black file

تحميل المجلة الاكترونية عدد 1090

بحث

بخل النساء: شِح وتقتير أم حكمة وتدبير؟

يتحدث الناس في غالب الأحيان عن الرجل البخيل، ويعتبرون البخل صفة سيئة في الرجل تجعله موضع انتقاد من الأقربين والأبعدين. ولا تنفر النساء من أحد مثلما تنفر من الرجل البخيل... لكنْ، ماذا عن المرأة البخيلة، وما الذي يدفعها إلى البخل؟ وكيف يؤثّر بخلها على علاقتها بمن حولها؟ تحاول «لها» أن تجيب عن ذلك في هذه الشهادات والمواقف.


بخل بحجَّة التوفير
يروي الإعلامي المصري جلال الشايب قصة عن بخل إحدى الزوجات قائلاً: «لي قريب متزوج من امرأة بخيلة على نفسها وعلى غيرها، وتعلّق كل بخلها على شماعة التوفير والخوف من الحسد، فمثلاً لا تشتري لنفسها ولأولادها ملابس إلا من الأماكن الشعبية جداً، وأحياناً تشتري ملابس مستعملة مما يتسبب في شجار دائم مع زوجها الذي كره الخروج معها أو مع أولاده، لأن ملابسهم لا ترقى الى المستوى الاجتماعي الذي هم عليه، حيث تعمل الزوجة طبيبة وزوجها مهندس وأولادهما في مدارس لغات».   ويضيف الشايب: «أكد لي صديقي مرات عدة أنه شخصياً لا يحب التوفير، ويؤمن بأن النقود وُجدت لكي تصرف بشكل متوازن ومعتدل، والأجمل في الزوجة أن تكون عقلانية في كل تصرفاتها، لأن المال إحدى زينات الحياة الدنيا، ويجب الاستمتاع به، وليس ادخاره تحت مسمى التوفير والخوف من الحسد كما تؤمن الزوجة البخيلة».

بخل مادي وعاطفي
يعرض المحامي منتصر العمدة، قصة مثيرة لصديقه مع زوجته البخيلة، قائلاً: «لي صديق كره زوجته كرهاً شديداً بسبب بخلها، فهي تريد الأخذ فقط وتكره العطاء في كل صوره، حتى لو تعلق الأمر بالكلمة الحلوة أو المشاعر الطيبة وليس بالمال فقط، ووصل به الأمر إلى أنه لم يعد يستطيع النظر في وجهها ولا حتى الجلوس معها، كما قرر طلاقها، لكن المشكلة في الأولاد». ويضيف منتصر: «بدأ صديقي يبحث عن زوجة أخرى، وأصبح ينسج علاقات عاطفية في الفترة الأخيرة، بسبب بخل زوجته وتناقض الطباع بينهما، مما يؤدي الى اشتعال المشكلات بينهما باستمرار، خاصة أن صديقي كريم وسخيٌ بطبعه، ويحب أولاده العيش في مستوى أصدقائهم، الأمر الذي تصر الأم على رفضه بشدة، مما جعلهم يكرهونها ولا يطلبون منها شيئاً».

نبكي لنحصل على مصروفنا
تعترف سلوى، وهي طالبة، بأن أمها بخيلة جداً وتسبب إحراجاً لها ولإخوتها، وتقول: «لا أستطيع دعوة صديقاتي الى المنزل، لأن أمي تمنعني من تقديم واجب الضيافة اللائق بنا، خاصة أننا أسرة ميسورة الحال، وفي الوقت نفسه تتشاجر مع أبي إذا أعطانا مصروفاً يتناسب مع مستوانا الاجتماعي، وقد وصل بها الأمر إلى تهديده بطلب الطلاق إذا أعطانا مصروفاً بدون علمها، باعتبارها «وزير مالية» البيت، ولا يجوز إنفاق جنيه واحد إلا بعلمها وتحت رقابتها».  وتضيف سلوى: «الحجة الدائمة لـ«ماما البخيلة» أن الدلع يفسد الأبناء والبنات، ولا بد من أن يشعروا بقيمة الجنيه. وإذا أردنا زيادة المصروف الشهري - لأي سبب كان – لا بد من أن نرجوها ونبكي أحياناً، لتعطينا أقل القليل، مع محاسبتنا على كيفية إنفاق المصروف والتأكد من صحة كلامنا، أي أنها لم تكتف بدور وزير المالية، بل تقوم بدور وزير الداخلية والنائب العام، من حيث التحريات والتحقيقات».

