«زوجة الأب» جانية أم مجنيّ عليها؟!

زوجة الأب,جانية أم مجني عليها,أكثر النساء قسوة,تضرب الأطفال,تعنفهم,الكثير من القصص,ملابسات حياتها,التفكير السليم

جدة - عزيزة نوفل 06 ديسمبر 2015

صُورت على أنها أكثر النساء قسوة وظلماً، تضرب الأطفال وتعنّفهم بأبشع الكلمات، لا بل تُسخّرهم لخدمتها. إنها «زوجة الأب»... فهل تستحق هذه الصورة بالفعل؟ نسمع يومياً الكثير من القصص التي تحكي عن تعنيف «زوجة الأب» لأطفال زوجها الأبرياء. وبلا وعي، نحذّر من تلك السيدة باعتبارها جانية، من دون أن ندرك ملابسات حياتها ولا حتى الضغوط التي تخضع لها. فهل زوجة الأب دائماً جانية؟  تحقيق قد يعيد إلينا التفكير السليم بقضية «زوجة الأب» من خلال قصص واقعية تعاكس الصورة السائدة في المجتمع وتنصف هذا الإنسان...


زوجي يتهمني بالتفرقة
تزوجت في سن صغيرة ولم تكن تدرك معنى كونها زوجة الأب. أغراها لقب زوجة «الدكتور» فتناست أن له طفلة من زواجه الأول. ورغم وضوح الصورة أمامها، لم تُرها الغشاوة على عينيها مصاعب الحياة الجديدة. السيدة اعتدال عبدالرحمن، 33 عاماً، تعترف بأن عدم وعيها، جعلها تنجرف نحو حياة مليئة بالمصاعب وهي لا تزال في عمر صغير. فبعد زواجها بعامين، انتقلت ابنة زوجها التي لم تتجاوز السنوات الأربع بعد للسكن معهما في البيت نفسه. وقتها وجدت اعتدال نفسها أمام مسؤولية كبيره وهي لم تتجاوز العشرين من عمرها. فاختلاف أسلوب التربية والعادات في البيت السابق، كان يشكل تحدياً كبيراً لها من حيث تربية هذه الطفلة ورعايتها، إلى جانب مولودها الجديد، في ظل انشغال زوجها الدائم، والذي كان في بعض الأحيان يلقي اللوم عليها ويتهمها بالتفرقة. وحتى بعد أن كبرت تلك الطفلة وبلغت مرحلة المراهقة، استمر النظر إلى أي تصرف معها وكأنه بدافع التفريق بينها وبين أطفالها، مما جعل من تلك المراهقة وقحة وعنيدة وكثيرة التذمر، بل راحت تفتعل أحياناً المشاكل في وجود والدها لتبين له أنها مظلومة، وتُعامل بطريقة مختلفة عن أبنائه الآخرين، لتبقى تلك المسألة أساس مشاكل اعتدال الدائمة مع زوجها.

ابن زوجها يصفها بالخادمة
وعن المعاناة نفسها، تروي علا ياسر، 36 عاماً، مشكلتها مع ابن زوجها المراهق، الذي يسبب لها عراكاً دائماً مع زوجها. فبعد زواجها، وبناءً على اتفاق مسبق، انضم أولاد زوجها للسكن معهما في البيت نفسه. في البداية لم يكن الأمر مزعجاً كثيراً، لكن ما إن بلغ الابن الأكبر الـ 14 عاماً، حتى أصبح أكثر عدائية وعناداً من السابق. ولظروف سفر زوجها المتكرر، كانت تجد نفسها على الدوام حائرة في التعامل مع هذا المراهق، الذي بات يتعمّد إيذاءها بشتى الأساليب، بل ويردد على مسامعها عبارة أن والده تزوجها لتكون خادمة لهم، مما أغضبها كثيراً، خصوصاً أن زوجها تجاهل الأمر ولم يعره أي اهتمام، بل أمرها بالتناسي لكون ابنه لا يزال مراهقاً، مما حمّس الابن على التمادي في وقاحته معها.

هربت من «مرة أبوها» لتعيش عند عمّها
أما نسرين محمد، 24 عاماً، فدفعها تسلط زوجة والدها إلى الهرب والسكن عند عمها، بعدما أصبحت حياتها لا تطاق مع «زوجة والدها»، والتي كانت تعاملها كالخادمة، مبرره تصرفها بأنها تريد مصلحتها لتصبح ربة منزل صالحة. ورغم عدم وجود أطفال، أو بالأحرى إخوة لها من زوجة أبيها، كان اختلاف المعاملة بين أمها و«زوجة أبيها» السبب في نشوء الكثير من الخلافات والمشاجرات، والتي كان الأب في أغلبها يقف في صف «زوجته الجديدة»، مؤكداً أن نسرين كسولة ولا تتحمل المسؤولية، ومن حق زوجته أن تفرض الشروط والعقوبات وتحدد المهام كما تشاء، كونها ستعيش معهم في البيت نفسه. وبعد مشكلات معقدة وكبيرة استمرت 4 سنوات، لجأت نسرين الى عمّها الذي وافق على أن تسكن في بيته لتكون تلك نهاية قصة نسرين مع «زوجة والدها».

