سياسة اغتيال المستقبل: ارتفاع أعداد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين لدى الاحتلال الإسرائيلي
انتشر في الآونة الأخيرة فيديو للطفل المعتقل أحمد مناصرة أثناء التحقيق معه من جانب أحد ضباط الاحتلال الذي كان يعنّفه ويرهبه كلامياً، ويجبره على الاعتراف بالقيام بأعمال شغب ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، مما يشكل أحد فنون التعذيب التي يمارسها الاحتلال في حق الأطفال الفلسطينيين خلال التحقيق معهم، كما تعرّض بعضهم للعنف الجسدي والتهديد بالقتل وما شابه... وأصبح الاحتلال يركز على اعتقال الأطفال بحجج مختلفة من خلال استخدامه سياسة مبرمجة تهدف الى كسر نفسية الأطفال والتأثير في مستقبلهم، لأن التجربة بحد ذاتها غير سهلة والاحتلال يدرك جيداً هذا الأمر.
في مكتب «مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان» التي أُنشئت في كانون الأول/ديسمبر من عام 1991، التقينا بمديرة المؤسسة المحامية سحر فرنسيس التي أكدت بدورها أن الظرف العام يؤثر في قضية اعتقال الأطفال على أيدي جنود الاحتلال قائلة: «يختلف عدد الأطفال الذين يتم اعتقالهم باختلاف الظرف السياسي العام في فلسطين، وقد تم اعتقال أكثر من 700 طفل سنوياً».
وتضيف سحر: «إن ما يميز الهبّة الشعبية هو مشاركة الجيل الناشئ فيها، فغالبية الذين استشهدوا خلال هذه الانتفاضة هم من الفئة العمرية التي تراوح ما بين 12 و 22 عاماً. وهذا الجيل ولد أثناء اتفاق أوسلو، وبسبب غياب أي أفق لأي حل سلمي، جاءت ردود الفعل العنيفة على الواقع الذي نعيشه، بالإضافة الى خصوصية مدينة القدس وممارسات القمع والاستهداف الممنهج للمجتمع القدسي بغية تشريد السكان».
وتشير سحر فرنسيس الى ان الاعتقال ترافقه اعتداءات أخرى على المواطنين، مؤكدة «أن الاعتقال يأتي في سياق هدم المنازل وفرض الغرامات والضرائب المرتفعة والإفقار المدروس للعائلات في القدس ونشر المخدرات في المجتمع الفلسطيني. وأرى أن الاعتقال جزء من السياسة الممنهجة التي تهدف الى تشريد السكان الفلسطينيين وترحيلهم القسري، سواء أكان في مناطق (سي) أم في القدس الشرقية للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها ومن ثم توسيعها».
وتلفت سحر الى أن هناك ازدياداً كبيراً في أعداد المعتقلين من الأطفال الفلسطينيين موضحةً: «يبلغ مجموع من تم اعتقالهم خلال الشهرين الأخيرين 2200 شخص، بينهم 400 طفل. كما سُجل ارتفاع في عدد النساء اللواتي تم اعتقالهن، ولكنه يبقى أقل بكثير من عدد الأطفال، وحالياً هناك 44 امرأة قابعة في سجون الاحتلال».
وتتابع: «يستخدم جنود الاحتلال القتل العمد بحق الأطفال، كما أن هناك أطفالاً تعرضوا لإصابات خطرة وتم اعتقالهم، مما يدل على أن هناك تغييراً قد حدث في عملية الاستهداف، بالإضافة الى احتجاز جثامين الشهداء وبينهم عدد من الأطفال».