لا تُهدي ولا تُهْدَى
أما المحاسبة خديجة محمود فتروي قصة قريبة لها ثرية جداً، لكن في أغلب الأحيان لا يبدو عليها ذلك، فمثلاً لا تحضر هدايا لمن تقوم بزيارتهم، كما لا تدعو أحداً إلى بيتها الفاخر إلا في مناسبات قليلة جداً، ويكون الإنفاق على الضيوف شحيحاً». وتضيف خديجة: «وصل الأمر بقريبتي هذه إلى أن رفضت الزواج لفترة طويلة جداً، لشكها في أن من سيتزوجها سيجبرها على الإنفاق من مالها الخاص الذي ادخرته من ميراثها وعملها، لأنها كانت تمارس وظيفة مرموقة جداً». وتكمل: «تخيلوا أن قريبتي هذه تزوجت في سن متأخرة جداً بشاب وسيم، نصب عليها وجعلها في لحظة ضعف توقّع له على جزء كبير من ثروتها، بعدما عملت له توكيلاً بإدارة أموالها التي تسير في اتجاه واحد، إلى البنك فقط... أما طريق السحب منه فمغلق دائماً».

فقر من خشية الفقر
تروي هويدا إبراهيم، بكالوريس في العلوم، قصة أخرى لصديقة لها عكس الفطرة النسوية، فتقول: «رغم أن المرأة بالفطرة تحب التزين، ليس بالملابس فقط، وإنما بالمجوهرات بمختلف أنواعها، خاصة الباهظة الثمن بينها، فإن لي صديقة تملك ثروة ورثتها كابنة وحيدة عن والدها المليونير، بعدما علّمها كيفية إدارة هذه الأموال الطائلة، لكنها طوال حياتها - التي شارفت على الخمسين - لم ترتد أبداً ملابس أنيقة أو حتى ذات جودة عالية، وترفض بالتالي التزيّن بالمجوهرات، سواء العادية أو الثمينة، فبدت كرجل حرّم الله عليه التزين بالحرير والذهب... وأجزم بأنها لعنة «البخل» التي جعلتها تعيش في فقر خشية من الفقر بحد ذاته».

الدكتورة إيمان عز الدين: الفن والإعلام تجاهلا المشكلة طويلاً
تشير الدكتورة إيمان عز الدين، رئيسة قسم الدراما والنقد في جامعة عين شمس، إلى أنه غالباً ما تُنسب صفة البخل إلى الرجل أكثر من المرأة، لأنه رب الأسرة، والمسؤول الأول عن الإنفاق عليها، سواء من الناحية الدينية أو الأدبية والأعراف الاجتماعية. أما المرأة البخيلة فلا تُذكر إلا قليلاً لأنها ليست المسؤولة غالباً عن الإنفاق، بل يُنسب إليها حسن التدبير والاعتدال في إدارة ميزانية بيتها واحتياجات الأبناء وطلباتهم... وغيرها من الأمور.  وتوضح الدكتورة إيمان، أن هناك كثيراً من الأعمال الفنية والدرامية التي تناولت موضوع بخل المرأة، لعل أشهرها ما جسدته الفنانة ماجدة زكي في مسلسل «كريمة كريمة»، بينما تم تجسيد شخصية البخيل في كثير من الأعمال، وأشهرها «البخيل وأنا» للفنان فريد شوقي.
وتطالب الدكتورة إيمان بحسن توظيف الفن، لنقد وذم صفة «البخل» لدى النساء والرجال بوجه عام، وتقديم النموذج المعتدل في الإنفاق، لأن البديل الصحيح للمرأة البخيلة ليس المرأة المسرفة المبذرة التي تنفق في كل شيء بلا عقلانية، ولا بد من أن يلعب الإعلام دوراً في نبذ البخل والإسراف في الوقت نفسه، وتشجيع الاعتدال.

