فاتن بندقجي: على المرأة خوض التجربة الانتخابية

فاتن بندقجي,سياسة,المرأة السعودية,حقوق المرأة

09 نوفمبر 2013

هي أول امرأة تعيَّن في الغرفة التجارية الصناعية في جدة على مستوى غرف السعودية. بادرت بتأسيس أول إدارة نسائية في غرفة جدة، هي «إدارة تدريب وتطوير المرأة». تسعى لتفعيل العمل المؤسسي من خلال مشاركتها الفعّالة في اجتماعات الجمعية العمومية للغرفة ولجانها وتطبيق مبادئ الشفافية والإفصاح والمساءلة. تحرص على إشراك المرأة في التجربة الانتخابية،  حتى وإن لم يحالفها الحظ فيكفيها شرف المحاولة. تتجسد رسالتها المهنية في دعم الرؤية الوطنية وتطبيق الأُسس الإدارية للحكم الرشيد والمواطنة المسؤولة. «لها» قابلت سيدة الأعمال السعودية فاتن بندقجي، فكان هذا الحوار...


- ترشحت في المشاركة الأولى للمرأة السعودية في الانتخابات البلدية، حدثينا عن هذه التجربة. 
أعلنت المملكة العربية السعودية عام 2004/2005  عن انتخابات مجلس بلدي، ولم تُذكر حينها المشاركة النسائية، لكن الحوار المجتمعي الذي كان يدور في تلك الفترة عن المرأة وإمكان وجودها أم عدمه في هذه الانتخابات، تناسى أهمية دور مجلس بلدي في تحسين البيئة المحلية. ولم يأتِ ترشيحي في المشاركة الأولى للمرأة، إلا بعد أن أثار مقالي في صحيفة Arab News عن الانتخابات وأهمية المجلس البلدي، وعدم التركيز على ترشيح المرأة نفسها للدخول في المجلس البلدي، انتباه صديقتي الصحافية صبرية الجوهر  التي سرعان ما حدثتني عن الموضوع، وكان لي رأيي الخاص في هذا الأمر، لأفاجأ في اليوم التالي بعنوان عريض في الصحيفة «فاتن بندقجي تُرشح نفسها.. كثاني امرأة». وبالفعل بدأت التفكير بالأمر، واستأذنت أسرتي، وحرصت على التأكد عن عدم وجود تضارب مع الغرفة التجارية حينها، لأني في تلك الفترة كنت مديرة تمكين المرأة والأبحاث في الغرفة التجارية الصناعية في جدة. ولم أنكر ما نشرته الصحف بل أكدت ذلك بترشيحي.

- في ما يخص المرأة السعودية والانتخابات، ماذا تغير منذ تلك الفترة إلى يومنا الحالي؟
تغير الكثير، أولاً لم أكن المرأة الأولى التي رشحت نفسها للانتخابات في تلك الفترة، كنت الأولى في المنطقة الغربية، لكن أول امرأة في السعودية كانت نادية بخرجي، من ثم أنا، ومن بعدي كانت فاطمة الخريجي، ومن بعدنا بدأت سلسلة من النساء تتوالى على الانتخابات. وهذا ما اعتقد أنه نقلة نوعية لأنه أصبح لدينا أصوات نسائية تطالب بحقوقها في التمثيل، وحقوقها كمواطنة، لأنه لم يكن هناك في النظام ما يمنع وجود المرأة في المجالس البلدية، ولكن كان المجتمع يسير في هذا الاتجاه، إلى إن صدر قرار سيادي قوي عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، بفضل من الله. وما حدث في تلك الفترة أنهم استبعدونا بحجة عدم استعدادهم بطريقة لوجستية إجرائية، ففي تلك الفترة لم يكن هناك بطاقات هوية لدى الكثيرات، إلا أنني أذكر أن الأستاذة هتون الفاسي كتبت مقالاً حول ذلك، مشيرة إلى أنه وإن لم تملك المرأة بطاقة هوية، يمكنها المجيء بجواز السفر الخاص بها.

