'فتاوى الحج' الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق: يجوز للنساء الحجّ نيابة عن الرجال

د. علي جمعة, مصر, فتاوى, الحج, مكة المكرمة

06 أكتوبر 2013

أيام قليلة ويتجه ضيوف الرحمن إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج التي تعد الركن الخامس من أركان الإسلام التي لا يجوز التهاون فيها من ناحية، وفي الوقت نفسه لا بد من التوعية بأحكام الفريضة، وما قد تتعرض له التي تحج من مشكلات، وحرصاً من «لها» أن يكون الحج مقبولاً والذنوب مغفورةً، توجهنا بالكثير من التساؤلات الخاصة برحلة الحج إلى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، لنتعرف على حكم الشرع فيها.


- في البداية نود التعرف على الاستعدادات أو المتطلبات الشرعية التي يفضل للمرأة تجهيز نفسها بها قبل المغادرة إلى الحج، فما هي؟
يجب عليها عمل كل ما من شأنه تهيئة نفسها لهذه الرحلة العظيمة، من التوبة النصوح من جميع الذنوب، والإخلاص بأن تكون حجتها خالصةً لوجه الله بدون رياء وسمعة، وأن تتفقه وتتعلم مناسك الحج بشكل صحيح عند العلماء والداعيات، وأن تكتب وصيتها ودَيْنها وتُشهد على ذلك، وأيضاً إن كان للناس عندها مظالم من نفس أو مال أو عرض ردته إليهم أو تحللت منهم، وأن تحسن توديع أهلها وجيرانها وتسألهم الدعاء والوصية، وتصحب في سفرها الرفقة الصالحة، ويستحب لها إذا ركبت السيارة أو الطائرة أو غيرها أن تسمي الله تعالى، ثم تكبر ثلاثاً وتقول «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» الزخرف 14:13، وأن تقول دعاء السفر لثبوت ذلك عن النبي، وكذلك التكبير كلما صعدت وارتفعت، والتسبيح كلما نزلت وهبطت، ويدخل في ذلك مصاعد العمارات السكنية والفنادق، وأن تكثر في سفرها من ذكر الله والدعاء وتلاوة القرآن وتدبر معانيه.


الاستعداد والمحظورات

- إذا كانت هذه الاستعدادات المتعلقة بالتهيئة النفسية فماذا عن مناسك الحج؟
تبدأ عند الميقات، فيستحب لها أن تتعاهد أظفارها، وإبطيها، وعانتها، ويسن لها الاغتسال إن استطاعت، وتتأكد السنية في حق الحائض والنفساء، لما جاء في حديث جابر قال: «حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمداً بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله كيف أصنَعُ؟ قال: اغتسلي واستنفري بثوبٍ وأحرمي»، ولها أن تلبس ما تشاء من الثياب المحتشمة في الألوان، أو أن يكون زينة في نفسه، ويسن لها أن تصلّي الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلّت ركعتين تنوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغت من الصلاة واستوت على راحلتها، لبت بالنسك الذي تريد، وعليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام.

- ما هي هذه المحظورات؟
لا يجوز لها الخطبة وعقد النكاح والجماع ومقدماتهما، والمباشرة بشهوة، وقتل الصيد البري أو المعاونة في ذلك، أو إخافته، والتطيب، أو أن تأخذ شيئاً من شعرها أو ظفرها، ويحرم عليها كذلك أن تلبس مخيطاً لوجهها، كالبرقع أو النقاب، أو ليديها كالقفازين، وتغطي كفيها بثيابها إذا كانت في حضرة رجال أجانب عنها.