نام أطفاله على سريرها ليلة زفافها
«فاتها قطار الزواج» كما يقال، هكذا فسرت السيدة عواطف حمد، 37 عاماً، سبب قبولها بالزواج من رجل لديه أطفال، حيث وجدت فيه فرصتها الأخيرة للإنجاب وتحقيق حلمها بأن تصبح أماً. فقبل سنة، وبعد أن تقدم لها رجل مطلّق ولديه ثلاثة أطفال، وافقت عواطف بعد تردد وطول تفكير، لأنها كانت تجد في نفسها أماً ومربية ناجحة، وأنها تقوى على احتواء هؤلاء الأطفال وتربيتهم لممارستها مهنة التعليم لأكثر من عشر سنوات، ولم تتوقع أن تكون المفاجأة في زوجها نفسه، الذي كان ولا يزال يحاول الانتقام من زوجته الأولى من طريق الأولاد، حيث فوجئت في ليلة زفافها وبعد تأنّقها، باصطحابه أولاده إلى البيت، وأمرهم بأن يناموا على سريرها، بينما نام هو في غرفة المعيشة. ومنذ تلك الليلة، اتضح لعواطف هدف هذا الزواج، وهو خدمة الأولاد وتربيتهم، مما جعلها تندم على قرارها بالزواج به.

ينادونها «أمي»
وفي قصة أخرى، عانت أم معاذ، 48 عاماً، النظرة السلبية إليها كـ«زوجة أب»، والتي ألزمتها بتربية خمسة أطفال ليسوا بأبنائها. فبعدما قبلت الزواج برجل أرمل، وله خمسة أبناء، لاحقتها نظرات المحيطين على الدوام، مراقبةً طريقة تصرفها مع أبناء زوجها، وكانت تسمع دائماً العبارات القاسية التي تتهمها بظلم هؤلاء الأيتام، وبأنها لا تستحق تربيتهم، إلى أن وضعت حداً لكل تلك الأقاويل، فصارحت زوجها برغبتها في أن تكون مثل أمهم، تقوّم سلوكهم وتربيهم وتفرض عليهم المسؤوليات بكل حزم. وهذا ما تفهّمه زوجها وأعطاها الضوء الأخضر لتكون أماً لهم وتمارس سلطتها بكل حرية. ومع مضي السنين، كبر هؤلاء الأطفال فأصبحوا أبناء  صالحين وأبراراً أوفياء، حيث إنهم ينادونها بـ «أمي» ويرجون رضاها، معترفين بجميلها في تربيتهم.

« سندريلا» و«الأميرة والأقزام السبعة» قصص تدعم فكرة مكر زوجة الأب
استشاري علم النفس والسلوكيات الدكتور ماجد علي قنش، أفادنا بـ «أن صورة «زوجة الأب» رُسمت منذ قديم الزمان، وتُظهرها الحكايات والقصص على الدوام بأنها تلك السيدة الشريرة والقاسية. ومن أبرز القصص التي كانت تُروى لنا، «سندريلا» و«الأميرة والأقزام السبعة»، إضافة إلى عدد كبير من المسلسلات والأفلام التي تتجسد فيها شخصية تلك السيدة الشريرة، لما تسببه من مآس للأطفال الأبرياء والضعفاء». ويقول قنش إن البحوث والدراسات أثبتت أن معظم زوجات الآباء يُصورن بصورة سلبية، وعادة ما ينظر إليهن على أنهن  عديمات الرحمة وقليلات العطف وغير منصفات. وأشارت دراسة أعدّتها جامعة «برينستون» ونُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الأطفال الذين نشأوا وتربوا عند زوجات آباء، كانوا عرضة لانعدام الرعاية الصحية وضعف التعليم وسوء التغذية، مقارنة بالأطفال الذين ربّتهم أمهاتهم البيولوجيات، وهذا ما يدعم القصص والصورة المتداولة. ويضيف قنش: «بعيداً من التحقق من صحة تلك النظرة، لا بد أولاً من تحليل الظروف والعوامل ودراسة المشاعر والسلوك لكل من الأب والأبناء وزوجة الأب، وخصوصاً الأطفال لأن وضع والدتهم يؤثر في تقبلهم لزوجة أبيهم الجديدة. فأطفال الأم المتوفاة، على سبيل المثال، يصعب عليهم تقبل بديلة لأمهم،  بسبب حزنهم العميق ومشاعر الغضب التي تتملُكهم، خاصة تجاه والدهم إذ يعتقدون أنه نسي أمهم. وهذه المشاعر تتفاوت وفق سن الأطفال وجنسهم. أما في حال طلاق الوالدين، فتنتاب هؤلاء الأطفال والأبناء مشاعر الأمل في عودة والدهم إلى والدتهم، هذا فضلاً عن ولائهم الكبير لوالدتهم».