الدكتورة سامية قدري: بخل المرأة يسبب مشاكل أسرية
توضح الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع في كلية بنات عين شمس، أن بخل المرأة بعامة والزوجة بخاصة، موضوع في غاية الأهمية، لأنه كثيراً ما يخلق مشكلات بينها وبين أفراد أسرتها، فمعظم الأزمات في العلاقات الأسرية تلعب فيها المادة دوراً كبيراً، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف العيش وكثرة احتياجات أفراد الأسرة، خاصة الأبناء.

 وتشير الدكتورة سامية إلى أن بخل المرأة يظهر بصورة أوضح إذا كانت تمتلك زمام الأمور المالية، كأن تكون امرأة عاملة أو صاحبة الدخل الأكبر أو المتحكمة بشكل كبير في ميزانية الأسرة، كما يظهر البخل جلياً لدى المرأة التي تخاف كثيراً على مستقبلها، ولهذا يزيد حرص المرأة أو بخلها بشكل أكبر إذا كانت تعيش في كنف أسرة غير مستقرة، أو إذا كانت هناك مخاوف ومخاطر تهدد مستقبلها.
وتطالب الدكتورة سامية بالتفرقة بين الاعتدال في الإنفاق، وهذا أمر جيد، وبين البخل الذي يثير غضب الآخرين، لأن البخيلة تمنع عن ذويها حقوقهم في الإنفاق، أو تضيّق المعيشة عليهم رغم توافر الإمكانات المادية للاستمتاع بالحياة.
وتلفت الدكتورة سامية إلى أن البخل لدى المرأة يؤدي إلى جعل صاحبته والمحيطين بها عرضة للتوتر النفسي والتمزق الاجتماعي، لأنه سيظل نقطة خلاف دائم بينهم، لهذا فإن خير الأمور أوسطها.  وتنهي الدكتورة سامية كلامها مؤكدةً أن على المرأة أن تلبي احتياجات أسرتها أو المحيطين بها، بمن فيهم ضيوفها وجيرانها وزملاؤها، بالحدود المعقولة، ولا تلتفت إلى إرضاء الناس بالقيل والقال، لأن إرضاء الكل أمر مستحيل، كما أن بعض الناس وللأسف يصفون النساء الحكيمات في الإنفاق بالبخل، وهن لسن كذلك، بدليل أنهم يمتدحون المسرفات للتفاخر، وتلك مصيبة، لأن المرأة وإن كانت حريصة أو شبه بخيلة في إدارة بيتها، فهي خير ألف مرة من مسرفة متفاخرة تهدر أموال أسرتها في أمور تافهة وسخيفة لا طائل منها، فتضيّع أسرتها وتُغرق زوجها في الديون، حتى لو كان لديه مال قارون.

الدكتور عادل حميد: هناك فرق بين البخل والتدبير
يشير الدكتور عادل حميد، أستاذ الاقتصاد ووكيل كلية التجارة في جامعة الأزهر، الى أن هناك فرقاً كبيراً بين البخل وسلوك التوفير أو التدبير وتجنب المخاطر الحالية والمستقبلية، أو التصدي للرغبات الجامحة لدى الأبناء في كثرة متطلباتهم في هذا العصر، ونظرهم إلى من هم أعلى من مستواهم، وبالتالي زيادة إنفاقهم بلا حدود أو ضوابط، والذي إذا لم تلبّه الأم، يُطلق عليها لقب «بخيلة».
ويوضح الدكتورة عادل، أن متطلبات الأسرة العصرية أصبحت كثيرة، والمخاطر الاقتصادية التي تتعرض إليها أكبر، ولهذا فهي تحتاج إلى ادخار بعض الأموال لتقيها مخاطر الأيام الصعبة، لأنه كما يقال في المثل العامي المصري «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود»، فهذه العقلانية من المرأة شيء محمود، لكن المشكلة إذا زاد الشيء عن حدّه انقلب إلى ضده، بمعنى أنه إذا زاد التوفير والادخار، وانعكس ذلك سلباً على المصروفات اليومية للأسرة، فعندها يدخل في خانة البخل والشح، ولهذا لا بد من التوازن بين متطلبات الحاضر ومخاوف المستقبل وتطلعاته، بحيث لا يطغى الحاضر على المستقبل من خلال الإسراف والتبذير، ولا يطغى الخوف من المستقبل على الحاضر فيصبح بخلاً وشحّاً.

