فتوى أثارت جدلاً دينياً: خدمة الزوجة لزوجها تفضُّلٌ منها وليست فرضاً عليها

خدمة الزوجة لزوجها,ليست فرضاً عليها,تنظيف وطهو الطعام,الأعمال المنزلية,خادمة وبنك متنقل,لا نص قانونياً,مرفوضة شرعاً

القاهرة - أحمد جمال 22 أبريل 2016

بعد قيام مواطن مصري برفع دعوى قضائية ضد زوجته، بتهمة إهمالها لواجباتها المنزلية، من تنظيف وطهو الطعام وغيرها من الأعمال المنزلية، أصدر الدكتور سعد الدين الهلالي، رئيس قسم الفقه في جامعة الأزهر، فتوى مثيرة بأن خدمة الزوجة لزوجها تفضّلٌ منها لا فرض عليها، فما هي أسانيده؟ وماذا يقول علماء الدين عن تلك الفتوى؟


بدأت القضية حين أفتى الدكتور سعد الدين الهلالي، في إحدى الندوات العامة، بأن الإسلام لم يلزم المرأة شرعاً بخدمة زوجها، وإنما تفعل ذلك تفضلاً لا فرضاً، وتثاب على ذلك إذا احتسبت النية عند الله أنها تفعل ذلك إرضاء وطاعة لربها، فيكون ثوابها على ذلك مضاعفاً، ثناء من الزوج وحسن معاشرته، وكذلك تقرباً إلى ربها المطّلع على النيات، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وحذر الدكتور الهلالي من سوء تفسير بعض الأحاديث النبوية لتبرير إذلال المرأة، مثل قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم»، وفسر العلماء «العاني» بأنه «الأسير»، أي أنها في مرتبة الأسير في خدمة من هو تحت يده، وبالتالي يكون الزواج نوعاً من الرق، حيث قال بعض السلف: «النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته».
واستشهد الدكتور الهلالي على فتواه بتأكيده أن عقد الزواج في الإسلام مقتضاه الاستمتاع، وفقاً للضوابط الشرعية، لا الاستخدام والعبودية والإذلال، كأنها خادمة مهمتها الخدمة والطاعة العمياء فقط، فهذا ليس من خلق الإسلام الذي كرّم المرأة وجعلها شقيقة الرجال، فقال (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم».
وأنهى الدكتور الهلالي كلامه، مؤكداً أن بعض الفقهاء أجازوا للزوجة أن تطلب أجراً على خدمة زوجها، لكننا لا نقول ذلك، وإنما ندعو إلى احترام الأعراف والتقاليد المنضبطة، التي لا تتعارض مع تعاليم والإسلام واحترام آدمية المرأة وإنسانيتها المساوية لإنسانية الرجل تماماً، بدليل قول الله تعالى في أول آية من سورة النساء: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً»، وفي الوقت نفسه أمرنا باحترام العرف القائم على مكارم الأخلاق، فقال: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (آية 199) سورة «الأعراف».

«سي السيد»
أكدت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، أن الأصل في الحياة الزوجية السعيدة التعاون وليس التقسيم الجاف للمهام. أما بالنسبة الى خدمة الزوجة في المنزل لزوجها وأسرتها، فهو أمر مستحب ويزيد الألفة بين الزوجين، حتى لو كان من باب الفضل وحسن العشرة والعرف والتعاون، الذي يجب أن يكون شعار الزوجين السعيدين الملتزمين بالأمر الإلهي، حيث قال الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا على الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (آية 2) سورة «المائدة».
وأوضحت الدكتورة إلهام شاهين، أنه لا يجوز شرعاً إجبار الزوجة على القيام بكل خدمات المنزل، من زوج وأولاد، بصورة منفردة، مثل دور «أمينة» للفنانة أمال زايد في فيلم «بين القصرين»، في حين يكتفي الرجل بأن يكون «يحيى شاهين»، الذي جسد شخصية السيد أحمد عبدالجواد «سي السيد»، مهمته أن يأمر فقط فتطيعه «أمينة»، فهذا النموذج مرفوض شرعاً لما فيه من إذلال للزوجة وإلقاء كل المسؤولية عليها، في حين يتجبر الزوج ويمارس طيشه.
وأنهت الدكتورة إلهام شاهين كلامها، مؤكدة أن الزوجة ليست خادمة عند زوجها، بل هي شريكة حياة ولها وظائفها الحياتية أيضاً، من الحمل والإنجاب ورعاية الأبناء. أما الزوج فيجب عليه الإنفاق والرعاية ومساعدة زوجته في شؤون البيت، وهذا ليس عيباً أو تقليلاً من شأنه، بل هو نوع من التعاون المتبادل الذي امتدحه الله تعالى حين قال: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ والله عَزِيزٌ حَكُيمٌ» (آية 228) سورة «البقرة». وقد فسرها العلماء بأنه يجب عليهن من الواجبات ‏والحقوق مثل الذي لهن، وفق المتعارف عليه بين الناس، أما «الدرجة» فهي «القوامة» المرتبطة بالإنفاق. ووصف رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، نفسه باعتباره القدوة لكل المسلمين عامة، والأزواج خاصة، فقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

