«الجنس الثالث» كتاب جريء بنبرة حميمة

الجنس الثالث,كتاب,جمانة حداد,الاكتئاب,العلاجات

مايا الحاج 10 ديسمبر 2015

«الجنس الثالث» (نوفل- هاشيت، أنطوان) كتاب جديد للشاعرة والكاتبة جمانة حداد. عنوان يُعيدنا إلى كتاب سيمون دو بوفوار الشهير «الجنس الثاني»، لكنّ أجواءه تبتعد عمّا قدمته فيلسوفة فرنسا في القرن العشرين، إذ لم تقصد حدّاد في عملها جنساً معيناً، بل أوجدت جنساً ثالثاً لا يبحث عن هوية له، بل يمتلك سمات محددة، وهو يحتوي في تكوينه على كلّ الأجناس الأخرى. وهذا ما تقوله حدّاد في كتابها الصادر باللغتين الإنكليزية والعربية: «الجنس الثالث إذاً ليس جنساً ثالثاً، بل هو الأول والثاني والأجناس الأخرى كلّها في آن واحد».

الجنس الثالث ليس موجهاً إذاً الى نساء سبق أن خاطبتهن حدّاد في كتابها الثائر «هكذا قتلت شهرزاد». ولا هو يحاكي الرجال الذين واجهتهم بندّية في كتاب «سوبر مان عربي»، إنما هو دعوة الى كلّ الأجناس والألوان والميول والأهواء للانضواء تحت لواء جنس ثالث ينتمي اليه كلّ إنسان.

تحكي جمانة حدّاد عن إنسان إنسانوي يرى في الآخر مرآة له، مهما كانت الاختلافات. ومع أنّ الكتاب يعرض أفكاراً وشروحات توعوية، غير أنّ «الجنس الثالث» لا ينصبّ في خانة «الأدب الإرشادي» أو «التوجيهي»، لأنّ كاتبته لم تعتمد أسلوب الوعظ والنصيحة. إنما انطلقت من تجاربها الخاصة لتتوصل أخيراً إلى ضرورة كسر الأساليب التربوية والحياتية «التقليدية»، والتي لم تعطِ أي نتائج مجدية. وهي تقول في هذا الإطار: «ليس أمامنا سوى أن نتّعظ مما نعانيه في حياتنا من أعمال رهيبة هي حصيلة هذه التربية الممجوجة والمتخلفة».

يحمل الكتاب نبرة ثائرة لكنها حميمة. تسرد من خلالها صاحبة «عودة ليليت» سبع رحلات شخصية، معرّجة على كل ما رافقها من عثرات ودروس وآفاق وتأملات، لترسّخ معاني تجدها أساسية في بناء هوية الإنسان «الإنسانوي»، منها: التمرّد، الإصرار، المحاربة، الشجاعة، الإباء.

لا تخشى جمانة الغوص في عالمها الداخلي، بل إنها تروي في القصة الأولى حكايتها مع «الاكتئاب» المتوارث في عائلتها، فتقول في نصّ ينقل أجواء الكتاب: «هناك قاتلٌ خفيّ في جيناتي. أشعر به كمثل سفّاح قابع في الخفاء، يقتنص الفرصة المناسبة ليطلق عليَّ الرصاصة الأخيرة. لكنّني أعرف أنني أقوى منه وأذكى، وأكثر سرعة وحنكة. جميعنا كذلك، أو بالأحرى، جميعنا نستطيع أن نصير كذلك. ولكن ليس هناك وصفة واحدة للتغلّب على الاكتئاب، وعلى كلّ انسان أن يجد طريق خلاصه بنفسه. شخصياً، لستُ أدري إذا كنتُ سأغلب مرضي هذا في شكل نهائي يوماً، لكنّني أكيدة من أنّني سأظلّ أقاومه، تمامًا مثلما أقاوم أعدائي الخارجيّين، كاللامساواة والرقابة والعنصريّة والقمع... وسواها من أشكال الظلم. سأظل أكافحه بالعلاجات الملائمة، إنّما أيضاً وخصوصاً، بالحبّ والكتابة والقراءة والمخطّطات والإنجازات والموسيقى والتعلّم والتثقّف والسفر والفنّ والخيال. قد لا أتمكن من جعله يختفي تماماً من حياتي، لكنّني سأسدّد إليه اللكمة وراء اللكمة، إلى أن يسقط أرضاً ويستسلم، ويتحوّل صديقاً قديماً ثقيل الظل، أتحمّل وجوده لأنه مصدر وحي وغنىّ وقوّة، ولأنه يستفزّني مثلما وحده يستطيع أن يفعل».

لا تتخلى جمانة حداد في «الجنس الثالث» عن جرأتها المعهودة. فتثور وتدعو القرّاء إلى ثورة. ثورة فكرية أولاً، وقودها الشكّ والفضول. فالأمان عند حدّاد هو «منطقة بلا لون ولا رائحة ولا طعم، تُغرينا لتبتلعنا بينما الحقيقة تنادينا».