القصة الكاملة لابن السنوات الأربع المحكوم عليه بالسجن 28 عاماً!

طفل,محكوم,أربع سنوات,سجن,قضية,أحمد منصور شرارة

نسرين محمد (القاهرة) 12 مارس 2016

طرقات متلاحقة على باب المنزل في ساعة متأخرة من الليل كانت كفيلة بأن تثير الرعب في نفوس قاطنيه من دون أن يتوقع أي منهم أن الطارق رجال الشرطة وقد جاؤوا لإلقاء القبض على صغير لم يتجاوز الرابعة من عمره بعد، لصدور حكم عليه بالسجن 28 عاماً. قصة شغلت مصر كلها، فما هي أسرارها وكواليسها؟


لم يكن هذا المشهد من نسج الخيال، وإنما مجموعة أحداث جرت وقائعها في مصر، وبالتحديد في محافظة الفيوم، حيث قضت محكمة عسكرية بالسجن المؤبد على أحمد منصور شرارة، في جناية اتهم فيها و115 آخرون بقتل 4 مواطنين والشروع في قتل 8 آخرين، وتخريب ممتلكات عامة أثناء تظاهرة إخوانية اشتركوا فيها في آذار/مارس من عام 2014، في الوقت الذي قضت محكمة الجنح عليهم في القضية ذاتها بالسجن 3 سنوات عن جرائم الإتلاف، لتصل مدة العقوبة الموقعة عليهم ومن بينهم هذا الطفل إلى 28 عاماً.
تفاصيل الأحداث المتعلقة بهذا الطفل المولود في أيلول/سبتمبر من عام 2012، بدأت في شهر كانون الثاني/يناير من العام الماضي، حيث توجهت قوة من رجال المباحث لتلقي القبض على والده منصور قرني، الشهير بمنصور شرارة، لتتم إحالته الى النيابة التي قررت حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق معه في الاتهامات الموجهة إليه، وليتم عرضه على قاضي التجديد الذي قرر مواصلة حبسه 15 يوماً أخرى، وهو ما تم تكراره أكثر من مرة على ذمة القضية ذاتها.


شخص آخر
بقي الأب مسجوناً خلف القضبان قرابة 4 أشهر من دون أن يعرف سبباً لذلك، حتى نجح في إثبات أن المطلوب في هذه القضية شخص يدعى أحمد منصور قرني وليس هو منصور قرني، ليتم الإفراج عنه على الفور.
ظن الأب أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد من دون أن يدرك أن من جاؤوا لإلقاء القبض عليه في السابق سيأتون مرة أخرى، لكن هذه المرة لإلقاء القبض على صغيره فاقد الأهلية وفقاً لما ترويه زوجته.
تقول أم الطفل إنها فوجئت بمن يطرق الباب بشدة، فانفطر قلبها خوفاً من أن يكونوا قد جاؤوا لإلقاء القبض على زوجها مرة أخرى، لكن هذه المرة سألها الضابط عن ابنها، وبتلقائية شديدة أجابت إنه نائم ليأمرها بإيقاظه.
اندهشت الأم من طلب الضابط، فماذا يريد من طفل صغير يبلغ من العمر ثلاث سنوات وخمسة أشهر، لتسأله باستغراب ماذا فعل هذا الطفل حتى يأتي رجال الشرطة في ساعة متأخرة من الليل يسألون عنه؟


جريمة طفل
لم يستوعب ضابط الشرطة ما تقول، ليجيبها بصدور حكم بحقه من المحكمة العسكرية في غرب القاهرة بالسجن المؤبد 25 عاماً إلى جانب حكم آخر بالسجن 3 سنوات من محكمة الجنح.
كلمات الضابط وقعت كالصاعقة على الأم، لتسأل ماذا فعل طفلها الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره بعد، ليبدأ الضابط في استيعاب الأمر ويطلب شهادة ميلاد الطفل، ويتبين له أنه وقت اتهامه في القضية الصادر فيها حكم الإدانة كان رضيعاً يحبو ولم يكمل العامين من عمره.
ولأن الأب سبق له قضاء أربعة أشهر خلف القضبان، حتى نجح في إثبات أنه ليس الشخص المطلوب، فقد خشي أن يعامل ابنه بالمثل ويتم إلقاء القبض عليه، فحمله وسافر من بلدته في الفيوم شمالي الصعيد إلى القاهرة يستنجد بوسائل الإعلام لحماية صغيره من الحبس، لتصل استغاثته إلى المسؤولين حتى لا يُلقى القبض عليه.


عقوبة غير جائزة
المتهم حدث لا يجوز إنزال عقوبة عليه بالسجن المؤبد، وفقاً لما أكده اللواء أبو بكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع الإعلام والعلاقات، مشيراً إلى أن القضية فيها لبس يتمثل في تشابه الأسماء.
ويقول اللواء أبو بكر لـ «لها» إن الطفل يدعى أحمد منصور قرني أحمد علي، في حين أن المتهم المطلوب على ذمة هذه القضية يدعى أحمد منصور قرني شرارة، ويبلغ من العمر 16 عاماً، وفقاً لما جاء في أوراق التحقيقات التي انتهت بإنزال هذه العقوبة عليه.


