قصص مليئة بالتحدّي: معارك المغتربات مع خوف الأهل ونظرة المجتمع

الأهل, قلق الأهل, المجتمع, المجتمع الذكوري, المرأة المصرية

20 أكتوبر 2013

تحدّي تقاليد المجتمع الذكوري ليس بجديد على رحلة المرأة المصرية في النجاح، فالرائدة النسائية الدكتورة دريّة شفيق، خرجت من الريف (مدينة طنطا محافظة الغربية) إلى جامعة السوربون لتكمل تعليمها، وحصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة بعنوان «المرأة في الإسلام» عام 1940. ورغم أن المجتمع المصري ما زال يرفض اغتراب المرأة عن أهلها سواء للدراسة أو العمل، فإن كثيرات اتبعنّ نهج دريّة شفيق لتحقيق آمالهنّ العلمية والعملية، مؤمنات بضرورة المساواة بين المرأة والرجل في حق التعليم والعمل. «لها» تقتحم عالم المغتربات لتستمع إلى قصص مليئة بالتحدّيات والصعاب والنجاحات أيضاً.


سأنجح لأساند أمي معنوياً

آية الجندي، طالبة في كلية الصيدلة بإحدى الجامعات الخاصة في القاهرة، ورغم أنها من الريف المصري، حيث تقطن إحدى قرى مركز المحلة بمدينة الغربية، داعبها حلم تحقيق الذات، وأصرّت أمها على تحقيق ذلك الحلم رغم اعتراض أعراف المجتمع ورفض أبيها.
تحكي آية قصتها: «مجموعي في الثانوية العامة كان 94 في المئة، ولم يحقق حلمي في الالتحاق بكلية الطب أو الصيدلة، فكان أملي الوحيد هو الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة، ونظراً لأنني من الأرياف فالتقاليد هناك تحظّر مغادرة الفتاة بيت أهلها إلا عند الانتقال إلى بيت زوجها، وتعليم أبي العالي وعمله كمدرس لم يخلصاه من جذوره الريفية، فرفض رفضاً تاماً انتقالي إلى أي جامعة ولو دفعت الثمن من طموحي. أما أعمامي وأخوالي فلم يقبلوا ولم يكن موقفهم أخف وطأة من موقف أبي، وكانت أمي الوحيدة التي آمنت باجتهادي وبحقي في التعلم والتفوّق ورسم مستقبلي كما أريد وليس كما يرى الآخرون».

تضيف: «حاولت أمي إقناع أبي مراراً حتى كاد وقت التقدّم إلى الجامعة ينتهي، حينها قررت أن تقدّم طلبي بنفسها دون أن يعلم أحد، وبالفعل أنهينا معاً الإجراءات، واستعملت ذكاء المرأة مع الرجل واستطاعت إقناع أبي بأن ألتحق بالجامعة، شرط ألا أسكن في القاهرة. ثم انتظرت حتى بدأ العام الدراسي وأخبرت أبي أن السفر يومياً أمر شاق وغاية في الصعوبة، خصوصاً أنني أمضي في المواصلات ما لا يقل عن ثلاث ساعات، وأقنعته بأنني لن أنجح في الجامعة إن لم أركز في المذاكرة بسبب إهدار الوقت، فوافق أبي الذي لامه أعمامي وأخوالي، خاصةً أنني البنت الكبرى في العائلة، وبذلك أكون فتحت باب التمرّد أمام بقية الفتيات، وقالوا لأمي أنها ستندم ندم العمر على فعلتها، لكنها تحدتهم بحسن تربيتها لي، وأكدت لهم أنني سأرفع رأس العائلة عالياً بتفوقي».

«للحياة في المدينة بعيداً عن الأهل ضريبة قد تدفعها الفتاة، وقد تمنع عن تسديدها بسبب يقظة ضميرها»، بهذه الكلمات أعربت آية عن الصعوبات التي واجهتها في بداية إقامتها بعيداً عن أهلها، وقالت: «هنا مغريات الحياة كثيرة، وانفتاح لم أعتد عليه في قريتنا، ولا يوجد رقيب على أفعالي إلا ضميري. وكثيرات من البنات ينبهرن بأضواء المدينة مع بعدهنّ عن كبت أهاليهنّ، لكني لا أرى إلا هدف التفوق ومساندة أمي معنوياً بنجاحي بعد تصديها للعائلة وأعراف المجتمع».


خبرات عملية

تختلف الأعراف الاجتماعية في المدن الساحلية عن القرى الريفية، فـ لميس سلامة، مراسلة إحدى القنوات الفضائية المصرية، لم تجد عائقاً اجتماعياً في استكمال دراستها في القاهرة.
جاءت لميس من الإسماعيلية للدراسة في كلية الآداب - قسم الفرنسي جامعة القاهرة، ولم تلجأ إلى سكن الطالبات المغتربات، بل أقامت بسكن العائلة في القاهرة مع إحدى صديقاتها. وتقول: «العقبة الوحيدة التي قابلتني هي اغترابي عن أهلي، خاصةً أنني لم أكن أخرج إلا بصحبة أمي، ولم يكن لديَّ أي خبرات حياتية، لأنني كنت مشغولة في الدراسة. وأتذكر أن أول عام لي في الجامعة كان من أصعب أيام حياتي، فقد اصطدمت بالواقع، لكنني سريعاً ما تعلمت التعامل مع الآخرين».

