عقد ومشاكل لا تخلو من غرابة وأصحابها يعترفون: هكذا تخطينا أزماتنا

عقد ومشاكل,لا تخلو من غرابة,أصحابها يعترفون,هكذا تخطينا أزماتنا,مشكلة نفسية,عصبية غريبة,ذكرى سيئة,مجهول المصدر,تجاربهم الخاصة,معاناتهم للمرض

مصر: محمد جمال- السعودية: ميس حمّاد- سورية: «لها» 27 فبراير 2016

البعض يجد نفسه مصاباً بمشكلة نفسية أو عصبية غريبة، ربما ارتبطت لديه بذكرى سيئة منذ الطفولة، أو بخوف ما مجهول المصدر، وفي النهاية يسبّب له ذلك الكثير من المشاكل. تتعرَّض «لها» في هذا التحقيق لعالم العقد النفسية الغريبة، وتستمع من أصحابها الى تجاربهم الخاصة، وإلى معاناتهم للمرض ومواجهتهم له معتمدة على تجارب من مصر والسعودية وسورية. مع مواقف وآراء لأهل الاختصاص. ونبدأ من مصر.


الفنانة علا رامي: أي شيء على شكل ثعبان يثير أعصابي ويجعلني غير طبيعية
تروي الفنانة علا رامي قصتها مع عقدة نفسية تعانيها، قائلة: «أخاف من الثعابين كثيراً، حتى أن اسمها يرعبني، ولا يقتصر الخوف منها على رؤيتها، بل إن أي شيء على شكل ثعبان يثير أعصابي ويجعلني غير طبيعية، لأنني أتصرف تحت وطأة ظروف نفسية صعبة، وحالة رعب غير عادي من مجرد رؤية شكل الثعبان».
تضيف علا: «حاولت شقيقتي سحر مساعدتي في التغلب على خوفي الكبير من الثعابين، فاشترت لي هدية ذهب على شكل ثعبان حتى أرتديه ويتلاشى خوفي، لكنها فوجئت برفضي الشديد للهدية، بل إنني غضبت منها واعتبرت هذا نوعاً من الاستهانة بمشاعري، لأنها تعرف مدى خوفي غير العادي من الثعابين».  وتحكي علا عن تجربة طريفة بسبب خوفها من الثعابين قائلة: «عرّضني هذا الخوف للعديد من المواقف الحرجة أثناء تمثيلي بعض الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، حيث تحب بعض الزميلات ارتداء مشغولات ذهبية على شكل ثعبان، وكنت أطلب منهن خلع هذه المشغولات احتراماً لمشاعري، فيستجيب بعضهن رغبتي، وترفض أخريات فأضطر إلى الاعتذار عن العمل منذ البداية، أو حتى بعد بدء التصوير. وهناك مواقف أخرى مشابهة تعرضت لها أثناء حضوري بعض الأفراح أو المهرجانات الفنية، حيث تتسبب رؤيتي لأي مشغولات ذهبية على شكل ثعبان في تعكر مزاجي وإصابتي بحالة من العصبية الشديدة، التي قد تؤدي أحياناً إلى انسحابي من المناسبة حتى أحافظ على هدوء أعصابي، لأنه كما يقال «يا روح ما بعدك روح»، رغم أن ذلك قد يسبب لي حرجاً مع من أحضر فرحهم أو مناسباتهم».  وتشير علا إلى أنها حاولت قدر استطاعتها التغلب على هذا الخوف بالذهاب إلى الأطباء النفسيين، وترى أن هناك تحسناً لكنه بطيء، وهي مصرّة على التغلب على هذا الخوف، الذي يسبب لها الإحراج في كثير من المواقف ومع أعز الناس على قلبها، ومنهم شقيقتها سحر، ويحدوها أمل كبير في التخلص من هذا الخوف المبالغ فيه، رغماً عنها، مهما طالت السنون.

الشاعر محمد هاشم: أصدقائي حاولوا علاجي من عقدة «التنورة»... وهذه نصيحة طبيبي النفسي
يروي الشاعر الغنائي محمد هاشم، مؤلف الكثير من الأغاني الوطنية، بعض المواقف الغريبة بسبب «فوبيا الدوار»، قائلاً: «ترافقت هذه العقدة النفسية مع إصابتي المتكررة بـ «فوبيا دوار البحر»، وذلك عندما كنت صغيراً وأذهب مع أسرتي إلى النزهات النيلية، وقد تطور الأمر إلى خوفي من «التنورة» لأنها تدور بسرعة فتصيبني بالدوار الشديد، لهذا لا أستطيع النظر إليها، ليس في الملاهي فقط، وإنما في التلفزيون إذا كان هناك مشهد يتضمن التنورة». ويعرض محمد هاشم قصة غريبة حدثت له بسبب «فوبيا التنورة»، قائلاً: «بعض الأصدقاء حاولوا علاجي عملياً من طريق أخذي بصحبة أسرتي إلى الملاهي، بعدما أقنعوني بضرورة التغلب على هذه الفوبيا وعدم الاكتفاء بمشاهدة التنورة، بل بوجوب ركوب الألعاب التي تدور في الهواء. وبعدما وافقت على ركوبها مع أصدقائي وأسرتي فإذا بي أصرخ بأعلى صوتي وبشكل هستيري، طالباً من المسؤول عن الملاهي إنزالي بسرعة قبل أن يُغمى عليَّ، فاستجاب طلبي ونزلت غاضباً وأنا في حالة شبه انهيار عصبي، ورجعت فوراً إلى البيت نادماً على خوضي التجربة، ومن يومها أكره دخول مدينة الملاهي، وإذا رغبت أسرتي في الذهاب إليها، يكون هذا من دوني في أغلب الأحيان».   وعن كيفية تغلبه على خوفه الغريب هذا، يوضح هاشم: «ذهبت إلى طبيب نفسي، فطلب مني أن أحاول علاج نفسي بنفسي، من طريق الدوران أو الرقص بمفردي مع ضرورة فتح العينين، وعدم إغماضهما أبداً، لأن هذا يطيل أمد العلاج. وبدأت بالفعل هذا العلاج بعدما ظللت لأكثر من 25 عاماً مصاباً بفوبيا التنورة ودوار البحر، والحمد لله تحسنت حالي نسبياً وكلي أمل في الشفاء التام في القريب العاجل، لأنني مُصرّ على التخلص من هذه الفوبيا الغريبة، التي تسبب لي مشكلات مع أسرتي التي تحب الذهاب إلى الملاهي باستمرار، بل إن الأمر يصل في كثير من الأحيان إلى ذهابهم إليها من دوني، مما يسبب لي الإحراج، وقد أضطر إلى انتظارهم خارج الملاهي، أو أدخل اليها شرط ألا أنظر أبداً إلى أي لعبة تدور في الهواء، وكذلك التنورة إذا كانت لها فقرات».

