المسنّة الفلسطينية الحاجة عريفة ملايشة: طالبة في الصف الأول الابتدائي تحلم بأن تصبح سكرتيرة وتجد عريساً عمره 99 عاماً
بعدما أمضت أكثر من سبعين عاماً من عمرها في رعاية أمها المريضة التي توفيت لاحقاً، بالإضافة الى عملها في تربية المواشي وصناعة الحرف اليدوية الفلسطينية القديمة، قررت الدخول الى المدرسة التي حُرمت منها في صغرها، وذلك من خلال برنامج محو الأمية الذي نُظم في قرية جبع لتعليم عدد من السيدات الأمّيات... فكان لها ما أرادت، ولكن حلمها لم ينته عند هذا الحد.
الحاجة عريفة ملايشة (75 عاماً)، من سكان قرية جبع قضاء جنين في الضفة الغربية، التي التقيناها في منزلها المؤلف من غرفة واحدة، والذي يفتقر الى أدنى وسائل العيش، وحدّثتنا عن سبب عودتها الى المدرسة رغم تقدّمها في السن، فقالت: «كانت أمي مريضة واضطررت الى البقاء بجانبها للاهتمام بها ورعايتها، لذا تركت المدرسة وأنا في سن صغيرة، وأصبحت أمية لا أجيد القراءة ولا الكتابة. بقيت على هذه الحال الى أن توفيت أمي، وكنت أحزن على نفسي عندما أعجز عن قراءة اسم أي محل تجاري، أو مضمون ورقة كُتبت حروفها باللغة العربية».
وتابعت: «لم يحالفني الحظ في العودة الى المدرسة، فقررت الانطلاق بمشروعي الصغير وهو تربية المواشي وبيع منتوجاتها لأعتاش منها. ولكن بقي حلم التعلّم يكبر في داخلي، الى أن تم الإعلان عن برنامج محو الأمية الذي نظمته في القرية مديرية تربية جنين، وقُبلت فيه مع أربع وعشرين امرأة أمّية من القرية نفسها».
وأضافت عريفة: «عندما انتهى البرنامج التعليمي، بدأت أفكر في الانتساب الى مدرسة بنات جبع الأساسية، ولكنني رُفضت، فتوجهت الى الإعلام الذي أثار قضيتي وأظهر رغبتي العارمة في العودة الى المدرسة، فتعاطفت معي وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وسمحت لي بأن أتسجل في الصف الأول الابتدائي». وأشارت ملايشة الى مدى تعاون زميلاتها في الصف الأول معها فقالت: «بعضهن لا يرغبن في مساعدتي ولا يوجهنني لقراءة الكلمات بشكل صحيح، لأنهن يخفن من أن أتفوق عليهن في الامتحانات الصفية».
تسكن الحاجة عريفة في منزل يبعد مسافات طويلة عن المدرسة، لكنها تتحدى صعوبة الطريق مؤكدةً: «لا أعاني صعوبة في العودة من المدرسة الى البيت رغم بعد المسافة ووعورة الطريق، ذلك أن فرحي بكوني طالبة في المدرسة ينسيني التعب والإرهاق. وخلال عودتي من المدرسة، أرى بعض الناس في الطريق يرحبون بي ويبتسمون في وجهي وكأنهم يقولون لي نحن معك».
ولدى سؤالها عن ترفّعها في الصفوف المدرسية، أوضحت: «لا أزال منذ 4 سنوات في الصف الأول، ولم أترفع الى الصف الثاني بعد. لا أعلم سبب ذلك رغم أنني مجتهدة ولا أتغيب عن المدرسة أبداً، كما أصبحت أقرأ وأكتب جيداً».
