تعدّدت الأسباب والفرار من المدرسة واحد

الأسباب,الفرار,المدرسة,الصعيد المدرسي,التلامذة,الأهل,النشاطات المدرسية,المستوى العائلي,الهروب,المراهق,التلميذ

16 أبريل 2016

 تلقى السيد نبيل رسالة من إدارة المدرسة تعلمه أن ابنه (14 عامًا) يتغيّب عن المدرسة بشكل متواصل. أصيب الأب بالدهشة وخيبة الأمل في آن، فهو واثق بأن ابنه المراهق يذهب إلى المدرسة صباحًا ويعود منها عند الثانية كالمعتاد. حدث صدام بين الأب وابنه تطوّر إلى شجار، الابن يدافع والأب يتّهم.


غالبًا لا يكظم الأهل غيظهم وغضبهم عندما يعلمون أن ابنهم يهرب من المدرسة، فهم يشعرون بالخديعة من ابنهم أقرب الناس إليهم. وتتوتر العلاقة بينهم، الابن يشعر بالغبن لأن والده لم يسمعه، وفي المقابل يشعر الأب بخيبة أمل بابنه، من دون أن يتفهم السبب وراء فراره من المدرسة.

ويرى الاختصاصيون أن الهروب من المدرسة من الأمور التي يجرؤ التلميذ المراهق على القيام بها، فهو أصبح مستقلاً عن أهله إلى هذا الحدّ أو ذاك، مثلاً يستطيع التنقل خارج المنزل من دون مرافقة الأهل، وبالتالي فإن رقابة الأهل لم تعد كما كانت حين كان طفلاً.
ومن المعلوم أيضًا أن ميل المراهق إلى اختراق القوانين والفرار من المدرسة يشكّل نوعًا من اختبار المراهق لقدرته الذاتية على اختراق القوانين المدرسية والخروج عليها، فإذا لم تتنبه المدرسة إلى هذا الهروب فإنه سيكرّر فعلته.
وإذا تنبهت المدرسة وأبلغت الأهل، عليهم أن يعرفوا منه الدوافع التي من المحتمل أن تكون إما مجرّد محاولة لخرق القانون واختبار قدرتهم على السيطرة على تصرّفاته، فيكون ذلك عابرًا، وإما أن هناك أسبابًا أخرى عليهم تحرّيها.

ما هي الدوافع المحتملة لفرار التلميذ المراهق من المدرسة؟
يرى اختصاصيو علم نفس المراهق أن الهروب من المدرسة مشكلة اجتماعية قبل أن تكون مشكلة فردية متعلّقة بالمراهق وحده، أي أنه عندما يقرّر المراهق الهروب، فهذا مؤشر إلى وجود محيط اجتماعي أو مدرسي غير صحّي دفعه للتفكير في الهروب. لذا فإن الهروب من المدرسة أو المنزل يحدث غالبًا بشكل مفاجئ ومن دون التخطيط له، بينما يرى آخرون أن المراهق يتعمّد هروبه من المدرسة ويخطط له، وهو مؤشر لأنه غير سعيد في البيت أو في المدرسة أو في الاثنين معًا. فيشكّل الهروب نوعًا من الانفراج بالنسبة إليه، ولكنه سرعان ما يتحوّل إلى فخ. فمن الصعب عليه العودة بآلة الزمن والرجوع إلى المدرسة أو المنزل. ماذا يقول لأهله؟ لماذا هرب من المدرسة؟ فتبدو العودة إلى المنزل همًا لحظاته ثقيلة ولكنها مهمة جدًا لأنها تشترط تطور الموقف إما سلبًا أو إيجابًا، فهذا يرتكز على رد فعل الأهل حياله.


وهناك أسباب كثيرة تدفع المراهق إلى التسرب من المدرسة، ولكن يمكن حصرها في عاملين عائلي- أكاديمي وعامل شخصي.