الدكتور محمود فتحي: المرأة البخيلة تبحث عن الأمان أكثر من غيرها
عن التحليل النفسي لشخصية «البخيلة»، يقول الدكتور محمود فتحي، رئيس قسم علم النفس في جامعة الفيوم، إنها شخصية تشعر دائماً بالحاجة إلى امتلاك الكثير من المال والأملاك والمجوهرات، حتى تشعر بالأمان والثقة بالنفس، لدرجة أنها كلما امتلكت أكثر زادت سعادتها وشعورها بالأمان. والغريب أنها رغم ادخارها المال تحرم نفسها والمحيطين بها من الاستمتاع به، لأن متعتها الحقيقية تكمن في الادخار، سواء في المصارف أو العقارات والأراضي، بل وتستمتع أكثر برؤية ثروتها في صورة أموال سائلة مكدسة في الخزائن، أو أي مكان تخفي الأموال فيه بعيداً من عيون الآخرين.
ويضيف الدكتور محمود، أن المرأة البخيلة ترى دائماً أنها بدون المال لا تساوي شيئاً، ولهذا تحتفظ بكل شيء، خاصة ما قلّ وزنه وارتفع ثمنه، وقد تزداد صفات البخل ترسخاً في نفس المرأة لدرجة أنها تحتفظ بكل شيء حتى لو كان لا يصلح للاستخدام.  وعن إمكانية وجود ارتباط بين المرأة البخيلة مادياً وعاطفياً، يقول الدكتور محمود فتحي: «قد يكون هناك ارتباط بينهما، وهذه من أسوأ صور المرأة البخيلة على الإطلاق، لأنها تكون بخيلة حتى في مشاعرها تجاه أقرب الناس إليها، مثل الزوج والأولاد».

نهاد أبو القمصان: ليس مطلوباً من المرأة أن تكون مسرفة لئلا تتهم بالبخل
تستنكر نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، فكرة غالبية الرجال عن المرأة الاقتصادية، إذ يلقبونها دائماً بـ«البخيلة»، بل وينسجون حولها القصص والحكايات المبالغ فيها لتشويه صورتها، مع أنها قد تكون مدبرة وحكيمة جداً وتريد تربية أولادها على الاعتدال، وليس شراء كل شيء يحتاجونه أو لا يحتاجونه بحجة أن أصحابهم يفعلون ذلك. فمثلاً هل عندما ترفض الأم شراء هاتف خليوي بآلاف الجنيهات لطفل في السادسة أو السابعة يعد هذا بخلاً، مقارنة بمظاهر الترف الزائدة لدى أقرانهم من الأطفال؟
تشير نهاد أبو القمصان إلى أنه في بعض الأحيان يصف الزوج زوجته العاملة بالبخل، لأنها لا تنفق راتبها كله في احتياجات البيت، مع أنه لا يجوز شرعاً إجبار المرأة العاملة أو الغنية على الإنفاق على زوجها أو أولادها من مالها الخاص، لأن لها ذمتها المالية المستقلة، وهي بالتالي غير ملزمة بمساعدته في الإنفاق، لتفرد الزوج بالنفقة على زوجته وأولاده، لأن القوامة للرجل وفي مقدم أسبابها الإنفاق، أما أجر المرأة العاملة أو مال المرأة الثرية فهو حق خالص لها ولا يحل له شرعاً أخذ شيء منه إلا بطيب نفس منها.
وتوضح نهاد أبو القمصان، أن الاعتدال مطلوب في كل شيء، وليس مطلوباً من المرأة أن تكون مسرفة ومبذرة تهدر أموال أسرتها في التفاهات حتى يقال عنها إنها «كريمة»، وفي الوقت نفسه يجب ألا تكون من البخلاء الذين يسجنون أنفسهم وذويهم في فكرة أن المستقبل غامض ولا بد من الادخار بلا حدود، أو ادعاء الفقر خشية الحسد، ولهذا لا بد من تصحيح ثقافة المرأة البخيلة والمسرفة، لأن كليهما مدمر.