- ماذا تفعل إذا دخلت المحرمة مكة المكرمة؟
إذا دخلت مكة يُسن لها أن تغتسل، لأن النبي فعل ذلك، فإذا دخلت المسجد الحرام قدمت رجلها اليمنى وقالت: «بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم»، وإذا وصلت إلى الكعبة قطعت التلبية ثم تبدأ في الطواف إن كانت متمتعةً أو معتمرةً، جاعلةً البيت على يسارها ويجب عليها في الطواف التستُّر الكاملُ وغضُّ البصر وخفضُ الصوت وألا تزاحِمَ الرجال خاصةً عند الحجر والرُّكن اليماني، ولتعلم أن طوافها في أقصى المطاف مع عدم المزاحمة أفضل لها من الطواف في أدناه قريباً من الكعبة، لأن استلام الحجر الأسود وتقبيله سنة ولا ينبغي لها أن ترتكب محرماً لأجل تحصيل سنة، وإنما يشرع لها أن تشير إليه إذا حاذته وتقول: «بسم الله، والله أكبر»، ويشترط لصحة الطواف على الراجح عند العلماء أن تكون طاهرةً من الحَدَثين، وفي الطواف يستحب لها الإكثار من ذكر الله والدعاء وقراءة القرآن، وكلما مرت بالحجر الأسود كبرت، فإذا أتمّت سبعة أشواط، تقدمت إلى مقام إبراهيم وصلّت ركعتين خلف المقام إن تيسر لها ذلك، وإلا ففي أي موضع في المسجد.

- ماذا تفعل المرأة إذا أصابها الحيض أو النفاس وهي محرمة؟
لا يؤثر ذلك على إحرامها، فتبقى محرمة وتتجنب محظورات الإحرام، ولا تطوف بالبيت حتى تطهُر من الحيض أو النِّفاس وتغتسل منهما. لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: «افعَلي ما يَفعَلُ الحاجُّ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري»، أما إذا طافت وبعد أن انتهت من الطواف أصابها الحيض فإنها في هذه الحالة تسعى، لأن السعي لا تُشترطُ له الطهارة، فإذا أتمَّت سعيها يُشرع لها أن تقصر شعرها قدر «أنملة»، وهي رأس الأصبع من المفصل الأعلى.


الانتهاء من الطواف

- بعد الانتهاء من الطواف والسعي ماذا عليها؟
ابتداء من يوم الثامن من ذي الحجة يشرع لها التوجه إلى «منى» بعد الإحرام من محل الإقامة إذا كانت متمتعةً، وتفعل في إحرامها ما فعلته عند إحرامها للعمرة، وتصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً للرباعية من غير جمع، أما أعمال يوم عرفة فتبدأ بعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة، حيث تتوجه إلى عرفة بعد شروق الشمس، ويسن لها النزول بـ«نَمِرَة» إلى الزوال إن تيسر لها، وإلا فلا حرج عليها، لأن النزول بـ«نَمِرَة» سنة وليس واجباً، وتصلي الظهر والعصر قصراً وجمعاً، جمع تقديم كما فعل النبي، ليبقى لها متسع من الوقت للوقوف والدعاء ثم تقف بعرفة، وزمن الوقوف يكون من بعد الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، وتكثر من الدعاء، فإذا انتهت الحاجة من أعمال الحج برمي الجمار وأرادت الخروج من مكة، وجب عليها أن تطوف طواف الوداع، ليكون آخر عهدها بالبيت، فمن سافرت قبل الوداع وجب عليها دم، إلا الحائض والنفساء فقد خفف عنهما.

- ما هو السر في هذه المكانة العظيمة ليوم عرفة؟
النصوص الشرعية في فضائل يوم عرفة كثيرة منها قول رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته»، وقوله كذلك إن الله يقول يوم عرفة لملائكته: «انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي أشهدكم أني قد غفرت لهم».

- هل تجوز زيادة مساحة الرقعة المخصصة لوقوف الحجيج على عرفة بما يُعرَف بامتداد عرفة لاستيعاب العدد المتزايد من الحجاج؟
من المقرر شرعًا أن حدود مشاعر الحج ومناسكه وحدود الحل والحرم من الأمور الثابتة بإجماع المسلمين سلفًا وخلفًا، إلا مواضع يسيرة نصوا على الخلاف فيها، وهذا معدود من الثوابت التي تشكل هُويَّة الإسلام، والتي لا يجوز الاختلاف فيها ولا يجوز توسيع رقعة عرفة خارج حدودها التي أجمع عليها المسلمون، خاصةً أن المطلوب من الحاج في هذا الركن هو مجرد الوجود في أي بقعة من عرفة، أرضها أو سمائها، قائمًا أو قاعدًا، راكبًا أو راقدًا، مستيقظًا أو نائمًا، وليس المطلوب الإقامة أو المكث، لأن الركن يحصل بمجرد المرور بها، ويمكن التغلب على التدافع والتكدس في الزحام الشديد بالتنظيم الشامل لنفرة الحجيج، ولو بإلزام الحجاج بمذهب من لا يشترط وقتًا معينًا للوقوف.


