قاتل ابنه يعترف: حلمت به مهندساً فوجدته مدمناً!

قاتل ابنه يعترف,حلمت به مهندساً,وجدته مدمناً,سكان العقار,شاباً في العشرينات,بلا حراك,وجود أمر مريب

القاهرة - نسرين محمد 20 ديسمبر 2015

 

كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، عندما تعالت صيحات أحد سكان العقار طالباً النجدة، ليهرع إليه الحارس، وبعد لحظات ينزل حاملاً شاباً في العشرينات من عمره يضعه داخل سيارة بلا حراك، ينطلق بها الساكن بصورة جنونية، في مشهد أكد لكل من رآه وجود أمر مريب.


لم تمض سوى ساعات قليلة حتى كانت سيارات الشرطة تنتشر في المكان، نزل منها عدد كبير من رجال المباحث مدججين بالأسلحة، صعدوا إلى الشقة وقاموا بتفتيشها، ثم تحفظوا على مجموعة من الملابس وانصرفوا بعد ختم الشقة بالشمع الأحمر.

أسئلة كثيرة ارتسمت على ملامح الجميع من دون أن يجدوا إجابة لها، بعد اختفاء كل من كان يسكن في الشقة، حتى عاد حارس العقار بعد ثلاثة أيام من هذه الواقعة ليروي تفاصيل كثيرة مثيرة، أصابت من سمعها بالذهول. هنا حي الزيتون شمالي القاهرة، حيث يسكن أبناء الطبقات الكلاسيكية التي تجمع بين عادات الماضي وتقاليده، وروح العصر وتحضُّره، ومن بينهم «سباعي»، ذلك الشاب الذي سافر مع عائلته منذ سنوات طويلة إلى إيطاليا وانقطعت علاقتهم بالقاهرة، حتى قرر العودة والاستقرار في مصر، وهو أب في العقد السادس من عمره.

قرار العودة
عاد سباعي بمفرده بعد أن توفيت زوجته قبل اتخاذ قرار العودة بثلاث سنوات، وربما كانت وفاتها السبب الرئيسي في هذا القرار، بعدما شعر بالوحشة من دونها، ولم يجد أمامه سوى الرحيل عن المكان الذي ترسم جدرانه تفاصيل حياته وذكرياته معها.

في ميلانو ودّع الرجل الأشخاص والأماكن، وترك ابنه الوحيد برفقة عمّته، حيث كان يدرس الهندسة هناك ولم يكن من السهل أن يترك دراسته. ومن ناحية أخرى، كان من الصعب عليه اتخاذ قرار العودة مثل والده، خاصة أنه لا يعرف عن القاهرة سوى لقطات مشوشة من ذاكرة الإجازات التي كان يقضيها فيها برفقة أمه التي رحلت بلا عودة.

مشروع جديد
حمل سباعي متعلقاته وطار إلى القاهرة ليستقر في منزل مملوك لأسرته، وحتى يشغل نفسه عن التفكير في ماضٍ أصبح ذكرى، قرر افتتاح «سوبر ماركت» كبير يخدم المنطقة التي يسكن فيها، بعدما جعلها الهدوء خالية من أي محال تجارية، فاكتسب شهرة واسعة، خاصة في ظل نوعية مستوردة من البضائع والأطعمة الإيطالية التي لا تتواجد إلا لديه.

اكتسب الرجل شهرة واسعة ومن قبلها حبّ أبناء المنطقة، بسبب معاملته الطيبة للجميع وأسلوبه المرح، فصار مقرّباً من عدد كبير منهم، يعرفهم ويعرفونه بالاسم، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، وسرعان ما تتحول إلى أعاصير تقلب الحياة رأساً على عقب.