سقطت الحاجة ملايشه في الآونة الأخيرة أرضاً بينما كانت تحمل حقيبتها المدرسية وتهمّ بالخروج من بيتها للذهاب الى المدرسة، فأُصيبت بكسر في قدمها جعلها طريحة الفراش. عن هذه الحادثة تقول: «سمعت البعض يقولون بأنني تركت المدرسة، ولكنني في الواقع تعرضت لكسر في قدمي أجبرني على البقاء في البيت. ولو توافرت لي سيارة تقلّني الى المدرسة لذهبت اليها. وعندما أشفى سألتحق بالمدرسة من جديد». تمتلئ غرفة عريفه بالكثير من الملابس الفلسطينية التراثية القديمة، والمجسّمات التي صنعتها من مادتي الطين والقش، لتحافظ بذلك على المشغولات الفلسطينية التراثية، ولكنها وضعت كتبها المدرسية بالقرب من سريرها لكي تقرأ بشكل متواصل، وتضيف: «في السابق، كنت أقرأ في وضح النهار، أو على ضوء مصباح الكاز في الليل، ولكن منذ فترة بسيطة ساعدني أحدهم في إيصال الكهرباء الى منزلي وبدأت أقرأ وقتما أشاء».
وقد طورت الحاجة عريفة نفسها وهي تنهل العلم، فتقول: «تبرعت لي إحدى المؤسسات بجهاز الحاسوب المحمول وتمكنت من كتابة اسمي عليه باللغتين العربية والإنكليزية، فأنا أحب مواكبة التطور، وأسعى إلى أن يكون لدي حساب خاص على «فيسبوك» أنشر عليه صور المشغولات اليدوية التي أصنعها، وأحدّث من خلاله الآخرين عن حلمي وكفاحي». وعن كونها مسنّة وطالبة في الوقت نفسه، تؤكد: «حتى الآن لا أعرف كم هو عمري الحقيقي، فقد سجّلوا عمراً تقديرياً في بطاقة هويتي الشخصية التي لم أجددها حتى اليوم، ولكنني أعلم أنني أكبر بكثير من العمر المدوّن في هويتي».
أحلام الحاجة عريفة ملايشة تشبه طيراً يحلّق في سماء فلسطين، وعن هذه الأحلام تقول: «أطمح في أن أصبح إنسانه مهمة في المجتمع، وأن أتصرف كالرجال أينما ذهبت، كما أحلم بأن أصبح سكرتيرة وأجد عريساً عمره 99 عاماً لأعيش معه في منزله وأتخلص من الالتزامات المالية التي لا أستطيع تأمينها».
أما المعلمات في المدرسة، فقد اتفقن جميعاً على أنهن كن يعتقدن بأن دخول الحاجة عريفة الى الصف الأول الابتدائي هو مجرد رغبة لن تكتمل لكونها مسنّة ولا تستطيع الالتزام بالدوام، ولكنهن تفاجأن بأنها تحضر الى الصف قبل الطالبات ولا تتغيب أبداً، وتصر على مواصلة التعلّم واكتساب المعرفة، وقد تقدمت بشكل ملحوظ بحيث إنها أصبحت تكتب وتقرأ جيداً... وعلقت بعض زميلاتها في الصف ممن هن في سن السادسة بأن الحاجة عريفة ملايشة تجيب عن الأسئلة التي تطرحها المعلمة خلال الحصة وتتعلم بسرعة وبأنها صديقتهن الكبيرة ويسألن عنها في حال تأخرت عن المدرسة ويساعدنها في السير أحياناً ويطلبن منها مراراً الجلوس بقربهن».{
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
نور الغندور تضج أنوثةً بالأبيض: صيحة 2026...
إطلالات النجوم
نجمات السعودية ومصر ولبنان وسوريا يتنافسن في...
أخبار النجوم
رحمة رياض وأحمد سعد وناصيف زيتون يريدون لقب "ذا...
إطلالات النجوم
ميريام فارس تتألق بفستان أنيق بتفاصيل جريئة
إطلالات النجوم
مي عمر وريم سامي تخطفان الأنظار ببريق معدني على...
المجلة الالكترونية
العدد 1090 | تشرين الأول 2025