تذمر غير مشروع

- في ظل الزحام الشديد في عرفة أو في الطواف قد يتذمر الحجاج العصبيون من النساء والرجال فماذا تقول لأمثال هؤلاء؟
أنصح من يؤدي الحج ألا يكون ممن يتذمر من المشقة، بل عليه أن يستشعر أنها عبادة فرضت علينا مرة واحدة في العمر، وأجرها باقٍ وتعبها زائل.

- ماذا تقول في الأزواج الذين يتعنتون في منع زوجاتهم من الحج سواء معهم أو مع الصحبة الآمنة؟
إذا كان الإسلام قد أمر الزوجة باستئذان زوجها، فقد أمر الزوج كذلك بألا يمنعها من حجة الإسلام وعمرته إلا لعذر شرعي، فعلى الراجح من أقوال العلماء أن الحج يجب على الفور، فإن تعنت ومنعها لغير عذر شرعي، فلا طاعة له في ذلك.

- معنى هذا أن الأمر يختلف إذا كانت المرأة ترغب في حج النافلة أو تكرار الحج؟
الأمر مختلف، لأنه إذا أرادت المرأة التنفل بالحج والعمرة فلا يحل لها إلا بعد إذن ورضا زوجها، وإن عصته في ذلك، ولو لم يكن له عذر شرعي، فقد عصت الله ورسوله.


الحج عن الرجل

- هل يجوز للمرأة التي سبق لها الحج أن تحجّ عن رجل أم إنه يشترط أن تحجّ عن امرأة مثلها؟
يجوز للمرأة أن تحجّ عن امرأة أخرى باتفاق العلماء، وكذلك يجوز أن تحجَّ المرأة عن الرَّجل عند جمهور العلماء، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر المرأة الخثعميَّة أن تحجَّ عن أبيها.

- بعض الفقهاء تشددوا في قضية وجوب المحرم مع المرأة الراغبة في الحج فماذا تقولون لهم؟
الأصل ألا تسافر المرأة من غير محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجل فقال: «يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحج مع امرأتك». ولكنَّ الفقهاء أباحوا خروجها للحج مع الصحبة الآمنة كنوع من التيسير متى توفر الأمن والأمان للمرأة.


الاستدانة

- يقال إن الاستدانة لأداء الحج لا تجعله مقبولاً فهل هذا صحيح شرعاً؟
من المقرر شرعًا أنه إذا قام الحاج أو المعتمر بأداء مناسك الحج كاملة بشروطها وأركانها، فإنها تكون صحيحة والأفضل ألا يكون مستديناً.

- في ظل الزحام والإرهاق الشديد الذي يتعرض له ضيوف الرحمن لا يقوم بعض الحجاج بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فهل حجهم مقبول؟
زيارة قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، سنة يثاب فاعلها ثواباً عظيمًا، ولا يأثم تاركها ولا يؤثر على صحة حجه، لأن الزيارة على جلالة قدرها ليست من أركان العمرة ولا الحج، لكنَّ الإعراض عنها جفاء كما ورد في الحديث الشريف.


شروط الحج والاستطاعة

- ما هي شروط أداء «حجة الإسلام» أو الحجة الأولى؟ وهل تعد الاستطاعة أحد تلك الشروط؟
لابد من تحديد المصطلحات، لأن الاستطاعة شرط من شروط وجوب الحج على الشخص، أما شروط وقوع حجة الإسلام فهي أربعة فقط: «الإسلام والتمييز والبلوغ والحرية»، وليس من بينها الاستطاعة، وبالتالي فإن غير المستطيع لا يجب عليه الحج، ولكن إن تكلف ما لم يكلفه إياه الشرع، فاستدان وحج أو اعتمر، صح حجه وصحت عمرته.

