هل أصبح زواج المصلحة ظاهرة في فلسطين؟ ولماذا يبحث الرجل عن زوجة موظفة؟

زواج المصلحة,ظاهرة,فلسطين,زوجة موظفة,الدين,الجمال,النسب,توديع العزوبية,الظروف الاقتصادية

رام الله- فلسطين- امتياز المغربي 12 مارس 2016

الدِين والجمال والنسب... هي أولى المواصفات التي يبحث عنها الشاب الذي ينوي توديع العزوبية ودخول قفص الزوجية، من دون أن يأخذ في الاعتبار ما إذا كانت شريكة حياته المستقبلية مصنّفة ضمن قوائم التوظيف أم لا. ولأن دوام الحال من المحال، فقد اختلفت هذه النظرة حالياً، ليس لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد التي كانت تتحكم بالزواج فحسب، وإنما للظروف الاقتصادية الصعبة التي أطاحت أحلام بعض الشباب وجعلت من بناء عش الزوجية أمراً مستحيلاً.


بنسب واضحة تنتشر البطالة وتزداد العنوسة في فلسطين...، هذا ما أكدته مصممة الأزياء امتياز أبو عواد (28 عاماً) من الخليل، وقالت: «مع انتشار البطالة وارتفاع نسبة العنوسة وتراجع بورصة الزواج في فلسطين، يبحث الكثير من الشبان المقبلين على الزواج عن الفتاة الموظفة، لتشاركهم في تحمل أعباء الحياة، مشترطين ذلك لإنقاذ زواجهم من الفشل». وأضافت: «منذ فترة قصيرة، كان معظم الشبان الفلسطينيين يفضلون البقاء أحراراً على الوقوع في فخ الزواج في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، والتي تجعلهم عاجزين عن تحمل نفقات الزواج والمهر والشقة والأثاث... وما يستتبع ذلك من مصاريف مرهقة».
سائد خنفر، ناشط شبابي، (29 عاماً)، شاب عازب من مدينة جنين، يقول: «إن الشاب الذي يختار شريكة حياته من أجل راتبها، لن يأبه لشكلها أو لأصلها أو لطبيعة تفكيرها، لأن كل ما يهمه هو الاستيلاء على بطاقة الصراف الآلي ليسحب راتبها». ويتابع: «لا أعارض أن يختار الشاب شريكة حياة تكبرها سناً، أو لا تتمتع بقدر كاف من الجمال، فالمهم برأيي هو التفاهم والتقارب الروحي».
وتشير المحامية ثورة ستيتي (28 عاماً) من جنين، وهي امرأة متزوجة حديثاً، إلى صعوبة الوضع المعيشي وتؤكد: «نظراً الى صعوبة الحياة وغلاء المعيشة أصبح الشاب لا يقوى على تحمل مسؤولية تكوين أسرة لما تتطلبه من مصروفات للزوجة والأوﻻد، وبات لزاماً عليه البحث عن شريكة عمر موظفة ليتعاونا في تأمين النفقات، ولذلك صار شرطاً من شروط الزواج أن تكون الزوجة المستقبلية موظفة». ولدى سؤالها عما إذا كانت قد مرت بهذه التجربة، أجابت بالنفي، وعلّقت: «فأنا وزوجي نحب بعضنا كثيراً، وأسسنا لبناء أسرة مميزة بعيداً عن المصالح». وعما إذا كان قد تقدم شاب لخطبتها قبل زوجها واشترط عليها الاستمرار في وظيفتها، أجابت: «لن أقبل بالطبع، لأنني أريد منه أن ينظر إليّ قبل أن ينظر الى وظيفتي التي ربما يتركني في حال خسرتها».
عندما يرتبط شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره بسيدة خمسينية، تكون خطوته هذه غير مستساغة وتحتاج الى التدقيق في حيثياتها... هذا ما لفتت إليه الكاتبة والصحافية رائدة أبو صوي (50 عاماً)، متزوجة ومن القدس مؤكدة: «في الغالب تكون الظروف النفسية والاقتصادية الدافع الى تلك المجازفة، كأن يعيش الشاب في جو أسري تكثر فيه المشاحنات بين الأب والأم، أو عدم استيعاب الأب لابنه، فعلى سبيل المثال الابن الذي أنهى المرحلة الجامعية ولم تتوافر له فرصة عمل مناسبة، يعيّره والده بالعجز عن تدبّر أموره فيأخذ مصروفه من والدته».
وتتابع: «في أول فرصة تلوح للارتباط بامرأة عاملة وتملك مصدر دخل وبيتاً وسيارة، يتمسك هذا الشاب بتلك المرأة حتى لو لم تتوافر فيها المواصفات التي رسمها لفتاة أحلامه، لأن المهم في رأيه هو التخلص من حالة الإحباط والعجز وانعدام الحيلة، متغاضياً بذلك عن حاجاته النفسية لمصلحة حاجاته المادية وترف العيش والاستمتاع بفترة الشباب».
وتضيف: «هو يعطي المرأة كل ما ينقصها في مقابل حصوله على مالها لكي يعيش بالطريقة التي يحلم بها ويستحقها مثله مثل أي شاب في العالم المتحضر».
وعما إذا كانت تعتقد بما يسمى بـ «زواج المصلحة»، تقول: «نعم، خصوصاً بعض شبان الضفة الغربية الذين يحاولون الارتباط بفتيات من القدس أو من الداخل الفلسطيني لأنهن يحملهن بطاقة الهوية الزرقاء الإسرائيلية... فوضعهم الصعب يجعلهم يبحثون عن العيش بسلام، رغم أن زواج المصلحة هو صفقة قصيرة يعتريها الكثير من المشاكل ويكون مصيره الفشل، لأنه غير مبني على دعائم سليمة».
وتوضح: «لقد تابعت قصة أحدهم الذي تزوج «زواج مصلحة»، وكانت النتيجة أن طلّق زوجته وهاجر ليتزوج بأجنبية لا يزال يعيش معها الى اليوم لأنها تمتلك الكثير من المال، متناسياً زوجته الأولى التي أفلست بسببه».
ويرى الناشط الشبابي نصير أبو مريم (26 عاماً)، وهو لا يزال عازباً، أن تعقيدات الحياة تحتاج الى التعاون بين الزوجين، لأن الشاب اليافع ﻻ يستطيع وحده تأمين كل متطلبات الزواج، ويقول: «وجود شريكة تساعده للعيش بكرامة أمر مهم، وعمل المرأة أساسي في حياة أي رجل وامرأة مقبلين على الزواج من أجل التغلب على مصاعب الحياة».