فيفي السباعي: أحاول التخلص من عقدة الأماكن المرتفعة
أما الفنانة فيفي السباعي فتعاني عقدة من الأماكن المرتفعة، أجبرتها على السكن في الأدوار السفلية أو في فيلا مؤلفة من دور أو دورين، مما سبب لها العديد من المشكلات مع أسرتها، التي لا تحب السكن في الأدوار السفلية، إلا أنهم يضطرون للنزول عند رغبتها حتى لو كانوا مستائين من هذا الاختيار الإجباري.
تشير فيفي إلى أنها حاولت اتخاذ خطوات عملية في سبيل معالجة هذه العقدة، لئلا تتضايق أسرتها، فوافقت على رغبتهم السكن في الدور السابع في إحدى العمارات، على وعد منها بالخروج الى الشرفة، وحاولت كسر حاجز الخوف الذي تسبب في حبسها داخل الشقة وعدم خروجها الى الشرفة، إلا أنها وجدت نفسها ذات يوم تندفع وبشكل لا إرادي الى الشرفة لمشاهدة إحدى المسيرات الكبرى التي نظمها المؤيدون للرئيس عبدالفتاح السيسي يوم إعلان نجاحه في الانتخابات وتوليه مقاليد الحكم في مصر، ومن يومها تحاول تدريجاً التخلص من عقدة الأماكن المرتفعة، وقد قطعت في سبيل ذلك شوطاً قصيراً، بحيث إنها لم تصل بعد إلى الدرجة التي تجعلها تخرج إلى الشرفة بشكل طبيعي، وتستمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية مثل ملايين الناس الذين يستمتعون بالأماكن المرتفعة.

نبيل حسان: لا أستطيع النظر إلى الأوز
الخطاط الشهير نبيل حسان، رئيس قسم الخط في التلفزيون المصري، يعاني عقدة طريفة جداً أطلق عليها «عقدة الأوز»، إذ يخاف كثيراً من نوع معين من الطيور وهو «الأوز»، لأنه سبق أن تعرض لـ «العض» منه في طفولته، حيث إنه من مواليد الأرياف قبل أن يستقر في القاهرة، وقد خلفت هذه الحادثة في نفسه هلعاً من الأوز، فلا يستطيع النظر إليه أو حتى الاقتراب منه، حيث يخشى أن يعضه ويجري وراءه في الشارع كما حدث له في الصغر.
ويشير نبيل إلى أنه يحاول التخلص من هذه العقدة بالهروب من أي مكان يوجد فيه «أوز»، حتى عندما يذهب إلى بائع الطيور لا يستطيع النظر إلى الأوز كثيراً، لأن ذاكرته تستدعي ما تعرض له في الصغر، وقد حاول علاج نفسه بنفسه من هذه العقدة، من طريق تقليل الذهاب إلى الأرياف، خاصةً الأماكن التي يعيش فيها أوز، وبمرور الوقت بدأت هذه المخاوف تتلاشى من ذاكرته.

جلال الشايب: الإيمان كلمة السر في تخلصي من عقدة قيادة السيارة
يروي الصحافي جلال الشايب قصته مع عقدته النفسية من قيادة السيارة، التي كان يخاف منها بشكل هستيري، بسبب رؤيته لحادث سير في الصغر ومقتل كل من في السيارة وتناثر أشلائهم على الإسفلت، مما جعله يرتعب من ركوب السيارة وليس قيادتها فقط، حيث كان هذا الأمر مستحيلاً، إذ ترسخ في ذهنه أنه إذا ركب سيارة فسيكون مصيره مثل مصير هؤلاء الضحايا الأبرياء.
ويصف جلال كيفية معالجته لعقدة قيادة السيارة بالقول: «حاولت تدريجاً تمالك أعصابي وتقوية الإيمان بالقضاء والقدر في نفسي، وذهبت إلى أحد الشيوخ المشاهير ليجد لي حلاً لمشكلتي، فحاول أن يهدّئ من روعي قائلاً: «إن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك»، وسألني: «ألست مؤمناً بقول الله تعالى: «وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ لكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ» (آية 61) سورة «النحل». فقلت له: «بلى». فقال لي: «فلماذا تخاف بهذا الشكل المرعب؟».
وينهى جلال كلامه، مؤكداً أن الإيمان هو كلمة السر في خروجه من أزمته وخوفه من قيادة السيارة، حيث غرس الشيخ في قلبه معنى آية قرآنية كريمة أخرى، خرج من طريق فهمها وتدبّرها من رُهاب قيادة السيارة مهما كانت حديثة الطراز، وأصبح شجاعاً في قيادتها من دون أي خوف، وهي قول الله تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا».

منال العزازي: حبست نفسي في الشرفة لثلاث ساعات بسبب الفئران
منال العزازي، الخطاطة الشهيرة مصابة أيضاً بعقدة من الفئران، حيث يرعبها اسم الفأر وليس رؤيته فقط، فتصاب بانهيار عصبي، حتى إنها يمكن أن تلقي بنفسها من الشرفة إذا لمحت فأراً فيها، لشدة خوفها منه. تروي منال قصة غريبة حدثت لها بسبب عقدتها من الفئران، قائلة: «كنا نحتفل بمناسبة سعيدة، وهي زواج ابنة أخت زوجي خارج القاهرة، وكان الفرح لمدة يومين، فاتفقت مع زوجي أن يذهب وحده في اليوم الأول، ونذهب معاً في اليوم الثاني الى حفل الزفاف. وبالفعل سافر زوجي لحضور فرح ابنة شقيقته، إلا أنني وقبل أن يصل إلى منزل شقيقته بمسافة قصيرة سمعت حركة فأر في المطبخ، فصرخت بأعلى صوتي وهربت مع ابني الصغير «آدم» الى الشرفة، وتركت الشقة كلها للفأر يفعل فيها ما يشاء ولمدة ثلاث ساعات كاملة، إلى أن رجع زوجي الى المنزل وأنقذني من الفأر المخيف الذي لم أره قط، وإنما سمعت صوت حركته في المطبخ، ولم يستطع زوجي العودة لحضور الفرح في اليوم نفسه لطول المسافة». عن كيفية علاجها لهذه المشكلة، تقول منال: «آثار عقدة الفئران خفت قليلاً وبشكل تدريجي، بسبب تشجيع زوجي لي لانتشالي من هذا الخوف المروع من كائن ضعيف وجبان كالفأر، وأحاول باستمرار التقليل من أهمية هذه العقدة، لأن دخول الفئران الى الشقق السكنية أمر وارد، لكن كان من الممكن أن تحدث لي كارثة لو كان زوجي مسافراً مثلاً وأنا وحدي مع ابني الصغير في الشقة، وأعترف بأن خوفي الشديد من الفئران ليس أمراً عادياً ويسبب لي الكثير من المشكلات، ولهذا أحاول التشبث بالجرأة في مواجهة الفأر ولو بضربه بآلة حادة من بعيد، وأنا على ثقة بأنني في النهاية سأُشفى من هذه العقدة».