الدكتور عمرو الورداني: الثقة في الله تحمي المرأة من البخل
يشير الدكتور عمرو الورداني، أمين الإفتاء والتدريب في دار الإفتاء المصرية، إلى أن البخل عموماً قيمة سلبية مذمومة وقد نهى عنها الإسلام في نصوص قرآنية صريحة فقال الله تعالى: «َلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (آية 180) سورة «آل عمران». وأكد الله المعنى نفسه بقوله: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا» (آية 37) سورة «النساء». وعن جزاء البخلاء الذين يكتنزون الأموال قال الله تعالى أيضاً: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ» (الآيتان 34- 35) سورة «التوبة».
ويوضح الدكتور الورداني، أن البخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير، بل إنه يعد أصلاً لنقائص خصال ذميمة كثيرة في المرأة، ولهذا فهو لا يجتمع مع الإيمان الحقيقي والثقة في الله، بل إنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل، ولهذا فهو يُهلك الإنسان ويدمر الأخلاق، ويكفي أن البخيل محروم في الدنيا ومحاسب في الآخرة على بخله وحرمانه، وهو مكروه من الله ومبغوض من الناس.
ويستشهد الدكتور الورداني على هلاك المرأة البخيلة، حتى ولو كانت مجتهدة في العبادة، قائلاً: «مُدحت امرأة عند رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: «فما خيرها إذًا»، ولم يكتف الرسول بذلك وإنما أوضح لنا جزاء السخي والبخيل في الدنيا والآخرة، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل»، وقال: «لخّص الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب الآثار السلبية للبخل بقوله: «البخل جامع المساوئ والعيوب، وقاطع المودات من القلوب». وقال الإمام ابن القيم: «البخيل فقير لا يؤجر على فقره».


شهادات ومواقف من سورية
هذه شهادات من سورية تنطوي على شيء من التساهل إزاء المرأة البخيلة، لجهة تقدير الظروف التي تضطرها إلى البخل، ولاعتبار البعض أن البخل ضرب من ضروب الاقتصاد. ولا يخلو بعض هذه الشهادات والمواقف من مديح للمرأة الأقرب إلى البخل منها الى الإسراف.

«من المعيب أن يكون البخل صفة ظاهرة في المرأة»
إسماعيل أستاذ جامعي في كليّة الآداب في جامعة دمشق، عمره 45 عاماً، يقول: «من المعيب أن يكون البخل صفة ظاهرة في المرأة، على الرغم من أنّ حياتنا العائليّة لا تُلزمها بالكثير من المتطلبات، بحكم أنّ الرجل هو المسؤول غالباً عن تأمين الجانب المادي. ولكن إذا كانت المرأة بخيلة، ينعكس بخلها بشدة على تربية أبنائها، جسديّاً ونفسيّاً. وأرى أنّ البخل سيجعل من صحة عائلتها هزيلة، بل ستُنشئ أفراداً غير اجتماعيين، وغير قادرين على التواصل السليم مع محيطهم، سواء في المدرسة أو مع أصدقائهم، لأنهم يعانون عوزاً نفسياً شديداً تراكم مع مرور الوقت. فالبخل للمرأة هو كالمرض يحتاج الى علاج نفسي حقيقي، وأن تتفهم المرأة البخيلة حالتها بنفسها، فتراقب تصرفاتها مع ذاتها ومع الآخرين. وأذكر جيداً حادثة تصدّق كلامي، وهي عندما صادفت امرأة، أتحفظ عن ذكر اسمها، كانت تشتري كيلوغراماً من الموز لعائلتها التي تتألف من 4 أشخاص، على أن تكفي هذه الكمية لمدة أسبوعين. لكن المضحك أّنّ هذه المرأة دائمة التحدّث عن فوائد الفاكهة للصحة، وحاجة الجسم الى التغذية الكاملة، في وقت تُطعم كلّ فرد من أفراد عائلتها قسماً من الموزة، ويشترك الخمسة في تناول حبة واحدة كلّ ثلاثة أيّام أو أربعة! وفي إحدى المرّات وجدتها لدى بائع الخضار، تجادله في شراء نصف جزرة لأنّها لن تحتاج إلى جرزة كاملة، والأنكى من ذلك أنها كانت تساومه على السعر».