الوفاء بالاتفاق
أكدت الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، أنه إذا تراضى الزوجان على التعاون في إقامة حياة زوجية سليمة، بحيث يكون على الزوج الإنفاق، وعلى الزوجة الخدمة في البيت، أو أن يتعاونا معاً في الإنفاق والعمل المنزلي، فيجب عليهما شرعاً الوفاء بما اتفقا عليه، لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً». وقوله كذلك: «إن أحق الشروط أن يوفَّى به ما استحللتم به الفروج».
وأوضحت الدكتورة مريم، أنه إذا أراد الزوج أن يجبر زوجته على خدمته وتحميلها فوق ما تطيق، فلها أن ترفع أمرها الى القضاء إذا فشلت جهود المصالحة بينهما، وفقاً لقول الله تعالى في علاج مشكلات الزوجات مع الأزواج الناشزين، فقال: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (آية 35) سورة «النساء».
وطالبت الدكتورة مريم الأزواج الذين يتحولون إلى «جبابرة» في التعامل مع زوجاتهم بشكل فج وغليظ، حتى أنهم يتعاملون معهن أحياناً كأنهن أقل من خادمات، بتأمل قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، في خطبته في حجة الوداع: «اتَّقُوا الله فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ الله، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبرِحٍ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ».
وأنهت الدكتورة مريم كلامها مؤكدة أن خدمة الزوجة لزوجها، إذا لم تكن واجبة شرعاً إلا أنها نوع من العرف الذي فيه تفضُّل من الزوجة، يستوجب الشكر من الزوج لها، وفي الوقت نفسه عدم حديث الزوجة لزوجها أنها تتفضل عليه بذلك وتسيء معاملته، لأن فعل الخير يجب أن يكون لوجه الله أولاً، ثم لا نتبعه بفعل سيّئ يفسده ولا يبطل ثوابه، حتى في التصدّق على الأغراب وليس الأقارب أو فعل المعروف مع الزوجة، فقال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (آية 264) سورة «البقرة».

«خادمة وبنك متنقل»
أيدت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق- جامعة الأزهر، ما أفتى به الدكتور الهلالي، بشرط عدم المغالاة في استخدام الزوجات لهذه الفتوى، لأن التوسط في كل شيء أمر محمود شرعاً، أي أنه إذا كان الإسلام يرفض معاملة الزوج لزوجته على أنها «خادمة»، ففي الوقت نفسه يجب أن تتحلى الزوجة بالرحمة لزوجها ولا تعامله أيضاً على أنه «بنك متنقل»، وعليه تحمل كل شيء، أو تجبره على إحضار خادمة لها رغم أن ظروفه المادية لا تسمح.
ودعت الدكتورة فايزة الزوجين بعامة، والزوج بخاصة، إلى تأمل ما قاله الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، للصحابي معاوية القشيري عندما سأله: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»، ومعنى «ولا تُقَبِّحْ» أي تقول «قبحك الله».

وأكملت الدكتورة فايزة حديثها قائلة: «لهذا أرى من واجب الزوج مساعدة زوجته، قدر استطاعته، في الأعمال المنزلية، مثلما كان يفعل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، الذي هو القدوة والمثل الأعلى للأمة– رجالاً ونساءً– فقال: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (آية21) سورة «الأحزاب». 

 وأنهت الدكتورة فايزة كلامها مؤكدة: «نريد أن يتعامل الزوجان بروح الدين التي تقوم على الألفة والمودة والسكن والرحمة، حتى يكون الزواج كما وصفه الله بقوله: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم». ولهذا أدعو الزوج لمساعدة زوجته في الأعمال المنزلية إذا كان قادراً على ذلك، وأن تتعاون الزوجة مع زوجها في أمور الإنفاق ولو بالتوفير وعدم التبذير والإسراف، إن لم يكن لها دخل مالي. أما إذا أساء الزوج العشرة وعامل زوجته على أنها خادمة فقط، فكان آثماً مسيئاً للعشرة ومخالفاً لقول الله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (آية 19) سورة «النساء».