علاء حسن: محمد عبدالوهاب رسّخ عقدتي إزاء ركوب الطائرات
يشير علاء حسن، موظف، إلى عقدته من ركوب الطائرات، لكثرة متابعته لحوادثها المروعة منذ الصغر، ويتخيل نفسه يركب إحداها وقد انفجرت في الجو، فماذا يفعل بينما لا يجد أي وسيلة للاستغاثة أو شيء يحتمي به، خاصةً أن الطائرة تكون على علو مرتفع فوق السحاب.
ويضيف علاء: «ظللت لفترة طويلة أرفض ركوب الطائرات، حتى أنني عندما ذهبت إلى العمرة سلكت طريق البر، لأنها الوسيلة الأكثر أماناً والأقل مخاطرة، على عكس الطائرة التي كل من فيها هالك بشكل بشع، إذا حدث فيها أي خلل أو انفجار، حيث يتحول الإنسان إلى أشلاء، وقد تنفجر الطائرة في الجو وتسقط في بحر أو صحراء، مما يعني أن أهلي لن يستطيعوا الوصول إلى جثتي، أي أنني ضائع وممزق بلا شك».
ويوضح علاء أن حبه الشديد لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وحرصه على قراءة سيرته الذاتية منذ الصغر، رسّخا لديه الخوف من ركوب الطائرات، لأن الموسيقار الكبير كان مصاباً بالعقدة نفسها، حتى أنه لم يركب الطائرة أبداً، وكان يفضل السفر في أي وسيلة أخرى، أو يعتذر عن السفر أصلاً».
وعن كيفية خروجه من عقدته من ركوب الطائرات، يقول علاء: «قصدت طبيباً نفسياً منذ فترة طويلة، وحرصت على الذهاب اليه باستمرار، حتى أزال عقدتي هذه، وقد استغرق ذلك سنوات، وأنا الآن أسافر عبر الطائرات، بعدما أيقنت أن عدم ركوبها لن يطيل عمري، كما أن طريقة الموت ومكانه أمر قدره الله مسبقاً ولن يتغير، حيث قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (آية 34) سورة «لقمان». ولهذا فإن إيمان الإنسان منا يكون منقوصاً إذا شك في تغيير القضاء والقدر في ما يتعلق بتفاصيل موته ومكانه وكيفيته، لأن هذه الأمور بيد الله وحده وليس لنا من الأمر شيء».

عبير زكي: تخلصت من عقدتي بمساعدة طبيبة نفسية
الشاعرة عبير زكي تعيش خوفاً يصل إلى درجة العقدة النفسية من شكل المياه وحركتها في الأنهار والبحار، ولهذا كانت تخاف كثيراً من النزهات النهرية أو البحرية، أو حتى من رؤية الصيادين على شواطئ نهر النيل، ورافقها هذا الخوف منذ الصغر حتى سنوات قريبة، وقد حرمت – رغماً عنها – طوال هذه السنوات من ركوب المراكب النيلية أو السفر بحراً إلى أي مكان في العالم، أو حتى من رحلة داخلية قصيرة.
وعندما حاولت عبير التغلب على هذا الخوف من طريق الصعود الى مركب نيلي صغير مع صديقات لها، أُصيبت بانهيار عصبي شديد وارتفاع في ضغط الدم ودقات سريعة في القلب، خصوصاً أن شكل المياه نفسه يصيبها بالدوار الشديد، الذي يصل إلى حد الإغماء.
وتنهي عبير كلامها موضحة كيفية تغلبها على هذه العقدة النفسية: «ذهبت إلى طبيبة نفسية حاولت كسر حاجز الخوف في نفسي، وشيئاً فشيئاً استطعت ركوب وسائل النقل المائية، لكن بخوف أقل أو مثل بقية البشر الذين قد يخافون بشكل عادي من الغرق، وفي الوقت نفس تناولت أدوية معينة لدوار البحر، واستطعت الخروج إلى حد ما من هذه العقدة النفسية، لكن الخوف لا يزال موجوداً في داخلي، وإن كان بشكل أخف، وكما يقال «ما لا يدرك كله لا يترك كله»، خاصةً أن ركوب مياه البحار والمحيطات والأنهار عند بعض الناس يمثل متعة خيالية».

جيهان أبو زيد: هزمت عقدة الظلام بالإرادة ونصائح أهل الخبرة
تحكي الدكتورة جيهان أبو زيد عن عقدتها من الظلام، قائلةً: «منذ صغري وحتى سنوات قليلة مضت كنت أعاني خوفاً شديداً من الظلام أو حتى من الأضواء الخافتة في بعض الأحيان، وأعشق الضوء الساطع الذي يشعرني بالراحة والأمان التام، وقد سببت لي هذه العقدة النفسية في الصغر مشكلات مع أسرتي، حيث تفضل غالبيتهم النوم في الظلام الدامس وليس تحت الأضواء الخافتة فقط».
وتضيف: «شعرت بأنني لست طبيعية، ونشأ لدي إصرار قوي على قهر هذه العقدة النفسية من طريق التجربة العملية وتحمل بعض الألم النفسي، حتى لا أؤذي غيري أو أكون استثناءً عنهم، وأيقنت في النهاية أنني لن أموت خوفاً إذا جلست أو نمت في ضوء خافت أو حتى في الظلام. وشيئاً فشيئاً قهرت عقدتي بالإرادة، والاسترشاد بنصائح ذوي الخبرة النفسية والاجتماعية من أقربائي وزملائي الذين أخذوا بيدي للتغلب على هذه العقدة، مستغلين قوة إرادتي ورغبتي الحقيقية في أن أكون إنسانة طبيعية، وها انني قد نجحت أخيراً في التغلب على عقدتي من الظلام أو الضوء الخافت».

