إهانة وإثارة وإيحاءات مبتذلة: الإعلانات التلفزيونية تتحرّش بالمرأة!

الإعلانات التلفزيونية,تتحرش بالمرأة,أجساد,سلعة,ترويجية,رمضان,استغلال,إثارة,الألبان,منتجات,المياه الغازية,الملابس القطنية,رأي علم النفس,الاجتماع,سخرية,إسفاف,منافسة ذكورية,ارتباك,عمود الأسرة,منع الإعلانات

فادية عبود (القاهرة) 09 يوليو 2016

 بلا قوانين رادعة، تستبيح الإعلانات أجساد النساء كسلعة ترويجية لاستهلاك المنتجات المختلفة، الأمر الذي بات معروفاً ومسلّماً به في الشرق والغرب على حد سواء، لكن ما أثار الرأي العام في مصر خلال إعلانات شهر رمضان الكريم هو استغلال المرأة كأداة إثارة من أجل الترويج لمنتجات الألبان والمياه الغازية والملابس القطنية أيضاً، كيف ذلك؟ وما هي ردود الأفعال؟ وما رأي علم النفس والاجتماع؟... «لها» تحقق.


بدأت الثورة من مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الـ«فايسبوك»، رافضة أشهر ثلاثة إعلانات مع بداية الشهر الكريم وأكثرها مشاهدة، بدعوى أنها إعلانات إثارة، ففي أحد الإعلانات الخاصة بالملابس الداخلية الرجالية تحدث الإعلان عن أنواع الجلسات، وفي مشهد لمجموعة من النساء في الجيم يمارسن تمرين الـsquat صوّر الإعلان النساء وقت الانحناء، ليأتي التعليق الصوتي بإيحاء مهين. فيما استخدمت شركة ألبان وعصائر أطفالاً رضعاً في حملتها الإعلانية، وفي الإعلان الخاص بالحليب جاءت شكوى أحد الأطفال من الفطام، مشيراً إلى صدر أمه باسم «الدندو» ليختتم الإعلان ببكاء الرضيع قائلاً: «مش قادر أنسى الدندو»، ليرد عليه صديقه بنبرة تحمل إيحاء: «ولا عمرك هتنسى الدندو»، مما أثار سخط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب استخدام جسد المرأة في إيحاءات محرضة على ابتكار ألفاظ جديدة في قاموس التحرش اللفظي، الأمر الذي أجمعت عليه كثيرات من الفتيات حول استخدام الكلمة بفجاجة في التحرش اللفظي بهنّ، بعد عرض الإعلان. بينما جاءت الاعتراضات على إعلان المياه الغازية في إيحاءاته المعبرة عن ضعف العلاقة الزوجية. من جانبهم، أجمع نشطاء التواصل الاجتماعي على أن تلك الإعلانات بإيحاءاتها المثيرة واستغلالها للنساء، تنشر التحرش أكثر، متسائلين عن قانون رادع لمنع تلك الثقافة الخاطئة من دخول البيوت.

سخرية
غدير أحمد، ناشطة نسائية ومؤسسة صفحة «ثورة البنات»، تعرب عن رفضها قولبة المرأة كأداة إثارة في الإعلانات بصفة عامة، لكن بعض الإعلانات الجديدة أصابها بصدمة لسببين، أولهما كونه يقدم صورة نمطية عن الرجال كنوع اجتماعي... وتوضح: «الطفل صاحب الجملة الشهيرة: «ولا عمرك هتنسي...»، يلعب دوراً نمطياً للرجال مردداً عبارات مثل: «أومال أنت هتبقى راجل إزاي ياض»، هذه العبارات وغيرها مما نسمع يومياً في الإعلانات، تُشجع على قولبة الرجال بشكل نمطي، متماسكين، متحكمين، لا يبكون، وبناء عليه فإن هذا الطفل يلوم الآخر على كونه عاطفياً ويشعر بحنين الى صدر أمه كمصدر للغذاء، وكأن الرجال يجب ألا يتعلقوا بشيء أو شخص فقط لكونهم رجالاً». وتضيف: «السبب الثاني لرفضي الإعلان جملة وتفصيلاً، رغم قبول البعض له، هو اختزال النساء كأدوات إثارة، فكان الإعلان يمر مرور الكرام لولا آخر جملة للطفل، حيث نطقها بلهجة فيها إيحاءات خارجة». تجزم غدير بأن هذا الإعلان أدى إلى تغذية قاموس التحرش بمصطلح جديد، وتقول: «صحيح أن المتحرشين ليسوا في حاجة إلى مصطلح جديد يضاف إلى قاموسهم اللغوي، فهو عامر بالعديد من الألفاظ مثل «مزة، مكنة، جمل، وتكة، إلخ» بل تكمن المشكلة في كون هذا الإعلان سياقاً ساخراً للتحرش، استخدمه المتحرشون بحفاوة».

