مناهج التعليم في مصر "تغيب الموضوعية، ويسود التكرار والتطرف الديني إلى درجة المرض النفسي"

مناهج,مصر,الموضوعية,المرض النفسي,المدرسة,مناهج التعليم,الدكتور كمال مغيث,الدكتور أحمد زكريا,الدكتور حمادة إسماعيل,تأهيل الطلاب,الدكتورة سناء جمعة

هدى علي (مصر) 22 يناير 2016

المدرسة هي محطَّة وجسر عبور إلى المستقبل، ففيها تتلقى الأجيال المعرفة التي تتيح لها الانخراط في عملية بناء المجتمعات والأوطان، وبقدر ما تكون مناهج التعليم في المدارس والجامعات سليمة وصحيحة، يكون إعداد الأجيال ناجحاً، وعندما تتخلَّف مناهج التعليم عن مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعصف بعالمنا، وبإيقاع متسارع، فإن مشكلة كبرى تواجهها المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة، وتدعوها للنظر الجدّي والسريع في موضوع المناهج.
وهذا ما يحدث، وبدرجات متفاوتة، في مختلف أقطار العالم العربي. ولعل دراسة أحوال مناهج التعليم في  مصر والسعودية ولبنان تعطي فكرة عما هي عليه في عالمنا العربي بوجه عام. وهذا ما تقوم به «لها» في هذا التحقيق من مصر والسعودية ولبنان.


مناهج التعليم في مصر: مكانك راوِحْ!
لم يبدل التعليم المصري «ثوبه القديم» في المناهج الدراسية منذ عشرات السنين، وسط تجاهل كبير من المسؤولين لفكرة التطوير، رغم النفقات التي تقدر بالملايين في الموازنة السنوية لوزارة التربية والتعليم، ورغم إعلان وزير التربية والتعليم الأسبق محب الرافعي، عن إنشاء مجلس علمي من أجل تطوير المناهج الدراسية الجديدة، للعام الدراسي 2015 -2016، وفضلاً عن تصريح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الحالي الدكتور الهلالي الشربيني، في أولى مهماته في الوزارة، بأن الفترة المقبلة ستلحظ نتائج كبيرة في المناهج وصولاً إلى المعايير العالمية، لكنّ هناك أسباباً لجمود المناهج الدراسية في مصر يكشفها لنا أهل الاختصاص في هذا التحقيق.