   العامل العائلي - الأكاديمي

  • وجود مشكلة يعانيها المراهق ويكون مصدرها المنزل، يقابلها سوء العلاقة بين التلميذ والمدرّس لعدم قدرة هذا الأخير على فهم مشكلات التلميذ.
  • شعور المراهق بثقل الواجبات المدرسية وكثرتها، يقابله ضغط الأهل والمدرسة لإنجازها.
  • خضوع المراهق لرغبة زملائه أو شلّة الأصدقاء التي تشكّل بالنسبة إليه عنصرًا مهمًا في حياته. فمن الملاحظ إخلاصه لمبادئ هذه الشلّة ومعتقداتها، فيشاركها المواهب والرياضات والميول نفسها التي لا تخلو في بعض الأحيان من الأخطار والمجازفة، من بينها الهروب من المدرسة، ليظهر أمام أصدقائه بمظهر البطل والقوي.
  • صرامة المعلمين واستغلال الأهل هذا الأمر كأن يهددوه بأنهم سيشكونه إلى أستاذه، وبذلك يحوّلون المدرّس إلى جلاّد يحمل سوط العقاب.
  • البنية المدرسية من حيث عدم توافر الشروط المادية كالصفوف المزدحمة وعدم وجود الملاعب التي توفر النشاطات الرياضية، إلى جانب البنية النفسية والاجتماعية للمدرسة، فهناك بعض المدارس تحرم التلامذة من التفاعل الاجتماعي السليم ويسود فيها العقاب، والمعلّمون لا يظهرون تفهمّاً لمتطلبات التلامذة، مما يجعل التلميذ بعامة والمراهق بخاصة يشعر بأنه مضطهد.
     

   أما الأسباب المتعلّقة بالتلميذ المراهق نفسه فمنه

  • رغبة المراهق في البحث عن مغامرة وجذب الانتباه إليه، وحب التفاخر أمام زملائه.
  • عدم وجود دافع للتحصيل العلمي وشعوره بأن لا طائل من الذهاب إلى المدرسة.
  • الخوف المرضي من المدرسة كالخوف من الاختبارات المدرسية مما يضعف ثقته بنفسه، وينمّي شعوره بالقلق الشديد، ويسبب له ضغوطُا نفسية ليس في مقدوره التغلب عليها، فضلاً عن أن المراهق قد يكون من النوع الذي يعتمد على أهله في كل شيء، وبالتالي فإنه يجد نفسه في المدرسة وحيدًا وعليه تحمل مسؤولية نفسه فيجد في الهروب ملاذًا للتفلت من المسؤولية.
  • معاناة نفسية لدى المراهق تعيقه عن التفاعل الطبيعي نفسيًا واجتماعيًا في المدرسة.
  • شعوره بالوحدة الشديدة أو النبذ.
  • تعرّض المراهق لمعاملة قاسية جدًا إلى حد العنف مثل تنمّر Bullying أحد التلامذة عليه فيكون محط سخرية من الآخرين، لا سيّما التلميذ المتنمّر.
  • تعرّضه لمعاملة قاسية وإهانة مستمرة وتوبيخ من أهله أو المدرسة مما يؤدي إلى عدم  الثقة بالنفس والخوف والتردد والخجل الشديد.
  • وجود مشاكل عائلية مثل غياب الأب وانشغال الأم عن متابعة أوضاع ابنها المراهق.
  • افتقاد المراهق النموذج القدوة وغياب الحوار بينه وبين والديه.                                             

 كيف يجب أن يكون رد فعل الأهل؟
ليس هناك من وصفة محدّدة لرد فعل الأهل، فالمراهق يجب أن يدرك أن أهله تأثروا، ومن المفيد أن تكون هذه المشكلة  نقطة انطلاق ليفكّر الأهل في ما بينهم عن الأسباب، وبدء حوار بينهم وبين ابنهم أو ابنتهم المراهقة، فإذا كان حوار طرشان، فإن التسرّب المدرسي سيتكرر.
فالتسرب المدرسي أو الهروب المدرسي إشارة قوية على الأهل التنبه إليها وتجنب أسئلة أين كنت؟ ومع من كنت؟ وماذا شربت وهل دخنت؟... وغيرها من الأسئلة الاتهامية التي تجعل من الأهل محققي شرطة، بل عليهم فهم الدوافع التي أثارت فكرة الهروب لديه. فالغضب وجعل  المراهق يشعر بالذنب، من ردود الفعل التي قد تؤدي إلى انقطاع التواصل بينه وبين وأهله، وتغلق نهائيًا باب الحوار بينهما. لذا على الأهل أن يبقوا باب الاستماع إلى ابنهم مفتوحًا لكي يستطيع التواصل معهم حين يشعر برغبة في الهروب.