- الزوجة في كثير من الأسر لها ذمتها المالية المستقلة فهل يجوز لها شرعًا أن تقوم بتحمل نفقات تكاليف حج والدها حتى لو كان على خلاف مع الزوج؟
لا مانع شرعًا من أن يحج والد الزوجة على نفقتها الخاصة، بل إن هذا من البر والإحسان وصلة الرحم، وأنه بمجرد تبرع المال للحج من المتبرع، أيًّا كان، يصبح المال ملكًا للمتبرع إليه وبه تتحقق الاستطاعة المطلوبة في الحج، تحقيقًا لقوله تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» آية 97 سورة آل عمران. ولا يحق للزوج الاعتراض حتى ولو كان على خلاف مع والد الزوجة، لأن المال ليس ماله.


الحج عن الغير

- ما هي الحالات التي يجوز فيها الحج عن الغير؟ وما هي الأدلة الشرعية لذلك؟
الحج عن الغير نوع من التيسير الإسلامي، فعن سليمان بن يَسار أن عبد الله بن عباس أخبره أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْ أَبِيكِ». الحج عن الغير يكون إما عن الميت وإما عن «المعضوب»، الذي لا يمكنه الوصول لأماكن شعائر الحج لعدم قدرته على الثبات على وسيلة الانتقال والمواصلات، فهذا يُحَجُّ عنه وجوبًا عند الجماهير من العلماء إذا كان عنده مال فائض عن ديونه وعن مؤونة من يعولهم يكفي أن يعطيه لمن يحج عنه مدة سفره، أو عن طريق متطوع بالحج عنه بلا أجرة، ولا يُشتَرَط حينئذ وجود المال عند «المعضوب».

- يتهاون البعض في أداء فريضة الحج فماذا تقول لأمثال هؤلاء؟ وما حكم الشرع في تقاعسهم عن الحج؟
الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الدين الإسلامي، ومن شروط وجوب الحج الاستطاعة كما جاء في القرآن الكريم وفي سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ما بَيَّنَ بأن الاستطاعة ليست قاصرة على القدرة المالية فحسب، لكنها تشمل القدرة المالية والجسدية وأمن الطريق وغيره، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجد زادًا وراحلة وأمكنه الحج فلم يفعل فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا».

- إذا كان الحج عن الغير نوعاً من التيسير كما تقولون فما هي الشروط الواجب توافرها في القائم بالحج نيابة عن غيره؟
يشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد حج أولاً عن نفسه ثم يحج عن غيره، ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ؟. قَالَ أَخٌ لي أَوْ قَرِيبٌ لي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ».

- هل الحج واجب على الفور أو التراخي؟
رغم أن الحج واجب على التراخي عند بعض العلماء، إلا أنه يفضل الإسراع به، لأن الإنسان لا يضمن عمره أو صحته.


الوعد بالحج والميراث

- زوج وعد زوجته بأداء فريضة الحج معاً لكنه توفي قبل موعد الحج فهل من حق زوجته خصم مصاريف حجها من تركته قبل تقسيمها تنفيذاً لوعده؟
ليس من حقها، ويجب عليها أن ترد قيمة تكاليف الحج إذا كانت قد أخذتها من التركة بدون إذن من الورثة الشرعيين، لأن الميت قد وعدها فقط بالحج والوعد غير ملزم قضاءً، بمعنى أنه لا ينهض دليلاً لخصم في نزاع، لأنه ربما لو كان عاش لتراجع عنه لسبب أو لآخر، والحقوق المالية لا بد فيها من أدلة معتبرة مكتوبة أو مُشهَد عليها.

- إذا كان هذا غير جائز لزوجة المتوفى فهل لها خصم مصاريف حج زوجها من التركة قبل التوزيع لتنيب من يحج عنه؟
إن لم يكن قد حج عن نفسه حجة الإسلام فيجوز خروج تكاليف حجه من ماله قبل توزيع التركة وباتفاق الورثة.

