في مصر قانون النفقة جلاد النساء

قانون النفقة,في مصر,جلاد النساء,محكمة الأسرة,أب يتخلى عن أولاده,زوجات يطلبن الطلاق,محاولة انتحار,ثغرات التطبيق

القاهرة – فادية عبود 16 أبريل 2016

على أبواب محكمة الأسرة في القاهرة تقف قصص تدمى لها القلوب، أبطالها أزواج تفننوا في قهر النساء، أب يتخلى عن أولاده من أجل نزواته، وآخر جعله عشقه للمخدرات يتنازل عن قوامته التي أوصى بها الإسلام، وثالث أعمته نرجسيته وغروره عن ضعفه في العلاقة الزوجية، والنتيجة واحدة في النهاية... زوجات يطلبن الطلاق ويعانين الأمرّين مع عذاب قانون النفقة، الذي يعتبره كثر «جلاد النساء».


محاولة انتحار
تخرج من باب إحدى محاكم الأسرة في القاهرة، لكن مظهرها الأنيق لا يدل على أنها صاحبة إحدى الدعاوى القضائية، إلا تجهم وجهها يؤكد أنها تحمل جبالاً من المشاكل. وعندما استوقفناها، أوضحت أنها ترفع دعوى نفقة على طليقها الغني، على حد قولها. تقول منيرة، 28 عاماً، محاسبة في أحد البنوك الدولية في مصر: «تزوجت فور تخرجي في الجامعة، بمدرّس رياضيات في إحدى المدارس الدولية، ولا أنكر أن دماثة أخلاقه واستقراره المادي قد أغرياني، فكان العريس المثالي لكل فتاة، لكننا انفصلنا عن بعضنا بعد أشهر قليلة من الزواج بسبب عصبيته الزائدة وغضبه الجامح وضربه المستمر لي، مما جعلني أُقدم على الانتحار من الدور السابع حيث مسكن الزوجية».
وتتابع: «تزوج طليقي ثم تزوجت بدوري، فانقطع عن الإنفاق على ابنته، وأصبحت أنفق راتبي كله على مصاريف تعليم الطفلة».
وتحكي منيرة عن رحلتها في محاكم الأسرة، قائلة: «استمرت دعوى النفقة في محكمة الأسرة لمدة عامين، ولحسن حظي استطعت الحصول على إفادة راتب من المدرسة الدولية التي يعمل فيها أبو ابنتي، وقدمت معها الايصالات المصرفية التي تثبت أنه كان يحول لي مبلغاً وقدره 2500 جنيه شهرياً، وأكدت للقاضي أنها كانت نفقة البنت المتفق عليها في ما بيننا، وهي كانت آخر نفقة حصلت عليها منه. في المقابل، لم أتمكن من إثبات أنه يملك مركزاً كبيراً للدروس الخصوصية، وأنه مليونير، خاصةً أن طليقي كان يقدم رشاوى مالية كبيرة الى المخبرين الذين يتحرّون عنه وعن دخله، فضلّلوا الحقائق، وبالتالي كان من المفترض أن أحصل على نفقة أكبر بناءً على أوضاعه المادية».

مقابل الخيانة
لم تتوقع نيهال أحمد، 33 عاماً، أن زميل الدراسة الخلوق المهذب سيعذبها ويستغل راتبها ولا يقدر موافقة أهلها على ظروفه المادية المتواضعة، وزواجه بابنتهم بدون شقة زوجية، والسماح لها بمرافقته الى السعودية حيث يعمل، ليكون عقابها بعد اكتشاف خيانته مرات عدة أن يطردها من منزلها في السعودية، لتعود إلى بيت أبيها بصحبة طفليها بلا مأوى.
وتتابع: «ضحّيت بشبابي على مدار ثلاثة أعوام في المحاكم وتكبّدت التكاليف المادية للمحامين، خاصةً أنني المسؤولة الوحيدة عن مصاريف المدارس الدولية لابنيَّ، وحتى الآن لم أحصل على حكم بالنفقة، إذ يصعب إثبات دخل زوجي لأنه خارج الدولة، والآن لا أعرف ماذا أفعل، فدخلي كله أسدده للمدارس وأهلي يتكفلون بمصاريف إقامتي وطفليَّ معهم، ولا أستطيع بحكم القانون أن أتنفس بحرية، فالمطالبة بحكم الطلاق والإنفاق داخل أروقة المحاكم تحكم على آلاف المصريات يومياً بالموت وهن أحياء».

تلاعب بالقانون
أما كرستين جمال، فتقول: «بخل زوجي، رغم اقتداره واستغلاله لراتبي رغماً عن أنفي، جعلني أنفصل عنه، وألجأ إلى المحكمة من أجل رفع دعوى نفقة على الطفلة، لأفاجأ بأنه نجح في التواطؤ مع الشركة التي يعمل فيها، وقدم استقالة زائفة رغم استمراره في العمل، وبالتالي فشلت التحريات في إثبات دخله الرسمي، وحكمت المحكمة بـ500 جنيه نفقة شهرية لا توفر للطفلة مسكناً كريماً ولا تعليماً، ولا حتى طعاماً آدمياً، والجدير ذكره أنه ممتنع عن الدفع على مدار خمس سنوات منذ صدور الحكم».