«قد تضغط الظروف على الانسان فتجعله بخيلاً»
«جنى» امرأة متزوجة وموظفة، لا أولاد لديها، وعمرها 30 عاماً، تؤكد أن من الممكن أن تُكسب الظروف الإنسان صفة البخل، فيصبح بخيلاً حتى على نفسه. فمع عدم توافر أدنى ظروف العيش الكريم، يصبح التمسك بالمال وعدم صرفه إلا للضرورة القصوى حالة من حالات التقطير، وتقول: «بالنسبة إلي، لن أتمكن من دفع أجرة السيارة التي تقلّني يومياً الى وظيفتي، فأضطر لقطع مسافة من البيت إلى موقف الميكرو باص، وانتظاره قرابة نصف ساعة، ليقلّني إلى مكان عملي. لقد اعتدت على هذه الحال، ولا تزعجني أبداً، فهل يمكن اعتبار هذا التصرف نوعاً من البخل؟ لا أعتقد ذلك، فأنا أوازن بين مصروفي ومدخولي، وأتعامل مع المسألة بنظام، لكي أحافظ على المستوى المادي الذي يليق بعائلتي».

«أفضّل المرأة البخيلة على تلك الكريمة إلى حد التبذير»
يعمل «صافي» في مجال المطبوعات والكتب المدرسيّة، متزوج ولديه عائلة مؤلفة من 6 أبناء، وله رأي مختلف في المرأة البخيلة، وعنه يقول: «عندما تكون العائلة مؤلّفة من عدد كبير من الأبناء، فهذا سيرتب المزيد من الأعباء المادية والمصاريف التي يحتاجون اليها، من أقساط مدرسية وطعام ولباس، خصوصاً في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. لذا أجدني أحبّذ المرأة البخيلة على تلك الكريمة أو بالأحرى المبذّرة، لأنها بذلك ستشاركني في تدبير الأمور الماديّة وتأمين متطلبات العائلة بما لا يدع مجالاً للاستدانة من أحد. تتبع زوجتي سياسة أحترمها كثيراً، فهي قادرة على التحكم بالمصروف، في وقت تحرص فيه على تأمين مؤونة البيت من دون أن تنفق الكثير على الكماليات، واضعة في حسبانها ضرورة التوفير في المال للاستفادة منه في نواحٍ أخرى، مثلاً صرفه على دروس إضافية للأولاد. ولو كانت زوجتي امرأة مبذّرة لأصبحت في حالة ضيق مادي أعجز عن الخروج منها بمفردي».

«لا يعيب المرأة أن تكون بخيلة شرط أن تهتم بأناقتها وجمالها»
«سلوى» و «تماضر» صديقتان منذ أيّام الدراسة وبلغتا من العمر 33 عاماً، لهما رأيان متشابهان في الرجل لدى سؤالنا عن صفة البخل فيه، إذ أوضحتا أن من الصعب أن يكون الرجل بخيلاً، ويستحيل العيش معه لأنّه سيكون بخيلاً في كلّ شيء حتى في عواطفه مع المرأة. أما عن رأيهما بالمرأة البخيلة فكان لكلّ منهما نظرتها الخاصة... تقول سلوى: «لا يعيب المرأة أن تكون بخيلة في كثير من شؤون الحياة، شرط أن تهتم بأناقتها وجمالها. فالأنوثة مرتبطة بالجمال، وإذا كانت المرأة تبخل على جمالها فهذه كارثة». أما تماضر فتؤكد: «لا أتصور أن البخل من الممكن أن يتجزأ، فإما أن تكون المرأة بخيلة أو كريمة، وأنا أحبّذ كثيراً المرأة الكريمة، لأنّ البخل عيب. وأذكر زميلة لنا كانت تبخل حتى في منحنا ما كتبته في المحاضرة أيام الدراسة، ظنّاً منها أنّنا بذلك قد نستفيد من تعبها ونتفوق عليها في عدد العلامات، وهذا التصرف أسمّيه بخلاً، وقد ولّد لديّ ردّ فعل تجاه البخل فكنت أمنح محاضراتي ودفاتري في الجامعة لكلّ من يطلبها مني بمفردي».