الصدمة
مر عام ونصف عام على عودة سباعي إلى القاهرة من دون أن تنقطع علاقته بأسرته في ميلانو، حيث كانوا يتواصلون عبر الهاتف يومياً، خاصة شقيقته، من أجل الاطمئنان إلى ابنه الوحيد، إلا أن ذلك اليوم لم يكن الاتصال يحمل أخباراً سارة، حيث أبلغته شقيقته أمراً كان بمثابة صدمة قاتلة له.
عرف سباعي من شقيقته أن ابنه أصبح مدمناً الهيروين، بعدما صادق مجموعة من المدمنين في ميلانو، وتدهورت حالته وبات لا يذهب إلى الجامعة وأموره تنذر بأنه يُشرف على كارثة.

لم يتوان الرجل عن السفر في أول رحلة متجهة إلى ميلانو، غير عابئ بشيء من حوله، لا يفكر إلا في ابنه وكيف ينتشله من طريق الضياع الذي انجرف إليه.

علاج
بلا تفكير جمع سباعي متعلّقات ابنه وعاد الى القاهرة، لكن هذه المرة بصحبة وحيده وقد اتخذ قراراً بعلاجه من الإدمان الذي ابتلى به، علّه يعود إلى رشده ويتعافى مرة أخرى ويستكمل دراسته.

في أحد مراكز علاج الإدمان الشهيرة، مكث عبدالرحمن أربعة أشهر، ظن الأب بعدها أن ابنه قد تماثل للشفاء ويستطيع الخروج ليعود إلى ممارسة حياته الطبيعية بلا خوف، خاصة أن ليس هناك ما يخشاه من أصدقاء السوء، فالشاب ليست له صداقات أو علاقات في القاهرة.

الصيد الثمين
سارت الأمور كما تمناها الأب لأشهر عدة، لكن سرعان ما عاد ابنه الى طريق الإدمان، بعدما بدا صيداً ثميناً في نظر بعض شبان المنطقة، بفضل ثراء والده والأموال التي يحصل عليها منه. من جديد انتكس طالب الهندسة بعدما عاد الى الإدمان، فلم يجد الأب أمامه سوى حجب المصروف عن ابنه، بل قرر إذلاله ربما يكون في ذلك وسيلة لإصلاحه. اصطحب الأب ابنه إلى «السوبر ماركت» الذي يمتلكه ليساعده في خدمة الزبائن، حتى ينهكه في العمل ويجعله يفيق لما آلت اليه حاله بفضل المخدر حتى كان ما كان. فوجئ الأب بالمدير المسؤول عن «السوبر ماركت» يبلغه باستيلاء ابنه على أموال الزبائن والتوجه لشراء المخدرات، بل قام في صبيحة ذلك اليوم بسرقة هاتف محمول من أحد الزبائن.

النهاية
بلا تفكير اصطحب الأب ابنه إلى المنزل، وقام بتوثيقه والاعتداء عليه بالضرب المبرح، ولأن الابن كان تحت تأثير المخدر فلم يشعر بالضرب ولم يُظهر أي اهتمام بما يفعله الأب به، لذا بالغ الأب في اعتدائه، لتنزف الدماء من كل أجزاء جسد الابن النحيل فيصمت بلا حراك. شعر سباعي بوقع الكارثة عليه، فسارع الى فك قيود ابنه واستعان بحارس العقار لنقله الى أي مستشفى، في محاولة منه لإسعافه، لكنه فارق الحياة متأثراً بإصابته.

كارثة وجد الأب نفسه محاطاً بها، فادعى أنه عاد من عمله ووجد ابنه على هذه الحال، هرباً من المساءلة، إلا أن أسئلة رجال المباحث كانت كفيلة بأن تخرج الحقيقة كاملة منه، ويروي تفاصيل ما حدث ليصدر قرار وكيل النائب العام بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق بتهمة قتل ابنه عبدالرحمن، 22 سنة، طالب الهندسة الذي أضاعته المخدرات وأضاعت والده، الذي اعترف بأنه كان يحلم بأن يرى ابنه مهندساً ناجحاً، لكنه فاق على صدمة كونه مدمناً.