واقعة تتكرر
وأضاف اللواء أن ما حدث تكرر في الماضي وسيتكرر، في ظل احتمال أن يدلي أحد الشهود أو المتهمين في الواقعة ببيانات خاطئة، خاصةً أنه وفقاً للثابت في الأوراق، فإن المتهم هارب ولم يتم استجوابه بعد.
وأوضح أن من حق الأب الحصول على شهادة من المحكمة تفيد بأن ابنه ليس المتهم المطلوب، أو تقديم ما يفيد بكونه طفلاً حتى لا تتم ملاحقته، مؤكداً أنه على أي حال من الأحوال لن يتم تنفيذ العقوبة بالطفل.
من جانبه، قال المستشار شريف كامل، عضو محكمة جنايات الإسماعيلية، إن هذا الأمر وارد حدوثه في ضوء تقديم أي بيانات خاطئة الى المحكمة، وفور تقديم ما يفيد بكون المتهم طفلاً أو حدثاً تأخذ الأمر في الاعتبار، وتقضي بالبراءة أو إعادة القضية إلى جهات التحقيق لتحديد المتهم الحقيقي.


تحايل
وأشار إلى أنه في بعض الأحيان، وأثناء تحرير محاضر المخالفات الإدارية ضد المواطنين من جانب الأجهزة المحلية، يتم إبلاغ المسؤول باسم طفل من الأهلية عند السؤال عن المخالف، ليتم استغلال الأمر أثناء نظر القضية والقضاء ببراءته، حيث لا يجوز محاكمة طفل وفقاً للقانون.
وفي ضوء هذه الحالة من الجدل واللغط وتباري البعض في تبرير الموقف أو الهجوم على جهات التحقيق التي أحالت طفلاً الى المحاكمة، أصدرت وزارة الدفاع بياناً في الواقعة، نظراً إلى صدور الحكم من محكمة عسكرية تابعة لها لكشف الحقيقة، ليتأكد للجميع وفقاً لما جاء في البيان، أن هذا الطفل لا علاقة له بالقضية، لا من قريب ولا من بعيد.


بيان الحقيقة
قال العميد محمد سمير، المتحدث العسكري، إنه طبقاً لأوراق القضية التي نظرت أمام القضاء العسكري، فإن الواقعة تتلخص في أنه بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير عام 2014، تجمع عدد كبير من جماعة الإخوان أمام عدد من المساجد في مدينة الفيوم، ثم تحركوا في تظاهرة جابت شوارع المدينة، ورُصدت مع بعضهم أسلحة آلية وخرطوش وزجاجات مولوتوف، ثم توجهوا جميعاً إلى أحد ميادين المدينة وأشعلوا النيران بإطارات السيارات، ونتج من ذلك قطع طريق القاهرة- الفيوم.
وأضاف أن عدداً من المتهمين قد أطلقوا الأعيرة النارية بشكل عشوائي لإرهاب المواطنين، مما دفع الأهالي إلى الاشتباك معهم، وفور حضور قوات الشرطة المدنية لفض الاشتباك، بادرتهم عناصر الإخوان بإطلاق الأعيرة النارية بكثافة، مما أدى الى وفاة ثلاثة أشخاص مدنيين وإصابة عدد كبير من أفراد الشرطة والمدنيين الموجودين في محيط الواقعة، كما أُلحقت أضرار ببعض المنشآت والمرافق العامة والتي تقدر بملايين الجنيهات، وهي مديرية الصحة في الفيوم وعدد من سيارات قوات الشرطة وسيارات شركة الغاز في الفيوم وسيارة مجلس الدفاع الوطني.


المتهم الحقيقي
وبناء على ما سبق، تم تحرير محضر تحريات في اليوم التالي للواقعة، بمعرفة قطاع الأمن الوطني، ورد فيه اشتراك المدعو أحمد منصور قرني شرارة، 16 سنة، طالب، مع آخرين في الوقائع محل التحقيق، وبإحالة الأمر الى النيابة العامة، أصدرت قرارها بضبطه وإحضاره، ليتبين عقب ذلك هروبه إلى مكان غير معلوم.

أوضح المتحدث العسكري أنه في تاريخ 18 شباط/فبراير عام 2015، وردت أوراق القضية إلى النيابة العسكرية من النيابة العامة للاختصاص، وفقاً للقانون الرقم (136) لسنة 2014، لتتم إحالة المتهم المذكور لكونه هارباً ولم يُستجوب مع باقي المتهمين، وعددهم 115، الى المحاكمة بتاريخ 8 نيسان/أبريل، أمام محكمة الجنايات العسكرية، التي أصدرت قرارها بضبط الهاربين وإحضارهم ومن بينهم المتهم.

تبين عقب ذلك فرار المتهم الى مكان غير معلوم، وقد أسندت إليه الاتهامات الواردة بقرار الاتهام، ليصدر الحكم ضده بالإدانة في 16 شباط الماضي، ليرد البيان على ما تم تداوله من صدور حكم بالسجن المؤبد بحق هذا الطفل، من خلال إيضاح أنه ليس المتهم المطلوب.