إذًا المسؤولية تقع أوّلاً وأخيرًا على عاتق الأهل؟
لا يمكن لوم الأهل خصوصًا المعاصرين، فهم يتعرّضون للكثير من ضغوط الحياة الاجتماعية والمهنية في آن. وهم لا يرون الصعوبات التي يمر بها ابنهم الذي يجد ربما في جلوسه أمام الشاشة، أي التلفزيون أو الألعاب الإلكترونية أو الإنترنت، تعويضًا لغيابهم المعنوي فيظهر إدمانًا حقيقيًا على التكنولوجيا الحديثة التي لا يمكن أن تحل مكان علاقته العاطفية بأهله.
وإذا لم يبدِ الأهل قلقهم من هذا الجلوس، فإن من المحتمل أن يكون الهروب هو آخر صرخة يطلقها المراهق «أنا هنا»، وأن عليهم التنبّه إلى وجوده خصوصًا في حال وجود مشكلات عائلية مثل انفصال الوالدين.
لذا يشدد الاختصاصيون على ضرورة الحوار بين الأهل والمراهق، فالهروب من المدرسة لن يكون كارثة إذا تنبه الأهل وعرفوا أسبابه وعملوا على تذليل الصعاب التي يواجهها. وعليهم ألا يحكموا على ابنهم المراهق بأنه سيئ الأخلاق أو أن يخضعوا لرغبته في أنه غير قادر على التحصيل العلمي، وبالتالي يمكنه ترك المدرسة بدل الهرب منها، بل عليهم استشارة اختصاصي نفسي عندما يشعرون بالعجز عن مساعدة ابنهم.
وقبل أن يضعوا اللوم على أبنائهم، عليهم التفكير في سلوكهم وطريقة تعاملهم مع أبنائهم، هل هم حاضرون للاستماع إلى مشكلاتهم؟ هل يُشعرون أبناءهم بالأمان العاطفي والدفء العائلي؟ فهروب المراهق الموقت من المدرسة أو من المنزل هو نداء مبطّن إلى والديه مفاده «أنا هنا، هل تشعران بوجودي؟». 


الحلول الممكنة

لكل مشكلة يعانيها المراهق حلّ غالبًا ما يكون الأهل مفتاحه، ومشكلة الهروب من المدرسة حلّها يكون بتعاون الأهل والمدرسة. وهذه بعض النصائح

على المستوى العائلي

  • البحث عن الأسباب وتشخيصها لتحديد طريقة التعاطي مع مشكلة الهروب، كتغيير المدرسة إذا اضطر الأهل الى ذلك.
  • تشخيص العلاقة مع مدرّس الصف والتلامذة.
  • استعمال أسلوب التشجيع والتحفيز.
  • التحدّث إلى المراهق والتقرّب منه لمعرفة دوافع هروبه من المدرسة والعمل على تقويم سلوكه.
  • معرفة ما يرغب فيه المراهق وما يرهبه ويرفضه، والعمل على تذليل الصعاب التي يواجهها، وتقديم الدعم له في هذه الأمور. مثلاً إذا كانت الدروس صعبة، يمكن تقديم المساعدة له بالوسائل المتاحة، وإذا كان السبب معاملة أستاذ المدرسة فمن الضروري التحدّث إليه والتعاون معه على تحسين العلاقة بينه وبين التلميذ. أما إذا كان السبب تلامذة الصف فيمكن التعاون مع إدارة المدرسة كتغيير الشعبة التي ينتمي إليها التلميذ.

أما الحلول على الصعيد المدرسي فيمكن أن تكون على النحو الآتي

  • متابعة التلامذة من خلال ملف خاص بكل تلميذ يحدّد سماته الشخصيّة والنفسيّة ومتابعة أوضاعه الأكاديمية والاجتماعية.
  • التواصل المستمر بين الأهل والمدرسة للتعاون على إيجاد الحلول لمشكلة الهروب من المدرسة.
  • ضرورة وجود مرشد نفسي في المدرسة لمساعدة التلميذ على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي في المدرسة.
  • إشراكه في النشاطات المدرسية، لا سيما تلك التي تقوم على روح الجماعة أو الفريق ليتسنى للمراهق الاندماج في نطاق الجماعة.
  • مناقشة المشاكل السلوكية في الصف وتوعية التلامذة بأخطارها.
  • تقرّب المعلّمين من التلامذة وتفهّم احتياجاتهم ومشاكلهم ومساعدتهم على تخطيها.

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة