لغز الطفل الغريق في النيل

لغز الطفل,الغريق في النيل,تثير المشاعر الحزينة,عبارات الشفقة,سيحترق قلباهما,فور رؤية هذا المشهد,ضحية مشاكل أبويه

القاهرة - نسرين محمد 03 يناير 2016

جثة لطفل صغير تطفو على سطح مياه نهر النيل، كانت كفيلة بأن تثير المشاعر الحزينة في نفوس كل من شاهد هذا الجسد النحيل والمياه تحمله، لتنطلق عبارات الشفقة على أم أو أب سيحترق قلباهما على صغيرهما فور رؤية هذا المشهد، من دون أن يفكر أي منهم بأن هذا الطفل هو ضحية مشاكل أبويه.


في الصباح الباكر وقف حسان على ظهر فلوكة صغيرة، هي كل ما يملك في الدنيا، يرمي شباكه في القاع، يمسك بعصا طويلة يصنع بها مجموعة من الأمواج لتحرك الأسماك الراقدة في القاع في اتجاه شباكه. لم يصدق حسان ما يراه، وحاول جاهداً أن يفرك عينيه على أمل أن يكون قد خدعه بصره وما يراه مجرد سراب لا أساس له على أرض الواقع، لكن للأسف بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، ليجد نفسه أمام جثة طفل صغير. أطلق الرجل صيحات الاستغاثة لاستدعاء رجال الشرطة، في محاولة للكشف عن غموض هذه الجثة التي تطفو أمامه في مشهد يجعل الأبدان تقشعر. لحظات وحضر رجال الشرطة لانتشال الجثة، التي كانت لطفل في الثامنة من عمره يرتدي كامل ملابسه، ولا وجود لأي جروح في جسده، ليلحق بهم مفتش الصحة لمعاينة الجثة بناءً على قرار النيابة لتحديد سبب الوفاة.

سبب الوفاة
قرر مفتش الصحة في تقريره أن الوفاة جاءت بسبب «اسفكسيا الغرق»، ليجد رجال المباحث أنفسهم أمام احتمالين لكشف غموض هذه الجريمة: الأول أن يكون الطفل قد انزلقت قدمه أثناء اللهو على حافة النهر، فسقط ليلقى حتفه غرقاً بسبب عدم إجادته السباحة، والثاني أن يكون مجهول قد ألقى به في النهر لسبب عليهم كشفه، حتى يتمكنوا من الوصول إلى الفاعل. قبل التفكير في الاحتمالات، كان على رجال الشرطة التوصل أولاً إلى هوية صاحب الجثة، حتى يتمكنوا بعد ذلك من معرفة ما إذا كانت هناك شبهة جنائية من عدمه. بلاغات الغياب كانت السبيل الوحيد لرجال المباحث في هذا الوقت للوصول إلى هوية صاحب الجثة، وبعد مجهود شاق أمكن التوصل إلى طفل يدعى أحمد، له من العمر ثماني سنوات، أبلغ أهله عن اختفائه وهو يرتدي ملابس تتطابق مع الملابس الخاصة بالجثة التي عثر عليها. وكإجراء طبيعي تم عرض الجثة على والدي الطفل ليتعرفا عليها، فيصاب الاثنان بحالة انهيار جعلت كل من حضر هذا المشهد يجهش بالبكاء، بعدما تأكدا من أنه صغيرهما الذي اختفى منذ أيام عدة.

تصور الجريمة
سيناريوات عديدة رسمها رجال المباحث في محاولة منهم لفك لغز الواقعة، بدأت بتصور أن مجهولاً قد خطف الطفل لمساومة والده على مبلغ مالي مقابل إعادته، لكن ظروف الأب المادية تمنع تصور ذلك، علاوة على أنه لم يتلق أي اتصال عقب اختفاء الطفل. مع معرفة هوية الجثة، بات واضحاً للجميع وجود شبهة جنائية، فمنزل الطفل يبعد عن النهر كيلومترات عدة، يصعب معها وصوله بمفرده، الأمر الذي يؤكد وجود جانٍ هو من اصطحبه إلى هذا المكان وألقى به في المياه ليموت لكونه لا يجيد السباحة. بدأ رجال المباحث في رسم سيناريو الانتقام، فربما تكون الجريمة وقعت بهدف النيل من أحد الأبوين، وهنا كان عليهم جمع المعلومات حول هذه الأسرة، فالأم ربة منزل لا تبارح مسكنها إلا في المناسبات، والأب نجار بسيط لا تربطه أي عداوة بأحد، وقبل أن يستبعدوا هذا الدافع، ظهرت معلومات جديدة كانت بمثابة الحل للغز هذه الجريمة. مشاجرة عنيفة نشبت بين الأب والأم بسبب مصروف المنزل ومتطلبات ثلاثة من الأبناء، وجهت خلالها المرأة العديد من الانتقادات الى هذا الرجل، الذي لم يعد قادراً على الوفاء بالتزاماته بإطعام صغاره، فكانت بمثابة سكين يوجه اليه الطعنات من دون أن يملك هو القدرة على صدها.

نار الانتقام
ترك الأب المنزل وهو في حالة نفسية سيئة، لا يفكر في شيء إلا في الانتقام من هذه المرأة التي أهانته وأخذت تعايره أمام صغاره، ليتخذ قراره بحرق قلبها على أحدهم وقد سيطر الشيطان على عقله. لم يكن من السهل على رجال الشرطة التوصل إلى أن الأب هو من ارتكب هذه الجريمة البشعة، وحرم صغيره الحق في الحياة لأنه عجز عن توفير طعامه، إلا أن أقواله المتضاربة عن الأحداث التي سبقت اختفاء الصغير كانت دافعاً للشك فيه. بلا تردد وجّه رجال المباحث اتهاماً الى الأب بقتل صغيره، بعدما أوهموه بأنه ظهر في كاميرا مراقبة خاصة بأحد البنوك وهو يسير برفقته، في الوقت الذي كان قد نفى رؤيته لصغيره تماماً. محـمد فتحي عبدالجواد، 36 سنة، نجار، متهم بقتل ابنه أحمد البالغ من العمر ثماني سنوات، بأن ألقاه عنوة في نهر النيل وهو يعلم أنه لا يجيد السباحة، ليلقى حتفه غرقاً... كان هذا هو الاتهام الذي قدم به الأب الى النيابة العامة، لتأتي اعترافاته بمثابة قنبلة انفجرت في وجه وكيل النائب العام، غير مصدق ما يسمع.

اعترافات
قال المتهم إن خلافاته مع زوجته جعلته في حالة نفسية سيئة، فمعايرتها له بعدم الإنفاق على المنزل واقتراضها من أهلها لتؤمن نفقات صغاره، جعلاه يفكر في الخلاص منهم ليتفلت من مسؤوليتهم، وتتوقف هي عن كيل الاتهامات له ووصفه بأنه ليس رجلاً، فالرجل على حد وصفها هو من «يكفي بيته». وأضاف أنه ترك المنزل في هذا اليوم وهو لا يفكر إلا في حرق قلب زوجته والنيل منها. وأثناء جلوسه في المقهى المقابل للمنزل، شاهد طفله وقد نزل الى الشارع لشراء بعض الحاجات لوالدته. نادى المتهم طفله، الذي أتى إليه وبحوزته خمسون جنيهاً كان حصل عليها من والدته لشراء طلباتها، فاستولى عليها المتهم واستقل بصحبة صغيره المواصلات العامة، حتى وصل إلى نهر النيل. ظل الشيطان يسير مع صغيره حتى وصل إلى منطقة غير مأهولة بالسكان، ثم حمله ليلقي به في المياه، وحين أدرك الطفل ما يحدث له، انطلقت صرخاته طالبة النجدة تستعطف والده ليتركه على قيد الحياة، محاولاً الإفلات من بين يديه. ألقى الرجل بصغيره الذي سقط أمام عينيه يصارع الموت، لكن بلا جدوى، بعد أن تحجر قلب والده ولم تعرف الشفقة طريقها إليه، ليختفي في المياه في وقت ابتعد المجرم قبل أن يشاهده أحد ويمسك به. عاد الرجل الى المنزل وكأن شيئاً لم يكن، ليجد زوجته في حالة انهيار على صغيرها الذي خرج منذ ثلاث ساعات ولم يعد، ليتظاهر بالقلق ويبدأ في مشاركتها البحث عنه من دون أن تتخيل للحظة واحدة أن طفلها قد فارق الحياة على يد والده.