وعن الإجراءات التعسفية التي يتخذها الاحتلال بحق المحامين والأهالي، تقول فرنسيس: «إن التعقيدات المعتادة التي تحاول سلطات الاحتلال فرضها في ظل هجمة من هذا النوع، تتلخص في عدم تسهيل زيارات المحامين وخاصة خلال فترة التحقيق. وبموجب القانون الإسرائيلي الذي يسري على أهل القدس، يُسمح لأهل المعتقل بحضور أول جلسة تحقيق، وهذا يُخالف بشكل واضح، بحيث يتم إبلاغ المحامي بموعد التحقيق مع الطفل المعتقل مثلاً في ساعات متأخرة من الليل، أو يُنقل الأطفال من مكان الى آخر من دون علم الأهل أو المحامي، أو تُعزل فلسطينيات صغيرات لمدة أسبوعين في زنازين التحقيق في سجن عسقلان الإسرائيلي بسبب الاكتظاظ في قسم النساء في سجن هاشرون، على أن يتم لاحقاً نقلهن الى سجن الرملة الاحتلالي».
يتعرض الأطفال لأنواع عدة من التعذيب... هذا ما أكدته المحامية بقولها: «يتعرض الأطفال المعتقلون للضرب والحرمان من النوم والتعذيب النفسي من خلال الصراخ في وجوههم، واستخدام التهديد العسكري الذي يعني التعرض للشبح، ويتفاوت ذلك من حالة الى أخرى، فأحياناً يكون هناك تهديد بالاغتصاب بحق الأطفال، وأحياناً أخرى يتعرضون لعنف لفظي مثل الشتائم والإهانات».
وتتابع: «نقدم للأسف شكاوى بسبب العنف والتعذيب اللذين يتعرض لهما الأطفال، ولكن هناك مشكلة جذرية في التحقيق الذي يجريه الاحتلال الإسرائيلي، فهو غير موضوعي، ومكتب التحقيق هو المسؤول الى جانب المخابرات والجيش، عن هذه الممارسات اللاإنسانية. وفي معظم الأحيان تُغلق الملفات من دون أي مساءلة أو محاسبة، ونادراً ما تتم محاسبة أو مساءلة الشرطي أو ضابط المخابرات أو الجندي الذي اعتدى على الطفل، وحتى الآن لم نكسب أي قضية».
وتضيف: «نُعدّ بمساعدة مؤسسة الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال، ملفاً سنرفعه الى محكمة الجنايات الدولية، حول اعتقال الأطفال والبالغين، والتعذيب الذي يتعرضون له ونقلهم قسراً من الأراضي المحتلة الى سجون الاحتلال، لاعتبار ذلك جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف. كما نؤكد أن كل المحاكمات التي تُجرى في المحكمة العسكرية لا ترتقي الى مستوى المحاكمات العادلة، وبالتالي فإن الاعتقال بناء على إجراءات غير عادلة هو اعتقال تعسفي وجريمة حرب، لذا نأمل أن تحقق المؤسسة في هذا الأمر، ويولي مكتب المدعي العام الشكاوى التي تقدم اليه مزيداً من الأهمية».
وتطرقت فرنسيس الى الحد الأدنى للعمر في ما يتعلق بالمسؤولية الجنائية فقالت: «سن المسؤولية الجنائية في فلسطين هو 9 سنوات. أما بالنسبة الى التعديل الجديد الذي أجرته دولة الاحتلال فهو للفئة العمرية ما بين 12 و 14 عاماً. وبموجب القانون الإسرائيلي، لا تُنفذ بين هذين العمرين عقوبة السجن الفعلي، بمعنى أن أي طفل يرتكب مخالفة وهو دون الـ 14 عاماً، تتم مساءلته ومحاسبته بموجب إجراءات حماية وعلاج وتأهيل نفسي من خلال إرساله الى مراكز تأهيل، ولا يوضع في سجن فعلي، ولكن التعديل المقترح الذي مر للأسف بالقراءة الأولى في الكنيست هو أن تُنفذ عقوبة السجن بحق من هم دون الـ 14 عاماً، مع وجوب أن يكون السجن في مركز تأهيل حتى يبلغ الطفل الـ 14 عاماً، وعندما يصل الى هذا العمر، يتم نقله الى السجن، وهذا يسري على المعتقلين الفلسطينيين وليس على الجُناة الإسرائيليين الذين هم دون الـ 14 عاماً».