الدكتور كمال مغيث: المناهج لم تتغير منذ سنوات وتقوم على الحفظ بدل الإبداع
يقول الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث: «أولاً، المنهج من وجهة نظر العلم ليس المقرر الدراسي أو الكتاب، بل هو يشمل المقرر والأنشطة والكتاب والأخلاق والعلم والعلوم التربوية والفلسفة والقيم والمهارات ونوع الامتحانات، كما يتضمن العملية التعليمية بشكل كامل.
وإذا نظرنا إلى المشكلات، نجد أن أسبابها تتعلق أولاً بالشعور الدائم بأن المناهج الدراسية لم تتغير. والدليل على ذلك، أن ما تم تدريسه منذ عقود لأجيال سابقة في المرحلة الثانوية، لا يزال يُدرّس لأبنائنا الحاليين بالطريقة والنصوص والآليات نفسها ومن دون أدنى تغيير، بالإضافة إلى أن هذه المناهج تُطبّق بلا حماسة أو إبداع، بل يتم تدريسها من طريق الحفظ والتلقين فقط، مما لا يترك تأثيراً إيجابياً في الطلبة، كما توصف المناهج المصرية الحالية بأنها مناهج عقيمة لا تزال تعتمد على التكرار».
ويضيف: «شاهدت في أميركا نموذجاً ناجحاً وحيوياً وحماسياً في التدريس، تضع فيه الدولة عدداً قليلاً من المناهج التي يتم عرضها على الطلبة والمدرّسين، ولا تزيد درجاتها على الـ 30 أو الـ 40 في المئة من الدرجة الكلية، وتعتمد الـ60 في المئة المتبقية على إبداع الطلبة أنفسهم، إلا أن الأمر مختلف تماماً في مصر، بحيث تتفشى ظاهرة المناهج المتطرفة، وتغيب الموضوعية، ويسود التكرار والتطرف الديني إلى درجة المرض النفسي.
فعلى سبيل المثال، يدرس الطلاب في المرحلة الابتدائية الحواس، مثل الشم والذوق والسمع والنظر، إلا أن المؤلف اعتمد طريقة غريبة في شرح تلك الحواس، كأن يشرح مثلاً حاستين لا تعملان جيداً لدى الفتيات، وحاستين تعملان بشكل جيد لدى الذكور فقط، مما يدل على التمييز في وضع المناهج».
ويشير الدكتور مغيث إلى «أن ما يحدث اليوم في المناهج الدراسية يؤكد أن التعليم في مصر يأتي في ذيل أولويات الدولة، وتحتل مصر مرتبة العشر الأواخر بين الدول بالنسبة الى التعليم، وفي بعض الحالات تسبقها اليمن وموريتانيا، والإدارة التعليمية تتجاهل ذلك، إذ تعمل على شغل الناس بقضايا جزئية، مثل «التابلت» الذي يعد انشغال الطلاب به عن الكتاب أمراً غير مقبول في التطوير، في ظل ظروف التعليم الصعبة في مصر، وحيث يعيش 50 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، فكيف يتم تسليم «تابلت» الى الطالب الفقير بألف جنيه مصري فيبيعه للاستفادة من ثمنه! خصوصاً أن «التابلت» لن يغني عن الكتاب المدرسي، وما من منظومة أو دراسة تؤكد ذلك في الوقت الحالي، فلا بد من اختيار محافظات في البداية كنماذج لنجاح التجربة، ليتم تداولها من محافظة إلى أخرى بشكل كامل وجيد، هذا فضلاً عن المواكبة الصحيحة للتكنولوجيا وتدريب المدرسين على استخدام «التابلت».

الدكتور أحمد زكريا: مناهجنا مكررة ولا تتوافق مع الأفكار الحديثة
يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عين شمس، الدكتور أحمد زكريا «إن المناهج الدراسية في مصر لم تنته من معاناتها بعد، وهي تنتظر التخلص من سلبياتها التي تكمن في عدم توافق هذه المناهج مع أفكارنا الحديثة، والهدف الأول من ذلك تحقيق مصلحة الطالب، بالإضافة إلى كثافة المواد التي لا تتضمن أي فائدة، لذا فلا بد من التخلص منها والابتعاد عن الدروس المتكررة، وإلغاء المناهج التي لا تلائم أعمار الطلاب، وحذف المادة التي فحواها العنف، وتعزيز المناهج بالمواد التي توسع مدارك الطلبة، وتغذي القيم ومفهوم الأخلاق لديهم».

ويضيف: «على المسؤولين وأهل الاختصاص تشكيل لجان خاصة بتطوير المناهج لوضع خطة واضحة لتجديد كل مرحلة تعليمية بشكل دقيق، ولا بد من تقرير مواد تؤكد حقوق الإنسان وملامح التعليم والعلم في المستقبل المنظور، وإعداد المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم، وسن التشريعات المختلفة في المناهج، وأبرزها التشريعات التربوية، والاهتمام باللغة العربية واللغات الأجنبية وتعلم لغة العصر وهي الكمبيوتر، وتغيير صورة الطالب النمطية من أن وجوده يقتصر على التلقي فقط، فلا بد من أن يكون متلقياً ومشاركاً في الوقت نفسه».