- ماذا تقول لمن يؤخر الحج بحجة أن تكاليفه عالية ومن الأولى تربية وتعليم وتزويج الأولاد والبنات حتى يأتيه الموت ولم يحج؟
أقول له ما قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «حجوا قبل أن لا تحجوا». إذا ما توافر عند الإنسان المسلم الزاد وأمن الطريق والقدرة البدنية، فإنه يجب عليه المسارعة لأداء فريضة الحج، لأنه لا يدري ماذا يكون غدًا، ولا يعمل على حرمان نفسه من أداء هذه الفريضة، فإن الأرزاق بيد الله القائل: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ» آية 22 سورة الذاريات. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا».


تكاليف

- سؤال يتكرر باستمرار هل يجب على الرجل تحمُّل تكاليف حج زوجته؟
الحج واجب على المسلم، رجلًا كان أو امرأة، إذا كان مستطيعًا في بدنه وماله على أداء مناسك الحج ونفقاته، وقد أقر الإسلام أن للزوج ذمة مالية مستقلة عن زوجته، وللزوجة كذلك ذمة مالية مستقلة عن زوجها، فإذا كان أحدهما مستطيعًا للحج دون الآخر وجب الحج على المستطيع منهما دون غيره، سواء أكان المستطيع الزوج أم الزوجة. وليس الزوج مكلفًا شرعًا بدفع نفقات الحج لزوجته، ولا الزوجة مكلفة شرعًا بدفع نفقات الحج لزوجها. أما إذا أراد أحدهما التبرع للآخر بنفقات الحج فلا مانع من ذلك شرعًا وله الأجر والثواب على ذلك، لأنه نوع من الإحسان.

- هل تكرار الحج أفضل أم التبرع في الأعمال الخيرية الأخرى؟
لا مانع شرعًا من تكرار الحج، سواء عن النفس أو الغير، لكن الأفضل إعطاء الفرصة للغير وتوجيه الإنفاق إلى أوجه الخير الأخرى.


تعليم المناسك

- تقوم بعض شركات السياحة بتعليم مناسك الحج والعمرة عن طريق عمل مجسم للكعبة والطواف حولها فهل هذا جائز شرعاً؟
لا مانع شرعاً، ومعلوم أنه لا عمل قبل العلم، لهذا رفع الله تعالى شأن العلماء فقال: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» آية 9 سورة الزمر. وقد طلب الله من العلماء تعليم عباده فقال: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ» 187 سورة آل عمران. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه بأساليب متنوعة، فقد صور لهم ما يشبه اللوحات التوضيحية كما في حديث ابن مسعود قال: «خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ- أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الْأعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا».

- تعمل بعض الشركات في مجالات الوساطة لمساعدة الراغبين في الحج عن ذويهم، أو المرضى ببعض الدول العربية، بالوساطة بين من يرغب في الحج عن ذويه وبين من يقوم بأداء الحج من المقيمين بالسعودية لتقليل التكلفة فهل هذا جائز؟
ما تقوم به بعض الهيئات والشركات من تسهيل استئجار بعض المقيمين بالسعودية وتوكيلهم في الحج عن العاجزين عن أداء الفريضة، أو عن ذويهم ممن تتحقق فيهم شروط جواز الإنابة في الحج، قصدًا إلى تقليل التكاليف، هو أمر جائز شرعًا طالما أنه روعيت فيه الشروط الشرعية المرعية.

- هل يجوز للمحرم أو المحرمة أن يغطي نفسه بشيء يتدفأ به؟
المُحرم بعمرة أو بحج ممنوع من لبس المخيط المحيط، وهو المفصل على قدر العضو من أعضاء الجسم، كالقميص والسراويل والتُّبّان والخُف ونحو ذلك، أما ما يُلَفّ على عضو من الأعضاء من غير أن يكون مفصلًا عليه فلا يضرّ، فلو أخذ قميصًا أو ملاءة أو لحافًا فلفّها على جسمه لدفع البرد أو لستر العورة أو غير ذلك فلا يضره ذلك، والمُحرِمة بحج أو بعمرة إحرامها في وجهها وكفيها، ويجب عليها ألا تغطي ذلك منها، ولها بعد ذلك لبس ما تشاء وتغطية رأسها بما تشاء.