إسفاف
الدكتورة سهير عثمان، المدرّسة في كلية الإعلام- جامعة القاهرة، تختلف في الرأي مع الناشطة النسوية غدير أحمد، مؤكدة أن إعلان «الدندو» لا يحمل أي إسفاف أو تحريض مثير، وتقول: «من وجهة نظر المتخصص، أرى أن كاتب الإعلان بحث في الثقافة الجنسية، ووجد أن بعض الأمهات يشرن إلى أثدائهن بهذا الاسم، وهذا أمر منطقي؛ عندما نعلّم أطفالنا الثقافة الجنسية نستعيض عن أسماء بعض الأعضاء بأسماء سهلة النطق على الأطفال، لكن لأن المجتمع مريض يعاني الهلوسات، رأى الإعلان ابتكاراً لأسلوب جديد في التحرش، مستخدماً كلمة الدندو مصطلحاً جديداً في قاموس التحرش اللفظي، وظهر كم هائل من «الكوميكس» مستخدمين هذا اللفظ، وبالتالي نستطيع القول إن تلك التصرفات انعكاس لمجتمع مريض قائم في الأساس على الكبت، لكن إذا نظرنا إلى مجمل فكرة الإعلان واستخدامه لأطفال رضّع في التسويق لمنتج للكبار والأطفال، نجد أنها فكرة جيدة جاذبة لقاعدة عريضة من الجمهور». وتتابع: «هذا لا يمنع أننا وصلنا إلى مرحلة الإسفاف في الإعلانات، فهناك قاعدة ثابتة لدى منتجي الإعلانات تقول إن الإيحاءات تسوّق لبيع السلع، لكن ما وصلنا إليه في الإعلانات التي تعتبر مشروبها الغازي مقياساً للفحولة بإيحاءات فجة، يأخذها إلى منحنى الإسفاف، وليس فقط استخدام المرأة كسلعة في الإعلانات، كما هو شائع منذ فترة طويلة في الغرب والشرق على حد السواء».

منافسة ذكورية
بوجهة نظر مغايرة، تؤكد الإعلامية بثينة كامل أن الرجل أيضاً أصبح سلعة في الإعلانات، وتقول: «الرجال سلع منافسة للنساء في الإعلانات، وهذا تجلى مؤخراً، وكأن منتجي الإعلانات تطرقوا إلى الذوق النسائي العام، وعلموا أن الرجل الوسيم يجذب المرأة، كما هو حال تهافت الكثيرات على كريم ومهند، بطلي الدراما التركية، وبناء عليه صار الوسيمون من الرجال منافسين للنساء في الترويج للسلع المستهلكة».
وتتابع: «أحب مشاهدة إعلان «الدندو» ولا أرى فيه أي ابتزاز أو ترويج مثير، وأعتقد أن الأمر أبسط من هذه الضجة والتي أرى أنها مفتعلة من إحدى الشركات المنافسة، فالجميع الآن أصبح يمتلك جيوشاً من اللجان الإلكترونية على السوشيال ميديا ويتصيدون الأخطاء للمنافسين، أو يشنون الحروب على بعضهم بعضاً، والضحية في النهاية تكون المستهلك المنساق وراء الشائعات من دون أدنى تفكير».
وتتابع: «أرى أن الرأي العام ينجرف إلى التفاهات، فاستخدام المرأة كسلعة ترويجية في الإعلانات أمر متعارف عليه عالمياً، وواضح في الشرق والغرب على حد سواء، لكن ما يؤذيني إنسانياً هو استخدام الأطفال كسلعة في الإعلانات، كما هو الحال في إحدى شركات المنتجات الغذائية الكبرى»