عام 2004 كانت هناك مطالبة نسائية، كسرت حاجز الصمت، ليصبح للمرأة صوت في كل النواحي، بدءاً بالمطالبة بحقوقها المدنية، وإلغاء الوكيل الشرعي، والمطالبة بحمايتها ضد العنف،  والمطالبة بأهليتها، وسوى ذلك... ولا ننسى ما أصدره الملك عبد الله بحزم شديد حول وجود المرأة في مجلس الشورى، ولم نكن نتوقع هذا القرار، وهو قرار تاريخي للمرأة السعودية. وبصفتي عضو مؤسس لمجموعة «بلدي»، ترشحت لانتخابات الغرفة التجارية، لأنه يجب على المرأة خوض التجربة الانتخابية والاستعداد للمجلس البلدي.

- ما الذي ستقدمه حملة «بلدي» للانتخابات في 2015؟
ستقدم الكثير، هي اليوم تغيرت من مسمى حملة إلى «مبادرة بلدي»، والهدف العام منها كان في البداية إيصال المرأة إلى مراكز صنع القرار. وعندما أصدر الملك عبد الله قراراً بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، قررنا إجراء دورات تدريبية مع منظمة مسؤولة، لتثقيف المجتمع عن العملية الانتخابية وأدوار المؤسسات المختلفة التي تقوم عليها الانتخابات، سواء مجلس بلدي أو غرف تجارية... الخ، وهذا جزء من دورنا في التوعية والتدريب. وهذه الدورة أقيمت في مدن سعودية منها جدة والرياض، كما نعمل على تطويرها لتصبح دورة تدريب المدرب، وذلك بتدريب مدربين من أنحاء السعودية وتمكينهم من تدريب الآخرين. ومن خلال التوعية نحاول أن نرصد نساء مهتمات بالشأن العام، لنتمكن من دعمهنّ في الترشح للعملية الانتخابية. وهذا ما أسعى إلى توثيقه من خلال تجربتي في الترشح لهذه الانتخابات. كما أن الأهم من جميع ما ذُكر هو أننا بدأنا منذ سنة نتواصل مع المجلس البلدي لمدينة جدة لفتح أبواب التواصل بينه وبين المواطنين.

- ماهو مدى فهم المرأة السعودية والمشاركين من شباب وشابات الأعمال لمفهوم نظام «الكوتا»، وهل يتوافر في دورة هذا العام؟
ما اكتسبته المرأة في غرفة جدة خلال الأربع سنوات الماضية في وجودها في مجلس الإدارة و14 سنة في وجودها كموظفة، قد يذهب أدراج الرياح في يومٍ وليلة إن لم تفز امرأة في هذه الدورة، ولا يوجد شيء يضمن لها الكرسي، ولا يوجد ما يُثبت أن الوزير سيعين امرأة. جرت العادة أنه وعند عدم فوز أي امرأة لا يتم التعيين من قبل الوزير، وجرت العادة إن حصل وفازت امرأة يتم التعيين لعدد من السيدات. لكن السؤال الذي أود طرحه هنا، أيُعقل هذا الأمر؟

- المرأة سيدة الأعمال تدفع كل الرسوم، فكيف لا يكون لها أي ممثلة؟
وفي ما يتعلق بمفهوم الكوتا، نجد أن هناك من هم ضد ومن هم مع، كما أن هناك فئة لا تعرف المعنى الصحيح لهذا النظام، فـ»الكوتا» في العادة هي حماية للأقليات، وبدأت في التاريخ للمرأة. ونظام الكوتا يقول إذا كان هناك مجلس يضم 18 مقعداً، لا بد من تخصيص ثلاثة أو أربعة أو خمسة مقاعد للنساء. ففي انتخابات المجلس البلدي على سبيل المثال، تم السماح للمرأة بالمشاركة، لكنهم لم يضمنوا فوز أي امرأة، لأنها إن لم تفز لن تتعين، ولا نعرف توجهات وزير الشؤون البلدية والقروية، وما الذي سيقرره. ونظام الكوتا يفرض على المؤسسة حجز مقاعد لفئة معيّنة قد تكون المرأة، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المُسنين... وليس لدينا هذا النظام في انتخابات الغرفة التجارية للأسف.