- ماذا عن الإحرام مع وجود جروح في باطن القدم يدمى عند المشي ولا يجف بسبب الإصابة بالسكر والسيولة في الدم أو غيرهما من الأمراض؟
خروج الدم من غير السبيلين القبل والدبر لا ينقض الوضوء، وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي وفقهاء أهل المدينة السبعة وغيرهم، واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله: «أن رجلين من أصحاب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع، فقام أحدهما يصلي، فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجري، وعلم به النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فلم ينكره». وقال الحسن البصري: «مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ» على المصاب بذلك أن يتوضأ ويعصب جرحه، ولا حرج عليه في إحرامه ولا في طوافه، ولا يتوضأ بسبب ذلك إلا إذا أحدث.


الحذاء الطبي

- بعض المعاقين يأمرهم الأطباء بانتعال حذاء طبي فهل يجوز له لبسه أثناء المناسك داخل المسجد الحرام من طواف وسعي؟ وهل رباط الحذاء يعتبر مخيطًا أم لا؟
يجوز لبس الحذاء الطبي، وربطه برباطه المعد إليه لأن هذه ضرورة، و»الضرورات تبيح المحظورات»؛ لقوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» آية 78 سورة الحج. ولقوله عز وجل: «مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» آية 6 سورة المائدة، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وعلى من يلبس الحذاء الطبي أن يخرج فدية من صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، وله إخراج القيمة لكل مسكين ما يساوي خمسة جنيهات تقريبًا بالعملة المصرية أو بذبح شاة، وذلك قياسًا على من غطى رأسه لمرض بها، أو أي أذى يلحقه؛ لقوله سبحانه وتعالى: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» آية 196 سورة البقرة.

- هناك حقيبة اسمها «المتاع» يتم لفها على وسط المحرم ويضع فيها النعال وما يستخدمه أثناء إحرامه. هل يجوز استخدامه داخل الحرم الشريف وغيره أثناء الإحرام رغم أنه يُستخدم في صناعته خيوط؟
وضع الشرع ضوابط للإحرام الذي عليه الحاج أثناء حجه أو عمرته، وضمن هذه الضوابط ألا يكون مخيطًا، والمخيط هو الذي يعد للبس في الأمور العادية من تفصيل على البدن مستعملًا فيه ترابط الخيط أو ما يقوم مقامه، وهذا «المتاع «غير معد لمثل ذلك، لكن حقيبة حمل المتاع ليست في إطار المخيط المنهي عنه، ويكون استعمالها جائزًا في الحرم وغيره.


أخطار

- نظرا للتزاحم الشديد ما حكم ترك المبيت بمنى للضعفاء والمرضى والنساء من الحجاج؟ وما حكم توكيل هؤلاء لغيرهم في الرمي عنهم؟
يجوز، لأن المحافظة على النفس من المقاصد المهمة للشريعة، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا كان هناك تعارض بين المصالح وفق بينها وإلا قدم أعلاها على حساب أدناها، والمحافظة على أرواح الحجيج واجب شرعي، ونحن في حاجة إلى التيسير على الناس في فتاوى الحج وأحكامه، مراعاةً لأحوالهم في أدائهم للمناسك، بحيث نجنب الحجيج ما قد يصيبهم من أمراض وأوبئة.

- هل تجوز الإنابة في رمي الجمار للضعفاء والمرضى والنساء؟
نعم هي جائزة، ودليل ذلك أنه تجوز الاستنابة في الحج، فالاستنابة في الرمي جائزة من باب أولى، لأن الحج رمي وزيادة، وهي رخصة لأهل الأعذار من المرضى ونحوهم ممن توجد فيهم العلة.

- بعض الأسر تأخذ أبناءها معها في الحج فهل يصح حجهم؟
«عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لقي ركبًا بالروحاء فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر»، وعلى ذلك يصح حجُّ الصبي ما دام يستكمل أركان حجه وواجباته، ويحسب له حسناته كحج نافلة، لكن لا يغني عن حج الفريضة، لأن شرط العبادة المفروضة التكليف، والصبي غير مكلف.