وعما إذا كان يؤيد زواج المصلحة، يذكر: «بالمطلق، لأن الزواج مؤسسة تقوم على الاحترام المتبادل بين الطرفين، وليس من أجل المادة فقط».
ويضيف: «سأختار فتاة لنكبر معاً، والمهم أن يكون هناك تفاهم وحب بيننا، لأنني أريد لمؤسسة الزواج الخاصة بي أن تنشأ في بيئة سليمة».
وعن رأيه بالشاب الذي يتزوج لمصلحة خاصة، يقول: «يكون استغلالياً، فقد تزوج شاب بامرأة تكبره بـ 10 سنوات من أجل الاستيلاء على أموالها، وبالتالي الحصول على الهوية المقدسية».
ويضيف: «لكن زواج المصلحة ليس شائعاً بكثرة، بل هو حالات فردية ومرهون بالوضع الاقتصادي الصعب للشبان المقبلين على الزواج».
بدورها، تقول الناشطة النسوية والخبيرة في الشؤون الاجتماعية وفاء القاضي: «يرى الرجل الذي يُقدم على الزواج بامرأة موظفة أموراً إيجابية عدة في هذا المجال، ومنها التعاون في الحياة الزوجية من الناحية المادية، مما يساعدهما بمرور الوقت على أن ينعما بالعيش في بيت مستقل خاص بهما، كما يساهم في تخفيف حدة المشاكل التقليدية التي تنشأ بين الحماة والكنّة، إذا كان الزوجان يعيشان مع أهل الزوج، لذا فإن الاستقلال في بيت الزوجية سيتيح لهما فرصة أكبر للتمتع بحياتهما الزوجية».
وتضيف: «لكن الزواج بامرأة موظفة تترتب عنه سلبيات كثيرة كألا يحصل الزوج على الاهتمام الكافي من الزوجة لأنها ستعاني من متاعب العمل، وسيكون ذلك على حساب السعادة الزوجية بالتأكيد، كما تصطدم تربية الأطفال ببعض الصعوبات، لأن الزوجين يمضيان أغلب وقتهما في العمل خارج البيت، مما ينعكس سلباً على نفسية الأطفال».
وتتابع: «يبدو ان اختيار زوجة تكبر الزوج سناً، أو العكس، يستند في الغالب الى موروث ثقافي واجتماعي كالعادات والتقاليد والنزعة الذكورية والمفاهيم الخاطئة لدى الكثير من النساء حول الثقة بالنفس، وقد تكون كل هذه الأسباب المفترضة قابلة للتغيير، والدليل على ذلك تأثير الوضع الاقتصادي في هذا الخيار، لذلك انتشر هذا النوع من الزيجات المرحب بها من الطرفين».
وتشير الى دور المجتمع في ذلك فتقول: «يتباين الأشخاص ويتفاوتون في مستوى الوعي والثقافة، فمنهم مَن يطلب مَن تعاونه في توفير أفضل شروط الحياة الزوجية، وهي الموظفة لأنها تملك مورداً مادياً ثابتاً، بينما يبحث آخر عمّن توفر له الحياة الزوجية الهادئة، وتتفرغ للاهتمام به وبأطفاله». وتختتم القاضي حديثها مؤكدةً: «لكل حالة إيجابياتها وسلبياتها، لذا على الإنسان، سواء اختار الزواج بامرأة موظفة أو ربة بيت أن يكون واقعياً في نظرته، ليتفهم طبيعة الطرف الآخر وظروفه، وأن يبدي استعداداً تاماً للتعاون في الحياة الزوجية، فضلاً عن الإخلاص للشريك والصبر على الصعوبات التي تعترض طريقهما ليتمكنا من تذليلها، لأن ليس كل من وضعه المادي جيد ينعم بحياة زوجية هانئة».