وعن الهدف من نشر الفيديو الخاص بالتحقيق مع الطفل أحمد مناصرة في المعتقل، تقول سحر: «من الواضح ان المخابرات كانت تهدف الى عرض الفيلم، وفي السابق كنا نطالب بذلك إثبات عدم ممارسة التعذيب على المعتقلين، مما يستلزم تصوير جولات التحقيق، فلماذا يصورون اليوم الطفل المعتقل أحمد مناصرة ويظهرون العنف تجاهه؟ للوهلة الأولى، يجب ان يكون هذا الفيديو مسيئاً للاحتلال، ولكن أعتقد أن الهدف منه هو ترويع وتخويف الأطفال الفلسطينيين كوسيلة للردع. وهنا أفكر بفشل المخطط الذي كانت تسعى إليه المخابرات الإسرائيلية، بحيث تم كشف سوء المعاملة والعنف النفسي الذي يمارسه الاحتلال في حق المعتقلين، مما أثبت صحة ما كنا نؤكده طوال السنوات الماضية عن التعذيب الذي يتعرض له الأطفال الفلسطينيون أثناء عملية التحقيق معهم».
وتضيف: «يتم استهداف الأطفال للضغط عليهم وجمع معلومات عن ناشطين بالغين ومقاومين، من دون أن يدرك هؤلاء الأطفال أنهم قد تعاملوا مع مخابرات الاحتلال وأصبحوا شركاء في الإدلاء بمعلومات سيتم الضغط عليهم لاحقاً من خلالها».
وفي جانب آخر، يقول مدير برنامج المساءلة في «مؤسسة الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال»، المحامي عايد قطيش، والذي يعمل في هذا المجال منذ 15 عاماً: «اعتقال الأطفال قضية ليست جديدة، إذ انطلقت مع بداية الاحتلال وفي الفترات التي تشهد تصعيداً سياسياً يرافقه ارتفاع في أعداد الأطفال المعتقلين».
ويضيف: «أما بالنسبة الى التوقيف فهو مرتبط بالاتفاق ما بين محامي الدفاع والمدعي العام العسكري للاحتلال، ما يعني أن معظم ملفات الأطفال تُغلق أمام المحاكم العسكرية، وقد تحدد بموجب هذا الاتفاق مدة التوقيف قبل إصدار الحكم. لكن أكثر ما يهم، بغض النظر عن طول مدة التوقيف أو قصرها، أن يبقى الطفل خلال فترة التوقيف في السجن ولا يتم الإفراج عنه بكفالة أو شرط، ولكن تحسب هذه من فترة حكمه».
ويختلف عايد قطيش مع المحامية سحر فرنسيس حول نشر فيديو الطفل المعتقل أحمد مناصرة قائلاً: «لا نعلم حتى الآن من قام بنشر هذا الفيديو. وفي اعتقادي ليس من مصلحة الشرطة أو الإسرائيليين نشر فيديو من هذا النوع، والمشهد الذي ورد في الفيديو عبارة عن روايات مكررة في كل شهادات الأطفال عندما يلتقيهم محامينا، والهدف من كل ذلك هو الحصول على اعترافات منهم».
وأشار قطيش الى عدد الأطفال الذين عُرض عليهم أن يكونوا عملاء للاحتلال مؤكداً: «خلال عام 2015 حصلنا على إفادات من 140 طفلاً تعرضوا للتحقيق معهم من قبل الاحتلال، وأكد ثلاثة منهم أنه عرض عليهم الالتحاق بجيش الاحتلال. لذا، وعند خروج الطفل من السجن، يتوجه الى مؤسسات متخصصة في مجال التأهيل النفسي، مثل جمعية الشبان المسيحية، لإعادة دمجه في المجتمع».
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
نور الغندور تضج أنوثةً بالأبيض: صيحة 2026...
إطلالات النجوم
نجمات السعودية ومصر ولبنان وسوريا يتنافسن في...
أخبار النجوم
رحمة رياض وأحمد سعد وناصيف زيتون يريدون لقب "ذا...
إطلالات النجوم
مي عمر وريم سامي تخطفان الأنظار ببريق معدني على...
إطلالات النجوم
ميريام فارس تتألق بفستان أنيق بتفاصيل جريئة
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