سوزان المشهدي: «خوف زوجة الأب من أن تصبح خادمة يدفعها للقسوة»
وعن سبب انتشار السمعة السيئة لـ«زوجة الأب»، توضح الاختصاصية الاجتماعية والكاتبة سوزان مشهدي، أن هذا متعلق بمحاور متشابكة، خيوطها الأب والأبناء والزوجتان الأولى والثانية، إضافة إلى محور آخر مهم وهو الطريقة التي تم بها الزواج الثاني، مما يستوجب طرح الكثير من التساؤلات حول كون الأب قد أفصح لأطفاله عن رغبته بالزواج من سيدة أخرى، أو تحقق من مشاعرهم ومخاوفهم واحترامه لتلك المشاعر، والأهم معرفة الأبناء أسباب انفصال الوالدين. فعلى الرجل الراغب بجلب «زوجة ثانية» لتربي أبناءه، مراعاة الكثير من الأمور، والتي قد يكون أهمها الود والتواصل بينه وبين زوجته الأولى، وتلافي الشجار العلني بين الطرفين، كما أن على الزوجة الأولى أن تكون متعقلة في سبيل مصلحة أبنائها، فلا تظهر كرهها لوالدهم، ولا تشجعهم على كره زوجة أبيهم فتُصور لهم أنها ستأخذ مكانها، مع تأكيد عدم نسيان أن لزوجة الأب الجديدة مخاوف، قد تدفعها للدفاع عن نفسها بكل الطرق، فتنجرف وراء ما تسمعه عن ضرورة الشدّة والحزم حتى لا تصبح بمثابة خادمة، أو لقمة سائغة لأبناء الزوج الذين قد يسيئون إليها. ومن هذا المنطلق، نرى أن الحجر الأساس لنجاح الزواج الثاني وتربية الأبناء بشكل سليم، هو تفهّم الأب وعمله على إرضاء جميع الأطراف.

«تقدير الذات» يساعد الأبناء على تفادي المشكلات التربوية والسلوكية
وفي السياق، يؤكد المشرف والمستشار التربوي والكاتب الصحافي نزار رمضان أن لزواج الأب الثاني وقعاً قاسياً على الأطفال بلا شك. ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون الأب على قدر من الوعي في تصرفه مع الزوجة الجديدة والأبناء قبل إقدامه على هذه الخطوة المصيرية، فيستمع الى تساؤلاتهم ويجيب عنها ويبدّد شكوكهم بحكمة. كما أن توضيح سبب الزواج من الناحية الشرعية والإنسانية أمر ضروري لجعل الأبناء يتقبلون الزوجة الجديدة بشكل أفضل، ولا بد من السعي إلى تعزيز البيئة الإيجابية والجو المناسب في البيت من خلال إشاعة الثقة المتبادلة والاحترام غير المشروط وفرض أسلوب الحوار الراقي لتلافي المشاكل. والأهم من ذلك كله، العمل على تطوير مبدأ تقدير الذات عند الأبناء، فبذلك تزول المشكلات التربوية والسلوكية التي قد تقع في مثل هذه الحالة.

خطوات ضرورية لكسب الأبناء واحتوائهم
وفي الختام، يلخص الدكتور قنش أهم الأساليب والطرق التي يجب العمل عليها، سواء من الأب أو من «زوجة الأب» لضمان بقاء الود والمحبة بين كل الأطراف:
1 تفاهم الزوج مع الزوجة السابقة حول آلية وطريقة الحياة المستقبلية وضرورة العدل والمساواة والرضا بين الطرفين.
2 اختيار الزوجة الثانية لا بد من أن يكون مبنياً على أساس من الوعي والنضج، ومراعاة عمر الزوجة الثانية والاتفاق معها حول التفاصيل من البداية لئلا تتعرض للصدمات في ما بعد.
3 تفهم مشاعر الأطفال، وإن كانوا يتصرفون بشكل سيئ، والتحاور معهم بهدوء، بعيداً من اللجوء الى العقاب.
5 التعارف بين الأبناء و «زوجة الأب» قبل الزواج ضروري للتقارب.
6 عدم إجبار الأب أبناءه على قبول العلاقة الجديدة وفرض مبدأ أن تكون زوجته الثانية بديلاً لأمهم.
7 توزيع الأدوار، وتحلّي «زوجة الأب» بالصبر، ومحاولتها كسب ثقتهم، لتغيير سلوكيات الأطفال السيئة.
8 عدم تدخل زوجة الأب في أسلوب تربية الأب لأبنائه، لأن ذلك سيكون مرفوضاً من الزوج والأبناء.
9 الأمل بتحقيق علاقة إيجابية ونهاية سعيدة، كعلاقة «أبراهام لينكولن» بزوجة أبيه.