التوقف عن العلاج، كما يتسم بسرعة النتائج، فهو مثالي للطلبة أو الموظفات، خصوصاً إذا كان هذا الاضطراب يعيق عملهم أو دراستهم.