الدكتورة نبيلة تاجر: الخروج من العقدة يتوقف على نظرة المجتمع الى المصاب بها
تقول الدكتورة نبيلة تاجر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس: «كثيراً ما يتم وصف بعض الأشخاص من حولنا بكونهم معقدين نفسياً، نظراً الى بعض التصرفات غير الطبيعية التي تصدر عنهم تجاه أشياء تراها الغالبية العظمى من الناس طبيعية، فهذا هو المفهوم الشعبي المتعارف عليه. أما المفهوم العلمي للعقدة، فهو عبارة عن فكرة أو مجموعة من الأفكار المترابطة التي يكبُتها الإنسان في داخله ومنذ الصغر بشكل جزئي أو كلي، وعادة ما تكون مترابطة بانفعال عصبي أو عاطفي معين، مما يشعره بالخوف اللاإرادي من أشياء معينة يراها عامة الناس طبيعية، ولهذا نجد المصاب بعقدة نفسية مختلفاً تماماً عن غالبية الناس».  وتشير الدكتورة نبيلة إلى أن الخروج من العقدة النفسية يتوقف عادة على نظرة المجتمع الى المصاب بالعقدة، وهل يأخذ بيده للشفاء منها أو يسخر منه ويتندر عليه! فيزيد خوفه وتتفاقم عقدته النفسية، مما يجعلها متأصلة في العقل الباطن وبؤرة الشعور، وتظهر آثارها عند رؤية ما يثير العقدة النفسية، وعادة ما يفقد المصاب بها سيطرته على نفسه.   وتوضح الدكتورة نبيلة أنه لا بد من أن يتفهم المجتمع حالة المصاب بعقدة نفسية، مهما كانت غرابتها، ويلتمس له العذر، ويحاول مساعدته على الخروج الآمن منها وفي أسرع وقت. وتُعد الأسرة والمدرسة والأصدقاء من أكثر العوامل التي يمكن أن تساعد المصاب بعقدة نفسية، على قهرها أو التخفيف منها قدر الإمكان.

الدكتورة ألفت أدهم: التشخيص السليم بداية الخروج من الأزمة
تطالب الدكتورة ألفت أدهم، خبيرة التنمية البشرية، بأن تكون الخطوة الأولى للعلاج الناجع من العقد النفسية من خلال التشخيص السليم للحالة، باعتباره البداية الصحيحة للخروج من الأزمة النفسية والاجتماعية، ومن ثم حسن التعامل معها وسرعة علاجها في سن مبكرة، وبالتالي الإسهام الإيجابي من البيئة المحيطة، من طريق تفهم حالة المصاب بأزمة نفسية معينة ومساعدته على الخروج منها بسلام. وتوضح الدكتورة ألفت أنه قبل الخطوات التشخيصية والعلاجية السابقة، لا بد أن من تكون لدى المصاب بعقدة نفسية رغبة حقيقية في العلاج، وتصميم على الخروج منها في أسرع وقت، وهذا الدور يساعده على القيام به خبير التنمية البشرية، الذي يحاول استخراج القدرات الكامنة في نفس المريض وتقويتها، حتى يستطيع في النهاية قهر الخوف المرضي لديه، أو ما يطلق عليه الفوبيا والعقد النفسية.

الدكتور عادل المدني: قوة إرادة المريض تحدد موعد شفائه من عقدته
يشخص الدكتور عادل المدني، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، الظاهرة بالقول: «عادة ما تكون العقدة النفسية ناجمة عن صدمة انفعالية واحدة، أو نتيجة خبرات مؤلمة متكررة عند الإنسان في الصغر، ومن الممكن أن تتطور العقدة إلى الخوف ليس في الصغر فقط، وإنما ترافقه في الكبر حيث يستولي عليه الخوف بشكل لا إرادي».   ويشير الدكتور عادل إلى «أن العقدة النفسية قد تنشأ نتيجة الحرمان أو الأسلوب القاسي في التربية، أو بسبب تخويف الآباء والأمهات أبناءهم بقصص خرافية من التراث الشعبي، مما يجعل هذه الخرافات ترسخ في أذهانهم، ويكون لها مردود سلبي على حياتهم، من خلال العقد النفسية التي ترسخ في العقل الباطن، الذي يحتوي على أشياء كثيرة لا نعلم عنها شيئاً، مثل الرغبات المكبوتة والانفعالات الداخلية وميراث الطفولة، وتتصارع هذه الأمور مع بعضها بعضاً في داخلنا وبشكل خفي، وقد تصل إلى العقدة النفسية التي هي مجموعة من المشاعر والانفعالات الداخلية».
ويلفت الدكتور المدني إلى أن الطبيب النفسي قادر على مساعدة المريض بالاستماع اليه، حتى يصل إلى موطن الداء فيحاول تغييره والتخلص منه بشكل علمي، من طريق توجيهات وتدريبات يخضع لها المريض حتى يشفى، وهذه العملية قد تستغرق وقتاً يعتمد على استجابة المريض وقوة إرادته ومدى استفحال العقدة النفسية في عقله الباطن، كم أن هناك وسائل طبية حديثة في التعامل مع هذه العقد، التي تختلف من إنسان الى آخر.


شهادات وآراء من السعودية

وهذه شهادات من السعودية لا تختلف عن سابقاتها في مصر من حيث سبب نشوء الأزمة النفسية وسُبُل التخلص منها. مع رأي لاختصاصية تربوية ونفسية.


عبدالعزيز: كنت  أشعر بأن حياتي ستنتهي عند حافة معينة وأسقط في الهاوية
المهندس عمر عبدالعزيز (28 سنة) درس الهندسة المدنية للتخلص من عقدة الخوف من المرتفعات. عن هذه المشكلة التي كانت تواجهه يقول: «منذ صغري وأنا أخشى المرتفعات، وكنت أشعر بأن حياتي ستنتهي عند حافة معينة وأسقط في الهاوية. وأذكر أنني لم أكن أسافر مع عائلتي خوفاً من السكن في الطوابق العليا، وفي إحدى المرات عرفت أنهم سكنوا في الطابق السابع عشر في أحد الأبراج في مدينة أوروبية، ومع أنني لم أكن معهم، مجرد سماعي بهذا الرقم أصابني بالخوف والرعب. لا أنكر أن هذه المشكلة قد وضعت قيوداً على حياتي، فلم أكن أخرج مع أصدقائي للتخييم مثلاً، أو أقوم برحلات سياحية تستدعي تسلق الجبال أو ما شابه ذلك. من هنا بدأت تتشكل لديّ التحديات لمواجهة هذه المخاوف والتغلب عليها. ففي الجامعة اخترت تخصص الهندسة، وتحديداً الهندسة المدنية التي تحتاج الى الوقوف في الأماكن المرتفعة، والصعود على سلالم قيد الإنشاء، والعمل في ظروف مناخية قاسية لمن يعاني مثلي، فإصراري على التغلب على هذه المشكلة، جعل مني مهندساً ناجحاً يبحث عن كل ما يساهم في تطوره المهني، والنفسي أيضاً. وفي أيام الدراسة، خاصة السنوات العملية، كنت أطلب الذهاب إلى المواقع والإشراف على أعمال البناء، وملاحقة الأمور عن قرب، حتى ولو تطلب الأمر الوقوف على الحافة التي لم تعد تُرهبني كما في السابق».