وتتابع: «بعدي عن أهلي كان صعباً، إلا أن أمي ساندتني كثيراً في عملي، فنظراً إلى كونها مخرجة في تلفزيون محافظة الإسماعيلية، ساعدتني في تنمية موهبتي ودربتني على الإعلام، وعملت مراسلة لقناة فضائية واستقرّيت في القاهرة حتى تزوجت».
تؤكد لميس أن انفصالها عن أسرتها صقل شخصيتها وجعلها تعتمد على نفسها بالدرجة الأولى، ومنحها من الخبرات العملية ما يكفي كي لا تحتاج إلى مساندة الآخرين.


مستقبل أفضل

قررت هدير إبراهيم ألا تستسلم لضغوط أهلها بقبول كلية الطب البيطري في جامعة المنصورة حيث تقيم، وأصرت على تحقيق مستقبل أفضل ودراسة طب العلاج الطبيعي بإحدى الجامعات الخاصة في القاهرة. ولم يرفض والدا هدير الدراسة خارج المدينة بسبب التقاليد الاجتماعية فقط، بل كان رفضهما الأكبر نابعاً من كونها الابنة الوحيدة ومن الصعب أن تفارقهما. تقول: «نظراً إلى الخلفية الثقافية في أسرتنا، أبي مهندس وأمي مدرّسة، لم يعترضا على استقلالي عنهما من أجل الدراسة والإقامة في القاهرة، لكن أبي رفض خوفاً عليَّ من الوحدة، ومن الصورة السلبية التي ينقلها الإعلام عن الإنفلات الأخلاقي للفتيات المغتربات والانفلات الأخلاقي في الجامعات الخاصة، من علاقات محرمة بين الفتيات والشباب والإدمان، كل ذلك جعل أبي يخاف عليَّ».

وتضيف: «مع إصراري على دخول كلية الطب الطبيعي وافق والداي على تحقيق مستقبلي كما أرى، واصطحبتني أمي إلى القاهرة لنتقدم إلى الجامعة وسكن الطالبات. ورغم أنني لم أنفصل عاطفياً عن أهلي، فكلاهما يتابعني دائماً عبر الهاتف المحمول، اصطدمت بالواقع ووجدت بعض الصور السلبية التي كانت في مخيلة أبي، لكن هدف النجاح كان أقوى من الانصياع لها».
ورغم أن والديّ هدير يرفضان أن تكمل حياتها في القاهرة، قررت أن تعمل هناك وتستكمل مستقبلها بمزيد من النجاح الذي لن يتوافر لها في الريف.


«فصيلتي»

على مدار عامين حاولت سمر علي (مهندسة، 28 عاماً) الخروج من عباءة الريف لتعمل في القاهرة وتحقق مشروعها «فصيلتي»، وهو تطبيق موبايل يساعد في إنقاذ أرواح المرضى المحتاجين إلى فصائل الدم. إلا أن اعتراض أهلها الناتج عن التقاليد الاجتماعية حال بينها وبين حلمها في البداية، لكنها لم تيأس وحاولت مراراً وتكراراً.
تقول: «عام 2010 تقدمت لنيل وظيفة مهندسة مبيعات في شركة عن طريق أحد الإعلانات، بعدها هاتفني مدير الشركة وطلب مني إجراء مقابلة، لكن أهلي رفضوا رفضاً قاطعاً. لم أستسلم وبحثت عن عمل آخر، وكثفت نشاطي في المجالات التنموية الخاصة بريادة الأعمال، وتعرفت على مهندسين وأصحاب شركات، بعضهم عرض عليَّ فرص عمل، لكني كنت أرفضها لأنها غير مناسبة».

تضيف: «عام 2012 اضطر أهلي للموافقة على عملي في القاهرة، لأني كنت في حاجة إلى العمل. لكني تركت العمل بعد فترة وعدت إلى أهلي في مدينة المحلة ، وفي عام 2013 طلب مني صديق أن أعمل معه في جمعية يؤسسها، فوافقت حتى أستكمل مشروعي (فصيلتي) في موازاة عملي. وفي النهاية لم يعترض أهلي، لأنهم يعلمون كيف أصبح مشروعي مسألة حياة أو موت بالنسبة إليّ». توضح سمر أن «فصيلتي» تطبيق موبايل يعتمد على قاعدة بيانات تربط المستخدمين من المرضى والمتبرعين بالمستشفيات، ليوضح على الفور مدى نقص فصائل الدم المحددة في المستشفيات، وبالتالي يستطيع المتبرع التوجه إلى المكان الصحيح على الفور. وأكدت أن طموحها أن يصبح «فصيلتي» خدمة مهمة تفيد جميع المرضى، وأن تستطيع تعميمها في الوطن العربي أيضاً.