«لا يعيب المرأة أن تكون بخيلة شرط أن تهتم بأناقتها وجمالها»
«سلوى» و «تماضر» صديقتان منذ أيّام الدراسة وبلغتا من العمر 33 عاماً، لهما رأيان متشابهان في الرجل لدى سؤالنا عن صفة البخل فيه، إذ أوضحتا أن من الصعب أن يكون الرجل بخيلاً، ويستحيل العيش معه لأنّه سيكون بخيلاً في كلّ شيء حتى في عواطفه مع المرأة. أما عن رأيهما بالمرأة البخيلة فكان لكلّ منهما نظرتها الخاصة... تقول سلوى: «لا يعيب المرأة أن تكون بخيلة في كثير من شؤون الحياة، شرط أن تهتم بأناقتها وجمالها. فالأنوثة مرتبطة بالجمال، وإذا كانت المرأة تبخل على جمالها فهذه كارثة». أما تماضر فتؤكد: «لا أتصور أن البخل من الممكن أن يتجزأ، فإما أن تكون المرأة بخيلة أو كريمة، وأنا أحبّذ كثيراً المرأة الكريمة، لأنّ البخل عيب. وأذكر زميلة لنا كانت تبخل حتى في منحنا ما كتبته في المحاضرة أيام الدراسة، ظنّاً منها أنّنا بذلك قد نستفيد من تعبها ونتفوق عليها في عدد العلامات، وهذا التصرف أسمّيه بخلاً، وقد ولّد لديّ ردّ فعل تجاه البخل فكنت أمنح محاضراتي ودفاتري في الجامعة لكلّ من يطلبها مني».

المرأة الأبخل في بريطانيا فخورة بلقبها!
حصلت إيلونا ريتشاردز على لقب المرأة الأكثر بخلاً في بريطانيا، وهي فخورة جداً بهذا اللقب. لا تشتري إيلونا الطعام إلا ليلاً، وتستخدم قنينة واحدة من سائل الجلي كل عام، وتصرّ على أن يحضر زوارها أكياس الشاي معهم.
لا تنفق إيلونا أكثر من 2400 باوند سنوياً وشاركت مؤخراً أساليب التوفير التي تعتمدها مع الرأي العام. فبعدما اضطرت للتقاعد من العمل في عمر 60 عاماً بسبب مشكلات صحية، بدأت إيلونا تقتصد في الإنفاق لدرجة أن هذا الاقتصاد وصل إلى درجة البخل المفرط.
تقول إيلونا إن الناس لا يعرفون الفرق بين الرغبة والحاجة. فإذا كان الهاتف القديم لا يزال يعمل، ما الفائدة من شراء هاتف جديد؟
لا تتناول إيلونا إلا الخضر، لأنها أرخص ثمناً من اللحوم، وتحضر يخنة الخضار من مكونات منتهية الصلاحية وتتناولها طوال أسبوع كامل. تزعم أنها تأكل طعاماًَ صحياً، إذ لا تستهلك أبداً الطعام المعالج. تدلل نفسها أحياناً بأكياس البطاطا المقلية أو المشروبات. واشترت لنفسها بطاقة لحفلة موسيقية لمناسبة عيد ميلادها.