الصبَّان: القطط سبَّبت مشكلة مع عائلة زوجي
مرام الصبان (34 سنة) تذكر أن عقدتها من القطط قد سببت لها مشكلة مع عائلة زوجها، وتقول: «تعرفت إلى زوجي في بلاد الاغتراب، وعندما عدنا إلى جدة تزوجنا، لكنه لم يخبرني بأن عائلته متعلقة بالقطط الى درجة أن لديهم ما يقارب الـ 20 قطة في المنزل، كما لم يكن زوجي يعلم أنني أخاف القطط كثيراً، ولا أذكر أي حادثة تعرضت لها في صغري وجعلتني أخاف من تلك الحيوانات الأليفة. في منزل عائلتي كانوا يعلمون جيداً مدى هلعي من القطط، ويتفهمونني جيداً. أما في منزل عائلة زوجي فأجدهم يتهامسون عليّ ويضحكون من شدة خوفي. وبسبب تصرفاتهم معي قررت أن أواجه مخاوفي، فطلبت من زوجي إحضار إحدى القطط الصغيرة من منزل عائلته لنربّيها في منزلنا، لكن للأسف لم أستطع البقاء في المنزل والقطة حرة طليقة، فأعادها زوجي إلى أهله على الفور. لا أنكر أن هذه المشكلة قد سببت لي إحراجاً في حياتي، وحاولت مراراً تخطيها لكنني فشلت. ورغم ذلك، نجحت في جعل ابني الصغير فيصل (ثلاث سنوات) يقترب من القطط ويلهو معها طالما أن عمّاته يهتممن به، مكتفية بمشاهدته من بعيد».

علي الغامدي: أخشى مقابلة الجمهور وأتمنى أن أجد علاجاً جذرياً لمشكلتي
من جانبه، يؤكد علي الغامدي (25 سنة) أنه يخاف من مقابلة الجمهور، وهو يعمل في خدمة العملاء، وقد اختار هذه المهنة لأنها تعتمد فقط على الحديث عبر الهاتف وليس المقابلة الشخصية، ويقول: «أشعر بالخوف الشديد، والارتباك، والسرعة في نبضات القلب، والرجفان في اليدين عند مقابلة حشود من الناس، أو الشروع في حديث معين. وحتى إن كنت على أتم الاستعداد لذلك، أبدأ في التفكير بالأمور السلبية قبل المواجهة، كأن أتعرض للانتقاد، أو الإحراج من البعض مهما كانت أعمارهم. في الحقيقة، سببت لي هذه المشكلة متاعب كثيرة، حاولت إيجاد حلول لها لكنني فشلت. مشكلتي تكمن أيضاً في التفكير السلبي بالأمور، مثلاً إذا ذهبت للمطالبة بحقي، أشعر بأن مساعيّ ستفشل، فأتراجع بعد أن تغزو رأسي الأفكار الخاطئة. أتمنى أن أجد علاجاً جذرياً لمشكلتي التي رافقتني منذ الطفولة، إذ طلبت مساعدة والدي للتخلص من معاناتي هذه، وهو كان يملك يومها عقاراً، فأمرني بالذهاب الى أحد السكان في العمارة والتحدث إليه، ففعلت، لكن ما إن طرقت الباب حتى شعرت ببرودة في أطرافي، ودقات سريعة في قلبي وكاد يغمى عليّ، لأعتذر من صاحب الشقة، من دون أن أُعرّفه بنفسي، ومؤكداً له أنني أخطأت في العنوان».

العنود محمد: ترتعب من الطيور إلى درجة الصراخ والهرب منها
تكشف العنود محمد (24 سنة) عن مشكلة خوفها من الطيور إلى درجة تثير الاستغراب وتبعث على الضحك نوعاً ما، وتقول: «تعرضت لبعض الأحداث الطريفة والمؤلمة في مواجهة هذه العقدة التي لم أتمكن من التخلص منها. وتردد عائلتي دائماً على مسامعي «أنت كبيرة وتخافين الطيور!»، وأذكر جيداً حادثة وقعت لي عندما كنت صغيرة بينما كنت ألهو في منزل جدّي مع قريباتي اللواتي تعمدن مضايقة الدجاجات والديك في حديقة المنزل، وما إن فقد الديك أعصابه حتى بدأ يركض خلفنا وهو يصيح بأعلى صوته، فأسرعت الى والدتي باكية من الهلع، ومنذ ذلك الحين وأنا أخاف من كل أنواع الطيور. وأذكر أيضاً مرة كنت في مكة المكرمة أؤدي مناسك العمرة، حين بدأت بالصراخ بعدما شاهدت سرباً من الحمام يمشي على الأرض، فزجرني والدي بقوة بعدما سببت له فضيحة له في بيت الله الحرام. لا أعرف ما يجول في خاطري عند رؤية هذه الطيور، ولا أنكر أنني أصبحت أضحوكة للجميع، فما إن يعلم أي شخص بخوفي من هذه الطيور، حتى يبدأ بإعداد المقالب كأن يجلب لي عصفوراً ميتاً أو يقترب مني وهو يحمل قفص طيور، لأدخل في نوبات من الهستيريا. هو شعور يؤذيني كثيراً، خاصة أنني أذرف دموعي أمام الجميع، ولاسيما إخوتي الذين يتعمدون مضايقتي إما بالأفعال أو من خلال أحاديث عن الطيور».