اعتماد على النفس

أما خلود عبد العزيز الطالبة في الصف الثالث بكلية الصيدلة في جامعة طنطا (20 سنة)، فتؤمن أسرتها بضرورة الاعتماد على النفس، ولم تجد عائقاً في الانتقال من المنوفية إلى طنطا من أجل الدراسة.   وتضيف: «تربيت على الثقة والصراحة، ووالداي رافقاني في التقديم إلى الجامعة، وبالتالي لم يشعرا بالقلق تجاهي، ونظراً إلى شعوري بالمسؤولية تجاه نفسي، لم أكتف بالدراسة فقط، وشغلت وقت فراغي في الكلية بأنشطة طلابية دولية، حتى وصلت إلى منصب رئيس الجمعية العلمية في كلية صيدلة طنطا، وهو نشاط طلابي تابع للاتحاد المصري لطلبة الصيدلة وتابع للاتحاد الدولي لطلبة الصيدلة، وهو كيان دولي». وتضيف: «الجميل في الأمر أن اتحاد طلبة صيدلة مسؤول عن مشاريع وحملات توعية بالأمراض مثل التدخين والسكر والالتهاب الرئوي، بالإضافة إلى ذلك نعد دورات تدريبية لتنمية الطلبة في جميع تخصصات الصيدلة، ليخرج الطالب من الكلية مستعداً إلى سوق العمل، ونقيم حفلات اجتماعية تجمع الطلبة بالأساتذة لتحسين العلاقة بينهم». تعترف خلود بأن تجربة الدراسة بعيداً عن أهلها أحدثت فرقاً في شخصيتها، وجعلتها أكثر اعتماداً على النفس وتخطط أفضل لحياتها، فهي تشعر بأنها المتحكم الوحيد في حياتها وعليها إدارتها جيداً. وتضيف: «بالتالي أصبح لديَّ علاقات كثيرة، تفيدني في عملي في القاهرة، حيث تخصصت في الصيدلة الإكلينيكية، وهو تخصص دقيق لا يوجد إلا في المستشفيات الكبرى في القاهرة. أما أهلي فهم سعداء بتفوقي».


تراجع في الوعي

من جانبها، ترجع الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الإجتماع في جامعة عين شمس، رفض بعض الأسر تعليم بناتها في محافظة مختلفة عن محل إقامتها، إلى تراجع الوعي بأهمية المرأة وعدم الاستمرار في نشره، خاصة مع إقصاء المرأة في المجتمع بعد ثورة «25 يناير» وحكم النظام السابق.
وتضيف: «الفن أحد أشكال تنمية وزيادة الوعي، فقد كتب الراحل صلاح جاهين أغنية عن المساواة بين الرجل والمرأة وغنتها سعاد حسني عندما قال «البنت زي الولد مهيش كمالة عدد»، لكن التجربة لم تتكرر إلا عندما أنتجت منظمة اليونيسيف أغنية «نص الدنيا» للفنانة أنغام في العيد العالمي للمرأة عام 2012».

وتشدد الدكتورة سامية على ضرورة زرع الوعي بحقوق ودور المرأة في التعليم، ليس فقط في المناهج، لكن في أسلوب توعية المدرّسين للطلبة منذ التعليم الأساسي، مشيرة إلى أن الإعلام بدوره يجب أن يغيّر القالب النمطي الذي حصر فيه المرأة.
وتكمل: «كل مسلسلات رمضان ركزت على العنف ضد المرأة وضربها وإذلالها وكونها أنثى لتتاجر بجسدها كالسلعة، ولم يلقَ الضوء على أي نموذج إيجابي للمرأة وكأنه يرسخ لدونيتها، إلا أن هذا التنميط يهدم دوراً مهماً جداً لمخلوق قادر على تحقيق تنمية عالية ووعي وقدرة رائعة على التقدم».

وتؤكد خضر «أننا في حاجة إلى خلق مناخ مجتمعي كامل حتى تستطيع المرأة تحقيق التقدم في المجتمع، ليبدأ هذا المناخ من داخل الأسرة ويمتد إلى المدرسة والإعلام وإلقاء الضوء على النماذج النسائية الناجحة، مثل عالمة الذرة سميرة موسى، وغيرها من النماذج المشرّفة الجديدة، مثل المستشارة تهاني الجبالي أول قاضية مصرية».
وتشير إلى أن الفتيات المغتربات أكثر إصراراً على النجاح، فهنّ يغادرن بيوت أهاليهن ويصممن على النجاح. وتقول: «عايشت تفوقهنّ خلال تدريسي لهن في الكلية. وفي جميع الكليات والمجالات توجد عناصر نسائية مصرة على النجاح وتحقيق التقدم والرقي بالمجتمع، هؤلاء تحدين التقاليد ليوجدن مناخاً مجتمعياً أكثر صحة».