الدكتور حمادة إسماعيل: لا بد من تأهيل الطلاب للتكنولوجيا قبل فرضها عليهم
يؤكد أستاذ التاريخ في كلية الآداب في جامعة بنها، الدكتور حمادة محمود إسماعيل «أن المادة العلمية غير مكتملة في المناهج التعليمية، والصور التي تنشر في الكتب غير واضحة، والمعلومات منقوصة  والطباعة سيئة أيضاً، والشرح المتضمَن في الكتاب غير كافٍ لكي يتابع الطالب دراسته في حال غياب المدرس، لذلك يلجأ معظم الطلاب إلى الكتب الخارجية».
ويضيف الدكتور حمادة إسماعيل «أن المناهج الدراسية تقدم بطريقة تقليدية، من دون النظر إلى تطورات العصر، كما أن هناك أخطاء تاريخية في الكتب لا بد من الوقوف عليها، فالمواد بائسة والتزوير التاريخي في الكتب ظاهر، إذ يتم تسجيل التاريخ على هوى المؤرخين الحاليين، بعيداً من رصد الحقائق بشكل كامل». وعن تطوير المناهج يوضح: «لا بد من تقديم اقتراحات من المتخصصين لرصد التطور المطلوب في المناهج بشكل دائم، لأن التعليم قضية أمن قومي من الدرجة الأولى، ولا بد من الاطلاع على تجارب الدول الناجحة مثل موريتانيا».
وتعليقاً على ظهور «التابلت» أخيراً في المدارس المصرية، يقول د. حمادة إسماعيل: «السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يتواصل الطالب مع التكنولوجيا الحديثة، في وقت لا يستطيع الكتابة والقراءة ويريدون منه التعامل مع آلة حديثة مثل «التابلت»؟ فهو يصل إلى الصف الرابع الابتدائي من دون أن يقرأ أو يكتب، كما لا يمكن نقل الطالب من الكتاب إلى «التابلت» بشكل مفاجئ، فهي منظومة لا بد من أن تكون مرتبة ومتكاملة للقيام بتلك الخطوة. وتطوير المناهج يجب ألا يكون بالشكل فقط، فنستخدم تكنولوجيا حديثة لنقول إن طلابنا يتعلمون بالتابلت، فلا بد من تأهيلهم أولاً لتلك التكنولوجيا، وهذا لن يحدث إلا بتطوير حقيقي للمناهج الدراسية العقيمة».

الدكتورة سناء جمعة: التطوير يتم تدريجاً
أما المشرفة على مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية التابع لوزارة التربية والتعليم، الدكتورة سناء جمعة فتشير الى «أن الوزارة تحرص كل عام على التطوير، وهي تتبع منذ سنوات عدة خطة لمواجهة التطوير القديم والبطيء.
فالعام قبل الماضي طورنا مناهج الرياضيات للصف الأول الثانوي، والعام الماضي طورنا مناهج الصف الثاني الثانوي، وقد مر على تلك المناهج 15 عاماً من دون أن يطرأ عليها أي تغيير، وما يحدث يعد تقدماً فعلياً في تطوير آلية المناهج، وليس تطويراً شكلياً فقط، كما طورنا العام الحالي مناهج اللغة العربية ومنهج التربية الوطنية».
وتكمل: «في العام المقبل سيتم تطوير مناهج الصف الثالث الثانوي في الرياضيات والعلوم، والتطوير الذي قمنا به تدريجاً مواكب للعصر، وقد أخذنا بتجربة سنغافورة في تطوير المناهج، وهي الأحدث إذ تواكب الاتجاهات العقلية الحديثة. وفي المرحلة الحالية يقوم مركز تطوير المناهج بتطوير مناهج العلوم في عدد من المراحل التعليمية للطلاب، وسنعلن عنها العام المقبل».
وتضيف «أن مركز تطوير المناهج سلّط الضوء على التطوير في عدد من القضايا المعاصرة الهامة، منها كيفية مواجهة الأزمات وإبراز التسامح في تلك المناهج والتعامل مع الآخر.
وفي حال التطوير وتنفيذه، يبحث مركز تطوير المناهج عن الكفاءة بالتعاون مع المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية لمراجعة ما تم تنفيذه، والتأكد من المعايير الصحيحة، والبعد عن التكرار في المصطلحات، ويضم المركز نخبة من الأساتذة المتخصصين في عدد من الجامعات البارزة في مصر».
وتؤكد الدكتورة سناء جمعة «أن المشكلة التي تواجه التعليم في مصر، ليست في تطوير المناهج، بل في التطبيق العملي للتطوير والتكنولوجيا الموجودة في المدارس. وعلى سبيل المثال، لا تتوافر في المعامل إمكانات لمساعدة الطالب بالشكل المناسب على إقامة التجارب العلمية المطلوبة، وحتى إذا وجدت المعامل فهي لا تُستغل بشكل صحيح».