تعديل القوانين
تؤكد الدكتورة هدى بدران، أستاذة علم الاجتماع، ورئيسة الاتحاد النسائي المصري، أن قوانين الأحوال الشخصية برمّتها في حاجة ماسة إلى تعديلات من أجل إنصاف النساء.
وفي ما يخص قانون النفقة، توضح: «يقع الظلم دائماً على عاتق النساء بسبب صعوبة إثبات دخل الزوج كاملاً وصحيحاً، إلا إذا كان عاملاً في شركة دولية أو بنك أو موظف حكومة، في ما عدا ذلك يتفنن الأزواج ومحاموهم في التلاعب والتهرب من إثبات الدخل، من طريق استغلال ثغرات القانون أو تقديم استقالات زائفة، أو التواطؤ مع أرباب عملهم، أو تقديم الرشاوى للمخبرين الذين يتحرّون عنهم، ولكن الظلم الأكبر يقع على عاتق النساء المتزوجات من ذوي الأعمال الحرة والبسيطة، مثل النجار والسبّاك وغيرهما، وهنا يستحيل إثبات دخل الزوج، فتقع ربة المنزل غير العاملة في براثن الفقر المدقع، وهنا يوجب القانون على الدولة الحكم لها بأقل نفقة وقدرها 500 جنيه.
وتتابع د. بدران قائلة: «بعد الحكم على الزوج بالنفقة، يلجأ إلى أساليب عدة للتلاعب بثغرات القانون، منها تقديم إثبات بأنه عائل أمه أو زوجة أخرى أو حتى أخته، وأحياناً يجمع ما بينهن، وهنا يخفض له القاضي النفقة، ناهيك عما إذا كان متزوجاً أو مطلقاً، فأحيانا تقسم النفقة نفسها على ثلاث نساء، وهذا أمر مجحف بحقوقهن».
وتضيف: «على الدولة تفعيل قانون النفقة بعقوبة رادعة، ورغم أن حكم النفقة النهائي يكون إما الدفع أو السجن، فلا ينفذ الحكم بالسجن عند امتناع الزوج، نظراً إلى كونها قضية مدنية وليست جنائية. وبناء عليه، قدم الاتحاد النسائي المصري توصية إلى الدولة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية من أجل إنصاف النساء، خاصة ربات البيوت والمسنّات اللواتي يتم تطليقهن بعد سنوات عدة، فيجدن أنفسهن بلا عائل أو مأوى أو حتى نفقة».

ثغرات التطبيق
في المقابل، تؤكد المحامية انتصار السعيد، رئيسة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن قوانين الأحوال الشخصية كلها في حاجة إلى تعديل، فرغم الجهود المبذولة من الدولة والقضاء، إلا أن تطبيق قانون محاكم الأسرة الصادر برقم 10 لسنة 2004، يشوبه العديد من الأخطاء رغم حداثته، إذ عند تطبيقه على أرض الواقع، وجد أنه يحتوي على العديد من الثغرات التي يستغلها الزوج والمحامي في إجحاف حقوق النساء.
وتتابع: «ورغم وصول عدد الدعاوى القضائية التي يتم النظر فيها أمام محاكم الأسرة، الى ما بين 900 و1500 دعوى قضائية يومياً، متضمنة الطلاق والخلع والنفقة، لا تزال المرأة تعاني بسبب إطالة أمد التقاضي، رغم زيادة عدد محاكم الأسرة بهدف إنهاء التقاضي بسرعة حفاظاً على مصالح الأسرة، خاصةً أنه في قضايا النفقة تكون المرأة في أمسّ الحاجة إلى الإسراع في صدور الحكم، خاصة لو كانت ربة منزل بلا أي مورد رزق، إلا أن التطبيق العملي شابه بعض العيوب والأخطاء، والتي يجب تلافيها، ومنها التأخر في بعض المحاكم في تحويل ملف التسوية من مكتب التسوية إلى المحكمة، وكذلك كثرة التأجيلات لمدد طويلة في بعض القضايا بلا داعٍ لذلك».
وتضيف السعيد: «كذلك واجهنا مشكلة كبيرة في القيمة التي يدفعها بنك ناصر الاجتماعي للزوجة في حال حكمت المحكمة لها بنفقة ألف جنيه، فلا يصرف لها سوى خمسمئة جنيه، والكارثة إذا كانت للزوج ثلاث زوجات أخريات مطلّقات فيتم تقسيم المبلغ بواقع 150 جنيهاً لكل سيدة منهن، وهو مبلغ زهيد لا يكفي لإطعام رضيع واحد».
في المقابل، توضح رئيسة مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن القانون يلزم الزوجة بإحضار خطاب تحرٍ عن دخل الزوج، وللأسف هي ملزمة به وتحصل عليه من خلال تقديمه الى قسم الشرطة التابع له الزوج أو محل عمله، ولكن هناك أزواج خبراء في التهرب والتلاعب رغم أنهم مقتدرون، وتحصل السيدة فقط على مبلغ زهيد.
وفي النهاية تطالب المحامية انتصار السعيد بضرورة تعديل بعض المواد في قوانين الأحوال الشخصية، لتحصل المرأة على حكم بالنفقة من الجلسة الأولى.