د. نُصير: نصف العلاج معرفة أساس العقدة النفسية ومصدرها
تقول المستشارة التربوية الأسرية النفسية الدكتورة نادية نصير: «لا يخلو أي مجتمع من أفراد مصابين بعقد نفسية، ولا بد من التأكيد أن العقد النفسية ليست مرضاً، أو أمراً مُشيناً، وأنما هي حالة نفسية قد تكون وليدة تجارب سابقة، ويمكن التخلص منها إذا توافر الالتزام مع الإرادة القوية. ومن منظور نفسي، تعتبر العقد النفسية مجموعة من المشاعر التي تولد انفعالات نفسية تم اختزانها في عقلنا الباطن في مراحل عمرية سابقة، ربما من أيام الطفولة نتيجة تعرضنا للضغوط، أو المواقف الصعبة والحرمان. ورغم أن هذه المشكلات قد قُضي عليها منذ زمن طويل، إلا أنها تبقى في داخلنا، ويمكن أن تُساهم في تشكّل طباعنا وسلوكنا، ويظهر تأثيرها جلياً حين نتعرض لمواقف مشابهه في حياتنا، كما أن العقد النفسية لا تقتصر على نوع واحد، ولا تصيب المرضى فقط وغير الأسوياء، بل تكاد تحدث عامةً لكل فرد، لكن بدرجات متفاوتة، فقد تظهر هذه العقد في سلوك أحدهم، وينتبه من حوله الى أنه يعاني مشكلة ما، كما يختلف الأمر في خصوص الاعتراف بهذه العقد، فهناك من يلجأ الى العلاج، أو استشارة أهل الاختصاص، في مقابل من يرفض الاعتراف بالمطلق».

الإيمان بالشفاء خطوة أساسية على طريق التخلص من المرض
وتضيف نصير: «ثمة خلط ما بين السلوك السيئ والعقد النفسية، فالسلوك السيئ يكون في العادة مكتسباً من المواقف التي نتعرض لها، كأن نقابل إنساناً يكذب كثيراً في حياته، فذلك إما ليخلصه من مأزق، أو حتى يصل من خلاله إلى مناصب معينة، فنجده وقد اتخذ من الكذب أسلوباً له، وكذلك الأمر مع الشخص المنافق، و«المصلحجي»، وغيرها من السلوكيات السيئة التي اكتسبها الشخص من المجتمع لتحقيق أهدافه، وهذه ليست عقداً. أما العقد النفسية فعلى أنواع، منها «عقدة العظمة» بحيث يعتقد الشخص أن قوّته تفوق قوة الناس، وهو قادر على التغلب على أي شخص، وأي شيء يعترض طريقه، وهذه العقدة تتكشّف لمن حوله من خلال تصرفاته، وما يرويه للناس من أحاديث خيالية، ومواقف لم تمر عليه، لكنه يروي القصة ويعتبر نفسه بطلها... وتلي عقدة العظمة، عقدة الظهور، وعقدة الإيذاء، وعقدة قابيل وهي التنافس العدائي على الغاية نفسها، كأن يكره أي زميل له في العمل وبالتالي يتجه الى الرد العدواني... وعقدة السيطرة على الآخرين، وعقدة المستقبل والخوف من الغد، وغيرها الكثير. وهذه العقد تُبنى على خلل في التربية، يتمحور في العقل الباطن للشخص، ومن ثم يظهر في سلوكه. وتلعب البيئة والأسرة دوراً في خلق هذه العقد لدى الأشخاص، فلا يمكن التأكيد أن التأثير الأكبر هو للبيئة ونتناسى دور الأسرة، لأن العقد تتشكل لدى الشخص وتكبر معه عندما يحتك بالعالم الخارجي. هناك أيضاً العقد التي ترتبط بالفوبيا، وهي ظاهرة للجميع، وتسبب مشاكل للشخص المصاب بها، ولمن حوله أيضاً، فهناك من يخاف من الأماكن المغلقة، والأماكن المرتفعة، وهناك أشخاص يعانون فوبيا من الحيوانات الأليفة كالدجاج والطيور والقطط والكلاب... وخوفهم يُبنى على أساس نفسي تعرضوا له في الماضي او في الطفولة».  وتوضح نصير: «وإذا عدنا الى الأسباب، نجد أن العلوم الإنسانية من أصعب العلوم التي تتحدد لها إثباتات أو تجد لها حلولاً، لأنها تستغرق وقتاً طويلاً في العلاج، وجلسات متواصلة، كما أنه وللأسف لا يتعاطى الأشخاص مع المرض من الجانب النفسي، إلا إذا وصلوا الى مراحل الاكتئاب، أو الاضطراب، أو الشعور بالقلق، أو التوتر بمختلف أنواعه، والعصبية، عندها يلجأون الى الطبيب النفسي، والبعض يكتفي بتناول المهدئات، لكنهم لا يخضعون لجلسات تأهيلية، كالعلاج بالسلوك المعرفي وتحويل الأفكار السلبية إلى تلك الايجابية، والنظريات البصرية والعصبية، والتنويم الإيحائي، وبالتالي هذه الجلسات تستغرق بطبيعة الحال وقتا طويلاً، والكثير من المرضى النفسيين يرفضون تمضية وقتهم لدى المستشارين».

السخرية من المريض أمرٌ خاطىء
وعن تأثير المجتمع في الشخص الذي يعاني عقدة أو مشكلة اجتماعية، تقول نُصير: «بالطبع نلاحظ حالات استهجان من المحيطين بالشخص الذي تظهر لديه مشكلة اجتماعية أو عقدة أو فوبيا من بعض الأمور السابقة الذكر، فتنطلق الضحكات وعبارات السخرية من هذا الشخص، وهذا أمر خاطئ، ذلك أن هذه التصرفات تُشعر الشخص بأنه مختلف عن الآخرين، وتزيد من رغبته في العيش بمنأى عن التجمعات العائلية، او الأصدقاء، وسينمو هذا الخوف لديه، ليتحول بالتالي إلى عقدة أو مشكلة تلازمه طوال حياته».
وفي ما يتعلق بكيفية التخلص من العقد النفسية، تذكر نُصير: «يجب الاقتناع بأن في الامكان عملياً التخلص من الجوانب السلبية للعقد النفسية او التخفيف من حدّتها. وللتخفيف من السلبيات يجب التفكير في مساوئ العقدة، او المشكلة التي يعانيها الشخص، والدوافع الداخلية لديه، فليس عيباً أن يعترف أي منا بأن لديه مشكلة معينة، لا يد له في وجودها. فالاعتراف والتفكير الهادئ المحايد والمتزن أولاً يساعدنا على التخفيف او التخلص من عيوبنا حين نتعرف على دوافعنا الداخلية. والمعروف أن ما يستقر في نفوسنا من عقد وعادات وقناعات هو ما يتحكم في حياتنا وعلاقتنا بالآخرين، لكن من محاسن العقل البشري أنه يكتسب عادات وقناعات جديدة قد تطغى على العادات السابقة. إذاً، فليبدأ الشخص بتكوين عادات جديدة للتخلص من عيوب العقدة السابقة، وليكن سلاحه في ذلك الإرادة القوية، والالتزام والإصرار، والاستمرار بالتعود على السلوك المضاد، ومع الزمن يستطيع تكوين عادة إيجابية جديدة قد تطغى نهائياً على الجوانب السيئة للعقدة النفسية»... مؤكدة أن «معرفة أساس العقدة ومصدرها تمثّل نصف العلاج، وبذلك يتمكن الشخص من الاندماج مع مجتمعه بكل سهولة، ويعترف بالحقائق، والقدرات التي يملكها، خاصة انه يتأقلم مع البيئة التي يعيش فيها، ومع ظروف حياته. ولا نستطيع الجزم بأن أفراد مجتمع ما أصحاء 100 في المئة، ولا يتعرضون لضغوط، أو قلق، أو توتر نفسي بغض النظر عن العقدة، فلا بد للشخص من أن يعرف كيفية معالجة نفسه والى من يلجأ في العلاج، كما لا بد له من الاعتراف في داخله بأنه يعاني مشكلة نفسية».

في سوريا: هكذا تحدّوا ظروفهم وعقدهم


ثلاثة مرضى سوريون، عرفوا مرضهم ولم يستسلموا له بل واجهوه بإرادة قوية وبمساعدة الأطباء والمجتمع من حولهم


الفنانة «ميم»: قررت أن أعود إلى حياتي
لربما كانت حالة المرض الذي لا يتمكن الطبّ الحديث من القضاء عليه والتعامل معه، من أصعب المشاكل التي يتعرض لها الفرد على الصعيد الشخصي. فبين أن يكون الفرد بحالة اتزان وانطلاق في حياته، وأن يستسلم لظرف صحي فيه الكثير من الألم والتشوّش والضعف، فرق هائل، وهذا ما عاشته الفنانة «ميم» التي كانت تعاني مرضاً منذ مرحلة مبكرة من حياتها. عندما كانت «ميم» في الثانية عشرة من عمرها، واجهت صدمة من خلال تحليل طبيب العيون لألم أصابها على شكل صداع متكرر لم تستطع تحمّله، ليؤكد الطبيب حدوث مشكلة في العصب البصري نتيجة ضعف في الخلايا المشكّلة لذلك العصب. ومع مرور الوقت تقبّل أهلها الوضع وقرروا جميعاً السعي للبحث عن علاج لتلك المشكلة الصحيّة، إلا أن المريضة لم تكن مستعدة لمواجهة هذا التحدّي، وكان انهيارها واضحاً، من خلال هروبها من مواجهة الحقيقة والاستسلام رويداً رويداً لفكرة فقدان البصر، وهذا ما أكده لنا والداها، فبعد مرور ثلاث سنوات من الصراع والقلق والخوف، تغيّر كلّ شيء في لحظة، إذ استجمعت الفنانة «ميم» قوّتها للبحث عن فرصتها بنفسها، وهذا ما صدم جميع أفراد عائلتها، إذ أكدت رغبتها في الحياة وعيش كلّ لحظاتها من دون قلق. ويضيف والداها أنّها كانت لحظة مفاجئة تضمنت الكثير من الفرح وعدم التصديق، ومباشرة كان السفر إلى لبنان وتحديد موعد مع أطباء مستشفى الجامعة الأميركية. وبعد إجراء مزيد من الفحوصات والتحاليل، كانت النتائج غير مبشّرة، وتشير في مجملها إلى ضعف واضح في العصب البصري لا يمكن ترميمه، لكن المفاجأة كانت في قوّة «ميم» ورغبتها في مقاومة مرضها، فهي على يقين بأنها ستساعد نفسها للخروج من تلك الأزمة الصحيّة، لذا عملت بإصرار على متابعة كلّ النصائح التي قدّمها لها الأطباء، فمارست الرياضة، وتناولت أدويتها بانتظام، وكانت تسعى لاستنشاق الهواء النظيف في الحديقة، فزاد ذلك في تفاؤلها، إلى أن كشف الأطباء أنّ هناك أملاً جديداً في تجاوز المشكلة، وكأنّ مناعة الجسم بنت لنفسها دفاعاً جديداً لإيقاف حالة التلف التي لو استمرت لكان من الممكن أن تفقد «ميم» بصرها كليّاً.
التقينا الفنانة «ميم» التي أصرّت على عدم ذكر اسمها، وهي اليوم في عمر الـ 25 سنة، وقد قابلتنا بروح متفائلة ومرحة جداً، وحكت لنا عن تجربتها: «الحياة غريبة وفيها الكثير من الاحتمالات، ولم أكن أتوقع أن تكون قاسية عليّ في مرحلة مبكرة من عمري، لكن في موقف ملؤه التحدّي، أدركت جيداً أنّه إمّا أن أقف الى جانب المرض ضدّ نفسي، أو أن أقف مع نفسي ضدّه، وهذه المقارنة لم تدم طويلاً ليأتي قراري بالقضاء بكلّ ما أوتيت من قوّة على هذا الداء، وأنا اليوم مستمرة في نضالي، وسيكون أمامي متسع من الوقت للاطلاع على أبحاث طبيّة جديدة قدّمها طبيبي في الجامعة الأميركية، والتي سأسعى الى تبنيها بكلّ صدق ولن أستسلم أبداً».

سليم: يتحدى الحرب وفقدان عائلته من خلال العزف
سليم طفل في الحادية عشرة من عمره، نراه كثيراً على قارعة الطرقات في العاصمة دمشق، يعزف على آلة «أورغ» صغيرة قدّمها له أحدهم. وبالاقتراب منه أكثر، نستوضح أنّه يحاول تقديم عزف لطيف للمارة ليمدّوا له يد العون. وعندما تحدّثنا إليه، وجدنا أنّ مشكلته قد لا يقوى عليها الكبار، فهو يتيم فقد أهله في الحرب، واستطاع الوصول إلى دمشق قادماً من مدينة حمص، لكي يجد له ولشقيقه مأوى متواضعاً وعملاً يعتاشان منه. يقول سليم: «لا مشكلة لدي اليوم، فقد تقبّلت ما حدث لي، وأعلم جيداً أنّ أهلي قد رحلوا عن هذه الدنيا. أنا موجود الآن، وأريد أن أعيش وأُكمل حياتي، وأكسب رزقي اليومي، لكنني ما زلت صغيراً ولا أقوى على القيام بأعمال كثيرة مثل أخي، كما لا أريد أن أمدّ يدي لأشحذ المال، ولذلك قررت أن أجلس هنا وأعزف على هذه الآلة، ومن يودّ مساعدتي فلن أقول له إلا شكراً».
من الواضح أن ظروف هذا الطفل قد فرضها عليه المحيط، ورغم ذلك قرر أن يتكيّف مع هذه الظروف وبكلّ محبّة، فنجده كلّ يوم، ومنذ ساعات مبكرة من الصباح يحاول إطلاق نغمات جميلة، ليلفت انتباه المارة، فترنو إليه العيون وتصغي له الآذان بكلّ احترام وبشيء من الدهشة، فهو يحاول الارتقاء بصورته من دون أن يؤذي أحداً. ولا بدّ من الإشارة إلى أن سليم قد اختار هذا العمل لرغبته في شراء منزل يؤويه وشقيقه بعدما فقدا كلّ شيء في الحرب التي أرخت بظلّها على البلاد. وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا الهدف، إلا أنّه يعمل بتصميم ليصل إلى مبتغاه».

أسمى: أظهرتُ التشوّه وتحدَّيت نظرات الآخرين
أسمى شابه في الثلاثين من عمرها، تحدّت مصيبتها بالخروج من أزمة الإحراج أو عقدة الخوف من مواجهة الآخر. كانت تعاني تشوّهاً في منطقة الرقبة من خلال وحمة رافقتها منذ أن أبصرت النور، وهي ذات لون زهري وتميل الى الحُمرة في جوانبها. تقول أسمى: «سببت لي هذه الوحمة الكثير من الإزعاج وهي تلازمني منذ الطفولة، وكنت محط سخرية الأطفال الآخرين وأبكي لساعات من الحزن على نفسي. وأذكر جيداً كم عانى والداي معي بسبب هذه المشكلة، بحيث كان أحدهما يرافقني في أحيان كثيرة لئلا يقترب مني أحد أو يتعمّد إيذائي، لكن ذلك لم يكن دائماً يجدي نفعاً، إذ كان وجودي في المدرسة فيما أبي وأمي في عملهما يحول دون اجتماعنا في مكان واحد وفي كل الأوقات، فكان لا بد من الفراق لساعات كل يوم، ولذلك نشأت على فكرة القلق الدائم، وبدأت بتغطية الوحمة بشعري والعمل على تطويله، إلا أن ذلك لم يكن أيضاً حلاً جذرياً، فقرر أهلي وبناء على استشارة طبيبة، أن أخضع لجراحة تجميل لإزالة هذه الوحمة، وكنت سعيدة بذلك، وكان عمري حينها 15 عاماً. لكن وقبل تحديد موعد لإجراء العملية، فكرت ملياً بأن من المفترض أن أقتلع المشكلة من جذورها، وذلك من خلال التآلف مع هذه الوحمة ولونها، ولو لفترة قصيرة من دون أن أهرب من مواجهة الناس لدى تحديقهم فيّ. ولذلك اتفقت مع أهلي والطبيبة المعالجة على أن نؤجل موعد العمليّة ريثما أشعر بأنّني صرت على قناعة تامّة بالخطوة، وهكذا فعلت إذ قصصت شعري وجعلت الوحمة ظاهرة للعيان، وكنت أتعمّد المشي في الزحام في شارع الحمرا في دمشق، لأُؤكد للناس أنّها مشيئة الله، ولست منزعجة منها، وواظبت على ذلك فترة من الزمن، إلى أن اقتنعت بالفكرة وتصالحت مع نفسي كليّاً، وبعدها توجّهت الى الحلّ التجميلي، واليوم أنا سعيدة لأنّني تريثت في التعامل مع مشكلتي بعيداً من الكره والخوف، كما تعززت ثقتي بنفسي أيضاً».

الباحثة الاجتماعية سعاد مرعي: درجة الحساسيّة تكون مرتفعة في لحظة الاصطدام بالمشكلة
التقينا الباحثة الاجتماعيّة سعاد المرعي التي أوجزنا لها مع تفصيلات ضروريّة محور تحقيقنا في المشكلات الثلاث التي عانى منها أصحابها، وفي العقدة التي تمكث في حياة الإنسان وتسبب له ألماً كبيراً ريثما يستطيع تجاوز المشكلة والقضاء عليها، وحول كلّ ذلك كان لها الرأي التالي: «البناء النفسي ضروري قبل الشروع في فكرة الحلّ لاجتثاث العقدة من جذورها، وهذا البناء يعتمد على الإنسان نفسه، ثم على محيطه العائلي أو أحد الأصدقاء المقربين مثلاً والذي يشكّل ثقة بالنسبة الى الفرد، وهنا تتنوّع المدّة الزمنيّة للبناء النفسي، فقد تكون أيّاماً أو شهوراً أو سنوات كما حصل في حالاتنا الثلاث مع «ميم» وأسمى وسليم، بعد ذلك يأتي الحلّ الواقعي أو المادي، والذي يتمثّل بالعلاج على أنواعه، ومن الممكن أن يكون العلاج موقتاً أو على دفعات، فهناك مشكلات مستعصية لا يمكن حلّها بسهولة أو بـ «شربة ماء أو جرعة دواء»، بالتالي نسعى للتكيّف بين المصاب أو صاحب العقدة والمشكلة وبين ظروفه المتحكمة به...».
وتشير الباحثة أيضاً الى مجموعة من القواعد التي قدّمتها لنا وهي: «أوّلاً أن تكون لغة التعاون أقوى في المجتمع، فالتعاون يسرّع في القضاء على المشكلة زمنيّاً، وثانياً أن ننتبه لمراعاة مشاعر الفرد المصاب، فالمشاعر ثمينة وغالية لديه، لا سيّما أن درجة الحساسيّة تكون مرتفعة في لحظة الاصطدام بالمشكلة، وثالثاً أن نبحث عن شخص مؤهل ليكون قريباً من هذا الفرد، وهنا يلعب الصديق أو الطبيب النفسي أو المدرّس في المدرسة الدور الذي أشير إليه، فلا بدّ للفرد المُصاب من تفريغ همومه وأفكاره باتجاهٍ ما وإلا نكون أمام مشكلة كبت جديدة سرعان ما تطفو على السطح».