ارتباك
من الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن حالة الجدل السائدة في المجتمع بسبب الإعلانات والإيحاءات ترجع إلى اختلاف المجتمع نفسه حول القيم، فمثلاً الإعلان الأكثر جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يحدد المجتمع هل أثداء النساء رمز للحنان أم رمز للإثارة؟ ومن هنا يأتي الجدل، ففريق يراه إعلاناً بريئاً، وفريق آخر يرى فيه ابتذالاً، وطالما لم يحدد المجتمع قيمه، سنظل ندور في حلقة جدال مفرغة. ويتابع: «حالة من التخبّط تصيب المجتمع من حين الى آخر، بسبب غياب الحوار المجتمعي الذي يكون شركاءه الإعلام والبرلمان وقانونيون وأطباء، وغيرهم من فئات الشعب، لتحديد القيم المتفق عليها في المجتمع، وبالتالي أي مخالفة لها تصنع رأياً عاماً، ويخضع تقييم القضايا للاتجاهات الثقافية والأيديولوجية لكل شخص، وبالتالي من الطبيعي أن نرى حالة الارتباك في الحكم على ما إذا كانت الإعلانات تحمل إيحاءات خارجة أم لا؟ وما إذا كانت مفرّخة لمتحرشين جدد حقاً».

عمود الأسرة
أما الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، فترى أن المجتمع أصبح يعاني إسفافاً مقدماً في الإعلانات، وأن هذا النمط الإعلاني في حاجة إلى وقفة، وتقول: «استخدام المرأة كسلعة في الإعلانات لا يؤذي كرامتها وإنسانيتها فحسب، بل يؤذي الأسرة، فالمرأة أحد أفراد الأسرة، وإن تم اختزالها في قالب الإثارة، يعني ذلك انهيار الأسرة، فالمرأة عمود البيت كما قال أجدادنا». وتتابع: «الانصياع وراء قولبة المرأة كسلعة في الإعلانات تقليد غربي، ولو انسقنا في هذا الطريق المبتذل من دون الالتفات إلى العادات والتقاليد سنفقد هويتنا التي تحفظ مكانتنا بين الشعوب والدول، وبناء عليه اتُّهم الإعلام بصفة عامة وصانعو الإعلانات بصفة خاصة بمحاولة هدم الهوية، لذا يجب أن يكون للمجلس القومي للمرأة دور أكبر في الحفاظ على الهوية، وتعزيز صورة المرأة في المجتمع، بصفته إحدى مؤسسات الدولة المعنية بشؤون المرأة».

منع الإعلانات
لم يستمر عرض الإعلانات المستفزة أكثر من أسبوع، حتى أصدر مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك قراراً بتاريخ 11-6-2016، بوقف بثها على شاشات الفضائيات، وذلك لانتهاك مضمونها للكرامة الشخصية، وعدم احترامها للذوق العام والعادات والتقاليد المجتمعية وخروجها على الآداب العامة واستخدام الأطفال، بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلان الرقم 4841 لسنة 2005 و5008 لسنة 2005، وذلك خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ الإخطار.
وقال اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك في بيان صحافي، إنه في إطار جهود الجهاز لصون حقوق المستهلكين في ضوء مقتضيات القانون الرقم 67 لسنة 2006، تمكن من خلال مرصده الإعلامي من رصد تلك الإعلانات، خلال بثها على الفضائيات المختلفة، وبعدما ورد أيضاً للجهاز العديد من الشكاوى ضد هذه الإعلانات، وقد تبين أن الإعلان الأول لشركة ألبان، متضمناً إيحاءات مفهومة من سياق الكلام،  بالإضافة إلى استخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلان، وكذا الترويج لنتائج غير حقيقية بأن حليب الشركة أفضل من حليب الأم، بينما يأتي الإعلان الثاني لمشروب غازي ليعرض شاباً يتطلع لكشف عورة شاب آخر في دورة مياه، بشكل يعتبر خروجاً على الآداب العامة.
وأضاف يعقوب أن الإعلان الثالث لشركة ملابس داخلية يعرض لقطات واضحة للملابس، مستخدماً مؤثرات صوتية تحمل إيحاءات صريحة، بالإضافة إلى الترويج بالمخالفة للقانون وتعريض حياة أطفال للخطر، حيث تضمن الإعلان دراجة بخارية يستقلها رجل وامرأة وطفلان بدون غطاء رأس للحماية، بالمخالفة لقانون المرور، مؤكداً أنه بمراجعة المواد الإعلانية السالفة الذكر، تبين مخالفتها لنص المادة الثانية من قانون حماية المستهلك الرقم 67 لسنة 2006، والتي تؤكد حق المستهلك في الكرامة الشخصية واحترام القيم الدينية والعادات والتقاليد المجتمعية.