- هل نجحت المرأة السعودية في الوصول إلى المواقع القيادية عبر العملية الانتخابية؟
لا لم تصل، وإن وصلت أين هي اليوم؟! ما زالت المرأة تناضل للحصول على حقوقها وليس فقط على مواقع قيادية. من الممكن أن نقول إنها نجحت في أن يكون لها صوت، لكن حتى هذا الصوت ليس له قيمة ملموسة. لكن ما يجب أن يُذكر هو أن قضايا المرأة بدأت تطفو  إلى السطح. قرار الملك تعيين 30 امرأة في مجلس الشورى مؤشر، لكن هذا القرار لن نجني ثماره إلا بعد حين، لان هؤلاء النسوة أمامهن طريق طويل عليهن المُضي فيه. قد تصل المرأة إن ظهرت قوانين تحميها، ولكن القانون أيضاً لا يهمني بقدر اهتمامي بالوسائل التي تضمن تطبيقه. وعلى المرأة أن تعي أهمية الانتخابات ومبادئها لتصل إلى المواقع القيادية. أنا اليوم أرفع صوتي نيابة عن المرأة التي لا تتمكن من إيصال صوتها، ومن يظهرن اليوم في الإعلام هنّ وجوه باتت معروفة ولسنّ إلا قلة قليلة، وبالتالي المرأة لم تصل بعد، ولم تأخذ أي حق من حقوقها، حتى أبسط الحقوق وهو الحق المدني، حتى أن حق منحها جنسيتها لأبنائها لا تملكه.

- هناك اتهامات من بعض الأصوات النسائية حول دعم المرشحات أثناء العملية الانتخابية، وبعد التأهل والنجاح لا يُقدمنّ شيئاً لمن دعمهن. كيف تردين على هذا؟
أرد عليهن بأن لهن الحق في كل كلمة وهمزة قيلت. وأعتقد أن المجلس الإداري الجديد الذي سيأتي، سواء كانت فاتن بندقجي موجودة فيه أو لم تكن، عليه أن يجاري عصر المعرفة الذي نعيش فيه. ومن تجاهل حقه لا يلوم إلا نفسه، والمسؤولية مشتركة. أنا ألوم نفسي كعضو مجلس إدارة، وألوم أيضاً المنتسب. في المرة الأخيرة أنا لم أترشح بل عُيّنت، وتحملت كل المهمات التي كُلّفت القيام بها، ووضعت إستراتيجية المسؤولية الاجتماعية، ووضعت برامج للجنة العلاقات الدولية التي أرأسها، وأكملت عملي ضمن دائرة مسؤوليتي.

- هل ستقبلين بالخسارة؟
أكيد سأقبل، ولن أعتبرها خسارة، لأني حالياً أخوض تجربة مكنتني من التعرف على أُناس، وهذا مكسب بحد ذاته. كما أنني تعلمت أموراً كثيرة من هذه التجربة، مع أنني لم أخضها بعد، وأنا في طور الاستعداد. وما تعلمته هو أن العملية الانتخابية غير سهلة، وتحتاج إلى ترتيب وتنظيم، وتحتاج إلى ولاء وعمل متواصل. وسأكمل مشواري إنما من الخارج، وبالتأكيد صوتي سيكون أعلى.


عن المرأة السعودية

- كيف تقرأين وجود المرأة السعودية في الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ وهل وجود المؤشرات دليل على زيادة الأعمال التجارية النسائية؟ 
سأجيب عن الشطر الثاني من السؤال في البداية. نحن نملك سجلات تجارية نسائية، وأثناء وجودي في الغرفة التجارية بحثت في تلك السجلات النسائية، لأكتشف أن الثلث منها فقط للنساء، والبقية قد تكون لطرف ثالث، أو زوج يضع السجل باسم زوجته وهي لا صلة لها بذلك. وقد يكون العكس للرجال أيضاً، ربما هناك سيدات يدرن تلك السجلات تحت أسماء أزواجهن أو أولادهن، لذلك وللأسف لا مؤشرات واضحة تدل على هذا الأمر. لكن هناك سيدات أعمال، ويدفعن الرسوم، لذلك لهن الحق في أن يكون لهن مقعد. لكن هل للمرأة وجود رقمي أو فعلي أو أثر في تلك الأعمال والسجلات التجارية؟ للأسف لا يوجد. وفي ما يتعلق بالشطر الأول من السؤال، لا مكان للمرأة في الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهنّ عدد لا يُذكر ما بين 10 إلى 15 امرأة من بين 10 ملايين نسمة، كما أن غياب الإحصائيات يؤكد عدم وجود أثر للمرأة السعودية في أي ساحة.