تملك إيلونا مدوّنة خاصة بها على الانترنت، حيث تشارك متابعيها الكثير من النصائح لتوفير المال. وعلى رغم عيش إيلونا حياة متقشفة جداً، فإنها طموحة جداً وقد عملت بكدّ طوال حياتها. تركت المدرسة في عمر 15 عاماً وبدأت العمل منذ ذلك الحين. اشترت أول منزل لها قبل بلوغها الثلاثين. لم تتزوج، لكنها لا تشعر أبداً بالوحدة. تقول إيلونا إن الناس يظنون أنها بخيلة لكنها ليست كذلك. إنها حذرة بكل بساطة وفخورة جداً بطريقة عيشها.

«المرأة البخيلة مؤثرة أكثر في التربية من الرجل البخيل»
«علي» محامٍ منذ أكثر من 10 سنوات، واجه في مهنته الكثير من القضايا الخلافيّة بين الأزواج، وكان بعضها يقع بسبب بخل الزوجة أو الزوج، ويعلّق: «المرأة البخيلة مشكلة كبيرة، ويمكن أن أتقبّل أن يكون الرجل بخيلاً أكثر من المرأة، لأن المرأة البخيلة ستُدخل البيت في دوامة من التعب والفوضى والتردّي، مما ينعكس سلباً على تكوين الأسرة بالمجمل، بينما الرجل البخيل قد ينطوي على نفسه وينعزل عن باقي أفراد الأسرة، فيكون تصرفه أقل خطراً على حياة الأسرة، وهذا ما لاحظته من خلال القضايا التي وصلتني، فالمرأة البخيلة مؤثرة أكثر في التربيّة، من الرجل البخيل الذي يكون تأثيره ظاهراً، لكن أقل خطراً».

المرشد النفسي لورنس شرف: يمكن أن تكون المرأة البخيلة شديدة النبل واللطف
يبقى لأهل الاختصاص إرشاداتهم الخاصة وآراؤهم التنويرية بحكم دراساتهم الطويلة وتجاربهم العميقة والتعاطي مع الأمور بأسلوب علميّ دقيق، فقد بيّن لنا المرشد النفسي لورنس شرف أنّ التعامل مع المرأة البخيلة يختلف باختلاف طبيعة العلاقة معها، فلكل من الابن أو الزوج أو الجار أو الصديقة... انطباع خاص ومختلف عن المرأة البخيلة بحكم الأكثر احتكاكاً أو من زاوية المصلحة التي تجمعهما معاً، فيجب ألا نهمل الصفة عندما نفكر في المرأة البخيلة، ويضيف: «علينا الانتباه لفكرة، وهي أنّ ليس من الضروري أن تكون المرأة البخيلة سيئة الخلق في التعامل مع محيطها، فلنفصل بين أن تكون سيئة أو حميدة الأخلاق، وبين صفة البخل في شخصيتها، فمن الممكن أن تكون المرأة البخيلة شديدة النبل أو اللطف مع تمتعها بصفة البخل، إذ لا شيء يمنع تزاوج صفات كهذه، كما علينا التنبه الى فكرة مهمة، وهي أن التعامل مع المرأة البخيلة يجب أن يكون مبنياً على الحذر فيما يلامس الأمور الاقتصاديّة أو الماديّة المباشرة. بمعنى آخر، يضمن الفصل الاقتصادي مع المرأة البخيلة نجاح سيرورة العلاقة معها، وهذا هو الدواء الذي يضمن نجاح العلاقة معها مهما كانت درجة القرابة، قريبة أو بعيدة». ويكشف لنا لورنس شرف عن صفات وعادات ترتبط مباشرة بشخصية المرأة البخيلة كالتمهل في المشي، والبطء في الحركة، وتمضية الوقت في السؤال عن البضاعة الأرخص، والتمتّع بشراء الأقل ثمناً بينها، والحزن الذي يرتسم على وجهها مباشرة بعد النزهة أو الزيارة التي يترتب عليها بعض النفقات. وفي بعض الأحيان قد تتطرف حالة البخل لتصل الى درجة كره الابتسامة أو منحها لأحد، بل والرعب من مواقف الحياة المفاجئة أو المباشرة بسبب هاجس أنّ من المحتمل أنّ يتسبب أيّ موقف بدفع مبلغ من المال.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1090  |  تشرين الأول 2025

المجلة الالكترونية العدد 1090