قضية خلافية
أشار الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، إلى أن القضية خلافية بين الفقهاء، فترى طائفة منهم أن خدمة الزوجة لزوجها واجبة شرعاً، حتى أن بعضهم قال: «عليها أن تخدم زوجها في كل شيء». على الجانب الآخر منعت طائفة أخرى وجوب خدمتها له، لأن عقد الزواج إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع، وإن فعلت ذلك برضاها فهو من باب التطوع ومكارم الأخلاق.
وأوضح الدكتور جمال أن فريقاً ثالثاً قال: «إن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، فإذا كان العرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلية، وجب عليها ذلك، والعكس صحيح»، لقول الله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (آية 199) سورة «الأعراف»، وبالتالي يجب مراعاة ظروف البيئة ونشر الوعي الديني فيها بحقوق الزوجين، بحيث يعرف كل منهما ما له وما عليه، وأن يتنافسا في خدمة بعضهما مرضاة لله، حتى لو كان شريك الحياة عاصياً لله، ولهذا نقول لكل منهما: «أطع الله في شريك حياتك، حتى وإن عصى الله فيك»، لقول الله تعالى في مقابلة الإساءة بالإحسان: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (الآيتان 34-35) سورة «فصلت».
وأنهى الدكتور جمال كلامه، مطالباً الزوجين بالبحث عن الفتاوى التي تذيب المشكلات بينهما وليس ما يخلق المشكلات، وأن يتأملا وصف أم المؤمنين عائشة تصرفات النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في بيوت زوجاته، قائلة: «كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم». وكان هذا وضع البيوت منذ فجر الإسلام إلى الآن، حيث التعاون وعدم الصراع مما يزيد محبة الزوجين لبعضهما. ولهذا يجب ألا تكون هذه القضايا مثار خلاف قد يصل إلى الكراهية والطلاق، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً، إن‎ ‎كره منها خُلُقاً رضى منها آخر»، والفَرْكُ: هو ‏الكره والبُغض.

مرفوضة شرعاً
يعترض الدكتور أحمد حسين، وكيل كلية الدعوة في جامعة الأزهر، على فتوى الدكتور الهلالي إذا كان هدفها امتناع الزوجات عن خدمة أزواجهن، قائلاً: «لا شك في أن مثل هذه الفتاوى بالمعنى الحرفي تؤدي إلى مشكلات أسرية، لأن هناك من الفقهاء من يؤكد أن خدمة الزوج بالمفهوم الشامل من الحقوق الواجبة شرعاً على الزوجة تجاه زوجها،
هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء، بدليل ما أورده الإمام ابن القيم في كتابه «زاد المعاد»، حول حكم النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، في خدمة المرأة لزوجها، بأن النبي حكم بين الإمام عليّ بن أبي طالب وبين زوجته فاطمة بنت النبي، حين اشتكيا إليه ما يتعلق بخدمة البيت، فأكد أنه تجب على فاطمة «الخدمة الباطنة»، أي الخدمة داخل البيت، أما الإمام عليّ بن أبي طالب فعليه بـ«الخدمة الظاهرة»، وهي الإنفاق.
واستشهد الدكتور أحمد حسين، بنموذج عملي آخر على أن خدمة الزوجة لزوجها أمر واجب شرعاً، وليس تفضلاً، فقال: «روت الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر الصديق، زوجة الزبير بن العوام، أنها قالت: «كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتشّ له وأقوم عليه»، وقد صحت بعض الروايات الأخرى أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
وأنهى الدكتور أحمد حسين كلامه، مطالباً الزوجين بأن يتنافسا في خدمة بعضهما ورعاية أولادهما، بدلاً من البحث عن الفتاوى التي تجعل كلاً منهما يتنازل عن مسؤوليته الأسرية التي سيسألهما الله عنها، لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته».

لا نص قانونياً
عن حكم القانون في الزوج الذي يجبر زوجته على خدمته، أكد المحامي منتصر العمدة، أن لا نص قانونياً يجبر الزوجة على الأعمال المنزلية، وإنما تقوم بذلك بحكم العرف السائد وبرضاها وليس رغماً عنها، فإذا تضرر الزوج من عدم خدمته لها فهو أمام خيارين، أحدهما أن يحاول إقناعها بالحسنى وبمساعدة الأهل والأصدقاء، أو يهددها بالطلاق، أو يحضر خادمةً إذا كانت ظروفه المادية تسمح وكانت هي أصلاً من أسرة لديها خدم، ومن هنا تأتي أهمية الكفاءة الاجتماعية بين الزوجين.
وأشار العمدة إلى أنه ليس من حق الزوج قانوناً أن يضرب زوجته بعنف إذا امتنعت عن خدمته، لكن من حقه البحث عن وسائل إصلاح أخرى غير العنف، فإذا أصرت على الرفض وعجز عن توفير خادمة فمن حقه تطليقها، وكذلك من حقها طلب الخلع منه إذا استحالت العشرة معه في ظل رفضها خدمته لأي سبب.
وأنهى العمدة كلامه، مؤكداً أن الأمور المتعلقة بالخدمة المنزلية يغلب فيها أمر العرف أكثر من القانون، والعرف له احترامه قانوناً، طالما لا يتعارض مع أحكام الشرع وحقوق الإنسان.