- ذكرتِ في إحدى المقابلات أن البيروقراطية والقوانين والإجراءات المعقدة معوقات تواجه المرأة السعودية في المشهد التجاري، فهل هناك معوقات أخرى؟
كلا الجنسين يعاني من تلك المعوقات، فالمرأة المستثمرة بأموالها في ظل إجراءات مُيسرة يسهل عليها توظيف الناس، وهذا ما يدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام، حتى وإن كانت من المستثمرات الصغيرات. يجب أن تُسهل الدولة إجراءات فتح سجلات تجارية، وربطها جميعاً بجهاز واحد، بعيداً عن معاناة المعقب، والتنقل بين دوائر حكومية عدة، خصوصاً أننا أصبحنا في زمن التكنولوجيا. والدولة فتحت باباً للوظائف البيروقراطية التي تستنزف القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال أنا كمستثمرة أستطيع أن أذهب إلى دولة أخرى وأنشئ سجلاً تجارياً دون دفع مبالغ باهظة، وأعود إلى السعودية لأفتتح الفرع الآخر لتجارتي، وهذا ما يحدث لدينا عندما لا نُقوّم أنفسنا، ولا نزيل العقبات من أمام المرأة والرجل في المشهد التجاري.

- هل ترين أن وضع المرأة في السعودية لا يتغير إلا بقرار سياسي؟ وكيف تؤثر العوامل الاقتصادية على المشاركة السياسية؟
نعم وضع المرأة السعودية لا يتغير إلا بقرار سياسي. ولا أعتقد أن هناك تأثيراً للعوامل الاقتصادية على مشاركتها السياسية. المرأة لم تأخذ أبسط حقوقها المدنية في الحياة، فكيف سيكون لها  تأثير اقتصادي أو مشاركة سياسية؟

- أين تجدين نفسك أكثر؟ كسيدة الأعمال وعضو في مجلس إدارة الغرفة التجارية، أم زوجة وأم؟
هناك ثوابت لا يمكن أن تختفي، ألا وهي واجباتي الأسرية، وبفضلٍ من الله  أنا اليوم كزوجة وأم وابنة وأخت وخالة وعمة وجدة أيضاً، أؤمن بأني أديت هذا الدور على أكمل وجه، وأبنائي اليوم هم آباء وأمهات. لكن فاتن في مرحلتها العمرية الحالية في خدمة الناس.

- ما هي منجزاتك في الماضي؟ وما الذي تسعين لتحقيقه في المستقبل؟
كانت لدي أحلام كثيرة، فمنذ الصغر كنت أحلم بتكوين أسرة، نظراً إلى الظروف القاسية التي مررت بها وأنا صغيرة خاصة عند انفصال والديّ، ولكوني تربيت بين عمّاتي. وعندما تحقق هذا الحلم بفضلٍ من الله، أصبح لديّ حلم بإكمال تعليمي، وحرصت على متابعة دراستي، كما أني كنت أرى نفسي كالقائد. واستطعت تحقيق حلم العمل لخدمة الناس... أعتقد أني حققت أموراً كثيرة، لكن ما زالت أحلامي تتجدد بداخلي. وحالياً ما أقوم به ليس لذاتي بل للمرأة، لأني وبإذن الله أطمح إلى ترك نموذج عمل للمرأة وللشاب.

- هل خطر لك تجسيد حياتك في كتاب؟
بالطبع خطر لي ذلك، وما زلت أفكر في هذا الأمر. وأعتقد أن الوقت حان للتفكير في أمر الكتابة بشكل جدي.